ميزان القوى وعلاقته بمفهوم النصر
2005/06/07م
المقالات
1,914 زيارة
ميزان القوى وعلاقته بمفهوم النصر
المقصود بميزان القوى أن تعرف الدولة الإسلامية مدى قوتها العسكرية بالنسبة إلى الدول الأخرى المنافسة لها، وبناء على هذه المعرفة تضع الدولة خططها السياسية والعسكرية لمواجهة الدول الأخرى، وتضع الأحزاب السياسية التي تسعى لإقامة الدولة الإسلامية في حسابها معرفة مقدار القوة التي تحتاجها لإقامة الدولة، والمحافظة على بقائها. وقوة الدول تكون مرتبطة بقوتها الفكرية، أي بقوة المبدأ الذي تستند إليه الدول في سياستها الداخلية والخارجية. فقوة المبدأ تنعكس على القوة العسكرية والاقتصادية للدولة، وعلى مدى تأثيرها في السياسة الدولية، وتنعكس قوة المبدأ أيضاً على القوة البشرية، وعلى مدى استعداد الأفراد للتضحية بأنفسهم وأموالهم في الدفاع عن المبدأ وحمله إلى الشعوب الأخرى.
==========================================================
إن قوة الدول لا تقاس فقط بالقوة العسكرية والاقتصادية، بل قوة الدول تقاس على أساس قوة المبدأ من خلال صحة العقيدة والمعالجات والقيم المنبثقة عن المبدأ، ومدى تجسد هذا المبدأ في الأمة والمجتمع، وتعتبر القيم المنبثقة عن المبدأ القوى الحقيقية التي تدفع الدولة والأفراد للتضحية بالغالي والنفيس في سبيل الدفاع عن المبدأ وحمله إلى العالم، وهذه القيم تنتج عنها القوة الروحية أو القوة المعنوية. فالعقائد السياسية التي ترعى شؤون الإنسان في الدنيا فقط، أي تفصل الدين عن الحياة، وتنكر علاقة الله في حياة البشر، أو تنكر وجود الله سبحانه وتعالى، لا تقر بالقوة الروحية، ولا تستند إليها، ولا تعرف إلا الأسباب العقلية أو العادية، وتحاول أن تستعيض عن القوة الروحية بالقوة المعنوية من خلال بعض الأفكار الفاسدة، مثل نشر الحرية والديمقراطية الزائفة، ولكن مهما فعلت الدول الرأسمالية لدفع جنودها للقتال من خلال هذه الأفكار، أو من خلال دفع المبالغ المالية الهائلة لجنودها، فإن هذه القوة المعنوية الزائفة تنهار أمام مظهر واحد من مظاهر غريزة البقاء، وهو حب الحياة والمحافظة عليها، فإذا كانت حياة الجندي الرأسمالي في كفة، والقيم المعنوية والمادية في كفة أخرى، اختار الجندي الرأسمالي حياته، وألقى بالقيم المعنوية والمادية وراء ظهره، وهذا ما حصل مع الجندي الأميركي في العراق، فبالرغم من جميع الحوافز التي قدمتها أميركا له فشلت في دعم صموده في القتال، وحاولت بعدها الاستعانة بالديانتين النصرانية واليهودية من خلال إرسال رجال الدين إلى العراق لدعم صموده، أو من خلال وصف الحرب على العراق بالحرب الصليبية، ولكنها فشلت في ذلك أيضاً. وحدها العقيدة الروحية السياسية التي ترعى شؤون الإنسان في الدنيا والآخرة، وهي المتمثلة في الإسلام وحده، هي القادرة على إيجاد القوة الروحية الصحيحة التي تتكسر جميع المشاعر الغريزية أمامها دون استثناء. فنوال رضوان الله عز وجل، ومفهوم الشهادة، يجعلان المسلم يحرص على الموت في سبيل الله أكثر من حرصه على الحياة ، نعم قد يقاتل النصراني واليهودي والبوذي والهندوسي، كل عن معتقده، لكنه لن يرقى إلى مستوى قتال المسلم لإظهار دينه والدفاع عن أمته، وقد ثبت هذا على مر العصور، حتى صار الجيش الإسلامي يوصف بأنه الجيش الذي لا يغلب، ومن هنا جاء الاختلاف بين المسلمين والكفار في النظرة إلى ميزان القوى. فالكفار لا يقرون إلا بالأسباب العقلية والعادية، أما المسلمون فأوجب الله عليهم الأخذ بالأسباب العقلية والعادية والشرعية، والإيمان بالأسباب العقائدية، فالله أوجب على المسلمين في جهاد الطلب قتال الكفار في حال كون قوة المسلمين نصف قوة الأعداء بقوله عز وجل: (الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) [الأنفال] فعندما تكون قوة المسلمين نصف قوة الكفار فهذا سبب من الأسباب الشرعية التي توجب جهاد الطلب في حق المسلمين، أما في حالة جهاد الدفع فالله أوجب على المسلمين دفع الأعداء عن بلاد المسلمين، مهما كانت قوة الأعداء كبيرة بالنسبة إلى قوة المسلمين. أما الكفار فلا يقاتلون المسلمين إلا عندما تكون قوتهم أضعاف قوة المسلمين، وهذا يبين الفرق بين نظرة المسلمين ونظرة الكفار إلى ميزان القوى، فالشارع لم يترك للمسلمين تقدير ميزان القوى، بل تدخل في ذلك ورتب على ذلك أحكاماً شرعية متعلقة بجهاد الطلب وجهاد الدفع، ومتعلقة بالمعاهدات الاضطرارية وبإقامة الدولة الإسلامية، وجعل نصر المسلمين متعلقاً بها وهو المتحكم بها. فالذي ندين الله به أن النصر من عنده عز وجل، فالله عز وجل يقول: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) [محمد] ونصر المسلمين لله عز وجل يكون بإقامة دينه والالتزام بأحكامه، والنصر لا يحتاج إليه تعالى، وإنما يحتاج إليه المخلوق، ولكن أخبر الله بذلك ليمتثل الخلق ما أمرهم به، فنصر المسلمين هو حتماً من عند الله؛ لأن الله حصر نصر المسلمين بنفسه عز وجل إذ يقول: (وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللَّه) [الأنفال 10] ولفظ النصر في اللغة أخص من لفظ المعونة، إذ المعونة تشمل كل شيء، أما النصر فيختص بالإمداد بالقوة ودفع الضرر ومنه قوله تعالى: ( وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ )[الأنفال 72]، ومنه أيضاً قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً»، ومنه أيضاً طلب النصرة لإقامة الدولة، ونصر الله للمسلمين يَكون من هذا القبيل، ومعجزات الأنبياء قد انتهت، فنصر الله يكون ضمن دائرة التكاليف الشرعية، فالغلبة على العدو تحتاج إلى قوة؛ لذلك عندما يريد الله نصر المسلمين على أعدائهم يتدخل في إمدادهم بالقوة، فيقويهم على أعدائهم ويضعف قوة الكفار، أي عندما ينصر الله المسلمين، وذلك بتقويتهم على أعدائهم ينتج عنه الغلبة، أو ما يطلق عليه النصر؛ لأن لفظ النصر يطلق على الفعل، وعلى نتيجة المعركة، والذي يوضح هذا الفهم، قوله تعالى: (ونَصَرْنَاهُمْ فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ )[الصافات]، والله سبحانه وتعالى غني عن العالمين فهو يقول: ( وَلَوْ يَشَاء اللَّهُ لانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ)[محمد 4]، ولكن جرت العادة أن ينتقم الله ويثأر من الكفار بأيدي المسلمين، كما قال تعالى: (قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ) [التوبة]، فالله شرع قتال الكفار مع قدرته على دمارهم وإهلاكهم بحوله وقوته، ونصر الله للمسلمين أي تقويتهم على أعدائهم. وإضعاف قوة أعدائهم تأخذ عدة أشكال كما بينها الله عز وجل في كتابه الكريم، ويجب الوقوف فيها عند النص منها:
1- تثبيت المسلمين عند لقاء العدو ومنه قوله تعالى: (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ) [الأنفال 12]، ومن ذلك تثبيت الله للأنبياء ومنه قوله تعالى: ( وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً )[الإسراء].
2- الربط على القلوب، وإنزال الأمنة والسكينة، وإبعاد وسوسة الشيطان، ومنه قوله تعالى: (إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ) [الأنفال] ومنه أيضاً: ( ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِّنكُمْ ) [آل عمران 154] لقد أوقع الله النعاس عليهم في مثل تلك الحال التي يطير في مثلها النعاس، فكان المؤمنون في غاية الأمن والطمأنينة، والمنافقون والكفار في غاية الهلع والخوف والقلق والاضطراب.
3- نزع رهبة الكافرين من قلوب المسلمين مهما كان عدد الكفار ومنه قوله تعالى: ( وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً) [الأنفال 44].
4- توفيق المسلمين باختيار أنجع الخطط العسكرية، واختيار أفضل مكان وزمان للمعركة، ومنه قوله تعالى: (وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ ۙ وَلَٰكِن لِّيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا) [الأنفال] وقوله: ( فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى )[الأنفال 17].
5- رصّ صفوف المسلمين والتأليف بين قلوبهم، ومنه قوله تعالى: ( وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [الأنفال].
6- تهيئة الظروف الدولية لانتصار المسلمين، وذلك باستنـزاف قوة الكفار وأموالهم من خلال إشعال الحروب بينهم، ومنه قوله تعالى: ( وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ) [الحج 40] ومنه قوله تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ) [الأنفال].
7- الإمداد بالأموال والبنين والثروات الطبيعية، ومنه قوله تعالى: ( وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا) [الإسراء].
8- إنزال الملائكة للقتال مع المسلمين، ومنه قوله تعالى: (بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ) [آل عمران].
ومن أشكال إضعاف قوة الكفار:
1- قذف الرعب والخوف والهلع والجزع في قلوب الكفار، ومنه قوله تعالى: ( سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُواْ بِاللَّهِ ) [آل عمران 151]، ومنه قوله تعالى: ( هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ) [الحشر 2].
2- تكثير عدد المسلمين في أعين الكفار، ومنه قوله تعالى: ( وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولاً ) [الأنفال 44].
3- تسليط الريح على جيش الأعداء مثل ما حصل في معركة الخندق، ومنه قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا) [الأحزاب].
4- استنـزاف قوة الكفار وأموالهم من خلال إشعال الحروب بينهم، ومنه قوله تعال: ( وَلَوْلاَ دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) [البقرة].
5- دب نار الفتنة والاختلاف في جيش الأعداء، ومنه قوله تعالى: ( وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ) [المائدة 64].
6- استدراج الكفار للوقوع في أخطاء عسكرية، ومنه قوله تعالى: (سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ) [الأعراف].
هذه بعض النماذج في كيفية تقوية الله للمسلمين وإضعاف قوة الكفار، ولكن نصر الله للمسلمين من خلال تقويتهم على أعدائهم لا يتم إلا بعد أن يلتزم المسلمون بما أمرهم الله ، ومن ذلك .
1- إقامة الدين الإسلامي، وإقامة الدين تكون بتطبيق الإسلام عملياً على أرض الواقع من خلال الدولة الإسلامية، أو العمل على إقامة الدين من خلال حزب يعمل لإقامة الدولة الإسلامية، ومنه قوله: ( الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ) [الحج].
2- إعداد العدة والقوة من قبل الدولة الإسلامية لقتال الكفار لحمل الإسلام، ومنه قوله تعالى: (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ) [الأنفال] ومن ذلك أيضاً البحث عن القوة اللازمة لإقامة الدولة الإسلامية، وهذا يكون من خلال طلب النصرة.
3- عدم التنازع والاختلاف ومعصية أوامر الخليفة أو الأمير، ومنه قوله تعالى: (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) [آل عمران].
4- الصبر والثبات عند لقاء العدو، وذكر الله سبحانه وتعالى، ومنه قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ*وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [الأنفال]، ومن ذلك أيضاً الصبر أثناء إقامة الدولة الإسلامية ومنه قوله تعالى: ( وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ )[الطور].
5- عدم الركون إلى الظالمين ومنه قوله تعالى: ( وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ )[هود].
6- المرابطة وتقوى الله سبحانه وتعالى، ومنه قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) [آل عمران] وقوله: ( إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ) [النحل].
هذه بعض الفروض التي أوجب الله على المسلمين العمل بها حتى ينـزل نصر الله تعالى عليهم، أما في حالة مخالفة المسلمين بعض الأوامر، وبخاصة الأوامر المتعلقة بالقتال، فإن الله سبحانه وتعالى يرفع نصره عن المسلمين، وهذا ما حصل في معركة أحد، فالله سبحانه وتعالى صدق المسلمين وعده في أول النهار، وكان النصر لهم فيه، ولكن بعد أن جبن بعضهم، وتنازعوا في الأمر الذي هو القتال، وعصى الرماة أمر الرسول لهم، رفع الله المعونة عنهم؛ فأدى ذلك إلى هزيمتهم في تلك المعركة، فالله سبحانه وتعالى يقول: (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ )[آل عمران]، وجعل الله الدولة عليهم حيث قال: ( وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ) [آل عمران 140]، أما في حالة تعطيل حكم الله عز وجل بالكلية، وذلك بالسكوت عن غياب دولة الإسلام، وعدم العمل لإقامتها، فإن الله لا يرفع نصره عن المسلمين ويجعل الدولة عليهم فقط، بل يسلط عليهم أعداءهم، وينـزع مهابتهم من صدور أعدائهم، ولا يستجيب لدعائهم، ومنه قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوهم من غيرهم فأخذوا بعض ما كان في أيديهم، وما لم يحكم أئمتهم بكتاب الله عز وجل ويتخيروا فيما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم» رواه ابن ماجة، وقوله صلى الله عليه وسلم: «لئن تركتم الجهاد، وأخذتم بأذناب البقر، وتبايعتم بالعينة، ليلزمنكم الله مذلة في رقابكم لا تنفك عنكم حتى تتوبوا إلى الله، وترجعوا على ما كنتم عليه» رواه أحمد. وقوله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفس محمد بيده لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً من عنده ثم لتدعونه فلا يستجاب لكم» رواه أحمد.
هذه بعض الكيفيات التي ينصر بها الله المسلمين على أعدائهم في الدنيا ومن لا يشهد من المسلمين هذا النصر في الدنيا فإن الله ينصره في الآخرة، ونصر الله له في الآخرة يكون بالاقتصاص والانتقام له من أعدائه الذين عذبوه أو سجنوه أو قتلوه في الدنيا كما قال تعالى: (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ )[غافر]، فنصر الله للمسلمين وعد منه عز وجل، والله لا يخلف الميعاد حيث يقول: ( وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) [الروم]، ونصر الله للمؤمنين هو من الأمور التي طلب الإيمان بها، لأنها متعلقة بالله عز وجل، وكل من ينكر ويجحد هذا الأمر والعياذ بالله، فقد أخرج نفسه من الإسلام، وتجب عليه التوبة إلى الله عز وجل، فالله سبحانه وتعالى يقول: ( مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاء ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ) [الحج]، أي من كان يظن أن لن ينصر الله المؤمنين في الدنيا والآخرة فليمدد بحبل (وهو السبب) إلى السماء، أي سقف البيت، فليختنق به. فبالرغم من جميع هذه الآيات التي تبين أن النصر من عند الله، ترى كثيراً من المسلمين يتساءلون: كيف يمكن أن تثبت دولة الخلافة الوليدة أمام قوى الكفر التي تتربص بها الدوائر؟ وهل يمكن أن تقوم للإسلام دولة مع وجود هذه القوى الهائلة؟ وتراهم يخشون قوى الكفر، ويقعدون عن العمل لإقامة الخلافة على منهاج النبوة، التي وعدوا بها من ربهم ورسولهم، ويرضون بالدون من العيش، وبالذل والصغار، وبالهوان والفقر، وبالغثائية والفرقة… نقول لهؤلاء أن يتقوا الله ويلتزموا دينه، ويعملوا لإقامة دولة الخلافة على منهاج النبوة، وأن يوقنوا أن الله ناصر هذا الدين حتماً، وأن الخلافة قائمة بإذن الله، وأن أميركا ستصبح قريباً صفحات مظلمة في تاريخ الشعوب، ونختم هذا الموضوع بقوله تعالى: ( أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيب) [البقرة].
أبو أحمد الشرباتي – القدس
2005-06-07