العدد 221 -

السنة التاسعة عشرة جمادى الآخرة 1426هـ – تموز 2005م

ليكن انتصار المقاومة في العراق انتصاراً لجميع المسلمين العراق

ليكن انتصار المقاومة في العراق انتصاراً لجميع المسلمين العراق

تستمر أميركا في احتلالها للعراق للعام الثالث من غير أن تحقق انتصاراً، وهي تشعر أن مشروعها الإمبراطوري الذي جاء مع بوش قد علق بالرمال المتحركة العراقية، وقد بدا هذا واضحاً في التقرير السري الذي قدمه مايرز، رئيس أركان الجيوش الأميركية إلى الكونغرس بعنوان «تقويم المخاطر» وأشارت إليه وسائل الإعلام المختلفة في أوائل شهر أيار الفائت. وقد جاء في هذا التقرير: «إن الضغوط على القوات الأميركية في العراق وأفغانستان تعرقل سرعة تحقيق نصر جديد في نزاعات أخرى» وأشار براين وايتمن، المتحدث باسم البنتاغون، إلى هذا التقويم مقال «لا يعني أن القوات الأميركية أصبحت أقل قدرة على هزيمة أعدائها في أي مكان في العالم؛ إلا أنه ربما تواجه صعوبات في إنجاز مهماتها في الأوقات المحددة التي تنص عليها خطط الطوارئ». فالجيش الأميركي، إضافة إلى مناطق الشرق الأوسط، يواجه وضعاً متفجراً في شبه الجزيرة الكورية بعدما أعلنت كوريا الشمالية أنها تملك أسلحة نووية. كما ينذر تعاظم قوة الجيش الصيني، وبلوغ ميزانية وزارة الدفاع الصينية حداً مقلقاً بالنسبة لأميركا، بحسب تصريحات المسؤولين الأميركيين. وسير أوروبا نحو وحدة منافسة لها، وخططها المعدة لروسيا وجمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق لم تستطع تحقيقها كلها وبالتالي حمايتها، مع أنها لو كانت متفرغة، وغير منشغلة في العراق، لاستطاعت ذلك بسهولة… لقد جاء هذا التقرير ليكشف أن مشروع أميركا للتفرد في حكم العالم قد «بنشرت» دواليبه كما يقال. ويمكننا القول، بناء على ما تقدم، إن الخروج من العراق هو مطلب الإدارة الأميركية نفسها.

ولو جئنا إلى أرض الواقع، لوجدنا أن التململ بدأ يسري إلى كل جنبات المجتمع الأميركي، وبدأ الجميع هناك يتحدثون بالعلن عن ضرورة الانسحاب من العراق. وبدأت استطلاعات الرأي تشير إلى تدني شعبية بوش، وإلى أن قرار الحرب كان خطأ. ففي 21/6 أقرّ بوش بـ«خطورة الوضع هناك» وأضاف «أفكر في العراق كل يوم… كل يوم» وأضاف: «سأحاول التفكير (في العراق) لأنني أدرك أن أناساً هناك في خطر، وأنا قلق على عائلاتهم، وبالتأكيد كل مرة يسقط قتيل أصلي من أجله». وفي تصريح يعكس الجو المخيم داخل أميركا وصفت النائب بيلوسي، زعيمة الديمقراطيين، الحرب على العراق بأنها «خطأ فادح». وقدم عدد من أعضاء الكونغرس من الحزبين اقتراحاً للبدء بسحب القوات الأميركية بحلول تشرين أول من العالم المقبل على غرار الانسحاب من فيتنام، وذلك كجزء من «استراتيجية خروج» من العراق. وذكرت وسائل الإعلام في 22/6 أن الجنرال جون فاينـز قائد قوات التحالف أبلغ الصحافيين «أن أربع أو خمس كتائب من القوات الأميركية ستسحب من العراق، بعد الاستفتاء على دستوره» وقد جاء تصريحه هذا بمثابة مفاجأة؛ لأن الموقف الرسمي الأميركي التزم عدم تحديد أي جدول زمني لسحب القوات إلى ما بعد التأكد من قدرة القوات العراقية على ملء الفراغ الأمني. وفي جلسة استجواب أمام لجنة الشؤون العسكرية في الكونغرس اعتبر رامسفيلد أن «التزام موعد لسحب القوات الأميركية من العراق سيشجع المتمردين والقوى المعادية لأميركا في المنطقة» في حين حذر مايرز من أن الانسحاب من العراق «سيكون كارثياً قبل إكمال المهمة» وقال جون أبو زيد «إن مستوى التمرد بقي على حاله كما كان قبل ستة شهور» أي لم يضعف. وفي كلمة له أمام مجلس حلف الأطلسي حذر زيباري من أن «تداعيات الفشل (في العراق) ستتجاوز حدوده». وقد جاء تحذيره هذا بعدما قال بوش في الاجتماع نفسه إن «التقارير الواردة من الميدان تفيد أن الوضع عسير».

وبناء على ما ذكر، يمكن القول إن الخروج من العراق مطلب أميركي رسمي؛ لأنه يعوق مشروع بوش الإمبراطوري، وإنه وإن بدا أن إدارة بوش تعارض الانسحاب، ولكنها تعارضه فقط قبل «إكمال المهمة» كما قال مايرز. وهذه المهمة تقوم على إعداد قوات عراقية تستطيع حفظ النظام السياسي العميل لها، والذي عملت على إيصاله إلى الحكم عبر انتخابات ديمقراطية زائفة، والعمل على صوغ دستور يقوم على القيم الرأسمالية الأميركية، ينتهي الإعداد له في 15/8 القادم. وفي هذا قال بوش: «إننا نحقق تقدماً نحو بلوغ الهدف، وهو يتمثل بعملية سياسية تمضي قدماً في العراق، وفي تمكين العراقيين من الدفاع عن أنفسهم» ووعد بـ«إنجاز المهمة» باسم «السلام العالمي». وقال أمام مجلس حلف الأطلسي في 20/6: «ولكن مزيداً من العراقيين يتدربون للدفاع عن أنفسهم، وهذه هي الاستراتيجية التي ستنفذ، وستنجز هذه المهمة».

وفي سبيل دعم الحكم العراقي العميل تعقد أميركا المؤتمرات الدولية والإقليمية لدول الجوار والدول المانحة من أجل ضبط الحدود، وحفظ المكتسبات، وتسهيل ترتيب الأوضاع الداخلية والاقتصادية…

وفي سبيل استئصال المقاومة العراقية تقوم أميركا بعمليات عسكرية ضخمة (البرق، والرمح، والخنجر،والسيف) وهي عمليات على شدتها وإجرامها لم تستطع أن تحقق شيئاً. فما أن انتهت عملية البرق في بغداد، وأعلنت أميركا عن نجاحها، وابتدأت عمليات الرمح والخنجر في القائم، حتى ردت المقاومة، وبكثافة، وفي نفس المناطق التي نفذت فيها القوات الأميركية عملية البرق، وبعمليات نوعية، واعتبرت مؤشراً إلى تطور استراتيجية المقاومة وخططها وأسلوب تنفيذ هجماتها، مع استعدادها لمواجهة الطيران الأميركي بصواريخ مضادة من طراز «ستريلا»، وهذا يفسر أن استراتيجية المقاومين تقوم على عدم تمكين أميركا من تكوين قوات عراقية عميلة وتابعة للقوات الأميركية، يمكنها تسلّم مهمة حماية النظام العميل، وتأمين المصالح الأميركية بعد انسحاب القوات الأميركية.

وما يجدر ذكره هنا أن أميركا تعمل، وبقوة، كل ما من شأنه أن يظهر أن المقاومة العراقية تقوم عملياتها من منطلق طائفي، مستغلة أنها مقاومة سنية، بينما القوات العراقية التي تعدّها أميركا هي بمعظمها من الشيعة؛ وذلك لعدم تجاوب السنة مع أميركا. ومن أجل ترسيخ هذا الأمر، يقوم عملاء مأجورون لها بتفجيرات ضد الشيعة تارة، وضد السنة تارة أخرى، وتقوم باغتيالات علماء من الطرفين، بينما في الواقع، فإن المقاومة عندما تستهدف القوات العراقية إنما تستهدفها باعتبار أنها قوات عميلة، وليست شيعية.

إن فشل أميركا في تحقيق الحل العسكري في العراق، وعجزها عن القضاء على المقاومة ورأسها، جعل رايس، منذ أول أيام تسلمها للخارجية تقول إن الحل في العراق ليس عسكرياً، وهكذا كان، فقد ألجأ فشل الحل العسكري في العراق أميركا إلى سلوك طريق الحل السياسي مع الطرف الآخر. من هنا بدأنا نسمع عن عروضات تقدم لمن يقال عنهم أنهم سنة من مثل إشراكهم في لجنة صياغة الدستور عن طريق إشراك 25 عضواً منهم. وبدأنا نقرأ عن العمل لإلغاء قانون «اجتثاث البعث»، وتعديل قانون الانتخاب للسماح لحزب البعث بالمشاركة في الحياة السياسية، بالاسم ذاته، بعد إجراء تعديلات على هيكليته التنظيمية، وطرح برنامج سياسي جديد، وعن طريق إعادة الجيش العراقي السابق والذي قال عنه معن طه الجبوري رئيس «مؤتمر مناضلي الداخل» إنها «تمثل خطوة مهمة للقضاء على الأعمال العسكرية، وسحب البساط من تحت أقدام القوى الإرهابية. ثم إن أميركا، وعلى طريقة التفريق بين أطراف المقاومة، أخذت تصور، هي ومن معها من عملائها السياسيين، أن هناك مقاومة شريفة وهي مشروعة ويمكن التفاوض معها، وهناك مقاومة طائفية تكفيرية، تقتل الشيوخ والنساء والأطفال، فهؤلاء لا مجال للتفاوض معهم. إنها أساليب شيطانية تريد أن تتخذ بين حركات المقاومة سبيلاً.

هذا ما تسعى إليه أميركا للخروج من مأزقها، وإن على المقاومة عدم الانزلاق إلى أن تكون جزءاً من المشروع السياسي الأميركي. إن الشعب الأميركي مع قياداته السياسية، في الحكم وخارجه، يعيشون اليوم هاجس الانسحاب المذل من العراق على غرار فيتنام، وإنها لخطوات قليلة باقية أمام المقاومة لتصل إلى النصر، فعليها أن لا تضيعه بأن تدخل فيما تريده أميركا. فإن في دخولهم هذا إخراج لأميركا من ورطتها. بل على العكس، عليها أن تكثر من ضرباتها الشديدة في هذه الفترة. وعليها أن تظهر من الوعي بحيث تكون على عكس ما تصوَّر عليه من أنها طائفية، عليها أن تجعل انتصارها انتصاراً لجميع أهل العراق، نعم عليها أن تبقى موحدة على أهدافها، وأن تجعل غايتها من عملها إرضاء الله، وأن تشكل أهل قوة ونصرة لهذا الدين، وللعاملين على إقامته، حتى تقوم الخلافة الراشدة الثانية الموعود بها المسلمون في هذا الزمان، إن شاء الله تعالى. وأن تسعى لتكون هي الفئة المنصورة التي ذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم أنها لا تزال قائمة حتى يقوم هذا الدين، وبذلك يتحقق جميل الوعدين من الله ورسوله، وعلى الله قصد السبيل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *