عمر بن الخطاب رضي الله عنه
2012/04/01م
المقالات
1,648 زيارة
أنت آمنت إذ كفروا, وعرفت إذ أنكروا, ووفيت إذ غدروا, وأقبلت إذ أدبروا
عمر بن الخطاب رضي الله عنه
في السنة التاسعة للهجرة دان (خضع له وانقاد) للإسلام ملك من ملوك العرب بعد نفور، و لانَ للإيمان بعد إعراض وصد، وأعطى الطاعة للرسول صلى الله عليه وسلم بعد إباء، ذلكم هو عديّ بن حاتم الطائي الذي يضرب المثل بجود أبيه.
ورث عدي الرئاسة عن أبيه فملّكته (طيئ) عليها، وفرضت له الربع في غنائمها، وأسلمت إليه القيادة.
ولما صدع الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بدعوة الهدى والحق، ودانت له العرب حياً بعد حي، رأى عدي في دعوة النبي عليه الصلاة والسلام زعامة توشك أن تقضي على زعامته، ورياسة ستفضي إلى إزالة رياسته، فعادى الرسول صلوات الله عليه أشد العداوة وهو لا يعرفه، وأبغضه أعظم البغض قبل أن يراه… وظل على عداوته للإسلام قريباً من عشرين عاماً حتى شرح الله صدره لدعوة الهدى والحق.
ولإسلام عدي بن حاتم قصة لا تُنسى… لنترك للرجل نفسه الحديث عن قصته.. فهو بها أولى وبروايتها أجدر، قال عدي:
ما من رجل من العرب كان أشد مني كراهة لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين سمعت به، فقد كنت امرأًً شريفاً، وكنت نصرانياً، وكنت أسير في قومي بالمرباع؛ فآخذ الربع من غنائمهم كما كان يفعل غيري من ملوك العرب.
فلما سمعت برسول الله صلى الله عليه وسلم كرهته، ولما عظم أمره واشتدت شوكته وجعلت جيوشه وسراياه تشرق وتغرب في أرض العرب.. قلت لغلامٍ لي يرعى إبلي: لا أبا لك (كلمة تقال في المدح والذم، والمراد بها هنا المدح)، أعدد لي من إبلي نوقاً سماناً سهلة القياد واربطها قرباً مني، فإن سمعت بجيشٍ لمحمدٍ أو بسرية من سراياه قد هذه وطئت البلاد فأعلمني…
وفي ذات غداة أقبل علي غلامي وقال: يامولاي، ماكنت تنوي أن تصنعه إذا وطئت أرضك خيل محمدٍ فاصنعه الآن، فقلت: وَلِمَ ؟! ثكلتك أُمك، فقال: إني قد رأيت رايات تجوس خلال الديار، فسألت عنها فقيل لي هذه جيوش محمدٍ… فقلت له: أعدد لي النوق التي أمرتك بإعدادها وقرَّبها مني. ثم نهضت لساعتي، فدعوت أهلي وأولادي إلى الرحيل عن الأرض التي أحببناها وجعلت أغذ السير (أسرع فيه) نحو بلاد الشام لألحق بأهل ديني من النصارى وأنزل بينهم، وقد أعجلني الأمر عن استقصاء أهلي كلهم، فلما اجتزت مواضع الخطر تفقدت أهلي، فإذا بي قد تركت أُختاً لي في موطننا في نجد مع من بقي هناك من طيئ ولم يكن لي من سبيل إلى الرجوع إليها، فمضيت بمن معي حتى بلغت الشام، وأقمت فيها بين أبناء ديني، أما أختي فقد نزل بها ما كنت أتوقعه وأخشاه.
لقد بلغني وأنا في ديار الشام أن خيل محمدٍ أغارت على ديارنا وأخذت أختي في جملة من أخذته من السبايا وسيقت إلى يثرب. وهناك وضعت مع السبايا في حظيرةٍ عند باب المسجد، فمر بها النبي عليه الصلاة والسلام فقامت إليه وقالت: يا رسول الله هلك الوالد، وغاب الوافد، فامنُن عليّ مَنّ الله عليك. فقال: «ومن وافدك ؟» فقالت: عدي بن حاتم، فقال: «الفار من الله و رسوله ؟!» ثم مضى رسول الله وتركها. فلما كان الغد مرَّ بها فقالت له مثل قولها بالأمس، فقال لها مثل قوله. فلما كان بعد الغد مرَّ بها وقد يئست منه فلم تقل شيئاً، فأشار لها رجل من خلفه أن قومي إليه وكلميه… فقامت إليه فقالت: يارسول الله هلك الوالد، وغاب الوافد، فامنُن عليّ مَنّ الله عليك، فقال: «قد فعلت»، فقالت: إني أريد اللحاق بأهلي في الشام، فقال صلى الله عليه وسلم: «ولكن لاتعجلي بالخروج حتى تجدي من تثقين به من قومك ليبلغك بلاد الشام، فإذا وجدتِ الثقة فأعلميني».
ولما انصرف الرسول صلى الله عليه وسلم سألت عن الرجل الذي أشار عليها أن تكلمه فقيل لها: إنه علي بن أبي طالب رضوان الله عليه. ثم أقامت حتى قدم ركب فيهم من تثق به، فجاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت: يا رسول الله لقد قدم رهط من قومي لي فيهم ثقة وبلاغ، فكساها الرسول صلوات الله عليه ومنحها ناقة تحملها وأعطاها نفقة تكفيها فخرجت مع الركب.
قال عدي: ثم جعلنا بعد ذلك نتنسم أخبارها (نتتبع أخبارها شيئاً فشيئاً)، ونترقب قدومها ونحن لا نكاد نصدق ما روي لنا من خبرها مع محمدٍ وإحسانه إليها كل ذلك الإحسان، مع ما كان مني تجاهه، فوالله إني لقاعد في أهلي إذ أبصرت امرأة في هودجها تتجه نحونا.. فقلت: ابنة حاتم، فإذا هي هي…
فلما وقفت علينا بادرتني بقولها: القاطع الظالم.. لقد احتملت بأهلك (أخذت أهلك) وولدك وتركت بقية والدك وعورتك. فقلت: أي أُخيّة، لاتقولي إلا خيراً.. وجعلت استرضيها حتى رضيت، وقصت علي خبرها، فإذا هو كما تناهى إلي فقلت لها: -وكانت ِإمراة حازمة عاقلة- ما ترين في أمر الرجل (يعني محمداً صلى الله عليه وسلم) فقالت: أرى -والله- أن تلحق به سريعاً، فإن يكن نبياً فالسابق إليه فضله… وإن يكن ملكاً فلن تذل عنده وأنت أنت.
قال عدي: فهيأت جهازي ومضيت حتى قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينه من غير أمانٍ ولا كتاب.. وكان بلغني أنه قال: «إني لأرجو أن يجعل الله يد عدي في يدي» فدخلت عليه -وهو في المسجد- فسلمت عليه، فقال : «من الرجل؟» فقلت: عدي بن حاتم، فقام إلي، وأخذ بيدي وانطلق بي إلى بيته، فوالله إنه لماضٍ بي إلى البيت إذ لقيته إمرأة ضعيفة كبيرة ومعها صبي صغير فاستوقفته، وجعلت تكلمه في حاجة ٍلها فظل معهما حتى قضى حاجتهما وأنا واقف.. فقلت في نفسي: والله ما هذا بملك. ثم أخذ بيدي ومضى بي حتى أتينا منزله، فتناول وسادةً من أدم (جلد) محشوةً ليفاً، فألقاها إلي وقال: «اجلس على هذه» فاستحييت منه وقلت: بل أنت تجلس عليها، فقال صلى الله عليه وسلم: «بل أنت» فامتثلت وجلست عليها وجلس النبي صلى الله عليه وسلم على الأرض إذ لم يكن في البيت سواها. فقلت في نفسي: والله ما هذا بأَمر ملك.
ثم التفت إلي وقال: «إيهِ يا عدي بن حاتم، ألم تكن ركُوسيّا تدين بدين بين النصرانية والصابئة؟» قلت: بلى، فقال ﷺ: «ألم تكن تسير في قومك بالمرباع فتأخذ منهم ما لا يحل لك في دينك ؟» فقلت: بلى .. وعرفت أنه نبي مرسل، ثم قال لي:«لعلك ياعدي، إنما يمنعك من الدخول في هذا الدين ما تراه من حاجة المسلمين وفقرهم… فوالله ليوشكن المال أن يفيض فيهم حتى لا يوجد من يأخذه. ولعلك ياعدي إنما يمنعك من الدخول في هذا الدين ماترى من قلة المسلمين وكثرة عدوهم… فولله ليوشكن أن تسمع بالمرأة تخرج من (القادسية) على بعيرها حتى تزور هذا البيت لاتخاف أحداً الا الله… ولعلك إنما يمنعك من الدخول في هذا الدين أنك ترى أن الملك والسلطان في غير المسلمين… وأيم الله ليوشكن أن تسمع بالقصور البيض من أرض بابل قد فتحت عليهم، وأن كنوز كسرى بن هرمز قد صارت إليهم…» فقلت: كنوز كسرى بن هرمز ؟!! فقال: «نعم كنوز كسرى بن هرمز» قال عدي : عند ذلك شهدت شهادة الحق وأسلمت.
عُمّر عدي بن حاتم رضي الله عنه طويلاً، وكان يقول: لقد تحققت اثنتان وبقيت الثالثة، وإنها والله لابد كائنة. فقد رأيت المرأة تخرج من (القادسية) على بعيرها لاتخاف شيئاً حتى تبلغ هذا البيت… وكنت في أولِ خيل أغارت على كنوز كسرى وأخذتها.. وأحلف بالله لتجيئن الثالثة، وقد شاء الله أن يحقق قول نبيه عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام فجاءت الثالثه في عهد الخليفة الزاهد العابد عمر بن عبد العزيز، حيث فاضت الأموال على المسلمين حتى جعل مناديه ينادي على من يأخذ أموال الزكاة من فقراء المسلمين فلم يجد أحداً. وصدق رسول الله صلوات الله عليه، وبرَّ عدي بن حاتم بقسمه.
2012-04-01