العدد 228 -

السنة العشرون محرم 1427هـ – شباط 2006م

حقيقة الحرب على الإرهاب

حقيقة الحرب على الإرهاب

صحيح أن الحرب على الإرهاب هي حرب على الإسلام، وعلى سعي المسلمين لبناء كيانهم، ولمّ شتاتهم، وتطبيق مبدئهم، وحمله رسالة إلى العالم، والقضاء على تطلعهم إلى ذلك.

لكن هناك أمراً خفياً يحدث، ويبدو أنه أمر جلل، وهو موضوع السيطرة على مصادر الطاقة في العالم.

إنه النفط أو الطاقة لكل شيء في هذه الحياة. فالنفط ليس الوقود فحسب، مع أهميته في هذا الجانب، ولكنه كذلك كل شيء. نعم إنه كل شيء، فأغلب المواد الخام هي من النفط في كل مجالات حياة الإنسان، وحيثما صرفت نظرك وجدت النفط المكوّن الرئيسي لما تشاهد!

=================================================================

كانت الدولة العثمانية هي الدولة الأولى في العالم كله إلى أن اكتشفت أوروبا العالم الجديد. مما فتح عليها باباً لا ينغلق من الذهب  والثروات الأخرى. ما مكنها من الصعود؛ فاختل التوازن بينها وبين المسلمين. والآن أصبحت مصادر الطاقة لا تفي بمتطلبات النمو في العالم، والبحث عن مصدر بديل للنفط لم يؤت أكله، والأرقام التي أعلن عنها بخصوص نفط حوض قزوين كان مبالغاً بها إلى حد كبير على ما يبدو، ما جعل رد فعل أميركا ضعيفاً على التحركات السياسية في آسيا الوسطى، والتي تهدف إلى إخراج أميركا من قرغيزيا وأوزبكستان.

إذن فمصادر الطاقة تكاد تنحصر في الخليج، وفي بحر الصين، وفي ليبيا. أما بحر الصين فأميركا تعمل على تكتيل الدول هناك معها، وتوجد قواعد عسكرية لها من اليابان وكوريا الجنوبية إلى فيتنام مروراً بالفليبين وتايوان، وتعمل على إيجاد تحالف قوي بين الهند وباكستان، وقد تضم إليه أفغانستان وبنغلادش؛ لتشكل مدداً لا ينتهي من الرجال المقاتلين. كما أن بوارجها وسفنها وغواصاتها لا تفارق بحر الصين. بحر الصين هذا المليء بالنفط تدعي الصين أنه من مياهها الإقليمية، وتدفع أميركا دول الحوض الأخرى الفليبين والبروناي وماليزيا وفيتنام على الادعاء أن لها كذلك في هذا الحوض، بل أن لها جزراً فيه، وهذا يعني أنها تريد السيطرة على بحر الصين، وكذلك محاصرة الصين.

أما ليبيا فالأمر معها سهل، فبالاتفاق مع بريطانيا يتم تقاسم الثروة فيها. بريطانيا هذه التي لن تجد مكاناً لها في المستقبل غير اللهاث خلف أميركا. خاصة بعد التصويت على الدستور في أوروبا، وما نتج عنه من كون أوروبا مجرد منطقة تبادل تجاري، كما قال شيراك وهو يحث الفرنسيين على التصويت بـ«نعم» ليلة الاستفتاء على الدستور، حيث قال لهم، ولسان حاله أنه مستعد ليقبل قدم كل فرنسي. قال: إن التصويت بـ«لا» سيجعل من أوروبا مجرد منطقة تبادل تجاري، ولن تقوى على رعاية مصالحها في العالم. ولكن التخوف الراسخ في الشعوب الأوروبية تجاه بعضها البعض، وأسلوب بناء أنظمة الحكم لديهم، تجعلهم عاجزين عن السباحة في الاستراتيجيات، وهم منافسون لأميركا في السوق وفي النمو، ولديهم طموح وأطماع. فقد تمردوا على أميركا في غزوها العراق، ومن سار معها منهم تركها قبل أن تكمل طريقها، وقد حاولوا إيجاد قوة أوروبية، فهم حلفاء لا يؤمن جانبهم؛ لذلك تخلت أميركا عنهم، وتركتهم وراء ظهرها، ووصفتهم بأوروبا العجوز وبأوروبا القديمة، وادعت وجود دولة أوروبية قوية يجب أن يؤخذ رأيها (على حساب فرنسا) وهي رومانيا. وما أن غاصت أقدام أميركا في وحل العراق مع بداية جولة بوش الرئاسية الثانية حتى سعت أميركا لتلطيف الأجواء مع أوروبا، فاعتذرت عما بدر منها من إساءات لأوروبا، وأنه يجب إشراك أوروبا في حل مشاكل العالم. إلا أنها ما لبثت أن تراجعت هذه المرة، بعد الاستفتاء على الدستور؛ لتهمل أوروبا بإعلان رايس في جولتها الأخيرة لمنطقة الشرق الأوسط نيتها عقد مؤتمر دولي لحل قضية الشرق الأوسط برعاية أميركا وروسيا، أي أنها أخرجت أوروبا من حل مشاكل العالم.

ولكن ماذا يعني أن يكون المؤتمر برعاية أميركا وروسيا؟ هل الإعلان عن إشراك روسيا في رعايته هو للتغطية على تفرد أميركا؟ أم أنه رسالة إلى روسيا بأنها -أي أميركا- مستعدة لإرجاع وضع روسيا السابق، قبل زوال الاتحاد السوفياتي، وإشراكها في حل مشاكل العالم، فلا تستمر روسيا في بناء التحالفات وإقامة العلاقات بعيداً عن الولايات المتحدة؟

لقد كان إعلان رايس مجرد إعلان لم يتبعه شيء، وحتى روسيا لم تعلق عليه، فقد يئست من معاملة أميركا لها، وأصبحت منذ زمن تبحث لها عن مكان جديد، ما يدل على أن إعلان رايس إنما كان لجس نبض روسيا ومعرفة رد فعلها.

لقد قامت رايس بجولة في المنطقة اختتمتها بزيارة شارون في مزرعته في غزة، وقد كانت الزيارة بعد إعلان شارون بتوسيع الاستيطان في الضفة الغربية. أعلن شارون عقب الزيارة عن نجاح اللقاء وكان فرحاً جداً. أما نتيجة لقائها في غزة فلم يكن سوى الطلب من الفلسطينيين مساعدة اليهود في الانسحاب من غزة، بحيث لا يعتدي عليهم أحد، ولم تقدم أي شيء آخر، بل رفضت الإجابة على أسئلة الصحفيين.

لقد كانت جولتها لأمر غير فلسطين. بل لم تكن زيارتها لفلسطين إلا لتعلن عن المؤتمر بإشراك روسيا برعايته. أما جولتها فكانت لإعادة ترسيم المنطقة. فقد ظهرت الأمور التالية بعد زيارتها:

1- نقلت صحيفة القبس الكويتية عن صحيفة المؤتمر، الناطقة باسم حزب المؤتمر الوطني العراقي الذي يتزعمه أحمد الجلبي نائب رئيس الوزراء، أنه بالرغم من وعود قاطعة أعطاها الرئيس جورج بوش للأتراك أثناء الزيارة الأخيرة إلى إستانبول في 26 يونيو الماضي؛ لمساعدة الأتراك في محاربة النشاطات الكردية الانفصالية التي يتزعمها حزب العمال الكردستاني، فإن الأعضاء في الكونغرس يتداولون تقريراً خطيراً عن مشاريع أميركية، تشجع قيام دولة مستقلة للأكراد في العراق، تمهيداً لقيام كردستان الكبرى. ونقلت صحيفة المؤتمر عن شبكة النهرين الإخبارية قولها «إن التقرير المذكور، حسب مصادر الكونغرس، أعده مركز دراسات في واشنطن مختص بشؤون الشرق الأوسط، لم يكشف عن اسمه» وتضيف «إن التقرير المذكور أسهب في سرد التحولات الاستراتيجية التي ستحقق في المنطقة، في حالة تشجيع الولايات المتحدة قيام دولة كردستان في العراق».

إن إيجاد دولة كردية كبرى في قلب المنطقة بحيث تؤمن السيطرة على المنطقة سيطرة تامة، مع توفر حرية الحركة للأميركيين في وسط يودهم وهو الوسط الكردي، خاصة بعد ظهور أميركا بمظهر المتبني لمصالحهم ضد الظلم الذي لحق بهم من شعوب ودول المنطقة. وهذا ما يميز كردستان عن غيرها. فأميركا تظن أنها ستكون مثل (إسرائيل) يتحرك فيها الأميركي بكل سهولة وأمان. مع ما تشكله من عائق يحول دون وصول الروس إلى الخليج.

2- زيارة أردوغان لديار بكر، ووعده للأكراد بحل قضيتهم حلاً ديموقراطياً. والحل الديمقراطي حسب ما هو متبع في العالم عندنا هو الاستفتاء على تقرير المصير.

3- لقاء ملك الأردن مع الوسط السياسي لديه، والذي حذر فيه أولئك الذي يتقوون بجهات خارجية ضد حكمه، وقال لا يجب أن أكون وحدي، بل يجب أن يدافع الجميع عن الأردن، خاصة الأردنيين من أصل فلسطيني. كما هاجم فكرة الوطن البديل، وقال إن حقوق الفلسطينيين على ترابهم الوطني.

لقد كان كلام عبد الله هذا، بالرغم من تطمين رايس له في جولتها الأخيرة أن إعادة ترسيم المنطقة لن يمس حكمه.

قد تكتفي أميركا بغزة للفلسطينيين حتى تنتهي القضية وتتفرغ للمنطقة، إضافة إلى أن وجود (إسرائيل) مطلة على الأردن مهم للتصدي للدولة الإسلامية حال نشوئها. وقد يكون هذا الذي أسرّ شارون عقب لقائه رايس رغم التوسع في الاستيطان في الضفة الغربية.

4- دفاع بوش عن الزعماء العراقيين الحاليين الذين يسعون إلى اتفاق حول مشروع الدستور، وقال نقلاً عن جريدة القدس 24/8/2005م «إن الدستور الديموقراطي سيشكل عنصراً تأسيسياً في تاريخ العراق والشرق الأوسط».

إن أميركا تعمل على إعادة ترسيم المنطقة بحيث لا يمكن أن تقوم فيها دولة للمسلمين، وهو ما أكده بوش في خطابه يوم الأربعاء في 24/8/2005م حيث أكد أن حربه لابد أن تستمر، وأنه سيواصلها حتى نهاية حكمه لأهداف أورد منها عدم قيام دولة للإرهابيين في المنطقة. إنه يستثمر التفجيرات التي حصلت في أنحاء مختلفة في العالم حيث عددها جميعها، ويتخذ منها متكأً للسيطرة على مصادر الطاقة في العالم.

يتضح مما سبق أن أميركا تسابق الزمن ضد أمرين اثنين هما:

1- قيام دولة للمسلمين تخرج أميركا من المنطقة، وترفع يدها عن أهم مصادر الطاقة في العالم.

2- التحالف العسكري بين روسيا والصين، وما ينتج عنه من تحركات في المستقبل في اتجاه السيطرة على مصادر الطاقة لضمان نموهما.

أما روسيا والصين فلكلتيهما مشاكل مع المسلمين. فروسيا تحتل القوقاز، وتسيطر على كازاخستان، وتبسط نفوذها على بقية بلاد الترك في آسيا الوسطى، وتتحسب من قيام دولة للمسلمين. وكذلك الصين تحتل التركستان الشرقية، وهي كاشغر وما حولها. وقد قامت هاتان الدولتان بمناورات عسكرية استخدمت فيها الطائرات المتطورة، وكذلك السفن الحربية والغواصات. من طبيعة القطع المستخدمة نجد أنهما لا يتدربان على حرب ضد المسلمين في آسيا الوسطى كما أريد لذلك أن يظهر. وقد قال رئيس هيئة أركان القوات المسلحة الصينية إن هذه المناورات ستعمل على تعزيز الروابط بين موسكو وبكين، كما أنها ستقود إلى نوع من الوحدة العسكرية بين الجيشين أو البلدين في مواجهة أي خطر مشترك.

أما ما هو الخطر المشترك؟ فيجيب عن ذلك جين كانرونج أستاذ العلاقات الدولية بجامعة الشعب الصينية: إن الهدف الأول هو الولايات المتحدة؛ لأن كلا الجانبين يريد أن يحسن موقفه التفاوضي فيما يتعلق بالأمن والسياسة والاقتصاد.

إن الصراع والخلاف بين الصين وأميركا ليس حول تايوان، وإنما هو حول النفط في بحر الصين. وما تمسك أميركا بتايوان منفصلة عن الصين إلا لتبقى لها قدم ثابتة فيها؛ لحراسة الطريق البحرية، والسيطرة على النفط في بحر الصين، إضافة إلى الحد من قدرة الصين على الهيمنة على بحر الصين، حيث إن تايوان تشكل باب البحر من جهة الشرق. وكذلك الصين فقد رضيت أن تبقى هونج كونج مع بريطانيا مدة طويلة؛ لأنها كانت تدخل عليها عملة صعبة. أما مع تايوان، فالحال مختلف لتأثير ذلك على السيطرة على البحر.

ثم إن الزيادة الدائمة في النمو الاقتصادي في الصين جعلت الصين في الفترة الأخيرة تبدو كأنها ستختنق، فلم يعد ما لديها من النفط كافياً لها. وكذلك الحال بالنسبة لروسيا، ما يعني أن أميركا تعمل على التحكم بمدى النمو فيهما بحيث تضمن بقاءها هي في قمة النمو الاقتصادي في العالم.

أما دعوة روسيا والصين للهند وباكستان وإيران فقط لحضور المناورات، فهو لإفهامهم خطر التعامل مع أميركا ضدهما. خصوصاً وقد انكشف العملاء مثل مشرف.

كما يذكر أنه في الوقت الذي كانت تجري فيه المناورات العسكرية الروسية الصينية، كانت تجري مناورات أخرى بمشاركة 13 دولة بينها اليابان والولايات المتحدة في بحر الصين قبالة سواحل سنغافورة.

عبد الحفيظ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *