العدد 156 -

السنة الرابعة عشرة _ محرم 1421هــ _ نيسان 2000م

هل أباح القرضاوي الربـا ؟

          هل أباح القرضاوي الربا؟ سؤال يتردد، وثقة تتبدد، بالذين يقيسون الأمور برأيهم فيحلون الحرام ويحرمون الحلال، الذين ينطبق عليهم الحديث الذي رواه الطبراني في الكبير والبزار بإسناد رجاله رجال الصحيح عن عوف بن مالك عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «تفترق أمتي على بضع وسبعين فرقة أعظمها فتنة على أمتي قوم يقيسون الأمور برأيهم فيحلون الحرام ويحرمون الحلال» ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد الجزء الأول كتاب العلم باب التقليد والقياس.

          سؤال يطرح كثيراً، مرة على سبيل الإقرار ومرة على سبيل الإنكار وأمام هذا التباين في الطرح لا بد للمسلم أن لا يقول شيئا قبل التثبت والبحث، لا في ظاهر الموضوع بسطحية، بل بتعمق، فلا مجال للسطحية والقشور في هذا المضمار.

          طرح هذا السؤال أحد غيري ولكن منهجه في البحث كان عقيما، فما أحاط بالموضوع فكان كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه وخلاصة بحثه أن القول على القرضاوي ووضعه في قفص الاتهام إجحاف مجانب للإنصاف لأنه أفتى بآراء لم تخرج عن دائرة النصوص الشرعية والخلافات الفقهية ـ حسب رأيه ـ وقد نص علماء الشرع في فقه الاختلاف على عدم الإنكار على حامل الرأي الظني ما دامت له ولو شبهة دليل.

          وينبغي أن يعلم أن القرضاوي ونقض أقواله ليس المقصد منها مجرد النقض لغاية شخصية وعداء لشخص القرضاوي، ولا غير ذلك، مما قد يتصوره البعض، ولكنها كلمة حق ينبغي أن تقال. كيف لا، وهناك من الناس ما زالوا يأخذون مثل هذه الفتاوى دون أدنى نظر؟ ولقد صدق ابن المقفع حين قال: “لا أجد أحداً أشد استخفافاً بدينه ممن اتخذ رأيه ورأي الرجال ديناً مفروضاً”.

          فعلى فرض حسن النية، فان زلة العالم من عوامل هدم الإسلام فكيف إذا صدر من عالم، ما يخالف القطعيات، التي هي من المحكمات غير المتشابهات. فلقد روى أبو شامة بسنده إلى أبي زياد بن حدير قال: قال لي عمر: هل تعرف ما يهدم الإسلام؟ قلت لا! قال: يهدمه زلة عالم، وجدال منافق بالكتاب، وحكم الأئمة المضلين”. فينبغي لكل حريص على نقاء الإسلام وبقائه أن يبين كل ما يخالف القطعيات.

          ولا يعترض أحد على تفنيد مثل هذه الفتاوى وإدحاضها، سيما وهو يسمع الحديث الذي رواه الدار قطني في الإفراد عن أنس عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من غش أمتي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. قالوا يا رسول الله وما الغش؟ قال: أن يبتدع لهم بدعة فيعملوا بها».

          ونحن حملة دعوة، ولسنا قضاة، لذلك فلا يهمنا بل لا ينبغي لنا الحكم على الشخص أهو من أصحاب الجنة أم من أصحاب النار، لأن ذلك سيكون في محكمة العدل الإلهية، وما هو من عملنا هو الحكم على الأفكار والأحكام والآراء، أإسلامية هي أم لا؟ ونحاكم الآن قول القرضاوي في محكمة النصوص الشرعية، القاضي في هذه المحكمة هو القرآن والسنة، والشهود أقوال القرضاوي نفسه، والمدعي هو نحن الحراس الأمناءُ على هذه العقيدة.

          وينبغي أن يعلم أيضا أن الذين يريدون أن يدخلوا في الإسلام ما ليس منه لن يأتوا ويعلنوا صراحة مثلاً: الربا مباح، سيما والتحريم ظاهر للعيان في آي القرآن، بل يأتوا ويقروا هذه الآية ويقروا تحريم الربا ولكن يقولون: إن الربا المحرم هو الذي يكون أضعافاً مضاعفة وليس الربا القليل، بتأويلٍ للآية (لا تأكلوا الربا أضعافاً مضاعفةً) فيحرم مثل هذا الربا ويحلل الربا القليل 5% أو 7% مثلاً.

          هذا مع العلم أن كل من لديه إلمام بأبحاث اللغة وأقسام الكتاب والسنة يعلم أن هذا الوصف (أضعافاً مضاعفةً) ليس تخصيصاً للربا، فلا يعمل بمفهوم الآية الكريمة بل بمنطوقها فقط لأن مفهومها أي حصر التحريم في الأضعاف المضاعفة ـ هذا المفهوم معطل من وجهين:

          الأول: خروجه مخرج الغالب، لأن الغالب في الربا في ذلك الوقت كان الأضعاف المضاعفة وما يخرج مخرج الغالب، لا يعمل بمفهوم المخالفة له، فلا يقال إنَّ الربا، إن لم يكن أضعافاً مضاعفة، حلال، بل لا يعمل هنا بمفهوم المخالفة، لخروجه مخرج الغالب، ويكون الربا حراماً، أضعافاً مضاعفة أو غيرها.

          وكل ما خرج مخرج الغالب، لا يعمل بمفهوم المخالفة له  فمثلاً: (ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصناً) فإن مفهوم المخالفة يعني أنها إن لم ترد تحصناً يجوز إكراهها، وهذا لا يصح بحال، أرادت التحصن أم لم ترد، لأن هذا الوصف خرج مخرج الغالب، في ذلك الوقت، فقد كنّ غالباً ما يكرهن على البغاء وهن يردن تحصناً. ولذلك لا يعمل بمفهوم المخالفة في هذه الحالة.

          أما الوجه الثاني  لعدم العمل بمفهوم المخالفة للآية (ولا تأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة)، فهو أنها عُطِّلت بنص بعدها وهي آية تحريم الربا في جميع حالاته، على العموم (وأحل الله البيع وحرم الربا)، وآيات الربا في سورة البقرة من آخر ما نزل من أحكام الربا ولم ينـزل بعدها ما يخصصها.

          وإذا عطل المفهوم بنص لا يعمل به.

          فمثلاً قوله تعالى: (وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا) فمفهوم المخالفة أنكم إذا أمنتم فلا يصح لكم أن تقصروا في السفر.

          لكن هذا المفهوم قد عطل بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سئل عن ذلك فقال: «صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته»، فصار القصر في السفر جائزاً في الأمن والخوف.

          هذان الوجهان قد جعلا العمل في الآية الكريمة (ولا تأكلوا الربا أضعافاً مضاعفةً) هو فقط في منطوقها وليس في مفهوم المخالفة. ولذلك فالربا حرام، كثيره وقليله سواء.

          إن أولئك (المفتين) الذين قالوا بتحريم الربا الكثير فقط، لا شك يدركون أن الآية لا تسعفهم في ذلك، لكنهم يدسُّون السموم لهذه الأمة بأساليب تضليلية.

          والآن نبدأ في موضوعنا فنقول وبالله التوفيق:

          ذكر القرضاوي في برنامج الشريعة والحياة التلفازي بتاريخ 6/12/1998م وكانت الحلقة بعنوان “الشركات المساهمة” ـ علماً بأنّ للقرضاوي موقعاً على الإنترنيت، فقوله متجدد يطلع عليه كثيرون ـ لقد ذكر ما يلي:

          الشركات التي حدث فيها الخلاف هي الشركات التي يكون أصل عملها ونشاطها مباحاً مثل شركة الإسمنت، شركة الكهرباء، شركة النفط، شركة الاتصالات، هذه الشركات أصل عملها لا حرج فيه (…) إنما الشبهة تأتي من أنها قد يفيض عندها بعض المال فتودعه في البنك الربوي (…) ومعنى ذلك أنها تأخذ عليه فوائد، وقد تكون هذه الشركات أيضاً تحتاج إلى بعض المشروعات فتستقرض لها بالربا، فعملها حلال ومباح أساساً ولكن الربا قد يدخل عليها في الطريق. هنا الفقهاء في عصرنا مختلفون في هذه القضية، فأكثر العلماء يمنعون (…) وهناك فريق من العلماء أو الفقهاء من أباح بشروط، وأنا و د. عبد الستار و د. علي القره داغي من هؤلاء، أهم هذه الشروط ألا يكون التعامل بالربا كثيراً، والكثرة والقلة هذه عملية نسبية، البعض قال إنه لا يصل إلى 30% لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال «الثلث والثلث كثير» قال 30% يعتبر أقل من الثلث (…) أصبح كثير من الفقهاء يعتبر “الثلث كثير” في أي شيء لأن اللفظ العام فهو كان في قضية الوصية ولكن قال «الثلث والثلث كثير» فهذا بالألف واللام يعتبر من ألفاظ العموم والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وأنا شخصيا أرى أن 30% كثيرة وأرى أنه لابد أن نقلل أكثر مثلاً 15% معقول، فهذا ضابط. (…) الأمر الثاني أن يكون هناك هدف من وراء الاشتراك خصوصاً مثل الشركات التي تكون في البلاد الإسلامية فهذه الشركات لا ينبغي أن نتركها لغير المسلمين، في بعض البلاد هناك أقليات غير إسلامية، هل المسلمون المتدينون يتركون هذا لغير المسلمين وينسحبون من هذا الميدان تماماً، أو يتركونها للاّدينيين والمتحللين ومن لا دين لهم ولا خلق وتصبح هذه المؤسسات مفرغة من العنصر المسلم الملتزم هذا خطر أيضاً.

          المقدم: إذن أنت تدعو أن يغزو المسلمون هذه المؤسسات رغم أنها تتعامل بالربا.

          القرضاوي: نعم وربما نستطيع إذا كنا العنصر المتدين فيها أننا نختار مجلس إدارة يقرر عدم التعامل بالربا (…) ثم هناك أمر ثالث وهو أنه إذا لم نستطع أن نصل إلى هذا الحد فعلينا أن نخرج ما يقابل الفوائد الربوية من الأرباح، فأنت إذا دخلت في هذه الشركة ولم تستطع أن تحوِّلها إلى إسلامية تماماً وكان عندها مال فائض عندها ووضعته في البنك الربوي وهذا المال أخذت عليه فائدة، ممكن نعرف عن طريق إما ميزانية الشركة المنشورة أو عن طريق سؤال المحاسبين المتخصصين كم تساوي هذه النسبة، فيقول لك تساوي 10% أو 20% فهذه النسبة على المسلم أن يتطهر منها ويخرجها ولا يدخلها في ماله الخاص.

          (…) إذا لم يستطع الإنسان يسأل بعض المتخصصين حتى من المحاسبين في الشركة ويستطيع أن يعرف، وأفترض في النهاية أنه لو جهل فيخرج بالاجتهاد يقول والله أقدّر 20% أو25% وأخرجها من هذه الشركة ويقول “دع ما يريبك إلى ما لا يريبك”.

          لقد أسهبت في النقل لأري القارئ خطر الموضوع وأهميته، وأقول تعليقا على قوله وبالله التوفيق:

 1)     إنَّه افترض أنَّ الربا المحرم هو الربا الكثير، ثم بدأ يبحث تعيين وتحديد هذا الكثير. وقد بينا في المقدمة، كيف أن الآية الكريمة لا تسعف أولئك القائلين بتحريم الربا الكثير فقط، ولا شك أنهم يدركون أن مدلول الآية على غير ما أولوه، ولكنهم يَضلون ويُضلون على علم وهم أكثر خطورة ممن يضلون على جهل.

 2)     والآن سنستعرض فتواه فهو لم يعتمد فيها على الدليل، ولكنه قد ذكر حديثاً واحداً وقاعدة شرعية واحدة وذِكرُهُما كان لتسويغ فتواه بوجه لا يحتمله النص وكان لياً لأعناق النصوص، إن لم يكن أكثر، وكأنه يعتبر عقله مصدراً من مصادر التشريع قادراً على نسخ وتقييد وتبيين وتعميم وتخصيص وإطلاق النصوص الشرعية، هكذا من عقله دون اعتماد على نص، وهنا لا يقال إنه مجتهد فيحق له ذلك، وكما يشيع على السنة كثير من العامة والمتفيقهة أن الاجتهاد مصدر تشريعي أقول: إن الاجتهاد موجود في هذا الدين ولكنه لا يسمى مصدراً تشريعيا ولا هو كذلك وإنما الاجتهاد بذل الوسع في استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية أي أن الاجتهاد هو اعتماد على النصوص الشرعية بفهمها حسب اللغة العربية وقواعد الأصول، لاستخراج حكم شرعي، وبلوغ الإنسان مرتبة الاجتهاد لا يعني أنه يجوز له أن يقول من غير دليل، كلا فهذه فكرة منتشرة عند البعض لا يجوز أن تبقى.

 3)     ذكر في كلامه الحديث الشريف «الثلث والثلث كثير» والقاعدة الشرعية “العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب” ولكنه وضعها في غير موضعها.

          أما الحديث فهو في موضوع الوصية ولا يقبل أن يستدل به على غير الموضوع الذي ورد فيه، صحيح أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ولكن العبرة بخصوص الموضوع فالسبب للحديث هو مناسبة قوله، أي الحادثة التي حصلت وكانت سببا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم أو فعله أو تقريره.

          فعندما مر الرسول صلى الله عليه وسلم ورأى شاة ميمونة ميتة قال «أيما إهاب دبغ فقد طهر» فليس إهاب شاة ميمونة فقط إذا دبغ طهر، بل هذا عام، فمرور النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الشاة الميتة هو السبب وليست العبرة به وإنما العبرة بعموم اللفظ.

          وقول الرسول هنا موضوعه (طهر الإهاب إذا دبغ) فلا ينبغي لنا أن نأتي بهذا الحديث ونستدل به على الانتفاع بلحمها ـ حتى ولو لغير الأكل ـ أو غير ذلك مستدلين بقاعدة “العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب” لأن العبرة بخصوص الموضوع. وقوله تعالى: (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين)، سبب نزوله ما أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي والحاكم عن جابر قال: «جاءت امرأة سعد بن الربيع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله هاتان ابنتا سعد ابن الربيع، قتل أبوهما معك في أحد شهيدا وإن عمهما أخذ مالهما فلم يدع لهما مالا ولا تنكحان إلا ولهما مال. فقال: يقضي الله في ذلك، فنـزلت آية الميراث، كذا في أسباب النـزول للسيوطي.

          أيصح لنا أن نقول استناداً إلى هذه الآية إن العطايا والمنح والهبات التي يقدمها الرجل لأبنائه في حياته ينبغي أن تكون للذكر مثل حظ الأنثيين ونعتمد على القاعدة (العبرة بعموم اللفظ) لأن أولادكم لفظ عام لأنه مضاف ومضاف إليه. والإضافة تفيد العموم أيصح لنا ذلك؟ إن جعل حصة الذكر مثل حظ الأنثيين خاص بالإرث فلا ينبغي أن يتعدى ذلك ويستدل به على غير هذا الموضوع.

          وفي موضوع ولاية المرأة فيما رواه البخاري عن أبى بكرة قال: «لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أهل فارس قد ملكوا عليهم بنت كسرى قال: لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة» فهذا ليس خاصا بتلك الحادثة وببنت كسرى بل هو نص يفيد تحريم ذلك لكل امرأة للقاعدة: (العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب) ولكن هل يجوز لنا أن نقول إن الولاية سواء أكانت في الحكم كبنت كسرى أو كانت في غير الحكم كالولاية على الصغير والصبي والعمل في القضاء والتوكيل والوكالة محرمة على المرأة؟ أيحرم أن نوكل امرأة بشيء ما كشراء وبيع؟ أيحرم أن تكون لها ولاية على الصغير والصبي وأن تعمل في القضاء؟ كلا… ما ينبغي ذلك لأن العبرة بعموم اللفظ هي بخصوص الموضوع الذي تحدث عنه الرسول صلى الله عليه وسلم وهو الحكم. فلقد روي أن عمر بن الخطاب ولى امرأة من قومه تدعى (الشفاء) قضاء السوق، وكان ذلك على مرأى من الصحابة.

          من ذلك ينبغي أن يعلم أن قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «الثلث والثلث كثير» هو خاص في موضوع الوصية وعام لجميع المسلمين وليس للسبب والحادثة التي قيل فيها.

 4)     قوله: (أصبح كثير من الفقهاء يعتبر “الثلث والثلث كثير” في أي شئ) يوهم السامع والقارئ أن هناك من الفقهاء من قال بذلك.

          حتى النص والحديث «الثلث والثلث كثير» الذي لوى عنقه وأوله تأويلا لا يحتمله، أقول: حتى هذا الحديث لم يستمر في بناء فتواه عليه وذلك أن الحديث ـ حسب فهم القرضاوي ـ يسمح بالثلث ولا يعتبر الأقل منه كثيراً، ولكن القرضاوي بعدها يقول “وأنا شخصيا أرى أن 30% كثير وأرى أنه لا بد أن نقلل أكثر مثلا 15% معقول فهذا ضابط”. فالحديث حسب تأويل القرضاوي الباطل يسمح بالثلث ولكن القرضاوي “يرى” أن يقلل من 30% إلى 15% وتناسى النص «الثلث والثلث كثير» فلم يجعل المعيار (الثلث ولا الربع وإنما أتى بمعيار رآه معقولاً وهو 15% أي السدس تقريباً، فالتأويل الباطل (الثلث والثلث كثير) لم يسر عليه، وسار على عقله الذي حدد (السدس والسدس كثير) والجريمة أنه يقول: “15% معقول هذا ضابط” فكأن القضية تنتظر حكم العقل وليست قضية شرعية تحتكم إلى النصوص، وقوله: “هذا ضابط” جريمة أكبر إذ هو بذلك يجعل رأيه العقلي ضابطاً للسلوك ومحدداً له ويصفه بهذا الوصف وكأن من سار عليه كان منضبطاً.

          بهذه الفتوى وبهذا المنطق يبيح القرضاوي للمسلم أن يكون شريكاً في شركة مساهمة ولو كانت هذه الشركة تودع أموالها في البنوك الربوية ولو كان جزء من أرباحها آت من الربا (الفوائد) على أموالها في البنوك، ولكنه يشترط شرطاً وهو ألا يكون التعامل بالربا كثيراً !!! ولكنه يحرم أن يكون المسلم شريكاً في شركة تكون نسبة الربا ـ على أموالها في البنوك ـ من أرباحها كثيرة.

          تناقض غريب:

          في فتواه هذه بَيّنَ أن الحد الفاصل أو النسبة التي تعتبر قليلة وما فوقها كثير هي 15% ولكنه يناقض نفسه في قوله بالنسبة لمن جهل نسبة الربا من أرباح الشركة فيقول في هذه الحالة: “لو جهل فَيُخرِج بالاجتهاد يقول: والله أُقدّر 20% أو 25% وأخرجها من هذه الشركة “ويقول “دع ما يريبك إلى مالا يريبك” وهنا تناقض من ناحيتين:

          أولاً: أنه يقول بأن النسبة القليلة 15% فكيف يجيز لمن كان في شركة نسبة الربا في أرباحها 20% أو25% البقاء فيها !!!

          ثانياً: كيف يعرف الإنسان نسبة الربا من أرباح الشركة قبل أن يشترك بها وقبل أن تقوم بالعمل الذي من شأنه أن يأتي بالربح وهب أنها في مشاريعها لم تربح ولم تخسر وكانت أرباحها فقط من ناحية أموالها في البنوك (أي كانت أرباحها 100% ربا، أليس هذا محتملاً).

          وللأسف يستدل على قوله بالحديث «دع ما يريبك إلى مالا يريبك» فأين الذي فيه الريب بل إنه يقين، أليس هو الاشتراك في مثل ما أباحه القرضاوي.

          ومن الجدير ذكره، أننا لم نتطرق إلى عقد الشركة المساهمة وأنه باطل من أساسه سواء أتعاملت الشركة المساهمة بالربا أم لم تتعامل، فليس هذا مجاله، وإنما قصرنا البحث على ما ورد في فتواه، لنبين نموذجاً من خطورة فتاوى مثل هؤلاء، وكيف أنهم يحكمون عقلهم في شرع الله، اتباعاً للهوى، دون دليل أو شبهة دليل.

          وفي النهاية لعلمي أن هناك من البسطاء من سينكر أن القرضاوي قال مثل هذا القول أقول له بإمكانك أن تذهب لعنوان القرضاوي على الإنترنت قسم الشريعة والحياة وترى ما قاله في حلقة الشركات المساهمة 6/12/1998 وسترى صدق ما قلت. وستعلم أن هذه المجلة الغراء لا تفتري على المسلمين وإنما هو الواقع تصدق في وصفه.

          ولعل صنفاً من الناس يقول: صحيح أن القرضاوي يفتي بمثل هذه الفتاوى ولكن دعوهُ وشأنه ولا تنشروا للأمة أقواله ونقضها، وأقول لهؤلاء إنكم أحد صنفين، إما مخلص غير مدرك لخطر هذا الطرح أو خبيث متآمر على الإسلام يريد تمرير الفتاوى الباطلة  على هذه الأمة.

          فكيف يُسْمَحُ بالتشهير والتحذير ممن يخرب على المسلمين دنياهم ولا يسمح بالتحذير وإظهار من يخرب على المسلمين دينهم، فأيهما أولى وأيهما أخطر؟  تم بحمد الله.

أيمن ـ الخليل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *