العدد 303-304 -

العدد 303- 304 – السنة السادسة والعشرون، ربيع الثاني وجمادى الأولى 1433هـ، الموافق آذار ونيسان 2012م

مع القرآن الكريم

مع القرآن الكريم

 

( وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ )

بعد أن خلق الله آدم – عليه السلام – أمر الملائكة أن يسجدوا لآدم فسجدوا كلهم أجمعون، ومن هذه الآية يتبين ما يلي:

  1. إنَّ الله أمر بالسجود لآدم، وحيث إن السجود عبادة وهي مخصوصة بالله سبحانه ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) الذاريات/آية56 لذلك فإن الأمر بالسجود لآدم هنا هو طلب جازم أي فرض لأنه لو لم يكن فرضاً لكان السجود لآدم فيه إثم وكفر، وهذه قرينة على الجزم كما في أبحاث الأصول، ولذلك فإن الأمر ﮩ هنا على الوجوب لأجل القرينة المذكورة.

  2. وهكذا كان عدم سجود إبليس – لعنه الله – عصياناً لأمر الله سبحانه، ولكن هذا العصيان كان إنكاراً من إبليس لصحة أمر الله، ولذلك كفر إبليس بذلك لأن من لم ينفذ أمر الله إنكاراً يكفر ( قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ) الأعراف/آية12 أي أن إبليس – لعنه الله – كان يعتبر أن أمر الله غير صحيح، وعليه فإن من لم ينفذ أي فرض قطعي وهو منكر له يكون كافراً لا شبهة في ذلك ولا خلاف.

  3. إن الاستثناء هنا منقطع ( فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ ) أي سجد الملائكة، ولكن إبليس لم يسجد، فإبليس ليس من الملائكة، ولذلك فإن ( إِلَّا ) هنا أداة استثناء منقطع بمعنى لكن، وهذا واضح من الآية الأخرى ( وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ) الكهف/آية50 فإبليس من الجن وليس من الملائكة.

( وَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (36) فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37) قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (39) ).

من هذه الآيات يتبين ما يلي:

  1. بعد أن كفر إبليس بفعلته أخرجه الله من الجنة ( قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (34) وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (35)) ص/آية77-78 … ثم أسكن آدم وزوجه الجنة وأباح لهما أن يأكلا من كلّ خيرات الجنة إلا شجرة عيّنها لهم وأمرهم ألا يأكلوا منها وإلا كانا من الظالمين. والظلم هو وضع الشيء في غير محله وبناء عليه نفهم معنى الآية ( إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ) لقمان/آية13 لأن الشرك يعني وضع المخلوق في مرتبة الخالق، أي وضع المخلوق في غير محله وكلّ من وضع شيئاً في غير محله فقد ظلم، ومن حكم بغير ما أنزل الله كان ظالماً ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) المائدة/آية45… فقد وضع قانون البشر في مرتبة قانون رب البشر، أي وضع هذا القانون في غير محله فيكون ظالماً. وهنا كذلك فإن الله جعل تلك الشجرة ممنوعة عليهم ولكنهما أزالا هذا المنع وأكلا منها أي جعلوها في غير محلها فكانا من الظالمين.

  2. لكن إبليس وسوس لهما وكان الله قد أخرجه من الجنة، ولكنه سبحانه أبقى لإبليس قدرة الوسوسة وهو خارج الجنة بكيفية يعلمها الله ابتلاء لآدم ( فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ) الأعراف/آية20… فأزلهما أي حملهما الشيطان على الزلة بسبب الأكل منها، ومن ثمّ عاقبهما الله فأخرجهما من الجنة إلى الأرض وأعلمهما أن العداء سيكون بين ذريتهم وأن الأرض ستكون لهم – والجمع هنا خطاب لهم ولذريتهم – مستقراً وتمتعاً بالعيش إلى أن يلقوا الله سبحانه بعد انتهاء آجالهم.

  3. بعد ذلك أوحى الله لآدم كلمات يقـولها توبة لله سبحانه، فقالها آدم وتاب الله عليه. ودلالة الآية تفيد أن تلقي هذه الكلمات والتوبة عليه كانت متسارعة مع نزول آدم – عليه السلام – على الأرض، والله سبحانه يقول ( فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ ) باستعمال الفاء التي تفيد التعقيب المتسارع، والتوبة تشمل حواء كذلك على طريقة العرب في كلامهم من تغليب خطاب الرجال على النساء.

  4. قوله سبحانه ( قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا ) تأكيد للأمر الأول وبيان لخطاب زائد وهو إعلامهم أنه – جلّ ثناؤه – سيرسل لهم رسلاً يبلغونهم هدى الله. ثم يبشر الله سبحانه وينذر: فالذين يتبعون الهدى يتحقق لهم الأمن من الله سبحانه وقد جاء ذلك في صيغة قوية من البيان فهم لا يخافون من شيء قادم ولا يخافون على شيء ماضٍ ( فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ )، وهذا منتهى الأمن والطمأنينة في الحياة الدنيا والآخرة، والذين يكفرون ويكذِّبون رسل الله يكونون أهلاً لجهنم خالدين فيها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *