العدد 217 -

السنة التاسعة عشرة صفر 1426هـ – آذار 2005م

أيـّها المسـلمون:أخـرجـوا أنفسـكم من التجاذب الدولي بإقامة الخلافة

أيـّها المسـلمون:أخـرجـوا أنفسـكم

من التجاذب الدولي بإقامة الخلافة

عندما طرح بوش مشروعه للهيمنة على العالم، كان يستهدف من ضمن من يستهدف أوروبا. فهو لا يريد وحدتها، ويريد تصفية استعمارها. ولقد جاءت الحرب على العراق من هذا القبيل. وعلى عادة الصلف الأميركي الذي لا يرى إلا نفسه، يريد من أوروبا أن تساعده في ذلك. كما أنه لما ارتكب جيشه الفظاعات والمجازر بحق المسلمين، تساءل وتساءل معه الأميركيون: لماذا يكرهوننا؟!

وعندما رسم بوش سياسته الإمبراطورية في ولايته الأولى، أعلن أنها تقوم على عدم تمكين الدول التي يمكن أن تنافس أميركا في العالم من استكمال قوتها، أو توحدها؛ لتبقى في القمة وحدها.

وعندما بدأ في تنفيذ مخططه بدأ بغزو المسلمين في أفغانستان، ثم في العراق، وظنها رحلة سهلة ميسورة، وسيقبّـل المسلمون بعدها يديه شكراً على ما قدمه لهم. فإذا به يفاجأ بوجود حالة عدائية عامة عارمة، ووجود مقاومة منظمة، فوقع في رمال المسلمين المتحركة التي كلما تحرك فيها غرق أكثر؛ فأخذ يطلب العون من أوروبا لتخلصه من ورطته، ولتتحمل معه خسائره المادية والبشرية. وهل يعقل أن تساعده أوروبا على نفسها؟

إنه يمكن القول إن حربه ضد المسلمين في العراق بالذات فاشلة من ناحية استراتيجية؛ لأنها تعرقل كل مشروعه الاستعماري للهيمنة على العالم، إن لم توقفه، وهذا في صالح أوروبا. فمن مصلحة أميركا أن تنهي ما بدأته في العراق بسرعة لتنتقل إلى غيره، فأجندتها مليئة. فإذا بها تقع في جب، ولا ترى أن لها من مخرج منه إلا ما يراه المسلمون من خيانات بعض العملاء المنتفعين الذين قبلوا أن يعينوها على أمتهم؛ من أجل عرض تافه في الدنيا من منصب مبني على الذل. ولو أن الشعب المسلم في العراق كان على رأي وموقف واحد، وهو رفض الاحتلال لما بقيت هذه المدة. فأمثال هؤلاء يطيلون مكوثها، ويطيلون مآسي أمتهم.

إن فشل بوش في العراق وانشغاله فيه، يمكّن أوروبا من استكمال قوتها لمنافسة أميركا في المستقبل، بعيداً عن التدخل فيها للعرقلة أو المنع. فلو كانت أميركا متفرغة لأوروبا لما استطاعت أن تتوحد على 25 دولة عضو في الاتحاد الأوروبي. ولما استطاعت أن تمثل وزناً اقتصادياً يساوي 11 تريليون دولار إنتاجاً سنوياً، وهو وزن يتعادل مع أميركا تقريباً. ولما استطاعت أن تتوحد عملتها على اليورو، الذي سيشكل أكبر تهديد للدولار. ولما سعت، وما تزال تسعى، بعض دولها إلى امتلاك قوة عسكرية أوروبية مستقلة عن حلف شمال الأطلسي.

إن بوش لن يسمح لنفسه بالفشل. وهذا ما جعل المراقبين، والمفكرين، والمحللين، والسياسيين، والاستراتيجيين، والناس أجمعين يتوقعون التغيير في سياسته، ولكنه لم يفعل. ما فعله هو تغيير في الشكل دون المضمون. لقد حرك الأنظمة العميلة التي تحكم المسلمين بالقوة والقهر، والذين يفقدون شرعيتهم أمام شعوبهم، حركهم باتجاه عقد المؤتمرات الخيانية عله يفتح الطريق باتجاه التحركات السياسية، ويجد فيها مخرجاً من مأزقه، وعلّـها تعجل له الخروج غانماً؛ لأن اقتصار الأمور على الناحية العسكرية ليس في مصلحته.

كذلك فعل بالنسبة لأوروبا، فقد جاءهم متودداً، يبيعهم كلاماً، يقول لهم إن أميركا تحبكم فاتبعوني، جاء ليضحك على ذقونهم ويقول إننا نشترك في الجذور، وفي القيم. هذا ولا يخفى أنه يريد من قوله هذا أن يقول للأوروبيين إننا بقيمنا نقف معاً على طرف واحد في مواجهة الطرف الآخر الذي يمثله المسلمون بدينهم، ولكنه نسي أن يقول لهم إننا شركاء في المصالح، لقد نسي هذا البوش أن دين المصالح الذي يؤمن به هو والأوروبيون يفرق لا يجمع، ويجعل العداء والولاء بحسب المصالح. لذلك لم يعطهم شيئاً، ولا يتوقع أن يعطوه شيئاً، ولذلك صرح شرودر بأن أوروبا لا تريد أن تكون خدماً لأميركا، ولذلك رد المسؤول عن الحلف الأطلسي على طلب بوش المعونة العسكرية منه، بأن الاتفاق على الأمور السياسية مقدم على الاتفاق على الأمور العسكرية.

إن المستنقع الذي تورطت فيه أميركا في العراق يعتبر حالة مثلى لأوروبا، لتستكمل قوتها، وتستطيع أن تفرض نفسها على السياسة الدولية، وتنافس أميركا على مركز الدولة الأولى في العالم. وإن اللهجة الأميركية الملطفة تجاه أوروبا لا تعبر عن موقف حقيقي. فهي احتلت العراق، ولا رجوع إلى الوراء، وهذا بحد ذاته ضد أوروبا. وتطور الأحداث يشير إلى استكمال أميركا لخطواتها حتى تتمكن من السيطرة على العراق كما هي مخططة له، بمعزل عن المشاركة الأوروبية، وهي وضع اليد على المنطقة وبترولها، وتقسيمها… وهذا بحد ذاته ضد المصالح الأوروبية… ثم إن الأوروبيين يعون مدى التورط الأميركي، وليس من المتوقع أن يعينوها، فهل يعينونها على أنفسهم، بل المتوقع أن يعملوا على زيادة التورط الأميركي في العراق وفي هذا المجال.

إن المسلمين وحدهم، على قلة إمكانياتهم المادية، يستطيعون أن يقفوا في وجه أميركا، على ضــخامة إمكانياتها المادية. وهذا الإيمان يعتـبر قـوة فـكرية لها وزنها الكبير في الحســابات الاســتراتيجية. وهذا الإيمان يعوض إلى حد كبير التفاوت في القوة المادية. وهذه القوة يدرك وجودها لدى المسلمين كل من أميركا وأوروبا، وهم يخافون منها على أنفسهم، ويعملون من جهة أخرى على استغلالها كل لمصلحته.

تجاه هذا الواقع، على المسلمين أن يكونوا واعين على الصراع الدولي الخفي ذي الأهداف الخبيثة، وأن لا يكونوا وقوداً لأعدائهم، يسخرونهم لأهدافهم. وإن المخرج لهم من هذا التجاذب الدولي عليهم، سواء في العراق، أم في فلسطين، أم في لبنان، أم في كشمير، أم في الشيشان… أن يدركوا الواقع جيداً، ثم يحكموا عليه من زاوية ما يريده منهم دينهم، لا من زاوية ما يصوره لهم أعداؤهم. وحتى يتم لهم ذلك، فعليهم أن يبحثوا عن الجماعة المخلصة الواعية التي تعمل للتغيير والتي تدرك خفايا السياسة الدولية وألاعيب المسـتعمرين، ويعطوها قيادهم، عسى الله أن يخـلص الجميع بإقامة الخـلافة عن طريقها  (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ* بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) [الروم].

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *