سياسة تضليل العمل الإسلامي (3)
2000/03/07م
المقالات
1,692 زيارة
تحدثنا في الحلقة السابقة عن بعض الأساليب التضليلية التي تتبعها دول الكفر من الغرب ومن أذناب الغرب في بلاد المسلمين وعن أثر ذلك في مجريات العمل الإسلامي، وتأثيره في واقع بعض الحركات الإسلامية. أما كيفية مواجهة هذه التحديات، وهذه الأساليب الخبيثة من التضليل فيكون باتباع الخطوات التالية من قبل المخلصين من حملة لواء التغيير، ومن قبل الأمة بشكل عام:
أولا: الوعي على الإسلام فكرة وطريقة، في عمل التغيير، وفي باقي الأحكام العملية.
فالوعي هو أقوى سلاح تملكه الحركة الإسلامية، وأقوى سلاح تملكه الأمة بشكل عام، فالرسول عليه السلام يقول: «تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك» رواه أبو داود والترمذي وحسنه، ويقول: «تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وسنة رسوله» أخرجه مالك في الموطأ.
فيجب على الحركة أو الجماعة التي تعمل للتغيير أن تبذل جهوداً جبارة في توعية نفسها وعياً فكرياً وسياسياً، وأن تعمل للوصول بأبنائها إلى أرفع مستوى من الوعي، وأن تركز على إيجاد الشخصيات القيادية التي تتقن فن القيادة والإدارة، وسياسة الناس، وحسن رعاية مصالحها بالإسلام وتبنيها. وخلال ذلك ومعه تبذل قصارى جهدها لإيصال هذا الوعي إلى صفوف الأمة لأنها جزء من الأمة ليست مفصولة عنها. فتوعي الأمة وتعرفها بنفسها تعريفاً جيداً، وبفكرتها تعريفا دقيقاً لا لبس فيه ولا خفاء، وتحاول بكل الوسائل كسب ثقتها عن طريق ترغيب الناس فيما تدعو إليه وتقريبه من عقولهم وقلوبهم.
ويجب على الحركة أن تحرص كل الحرص على إزالة أي شيء يسيء إلى الإسلام، أو يخالف فكرة من منهجها، وتزيل أي فرد إذا لم تنجح معالجته من جسمها، وذلك لأن النقاء هو طريق نيل الثقة من أبناء الأمة، وكذلك يجب عليها الاستقامة في القول والعمل، فلا تجدها الأمة حيث نهاها الله، وتجد بعض أفرادها، فتكرار ذلك يفقد أبناء الحركة الثقة من الأمة، وتثبت في مواقفها في المواجهات والتحديات، وألوان القهر والقتل والتنكيل التعذيب وتبتر أي جزء يسقط أو يتنازل عن مبدئه مهما كانت مكانته في الحركة.
ثانياً: دوام التنبه والمراقبة وذلك للتصدي المتواصل لكل أنواع الضلال والتخريب في عقول الأمة وأفكارها. وهذا من تبني مصالح الأمة ورعايتها، وهو قمة العمل السياسي.
فالكفار يحرصون على حرب الإسلام فكراً وعملاً حرصهم على الحياة، ويتفننون في ذلك، ويخترعون الأساليب والألاعيب التي تخفى أحياناً على كثير من الناس، وهذا يحتاج إلى درجة عالية من التنبه واليقظة المستمرين، وإلى الوعي الراقي على أحكام الإسلام وعلى مجريات الحدث السياسي. فتراقب وسائل الإعلام بدقة وما تنشر من أفكار ولوثات فكرية، أو أضاليل سياسية، وتراقب ما تصدره دور النشر والبحوث، ودور الفتوى، وعلماء السلاطين، لأن الأمة بمجملها ينقص الكثير من أفرادها الدارية والوعي والإحاطة بألاعيب الكفار.
ثالثاً: التصدي المستمر لأي محاولة من شأنها تشويش طريقة الحركة في أذهان الناس وخلط فكرة العمل المادي بطريقة الحركة أو تشويشها.
فالأصل في الحركة أن تجعل هذا الأمر من البديهيات عند الأمة، وتركزه تركيزاً واضحاً في عقولها، فتبين للناس باستمرار أن الحركة تلتزم في عملها طريقاً شرعياً لا تجوز مخالفته، ومخالفته يترتب عليها الإثم، والعقاب من الله تعالى، وهو طريق الرسول عليه السلام الذي سار به لإقامة دولة.وتوضح للأمة باستمرار أنها ليس لها علاقة لا من قريب ولا من بعيد بأي عمل مادي صدر من أي جماعة تعمل للإسلام، وليس لها تنسيق ولا ارتباطات معها.
والناظر في وضع الجزائر يرى أن الحكومة قد نفذت من ثغرات وجدت عند جبهة الإنقاذ، ونجحت في إيجاد الشرخ بينها وبين الأمة، وهذه الثغرات تمثلت في عدم وضوح النهج للعمل، وعدم وضوح الأفكار المتبناة في خط السير، وعدم وجود المركزية في القيادة، وتعدد القيادات والآراء داخل الجماعة الواحدة، والتناقض أحيانا في التصريحات والأعمال التي تصدر من أتباع الزعامات داخل الجبهة.
فما كانت حكومة الجزائر ولا دول الكفر جميعا لتخترق جسما صلباً واضحاً، نقياً،متراصاً.
رابعا: مركزية القيادة وفرديتها، فلا تسمح الحركة مهما تباعدت أقطار العمل، ومهما بلغ عدد أفرادها بتعدد القيادات، أو بأي محاولة تشعر ولو بشرخ صغير في الفكر أو العمل.
خامساً: توجيه نقمة الأمة ضد النظام الحاكم عندما يقوم بأي عمل مادي ويحاول إلصاقه بالحركة لتحقيق مآرب وغايات، وهذا ليس صعباً إذا كانت الحركة نقية من أية شوائب واضحة في فكرها ومنهجها العلمي، تكسب ثقة الأمة، متميزة بالصلابة والاستقامة والتقوى في أعمالها وأقوالها ونهجها السياسي.
فالدول الكافرة تحاول باستمرار إيهام الأمة أن الحزب يقوم بأعمال مادية، وقد حاولت الأردن أكثر من مرة ذلك ولكنها فشلت فشلا ذريعاً، وحاولت حكومة أوزباكستان كذلك إلصاق بعض الأعمال المادية مثل التفجيرات بأعضاء من الحزب ولكن الحزب تصدى ويتصدى لهذه المحاولة، وتزداد ثقة الأمة به، ونقمتها على النظام الحاكم، لأنها تثق بالحزب ولا تثق بالنظام.
سادسا: إيجاد الوعي عند الأمة على فكرة السياسة والعمل السياسي، وأن الحركة يجب أن تكون سياسية، ترعى وتتبنى مصالح الأمة، عن طريق كشف المخططات التي تحاك ضدها، وإماطة اللثام عن الحكام العملاء وعن أعمالهم ضد الأمة، والعمل السياسي لإيصال هذه الفكرة إلى واقع الحياة في دولة ترعى شؤون الناس بأحكام الإسلام.
وهذه الفكرة مع أنها وجدت بشكل جيد وانتشرت، ولكن ما الت هنالك بعض الغشاوات على أعين الناس، وذلك بسبب الحرب الشرسة التي يشنها علماء السلاطين ـ لا بارك فيهم ـ على هذه الفكرة.
وطريقة توعية الأمة على هذه الفكرة إنما يكون بربطها بأحكام الإسلام ومفاهيمه، ودلالات اللغة العربية التي وضّحت معنى السياسة، ومعنى العمل السياسي، وقيمته في حياة الأمة.
فمثلا تفهم الأمة أن كلمة سياسة معناها الرعاية، وليس الكذب والدجل والخداع كما هو عند الغربيين، وقد وردت في لسان العرب بهذا المعنى، ووردت في أحاديث المصطفى عليه السلام مثل قوله: «كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي ألا وأنه لا نبي بعدي وسنكون خلفاء» رواه البخاري. وإن الخليفة أو الحاكم أو من يقوم على الأمر إنما يسمي راعيا للأمة، ولذلك جاء في الحديث: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته»رواه البخاري.فالرعاية والسياسة هي معنى واحد في لغة العرب ولا فرق بينهما.
هذه بعض المفاهيم والأفكار الخطرة والتي تضلل الأمة بها أو يضلل جزء منها ببعضها، وهذه بعض الطرق في كيفية المواجهة عند الفئة العاملة، وعند الأمة بشكل عام.
وأخيراً وقبل أن أختم هذا الموضوع أقول: إن الاستقامة هي حياة الفرد، وحياة الكتلة، وحياة الأمة بشكل عام، وقد طلبها الحق تبارك وتعالى وشدد عليها حتى في أشد الفترات صعوبة في مراحل الدعوة التي مر بها رسول الله وصحبه، فقال مخاطبا رسوله ومن سار معه من المؤمنين: (فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا إنه بما تعملون بصير) هود 102. إن الله عز وجل لا يضيع عمل عامل وإخلاص مخلص لله، فهو يقول وقوله حق وصدق: (إن الله يدافع عن الذين آمنوا إن الله لا يحب كل خوان كفور، أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير) الحج 39. وأن هذه الأنواع من الحروب التي يشنها حملة لواء الكفر ضد حملة لواء الإسلام سواء أكان ذلك في التضليل أو في الحرب المادية، إنما هي حرب على الله تبارك وتعالى قبل أن تكون حرباً على حمل الدعوة قال تعالى: (إن الذين يحادّون الله ورسوله كبتو كما كبت الذين من قبلهم) المجادلة 5. (قد نعلم أنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون) الأنعام 33. ويقول عليه السلام: «من عادى لي وليا فقد بارزني بالحرب» رواه البيهقي.
وأن هذه الحرب التي تقف نداً لله عز وجل ولحملة لوائه من المؤمنين العاملين المخلصين مصيرها الهزيمة ومصير أتباع الحق والإيمان هو النصر المؤزر بإذن الله، قال تعالى: (إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الإشهاد) غافر 51، وقال تعالى: (فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله إن الله عزيز ذو انتقام) إبراهيم 47، وقال: (ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين) الأنفال 30، وقال: (ولقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال) إبراهيم 46، وقال: (يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا يتم نوره ولو كره الكافرون) التوبة 32، وقال:
(يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون) الصف 8، وقال: (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين) القصص 5، وقال: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون) النور 55.
فيجب على حملة الدعوة أن يكون عندهم اليقين بالنصر، وأن هذا النصر وفاء من الله العزيز الحكيم، وما هي إلا فترة من الاختبار والتمحيص حتى يأذن الله بنصره وتأييده، فتعود راية العقاب بإذن الله مرفرفة فوق ربوع الدنيا، ويعز أهل الإيمان ويذل أهل الكفر والنفاق، ويحق الحق ويزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً.
(وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً) الإسراء81.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
أبو المعتصم ـ بيت المقدس
2000-03-07