العدد 155 -

السنة الرابعة عشرة _ ذو الحجة1420هــ_ آذار 2000م

حجر يُعدُّ بألف حجر

          بعد أن انهمرت الحجارة على (جوسبان) رئيس وزراء فرنسا في جامعة بيرزيت بفلسطين، قامت وسائل الإعلام المحلية والدولية بنشر المشهد، وعلق عليه كل طرف بما يخدم أغراضه السياسية.

          أما التعليق الذي كان يجب أن يقال فقد تم إغفاله، ألا وهو: إن هذه الغضبة المفاجئة لطلاب جامعة بيرزيت هي تعبير صادق وعفوي عن وحدة الأمة الإسلامية، ووحدة فكرها ومشاعرها. ومما زاد المشهد تعبيراً ومصداقية هو انطلاقتها العفوية غير المصنّعة تصنيعاً كاملاً كما يحصل دائماً على يد الأنظمة الحاكمة. وساعد في نشر الصورة عالمياً وجود الإعلاميين من كل الجنسيات لتغطية الزيارة والاستقبال الحار للضيف، فإذا بهم يفاجأون بحرارة الاستقبال على طريقة الطلاب المقهورين بالقمع السلطوي وذل التفاوض المخزي.

          إن الدروس المستقاة من ذلك المشهد التاريخي هي دروس ذات مغزى عميق ومنها:

 1-     إن الاحتقان والثورة المتأججة في أعماق أبناء الأمة بلغت ذروتها في ظل جو الهزيمة الذي يشيعه مناخ التفاوض العربي المذل، و(المرمطة) اليهودية لجميع المسارات التفاوضية.

 2-     إن الأمة الإسلامية واحدة موحدة في عقيدتها وأفكارها ومشاعرها بالرغم من حواجز الدم التي أقاموها بين أبنائها خلال عدة عقود تحت مسميات وطنية وقومية ومذهبية، أثبتت تلك الحجارة أنها وهمٌ وسراب، بل أوهى من نسيج العنكبوت.

 3-     بعيداً عن المزايدات السياسية الرخيصة، والعواطف المصنعة في قوالب الأنظمة يمكن القول بأن العديد من العرب واليهود والغربيين الذي شاهدوا تلك الصورة العفوية للطلبة غاظهم ما حصل غيظاً شديداً وذلك لأنه حطم كل ما نسجوه من جدران ومتاريس بين أبناء الأمة، وما افتعلوه من خصام بينهم تحت شعارات وطنية أو قومية أو مذهبية أو عشيرية عنصرية، وليس آخر هذه السلسلة من المكائد، حرب الخليج الأولى والثانية وحرب المخيمات في لبنان، فظنوا أن هذه الأمة لن تعود لها اللحمة بعد تلك الدماء والثارات المفتعلة، ففاجأهم صوت الطلبة في بيرزيت يردد «من بيرزيت لبيروت شعب واحد لا يموت» ولا يدرك أهمية هذه العبارة إلا من كابد المعاناة للذود عن وحدة الأمة حين كان يلتقي المسلمان بسيفيهما كقاتل ومقتول في مواجهات عبثية خطط لها الأعداء إمعاناً في تمزيق الأمة لتذهب ريحها.

 4-     إن الأمة تكبر الجهاد ومقاومة العدو والمحتل وتعُدّ كل من يطلق رصاصة أو حجراً هو من الحصانة بحيث تذود عنه بالمهج والأرواح، وتكره التنازل والذل والنفاق، وتمقت من يتطاول على الكرامة والحقوق في استعادة الأرض كاملة وليس القدس فقط، بل يافا وحيفا وعكا واللد والرملة وصفد وعسقلان.

 5-     إن سراب السلام المزعوم لم ينطلِ على هؤلاء الناس الطيبين رغم ما حُشِدَ له من إعلام مزيّف ومحطات تلفزة فضائية وأرضية، فكان الحجر أصدق استفتاء على كل ما جرى ويجري من مكائد ضد الأمة، فكان ذلك الحجر أفضل من كتيبة دبابات يعلوها الصدأ والغبار .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *