العدد 152 -

السنة الرابعة عشرة _رمضان1420هــ _ كانون الثاني 2000م

طغيان الفسـاد السـياسـي

          من إندونيسيا شرقاً إلى السنغال غرباً تهمة واحدة تلاحق الحكام والسياسيين الذين يدعون تمثيل شعوبهم، وبعضهم يدعي أنه «ديمقراطي جداً» وإذا وُقّعت عريضة تكشف الفساد يُزج بالموقعين في السجن بحجة الحرص على ما يسمى «الوحدة الوطنية». سوكارنو وسوهارتو اتهُّما بالفساد، نواز شريف كذلك، مهاتير محمد أيضاً، حكام تركيا من طانسو تشيللر إلى مسعود يلماظ اتهموا بالفساد، عهد الحريري اتهم بالهدر والفساد، السلطة الفلسطينية اتهمت بالفساد من قبل عشرين وجيهاً، بعضهم أعضاء في المجلس التشريعي الفلسطيني. كل هذه الاتهامات يظن البعض أنها على سبيل الحصر، ويظن أن من لم يدخل اسمه القائمة هو من الصالحين المصلحين في الأرض، ولكن من يدري متى يدخل لائحة (شرف) الفاسدين المفسدين.

          على كل حال الناس تدري من هم المفسدون وكم عددهم، وتختزن كل الأسماء في الذاكرة، عسى يأتي يوم قريب كيوم تشاوتشيسكو، تتم فيه المحاكمة الميدانية الفورية، ويصدر الحكم العادل بحقهم، فلا دخان دون نار، والأصل هو الاتهام، وهؤلاء وأمثالهم يُصَدَّق عنهم، ففي هذا القرن الذي بيعت فيه الأرض والكرامة، وديست كل القيم، تصبح تهمة الفساد مديحاً بالنسبة لهؤلاء، فهذه هي الشطارة. والمتشاطرون قد يفتخرون بمنجزاتهم، ويضحكون على من لا يقتدي بهم، ويتهمونه بالسذاجة، فهو لا يعرف من أين تؤكل الكتف.

          إن كشف الفساد ضد أشخاص معينين، في وقت معين، هو عمل سياسي تقف وراءه دول محلية، أو دول كبرى مهيمنة، يُقصَدُ من ورائه خدمة مصالح هذه الدول، وحينما يتكتمون على فاسدين آخرين، فإنهم أيضاً يخدمون مصالحهم السياسية، وقد يحين الوقت الذي تضحي فيه الدول الكبرى ببعض عملائها، ممن أفنى عمره في خدمتها، فتكشف أوراقه للناس ويحاكم، بعد أن كان الناس يرونه على شاشة التلفاز، وهو يتحدث عن الشرف والصدق والأمانة والشفافية ونظافة الكف.

          قيل في الأمثال: «إن الذين يستحيون ماتوا». ويرد على هذا المثل (إن ربك لبالمرصاد ) والناس أيضاً يترصدون، وكل آتٍ قريب، وإن غداً لناظره قريب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *