العدد 227 -

السنة العشرون ذو الحجة 1426 هـ – كانون الثاني 2006م

الإسلام والغرب وجهاً لوجه

الإسلام والغرب وجهاً لوجه

لم يعد بإمكان أحد قط إغفال تلك الحملة المعادية للإسلام. والتي طالما تم طرحها تحت عناوين شتى، كالحرب «الوقائية»، والحرب على «الإرهاب»، وعولمة ثقافة «حقوق الإنسان»، ونشر «الديمقراطية»، وما شاكل من مزاعم ليس مقام بحث زيفها وتداعيها ونسبيتها هنا.

=================================================================

لقد اعتاد الغرب، بغية إحداث شرخ بين المسلمين، تناول الإسلام في خطابه الرسمي مُـقَـسِّـماً المسلمين إلى «معتدلين» و«متطرفين»، محاولاً بذلك تشتيتهم، طامحاً إلى تفريخ إسلام مرن ومتطور ومائع؛ ليفقد الإسلام خصائله ومميزاته، تلك التي تجعل منه ندّاً لحضارة الغرب الزائفة، وليس ذائباً فيها. إلا أننا شهدناها في الآونة الأخيرة هجماتٍ فجَّـةً ومباشرةً ومتعاقبةً في آن معاً على قضايا تمس أحكاماً مجمعاً عليها، كتحكيم الشريعة والخلافة وجهاد المحتلين الغزاة، حيث باتت الدعوة لما سبق تهمة، كما أصبح التعرض لـ(إسرائيل) ولو بمجرد الكلام، أمراً مثيراً لسخط الغرب ومؤججاً لغضبه بشكل غير مسبوق. ولعل شن حملة على الإسلام بشكل مباشر ومن غير مواربة، يشير إلى أن حملة علمنة الإسلام لم تحقق المرجو منها؛ ولذلك فقد آثر الغرب أخيراً مواجهة الإسلام كما هو، واصفاً جوهر ما يقوم عليه بأيديولجية شر لابد من وأدها في مهدها.

وهكذا صرنا نرى أبعاد الصراع واضحة المعالم، وجهاً لوجه بين عامة أمة الإسلام من جهة، والغرب مجسداً بالقوى الرأسمالية الكبرى من جهة أخرى، وبات واضحاً للعيان أن «سيمفونية» القضاء على الإرهاب ونشر الديمقراطية وغيرها من الترهات، ما هي إلى مجرد حجج لاستئصال الإسلام وتركيع المسلمين.

وبما أن أية أمة لا يمكن أن تدخل حلبة الصراع الدولي بشكل فاعلٍ من غير أن ينتظم عقدها في كيان سياسي تمثله دولة بكل مقوماتها وإمكانياتها، وأن مشروع دولة الخلافة هو ما يحقق ذلك وحده دون سواه للمسلمين، الأمر الذي يفسر صب الغرب جام غضبه على فكرة الخلافة، بغية الانتقاص منها وإضعاف الداعين إليها، محاولاً تشويهها وتقديمها في ثوب يقطر دماً ويقدح شراً.

وفي هذا السياق تأتي تصريحات وزير الداخلية البريطاني تشارلز كلارك الأخيرة موضحاً: «إن مسألة عودة الخلافة وتطبيق الشريعة الإسلامية أمران مرفوضان لا يقبلان النقاش أو المساومة» معتبراً «أن هذه القيم أساسية وغير قابلة للتفاوض…» وقد سبقه إلى ذلك رئيس وزراء بريطانيا توني بلير حيث أعلن تبنيه لما سلف مضيفاً إلى موضوع القضاء على دولة (إسرائيل)، معتبراً «أن تحكيم الشريعة في العالم العربي، وإقامة خلافة واحدة في بلاد المسلمين، وإزالة نفوذ الغرب منها، هو أمر غير مسموح به ولا يمكن احتماله مطلقاً».

وعلى النمط البريطاني، قام رموز الإدارة الأميركية بالتحذير بشدة من الخلافة، فبعد تتالي وتكرار تحذيرات الجنرال مايرز ورامسفيلد من الخلافة، فها هو بوش يحذر من قيام الدولة الإسلامية التي ستمتد من إندونيسيا إلى الأندلس، منبهاً إلى: «إن استراتيجية أوسع لناشطين إسلاميين تهدف إلى إنهاء التأثير الأميركي في الشرق الأوسط، واستغلال الفراغ الناجم عن ذلك، في الإطاحة بأنظمة الحكم في المنطقة» وأضاف: «إن المخطط الأكبر هو: إقامة إمبراطورية إسلامية متطرفة من إسبانيا وحتى إندونيسيا». ويتطابق هذا أيضاً مع ما ذهب إليه بوتين عن التهديدات التي تؤرقه في آسيا الوسطى، منبهاً إلى «إنه يوجد من يعمل على إسقاط الأنظمة العلمانية بغية إقامة دولة إسلامية في آسيا الوسطى».

والخشية من دولة الخلافة والتهجم عليها وعلى تحكيم الشريعة بهذا الشكل غير المسبوق، تحمل عدة دلالات، أسوق أبرزها على النحو التالي:

1- لا يوجد الآن نموذج ميداني يمثل المسلمين ويجسد هويتهم كأمة. وهذه حقيقة لا مراء فيها، حيث إن الأنظمة المقيتة المتحكمة بمصائر الأمة الإسلامية فاقدة الشرعية والشعبية، مسلطة عليها بغطاء جليٍّ من قبل الغرب، مشكلة حائلاً واضحاً دون نهضة الأمة ووحدتها.

2- إن الأمة الإسلامية قد أسقطت البدائل التي حاول الغرب تسويقها إليها، وأنها لم تعد ترى سوى الإٍسلام ملاذاً لها، كما أنها باتت جاهزة أكثر من أي وقت مضى لمعانقة التغيير الذي يوحدها، ويحكم شرع الله فيها، ويضع حداً لتمادي أعدائها عليها.

3- إن إصرار زعمار الدول الكبرى على الانتقاص من الشريعة والنيل من فكرة الخلافة بل وعملهم على تشديد قوانينهم لمحاربة أي شكل من الإسلام السياسي الذي ينتمي إلى فكرة الخلافة، ليدلُّ على حالة الأرق من احتمال نجاح دعاة الخلافة في تحقيق مشروعهم، ذلك الذي يشكل نموذجاً فريداً على الصعيد الدولي لمباينته كل ما هو موجود من أنظمة، مما سيغير قواعد اللعبة السياسية القائمة بشكل أساسي، ويشكل معها منعطفاً جديداً على صعيد النظام العالمي.

وخلاصة القول هو: إن نظرة متفحصة في الواقع الدولي، يجعل من الأمة الإسلامية وحدها هي من يستطيع إيجاد حد للسفه الذي ترعاه الدول الكبرى من خلال المؤسسات الدولية. وإن دولة الخلافة وحدها هي من سيجسد ذلك المشروع. ويرجع ذلك لطرح الإسلام رؤية إنسانية بحق، كبديلٍ عن الرأسمالية الفاسدة السائدة. أضف إلى ذلك أهلية الأمة الإسلامية للعب ذلك الدور حيث إنها تمتلك جغرافية استراتيجية هامة وحساسة، وثروات ومقدرات هائلة.

ولعل ما ذهبت إليه تصريحات كبار ساسة الغرب، وما أصدرته مراكز البحوث والدراسات العالمية من احتمال قيام دولة الخلافة، لينبئ بأن الجمر مشتعل تحت الرماد، وإن خطوات الغرب التي يتخذها الآن ضد فكرة الخلافة وأنصارها، ما هي سوى محاولة أخيرة يائسة منه لوأد تلك الفكرة قبل أن تنجب واقعاً يصعب التعامل معه. على كل فإن كثرة الحديث عن الخلافة من كبار ساسة الدول مرفقة بتقارير مراكز الدراسات الاستراتيجية في الغرب، لهي إحدى العلامات الهامة التي تنبئ بقرب بزوغ فجر دولة الخلافة من جديد، فكما قال الشاعر:

أرى خلل الرماد وميض نار
فإن النــار بالعــودين تذكـى

وأخشى أن يكون لهم ضرام
وإن الحرب مبدؤها كلام

حسن الحسن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *