العدد 220 -

السنة التاسعة عشرة جمادى الأولى 1426هـ – حزيران 2005م

أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدعوة (1)

أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدعوة (1)

أخرج الطبراني عن عبد الله بن سلام t قال: إن الله عز وجل لما أراد هدى زيد بن سُعْنَة، قال زيد: ما من علامات النبوة شيء إلا وقد عرفتها في وجه محمد صلى الله عليه وسلم حين نظرت إليه إلا اثنتين، لم أخبُرهما منه: يسبق حلمه جهله، ولا تزيد شدة الجهل عليه إلا حلماً. قال زيد فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً من الحجرات ومعه علي، فأتاه رجل على راحلته كالبدوي، فقال: يا رسول الله، لي نفر في قرية بني فلان قد أسلموا ودخلوا في الإسلام، وكنت حدثتهم إن أسلموا أتاهم الرزق رغداً. وقد أصابتهم سَنَةٌ وشدة وقحط من الغيث، فأنا أخشى، يا رسول الله، أن يخرجوا من الإسلام طمعاً كما دخلوا فيه طمعاً؛ فإن رأيت أن ترسل إليهم بشيء تغيثهم به فعلت. فنظر إلى رجل إلى جانبه -أراه علياً- فقال: يا رسول الله ما بقي منه شيء. قال زيد بن سعنة، فدنوت إليه فقلت: يا محمد، هل لك أن تبيعني تمراً معلوماً في حائط بني فلان إلى أجل معلوم… فبايَعَني… فأعطيته ثمانين مثقالاً من ذهب، فأعطاه الرجل وقال: «اعدل عليهم وأغثهم».

قال زيد: فلما كان قبل مِحَلِّ الأجل بيومين أو ثلاثة… أتيته، فأخذته بمجامع قميصه وردائه، ونظرت إليه بوجه غليظ، وقلت له: يا محمد، ألا تقضيني حقي؟ فواللهِ، ما عُلِمتم بني عبد المطلب إلا مُطْلاً، ولقد كان لي بمخالطتكم علم، ونظرت إلى عمر وعيناه تدوران في وجهه كالفلك المستدير، ثم رماني ببصره فقال: يا عدو الله، أتقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما أسمع؟ وتصنع به ما أرى؟ فوالذي نفسي بيده لولا ما أحاذر فوته لضربت بسيفي رأسك، ورسول الله ينظر إلي في سكون وتؤدة، فقال: «يا عمر، أنا وهو كنا أحوج إلى غير هذا: أن تأمرني بحسن الأداء، وتأمره بحسن اتباعه، إذهب به يا عمر، فأعطه حقه، وزده عشرين صاعاً من تمر، مكان ما رَعْتَه».

قال زيد: فذهب بي عمر فأعطاني حقي وزادني عشرين صاعاً من تمر، فقلت: وتعرفني يا عمر؟! قال: لا. قلت: أنا زيد بن سعنة. قال: الحبر؟ قلت: الحبر. قال: فما دعاك إلى أن فعلت برسول الله ما فعلت، وقلت له ما قلت؟ قلت: يا عمر، لم يكن من علامات النبوة شيء إلا وقد عرفت في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نظرت إليه إلا اثنتين، لم أخبُرهما منه: يسبق حلمه جهله، ولا تزيد شدة الجهل عليه إلا حلماً، وقد اختبرتهما. فأشهدك، يا عمر، أني قد رضيت بالله رباً، وبالإسلم ديناً، وبمحمد نبياً… فرجع عمر وزيد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال زيد: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. وآمن به وصدقه، وبايعه، وشهد معه مشاهد كثيرة. ثم توفي في غزوة تبوك، مقبلاً غير مدبر، رحم الله زيداً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *