العدد 226 -

السنة العشرون ذو القعدة 1426هـ – كانون الأول 2005م

كلمة الوعي: أميركا تريد تعويم فشلها العسكري بـ«مؤتمر الوفاق الوطني العراقي»

كلمة الوعي:

أميركا تريد تعويم فشلها العسكري بـ«مؤتمر الوفاق الوطني العراقي»

يعيش بوش هذه الأيام هاجس الانسحاب من العراق بعد أن كثرت الضغوط الداخلية عليه، نتيجة وصول القوات الأميركية إلى الحائط المسدود. فقد بدأ الديمقراطيون بالتحرك الجدي ضده، وبدأ التململ من سياسته يسري إلى صفوف نواب حزبه، وخاصة بعد أن أعلنت استطلاعات الرأي أن 63% ضد أداء بوش في العراق، و52% مع سحب القوات الأميركية. وقد عبر مايرز عن «قلقه من أن يؤدي فقدان الدعم الشعبي لحرب العراق إلى انسحاب سريع للقوات من هذا البلد» هذا وقد أثار جون مورثا، وهو نائب ديمقراطي يحظى باحترام واسع هناك، عاصفة سياسية عندما  طالب بالانسحاب الفوري من العراق، وقال: «إن الشعب الأميركي متقدم كثيراً على أعضاء الكونغرس. لقد فعلت القوات الأميركية وقوات التحالف كل ما في وسعها في العراق، وآن الأوان لتغيير اتجاهها». وقال لورين ثومبسون المحلل العسكري في معهد ليكسنغتون الفكري في واشنطن: «إن هذه التطورات تتخذ مساراً سياسياً مماثلاً لمسار حرب فيتنام» وقال: «إن صبر أعضاء من الحزبين (الديمقراطي والجمهوري) بدأ ينفد، وبالتالي يقولون إنهم لا يأبهون لعواقب الانسحاب» وقال أنطوني جيمس الخبير في مكافحة التمرد: «أعتقد أن إدارة بوش ستنتهي بطريقة سيئة للغاية، وتضطر في النهاية إلى مغادرة العراق»… وهذا غيض من فيض.

تجاه هذا الواقع الذي لا يستطيع بوش أن يتجاهله؛ لأنه ينتمي إلى حزب له مصالحه الانتخابية، ولأن موقف الإدارة الأميركية الحالية سيكون له تأثيره على فرص إعادة انتخاب رئيس جمهوري، بدأت تظهر ملامح استراتيجية خروج للقوات الأميركية من العراق.

وفي هذا الإطار جاء تحرك رجل أميركا وعميل استخباراتها إياد علاوي الذي دعا في 16/10 إلى «مؤتمر المصالحة الوطنية» ودعا إلى عودة البعث للعمل السياسي تحت مظلة حزبه «حزب الوفاق الوطني» وتحت شعار لمّ الشمل العراقي، ولكن هذا التحرك لم يسر خطوات حتى توقف واستبدل بتحرك أكبر وأشمل، وبتغطية عربية، عبر رجل آخر من رجال أميركا هو عمرو موسى، حيث أطلق في شهر تشرين أول، أي في الفترة نفسها، وخلال زيارته لبغداد، مبادرة وصفت أنها عربية كونه أمين عام جامعة الدول العربية، ولم توصف أنها أميركية لأن لا أحد ينعته بأنه عميل لأميركا. وهذه المبادرة تدعو إلى عقد «مؤتمر الوفاق الوطني العراقي» وقد انعقد الاجتماع التحضيري لهذا المؤتمر في (19-21/11) في القاهرة عند حسني مبارك سمسار أميركا المشهور. وقد ظهر جلياً من خلال ما طرح في كواليسه أنه كان يدار من قبل مسؤولين من الخارجية الأميركية والبنتاغون، الذين كانوا يفاوضون من سموا بـ «المجاميع المسلحة» عن طريق طالباني الذي أعلن أنه «مستعد للقاء الجميع، وأنه حريص على أن يلعب دور الراعي والقاسم المشترك بين الأطراف، وأن جهوداً سيبذلها خلال المؤتمر لتقريب وجهات النظر، والوصول إلى حلول». وقد ظهر جلياً أيضاً أن أميركا تريد من هذا المؤتمر، الذي اتفق على أن يتم انعقاده في أواخر شباط وأوائل آذار من العام القادم، أن يكون شبيهاً باتفاق الطائف في لبنان، والذي أدى إلى حل لأزمة الحرب الأهلية فيه بحسب مصلحتها.

أما كيف تريد أميركا أن تمسك بالوضع في العراق من خلال هذا المؤتمر؟ فإن ذلك تجلى بما خرج به الاجتماع التحضيري من نقاط:

l الاعتراف بالمقاومة المسلحة الوطنية، ومفاوضتها على مطالبها، وتشجيعها على الانخراط في الحوار والعملية السلمية.

l المطالبة بانسحاب قوات الاحتلال من العراق، وربط جدولة الانسحاب ببناء قواته المسلحة الوطنية والأمنية على أسس تمكنها من السيطرة على الوضع الأمني، وإنهاء العمليات الإرهابية.

l الموافقة على المشاركة في الانتخابات، واحترام رأي الشعب العراقي في اختيار ممثليه.

لقد فتح هذا الاجتماع التحضيري للمؤتمر الباب المغلق بين أميركا والمقاومة المسلحة للتفاوض. وقد نقلت وسائل الإعلام أن أميركا منحت المشاركين في الاجتماع الضوء الأخضر للخوض في مسألة المطالبة بجدولة خروج القوات الأميركية. فقد رشحت معلومات عن أفكار تم تداولها في الاجتماعات السرية تقضي بانسحاب قوات الاحتلال من داخل المدن إلى مواقع تجمعات عسكرية خارجها خلال 6 أشهر. وهذا اقتراح أميركي على أن تطول فترة الانسحاب الكامل مدة عامين. وقد تحدثت الأخبار عن نية أميركا بناء جيش عراقي قوامه (210) آلاف جندي تدربهم وتسلحهم وتهيئهم للقيام بعمليات البطش الهائل نيابة عن الجيش الأميركي المحتل، وهذا ما يسمونه بـ«المقاومة بالباطن» وقد صرح رامسفيلد بأن جزءاً من القوات الأميركية سيبقى لتدريب القوات العراقية، وللتدخل السريع حين تقتضي الحاجة، ودعم الجيش العراقي خاصة إذا تم الانسحاب قبل اكتمال تدريبه.

وفتح هذا الاجتماع التحضيري للمؤتمر باب المشاركة الواسعة بالانتخابات التي ستجري في 15/12، وهذا يعني قبول الجميع بنتائجها، وقبولهم بالدستور الذي أجريت على أساسه، وقبولهم بنظام الحكم الذي ستسفر عنه، والذي سيكون نظاماً عميلاً، زعماؤه أمثال من نرى من علاوي، والجعفري، والدليمي، وباقرجبر، وحازم الشعلان…

وفتح هذا الاجتماع التحضيري باب ضرب المقاومة المسلحة التي لا توافق على السير في مبادرتها بحيث تبدو وكأنها خارجة على القانون الدولي، وتهدد السلم الأهلي والدولي، وبالتالي نعتها بالإرهابية..

هذه هي البنود التي تم التوصل إليها كإطار للبحث، وهذه البنود ستكون محور اللقاءات والمفاوضات بين سائر الأطراف، بما فيها الأميركيين، طيلة الفترة التي تفصل عن انعقاد المؤتمر الأساسي.

إن مثل هذا المؤتمر إذا انعقد وتمخض عما تريده أميركا فإنها تكون قد حققت النجاح وتلافت الفشل، واستطاعت أن تحقق بالمفاوضات ما لم تستطع تحقيقه بالقوة. وإن التركيبة الطائفية التي غرستها قوات التحالف سيبقي الأمر بيد قوات التحالف. ومهما حصل عليه المقاومون، فلن يحصلوا إلا على بضع مقاعد نيابية ووزارية، وسيشكلون أقلية عليها أن تخضع للأكثرية، بموجب قبول المشاركة في العملية الانتخابية.

هذا ما تخطط له أميركا، وإن أميركا إذا سحبت قواتها من العراق، فإنها ستفكر في سحبها إلى أماكن أخرى، قد تكون الكويت، وقد يكون الأردن، وقد يكون لبنان… كما يرشح من كلام، وذلك لتكون قريبة من أي تغيير إسلامي لا ترغب فيه… وربما تعلمت درساً من العراق، وهو أن لا تخوض حرباً طـويلة من الآن فصـــاعداً، بل حــروباً قصــيرة مكـثفة كما يقتــرح كولن باول حين قال: «إنه يفضل الحروب القصيرة المكثفة ذات الأهداف المحددة الواضحة؛ بسبب صعوبة الاحتفاظ بالدعم الشعبي للحروب الطويلة».

أيـّها المسلمون

إن أميركا تريد أن تنقذ نفسها بالمفاوضات، وإن المفاوضات قد تكون أخطر من الحروب بنتائجها، بل قد تحقق ما لم تستطع الحروب نفسها أن تحققه. وإن أميركا سوف تستعمل خبرتها ودهاءها في المفاوضات، وسوف تعمل على تحويل هزيمتها إلى نصر، فالحذر الحذر من الشيطان الأميركي.

أيـّها المسلمون

إنه لن يضع حداً نهائياً للوجود الأميركي، ويقطع دابرها في المنطقة إلا دولة إسلامية تجمع المسلمين على صعيد واحد، وهذا أمر تخوّف منه بوش وصحبه، ونحن نسأل الله أن يجعله واقعاً تقرّ فيه أعيننا بالجهاد في سبيله، وإعلاء كلمته، ونشر دينه، دين الحق الذي يحتاج المسلم وغير المسلم إلى العيش في رحابه، إنه على ما يشاء قدير قال تعالى: ( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا ) [الفتح 28].

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *