العدد 228 -

السنة العشرون محرم 1427هـ – شباط 2006م

توظيف الحدث

توظيف الحدث

تقع أحيانا بعض المواقف والأحداث المخالفة للشرع، والتي تتنافى مع ثقافة الأمة الإسلامية وأخلاقياتها، مما يجعلها عرضة للانتقاد والتشنيع من الأطراف الأخرى، ووسيلة للدعاية ضد ثقافة الإسلام وأحكامه، كما أن هناك أصحاب الأقلام المسمومة والمأجورة من أبناء جلدتنا، فينبروا للكتابة والتحليل بالطعن والتشويه خدمة لاعداء الأمة، وفي هذه الأحوال يصاب بعض المسلمين بالحيرة والارتباك في كيفية التعامل مع هذا الحدث أو ذاك، فيقع البعض في شرك الدول الاستعمارية الكافرة، ويصبح بوقاً لما تريده هذه الدول.

=================================================================

لا شك أن الاستعمار وأعداء الأمة في كل زمان يستغلون أي حدث مهما كان للطعن في أفكار وأحكام الإسلام، ويضعون منهجية إعلامية ودعائية لتمرير وتحقيق أهدافهم الخبيثة، كما يعملون على جعل أبناء المسلمين ضمن دائرة منهجيتهم في التعاطي والتعامل مع الأحداث. إنه لمن الخطأ والجريمة الكبرى أن يتعامل أبناء المسلمين مع هذه الأحداث وفق المنهجية والصورة والإطار الذي يرسمه أعداء الأمة. والأصل والواجب في التعامل مع كل حدث مخالف للشرع يحصل هنا أو هناك على هذه الأرض، هو توظيف الحدث وتسخيره لخدمة الأمة ومبدئها وفكرها، وإظهار الأحداث الجسام التي ينـزلها علينا خصومنا وفظاعتها وضخامتها، إذا ما قيست بحدث هنا أو هناك، يحصل من إنسان أثيرت أعصابه أو التبس عليه الأمر، فانساق لعواطفه ومشاعره بدلاً من انسياقه لأفكار وأحكام الإسلام، فالحدث يجب أن يوظف ويسخر لنا لا علينا؛ لإعلاء دعوتنا وأفكارنا، وعدم الوقوف في حالة الدفاع والتبرير؛ لأنه دائماً وأبداً يكون في الدفاع والتبرير ضعف، أي يجب أن نجعل الدائرة تدور على الكفار أعداء الأمة بدلاً من أن تكون علينا.

إن الإسلام قد بيّن لنا كيفية التعامل مع الأحداث  المخالفة لشرعنا والتي ترتكب ضد الكفار, وأرشدنا إلى التعامل مع هذه الأحداث وفق منهجية خدمة ثقافتنا، وإظهار فظاعة وشناعة أفعال أعدائنا، إذا ما قيست بهذا الفعل أو ذاك. فالصورة مرت في عهد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وليست بدعاً في هذا العصر، ولنا في الصورة الواضحة الجلية خطاً مستقيماً يسلك ونبراساً يهتدى به.

ففي شهر رجب من السنة الثانية للهجرة بعث الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) سرية من المسلمين بقيادة عبد الله بن جحش، وأمرهم بالتوجه لرصد أخبار قريش, التي كانت تجسد حجر عثرة في سبيل الدعوة إلى الإسلام، وتكن العداء للمسلمين, وترسم الخطط، وتحبك المؤامرات ضد الإسلام، كحال الدول الاستعمارية اليوم, وأثناء مقام السرية في أحد الأمكنة, مرت قافلة تجارية لقريش, وقد كان ذلك في أواخر شهر رجب وهو من الأشهر الحرم, فتشاور عبد الله بن جحش وأصحابه ماذا يصنعون؟ وكيف يتعاملون مع  القافلة؟! لأن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يأمرهم بشيء، إنما أمرهم فقط برصد أخبار قريش, فترددوا في التصرف حتى قرروا في نهاية الأمر مهاجمة القافلة, فانقضوا عليها، قتلوا رئيسها وأسروا من فيها، وأخذوا العير، ورجعوا إلى المدينة.

هذا الحدث انتهزت قريش فرصته، واتخذت منه وسيلة للدعاية والتعريض بالرسول والإسلام والمسلمين بين قبائل العرب, ونادت قريش في كل مكان أن محمداً وأصحابه استحلوا الأشهر الحرم،  فسفكوا الدماء, ونهبوا الأموال، وأسروا الرجال, وقد أوجدوا بذلك رأياً عاماً ضد المسلمين, مما أحرج المسلمين وأدخل بعضهم في دائرة التأويل، فهناك من قال إن هذا حدث في شهر شعبان لا في رجب، (وشعبان ليس من الأشهر الحرم) وهناك من قال إن تحديد الشهر التبس على السرية. لقد أحرج ذلك المسلمين، سواء الذين في المدينة أم الذين في مكة، أما الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فقد فكر في هذا الحدث غير المتوقع وتوقف عن أخذ الأسيرين والمال، منتظراً حكم الله سبحانه وتعالى في هذا الحدث، حتى جاء الوحي بحكم الله في المسألة، وكيفية التعامل معها، فقد أنزل الله سبحانه وتعالى قوله: ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا ) [البقرة 217]، فكان في نزول هذه الآية تسرية عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لما كان فيها من رد مفحم على دعاوة قريش، وتحويل الدائرة على  قريش وأفعالها. والتحول من موقف الدفاع إلى الهجوم، فبين الله سبحانه وتعالى الحقيقة، وأجاب الناس عن تساؤلهم عن القتال في الأشهر الحرم بأنه إثم كبير، وقد وظف الشرع الحدث واستغله ضد قريش، ولمصلحة رسالة الإسلام السمحاء، فذكر، بعد بيانه حكم الشرع في القتال في الأشهر الحرم بأنه إثم كبير، أن الصد عن المسجد الحرام، وإخراج أهله منه، أكبر عند الله من القتال في الشهر الحرام والقتل فيه، وما فعلته قريش وتفعله من فتنة المسلمين عن دينهم، بالوعد والوعيد، والإغراء والتعذيب، أكبر من القتل والقتال في الشهر الحرام وفي غير الشهر الحرام، وأن قريشاً هذه التي تحاول الإرجاف والدعاوة ضد المسلمين، بسبب هذا الحدث، لايزالون يقاتلون المسلمين حتى يردوهم عن دينهم إن استطاعوا، فبيّن سبحانه وتعالى أن عمل هؤلاء الصحابة في سرية عبد الله بن جحش لا تذكر إذا ما قيست بأعمال قريش الإجرامية، فالأولى أن تذكر هذه الكبائر، وأن تحاسب قريشاً عليها. فكان في ذلك أروع أسلوب لتوظيف الحدث وتسخيره لخدمة الإسلام والدعوة الإسلامية. فعند النظر إلى الأحداث المخالفة للشرع، والتي تقع هنا أو هناك ضد الكفار في هذا الزمان نجد أن هذه (الصغائر) لا تذكر إذا ما قيست بما يفعله الكفار ضد المسلمين. فقيام الدول الاستعمارية بهدم دولة الإسلام، وتمزيق بلاد المسلمين، والسيطرة عليها سياسياً واقتصادياً، وما يحدث في فلسطين منذ أكثر من خمسين سنة، وما يحصل في العراق وأفغانستان والشيشان… مما يشيب له الرضع، وما تقشعر منه الأبدان، عنا ببعيد، وانتهاك أعراض نساء المسلمين، وتدنيس قرآنهم ومقدساتهم، نلمسه في كل يوم. فعندما يقتل مسلم كافراً تقوم الدنيا، وتنبري وسائل الإعلام للتضخيم وجعل الأمر كبيراً، كما ينبري علماء السوء ومن يسمون بالمفكرين والمثقفين للطعن والتشويه فيعم السخط والغضب… وفي المقابل نجد أن الألسن تخرس، والآذان تصم، والعيون تصاب بالعمى، عندما يسحق المسلمين من أعدائهم سحقاً، وكأن الأمر يحصل على كوكب آخر.

فالواجب علينا كمسلمين ننطلق من عقيدة (لا إله إلا الله، محمد رسول الله) أن نوظف أي حدث ونسخره لخدمة دعوتنا وإسلامنا العظيم، وأن لا نقع في شرك الدول الاستعمارية ومخططاتها، ونتعامل مع الأحداث دون خوف أو خجل أو شعور بالمنقصة، فنحن الأعلى بإذن الله.

عطية الجبارين ـ فلسطين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *