العدد 156 -

السنة الرابعة عشرة _ محرم 1421هــ _ نيسان 2000م

كلمة الوعي: لا يجوز فصل العقيدة الإسلامية عن شريعتها

 إن العقيدة الإسلامية هي فكر أساسي تنبثق منه الشريعة الإسلامية، فهي فرع منه ولا يمكن فصلها عنه. إذ في فصل الشريعة عن عقيدتها تجريد لها من فاعليتها وحيويتها. ولا يُلجأ إلى ذلك إلا إذا كانت العقيدة الإسلامية غير صالحة، فأفرزت شريعة غير صالحة، فاحتاج المؤمنون بها إلى الاستعانة بغيرها ليسدّوا النقص الذي فيها؛ وهذا غير صحيح. أو كان المؤمنون بها فيهم من الضعف في فهم الشريعة ما يجعلهم بحاجة إلى الاستعانة بالأنظمة الأخرى ليسدّوا هذا النقص؛ وهذا غير صحيح. فالعيب يكون عندها في المسلمين، وليس في الإسلام.

 إن العقيدة الإسلامية تقوم على الإيمان باله الخالق المدبر، والمسلم يؤمن بأن الله الذي خلق يعلم ما خلق، ويعلم ما يصلح الإنسان وما يصلح له، وما لا يصلحه وما لا يصلح له. والعقيدة الإسلامية عقيدة إنسانية والشريعة الإسلامية شريعة إنسانية تصلح لكل إنسان بغض النظر عن لونه أو عرقه أو أي اعتبار آخر، وبغض النظر عن المكان الذي يعيش فيه، أو الزمان الذي يحيا فيه. فهي تتناول معالجة حاجات الإنسان وغرائزه، فتعالجه كفرد، وتعالجه كعضو في جماعة إنسانية، وتعالجه كعضو في مجتمع، وتعالجه كفرد من رعية الدولة، وتحدد للدولة الإسلامية وظيفتها الرعائية، وتحدد لها أهدافها، وتحدد لها شكلها، وتحدد لها علاقاتها بغيرها من الدول؛ لذلك اشتهر على لسان جميع المسلمين أن الإسلام لم يترك باباً من أبواب الخير أو الشر إلا ودلنا عليه. واشتهر عند المسلمين وعند كثير من غير المسلمين أن الإسلام دين منه الدولة، وأنه عقيدة وشريعة.

 والإسلام هو الذي يحدد العلاقات، وينشئ الواقع الذي تنتظم فيه الأهداف، ويعمل على توسيع ذلك حتى يشمل الكرة الأرضية كلها، ويكون الدين كله لله. ولا يمكن للعلاقات هذه أو الأنظمة أن يحددها أو يفرضها الواقع أو ما يسمى بالتطور. فلا يقال إن وقائع الحياة تطورت وأصبحت تفرض علينا أشكالاً من التعامل لا مهرب منها. هذا ما يحاول الغرب أن يضلل به المسلمين ويقنعهم بأن البشرية وصلت إلى مرحلة تفرض على البشر إقامة نظام عالمي واحد، واعتبار العالم كله كأنه دولة واحدة، وعولمة الشركات الكبرى بحيث تتوسع ويصبح لها فروع في كل دول العالم، أي جعل الدول كلها كأنها دولة اقتصادية واحدة يسيطر عليها النظام الاقتصادي الغربي، ومن ثم اشتراع القوانين الدولية التي تؤمن للغرب السيطرة الاقتصادية والفكرية والسياسية على دول العالم، وإذا خرج أحد عنها عوقب بتهمة الخروج على القانون الدولي، فتقود أميركا والغرب العالم كله لمحاربته. والعالم يقف عاجزاً مقهوراً لا يستطيع الخروج من الحلقة التي وُضع فيها. لقد أُوهِم العالمُ كله بهذه الفكرة، وما يُرى من رفض واحتجاج إنما هو رفض شكلي وليس حقيقياً، رفضٌ يعَبّر عن الشعور بالقهر الفكري والاقتصادي والسياسي والعسكري، لأن هؤلاء الرافضين لا ينطلقون من قناعات مبدئية يرون معها فساد الرأسمالية ومحاولتها الهيمنة على العالم باسم العولمة.

والحق أن الإنسان هو الذي يطبق النظام الذي يريد، وليس الواقع هو الذي يفرض على الإنسان النظام الذي يجب أن يطبقه، أو أن سنّة التطوّر هي التي تفرض النظام على الإنسان. فالواقع لا يفرز سوى مشاكل وحوادث تحتاج إلى حل. وحلها قد يكون بالنظام الرأسمالي، وقد يكون بالنظام الإسلامي، وقد يكون بغيرهما. ولكن النظام الصحيح مرهون بالعقيدة الصحيحة. وليس من مبدأ صحيح بعقيدته وشريعته سوى الإسلام.

 والإسلام يفرض على المسلمين أن يأخذوا عقيدته، ويجعلوا شريعتهم منبثقة من هذه العقيدة ولا تخرج عنها. وأن يصوغوا حياتهم ويلونوها على أساس منها. وليس للتطور ولا للمكان ولا للزمان، ولا للعادات والأعراف السابقة أو السائدة أي تأثير في الشريعة الإسلامية متى أراد المسلمون تطبيقها. بل إن ما وصل إليه العالم اليوم من تقدم مادي واختراعات مذهلة استطاعت أن تقصّر المسافات، وتختصر الزمن، وتمكّن الإنسان من تجاوز الحدود… إن كل هذا لا يفرض نوع النظام. فالدولة الإسلامية إذا قامت على العقيدة الإسلامية تستطيع أن تستفيد من كل هذا التقدم العلمي من أجل تطبيق عقيدتها ونظامها ونشرهما، لا بالقوة والقسر والظلم كما يفعل الغرب اليوم، بل بالحجة والإقناع بعد إزالة الحواجز المادية التي تعترض سبيل الدعوة، وذلك كما فعل المسلمون بالأمس، وكما هو مطلوب منهم أن يفعلوا اليوم.

 إن العالم إذا انخدع بمقولات الغرب الخادعة، أو خضع لها؛ فلأنه فارغ فكرياً ولا يملك أي فكر مبدئي يواجه به هذا الغزو الفكري والإعلامي والاقتصادي والسياسي والعسكري الجارف. وإذا ملك فإنه يملك شتات أفكار سرعان ما تنهزم. أما المسلمون فإنهم هم المرشحون للمواجهة، ولكشف الزيف، وإحقاق الحق؛ وذلك لأنهم يحملون المبدأ الصحيح الذي يستطيع أن يهزم المبدأ الرأسمالي الظالم الاستعماري الذي يصطلي العالم بشروره، ويتشوّق للخلاص منه.

 فالمبدأ الإسلامي يوافق فطرة الإنسان ويُقنع عقله. وهو كما نجح في إسعاد البشرية من قبل، فإنه ما زال مرشحاً لأن يقوم بنفس ما قام به من قبل. فالإنسان هو الإنسان لم يتغير، والنظام الإسلامي المنبثق من عقيدته، الذي أسعد الإنسان من قبل ما زال هو ذاته. والإسلام يستطيع بمصادره الشرعية أن يحلّ كل المشاكل التي تعترض الإنسان، مهما استجدت وتشعبت وتوسعت وتعقدت. فقد توسعت الدولة الإسلامية من قبل، وكثر عدد المسلمين، وتشعبت طرائق حياتهم، وتعقدت العلاقات عما كانت من قبل، واستجدت مشاكل لم تكن من قبل، وبقيت الدولة الإسلامية وعلماء المسلمين يحلّون مشاكل الناس في مختلف العصور على أساس طريقة الإسلام في الاجتهاد، المنضبطة بأصول الإسلام الثابتة وقواعده. ولم تظهر فكرة أن الإسلام عاجز عن مسايرة الزمن، أو أنه لا يستطيع استيعاب مشاكل الحياة المستجدة إلا مع الغزو الفكري والسياسي والعسكري الغربي لبلاد المسلمين. فقد وصل المسلمون وقتها، إلى حالة من الضعف شديدة في فهم الإسلام وتطبيقه، وانهزموا أمام ادعاءات الغرب، وراح علماؤهم يدافعون عن الإسلام بطريقة خطأ، فطرحوا أن الإسلام مَرن، وأن الشريعة متطورة، وأجازوا أخذ أنظمة الغرب بحجة أنها من الإسلام أو أنها لا تخالف الإسلام، أو أنها توافق الإسلام… وهكذا انفصلت الشريعة الإسلامية عن عقيدتها، وأُبعدت فكرة الدولة الإسلامية التي تطبق هذه الشريعة عن الأذهان. ولم تعد حياة المسلمين قائمة على أساس الإيمان بالله.

إن هذا الفصل بين العقيدة الإسلامية والشريعة الإسلامية المنبثقة منها يجب أن يتنبه له الدعاة المسلمون، وأن لا ينخدعوا به وأن لا يطرحوا الإسلام بشكل خطأ كما فعلوا من قبل، فإن في هذا الانخداع خدمة لأعدائهم وإطالة لعمر هؤلاء الأعداء. ويجب أن يدركوا أن ما يواجه مجتمعاتهم اليوم من مشاكل تحتاج إلى حلول، ليست هي مشاكل الإسلام بل هي مشاكل أفرزها تطبيق النظام الرأسمالي قسراً على المسلمين، وأن لا ينظروا إلى إصلاح ما اعوج من ممارسات وأنظمة مطبقة عليهم، وأن لا يشتغلوا بالترقيع، وأن لا يُدخلوا شريعة في شريعة، ولا يعتمدوا على الحلول الوسط، بل عليهم أن يسعوا إلى تطبيق النظام الإسلامي المنبثق من عقيدته التي تقوم على «لا إله إلا الله  محمد رسول الله» أي لا خالق ولا مدبر إلا الله، ولا مطاع بحق إلاّ الله. والشريعة هي الوحي الذي جاء به محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيّن فيه كيف تكون طاعة الله. أما الفصل بين العقيدة والشريعة فإنه يعني أن المسلم يقول: لا يطاع بحق إلاّ الله، ثم نراه يطبَّق عليه نظام ليس فيه طاعة لله. لذلك كان الواجب على دعاة المسلمين أن يتنبهوا إلى الصلة الوثيقة القائمة بين العقيدة الإسلامية وما انبثق عنها من شريعة حتى يَخرجوا من ذل ما هم فيه، ويُخرجوا العالم كله معهم. ويضعوا حداً لما يسمونه اليوم بالعولمة الظالمة، ويشكلوا بديلاً صالحاً منها .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *