العدد 159 -

السنة الرابعة عشرة _ كانون الثاني 1421هــ _ تموز2000م

التنصـير في إفريقـيـا

          قبل مدة ظهر أحدهم على قناة تلفزيونية فتحدث عن الهجمة التنصيرية في إفريقيا، وأورد أرقاماً ضخمة تؤكد قلقه من التحولات التي تجري يومياً وشهرياً وسنوياً، وقال إن عدد الجمعيات والهيئات المشرفة على التنصير تعدُّ بالآلاف وإن تكاليف التنصير تجاوزت 126 مليار دولار أو ما يقاربها. وحينما وجه له بعض المشاهدين (ما يقارب الأربعة أشخاص من أقطار شتى) أسئلة عن تقصير الحكام والأنظمة، وضرورة إيجاد دولة إسلامية ترعى المسلمين وتحافظ عليهم، استشاط غضباً وبدأ يهاجم فكرة الدولة الإسلامية ويشكك في المسلمين والدعاة، ويهاجم شرقاً وغرباً بعد أن وصل إلى أفغانستان في هجومه.

          فبعد أن استقطب انتباه المشاهدين وأثار إعجابهم لما أبداه من حماس للإسلام والمسلمين، إذا به يكشف عن ضحالة وعيه وتفكيره، أو ربما خوفه من محاسبة النظام الذي ينتمي إليه فانقلب رأساً على عقب، فبدا وكأنه عدو للإسلام والمسلمين.

          إن هذا الشخص وأمثاله يريدون من المسلمين أن يتجنّدوا في شكل جمعيات وجماعات لجمع التبرعات وجمع المليارات من الدولارات، وخوض معركة دفاع عن أهل إفريقيا لرد الهجمة التنصيرية عنهم. حقاً إن مطلبه محق لكن طريقته باطلة، وتنم عن قصر نظر، فإلى متى يبقى المسلمون أسرى ردات الفعل؟ وإلى متى يبقون في حالة دفاع وكل الأعداء في موقع هجومي؟ وإلى متى يبقى اللوم على الأفراد والجمعيات وتُبرّأ الأنظمة والحكومات؟ فهذا هو التضليل المتعمد.

          لو سايرنا هذا الأخ وقلنا له أبشر، جئناك زرافات ووحدانا، فهل يتوقع هذا الأخ أن يصل عدد الجمعيات والجماعات التي ستتولى هذا الدفاع إلى الآلاف، وهل تستطيع هذه الجمعيات جمع مليارات الدولارات في ظل هذه الأنظمة القمعية التي لا تزال تلاحق كل مسلم ثبت أنه حارب ساعة أو يوماً في صفوف الأفغان أو في البوسنة أو تبرع لأهل الشيشان، هذا مع العلم أن هذه الأنظمة هي التي فتحت باب التطوع للحرب في أفغانستان والبوسنة حينما كانت السياسة الدولية تريد ذلك.

          ولو افترضنا أن إفريقيا توجَّه لها ما يكفي من مال ورجال وانصبت كل الجهود نحوها، فمن يعالج باقي الأمراض التي يشكو منها العالم الإسلامي مثل: طرد القوات الأجنبية وأساطيلها من بلاد المسلمين، ووقف الهدر في ثروات المسلمين وفي نفطهم، وصد الهجمة الإعلامية والغزو الفكري، ومعالجة الفقر والتخلف الاقتصادي، وطرد اليهود من فلسطين، وطرد الروس من الشيشان، وطرد الهند من كشمير، وتحرير كل شبر من ديار المسلمين، والقضاء على العلمانية في تركيا وفي كل ديار المسلمين، وإعادة رؤوس الأموال المسروقة من بلاد المسلمين، وتسديد مليارات الدولارات من الديون المتراكمة على المسلمين، وبناء صناعات ثقيلة وعسكرية، ودخول عصر التكنولوجيا… إلى آخر القائمة الطويلة من الأمراض التي يعاني منها العالم الإسلامي، فهل يصحو هذا الأخ وأمثاله ويدرك أن العلاج الناجع هو وجود دولة إسلامية ـ دولة الخلافة للمسلمين؟ فهل يصحو ويدرك؟ .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *