العدد 154 -

السنة الرابعة عشرة _ ذو القعدة 1420هـــ _شباط 2000م

خبير ألماني: على الغرب التعامل مع الإسلاميين وإلا سيدفع الثمن عند وصولهم إلى الحكم

– فيينا ـ قدس برس ـ

  في محاضرة ألقاها في العاصمة النمساوية ناقش خبير ألماني في شؤون الشرق الأوسط قضية «تهديد الإسلام السياسي لأوروبا بين الاختلاق والواقع» واستعرض مارسيل بوت في أمسية خاصة أقيمت في منزل المستشار النمساوي الراحل برونو كرايسكي أبعاد مسألة الخطر الإسلامي التي حازت في السنوات العشر الأخيرة على اهتمام متزايد، وجاءت المحاضرة التي استضيف فيها بوت الكاتب والإعلامي البارز في ألمانيا والمختص في شؤون الحركات الإسلامية بدعوة من منبر كرايسكي للحوار الدولي بفيينا.

  وفي بداية محاضرته اعترف مارسيل بأن صورة الإسلام في أوروبا مثقلة بالنمطيات السلبية والأحكام المبدئية، وترتبط هذه الصورة في أذهان الكثير من الأوروبيين بالنار والسيف، ولكن على العكس من ذلك فإن الإسلام كما المسيحية له العديد من الأوجه، أما الإسلامية فهي حركة سياسية متقدمة اليوم بقوة في العالم العربي والإسلامي، وعلينا في الحقيقة أن نتعامل مع الإسلاميين سواء أعجبونا أم لم يعجبونا.

  والإسلام بدوره أكثر من مجرد «الإسلامية»، فهناك الإسلام المتزمت، والإسلام الأصولي، والإسلام الصوفي، وغير ذلك من الأشكال، ويمكن أن يلحظ أن الإسلاميين يمتازون بتوجههم المعادي للغرب إجمالاً، كما قال وأضاف بوت يقول: الإسلاميون لديهم أهداف واضحة عبر استراتيجية مزدوجة، وهي استحداث نظام ثيوقراطي من جانب وتحسين الأوضاع الاجتماعية للجمهور من جانب آخر.

  ويجدر بنا أن نقر بأن كافة الأنظمة في العالم العربي والإسلامي، من المغرب وحتى اليمن، تعاني من تراجع اقتصادي، وعلاوة على ذلك فلا توجد فيها مطلقاً ديمقراطية حقيقية أو صحافة حرة أو حرية رأي أو قضاء مستقل، ومن ينتقد السلطة الحاكمة فعليه أن يقبع في السجن على أقل تقدير.

  وأما الإسلاميون فيتقدمون لأن الأوضاع الاجتماعية في تراجع، كما أن كافة القوى السياسية الأخرى كالبعثيين والاشتراكيين قد فشلوا في مشروعاتهم على أرض الواقع لأنهم ارتكبوا أخطاء كبيرة، ولنا أن نتخيل حجم الأعباء الاجتماعية المتزايدة على أقطار المنطقة في ظل التزايد البشري الهائل فيها، فالمشكلة الديمغرافية تحمل معها انعكاسات خطيرة على الأجيال الشابة التي لا تتمتع بأية فرصة حقيقية في المستقبل، ويتساءل بوت: أما لماذا آلت الأوضاع إلى هذا الحد، فلأن الأنظمة الأوليجاركية (طبقة المنتفعين المتنفذين) الحاكمة لا تعنى سوى برفاهها الخاص على نفقة الجمهور والشعوب، وفي الواقع فإن الإسلاميين يحظون بتأييد جماهيري واسع في الجامعات، كما يتمتعون بتعاطف كبير في الأوساط الأكاديمية.

  وطرح الخبير البارز تساؤله الأهم في المحاضرة، هل تشكل القوى الإسلامية الصاعدة مصدر تهديد لنا؟ وأجاب يقول: أنا لا أعتقد أن هناك خطراً إسلامياً، فالمسلمون يقاتلون بعضهم البعض في المقام الأول، والنزاعات الداخلية بين دول العالم العربي والإسلامي ماثلة أمام الأنظار، أما الخطر الذي أراه بالفعل فهو أن الغرب إن لم يبادر إلى التعامل مع الإسلاميين بمختلف تياراتهم فسيدفع الثمن حتماً عندما يصل الإسلاميون إلى الحكم، وهو الأمر الذي يمكن أن يحدث في أي وقت.

  وإذا ما وصل الإسلاميون إلى السلطة فإنهم سينهمكون في البدء في ترتيب بيتهم الداخلي، وهذا ما بدأ به الخميني مثلاً عندما شرع في البداية بإعداد نظامه الداخلي، ويلاحظ من النموذج الإيراني أن السياسة الخارجية تأخذ بالميل تدريجياً نحو مزيد من التعاطي مع الآخرين عما كان عليه الحال قبل عشر سنوات، وهذا يحدث بغض النظر عما إذا كسب خاتمي الصراع الثقافي أم لم يكسبه.

  وانتقل مارسيل بوت ليركز على معالجة انعكاسات القضية الفلسطينية على العلاقة الحساسة بين أوروبا والعالم الإسلامي، وشرع بالتأكيد بأن قضية فلسطين هي قضية مستوردة إلى منطقة الشرق الأوسط واستطرد يقول: تذكروا أننا كأوروبيين مسؤولون في العام 1917 عن نشوء المشكلة الفلسطينية إذ صدر وعد وزير خارجية بريطانيا آنذاك جيمس آرثر بلفور، وبموجب ذلك تعهدت حكومة الملك البريطاني بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين ولقد دعم الإنجليز من جانبهم الحركة الصهيونية بقوة كما شجعوا الهجرة اليهودية إلى فلسطين وحسب نظر الفلسطيني والعربي فإن تأسيس دولة إسرائيل هو نتيجة مباشرة للسياسة الاستعمارية البريطانية ولسياسة الهولوكوست الألمانية، وكان تشجيع الإنجليز للهجرة اليهودية إلى فلسطين نابعاً من كونهم أيضاً معادين للسامية وأرادوا من وراء ذلك أن يستخدموا اليهود لتحقيق مصالحهم.

  وذهب إلى أن خطورة قضية فلسطين تنبع كذلك من كونها بؤرة محتملة لتصدير الإرهاب إلى أوروبا، والخطر موجود بالفعل، ولكنني لا أرى سيناريو محدداً لتلك الكارثة، ولكنني أوصي بعدم النظر إلى المنطقة العربية والإسلامية بعيون أمريكية فمصالح الأميركان من آسيا الوسطى إلى المغرب ليست هي مصالحنا، فنحن كأوروبيين علينا أن ننظر إلى الأمر وفق اعتباراتنا نحن، كما أن علينا أن نلاحظ أن أميركا تهدف من خلال تواجدها في الخليج إلى الاحتفاظ بأهداف جيو سياسية.

  وقال بأن السياسة الأوروبية قد ارتكبت أخطاءً فادحة إزاء المسلمين في القارة والأمر يبدأ بالتدريس الإسلامي فألمانيا مثلاً تبرر عدم سماحها طوال السنوات الماضية بتدريس الدين الإسلامي في المدارس العامة بعدم وجود طرف موحد تستطيع أن تتعامل معه من المسلمين لإقرار أمر كهذا، والنتيجة أن المدارس القرآنية التي تديرها «ملي غوروش» تشكيل إسلامي ناشط في أوروبا يعد امتداداً لحزب الفضيلة التركي، قد كسبت الجيل الثاني إلى جانب نظامها التعليمي، ومن يبشر بكراهية الأعراق ويدعو إلى عدم التسامح بين ظهرانينا فلا متسع له بيننا، ولا بد من تدريس الدين الإسلامي باللغة الألمانية وحدها، وغير ذلك يؤدي إلى إنشاء «غيتو» كما قال.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *