العدد 300 -

العدد 300 – السنة السادسة والعشرون، محرم 1433هـ، الموافق كانون الأول 2011م

اضطراب خطة إدارة أوباما لاحتواء ثورة مصر

اضطراب خطة إدارة أوباما لاحتواء ثورة مصر

 

ظهرت وثيقة أميركية عقب تنحي مبارك تحدثت عن خطة إدارة أوباما لإجهاض ثورة مصر، والتي تقوم على أساس حفظ نفوذ  أميركا من خلال فرض هيمنة المؤسسة العسكرية على الدولة، وقد وضعت تكتيكات معينة للسير في هذه الخطة على مرحلتين:

المرحلة الانتقالية: يستلم المجلس الأعلى للقوات المسلحة خلالها الحكم بشكل مباشر، ويتم فيها إجراء تعديلات شكلية على الدستور وانتخابات عاجلة تضمن مساهمة فعالة للتيار الإسلامي في البرلمان. وقد تم استفتاء على التعديلات الدستورية التي ترأس لجنتها التحضيرية المستشار «طارق البشري» المحسوب على التيار الإسلامي، إضافة إلى الشخصية الإخوانية المعروفة المحامي «صبحي الصالح»، فيما فهم منه محاولة لكسب ود التيار الإسلامي. وقد تم تسويق الاستفتاء للرأي العام حينها على اعتبار أنه تصويت لصالح إبقاء المادة الثانية من الدستور (الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع)، فكانت النتيجة 78% بالموافقة في مقابل 22% بالاعتراض. وقد اعتبر المجلس العسكري أن نتائج الاستفتاء الإيجابية تمنحه ضمنياً الشرعية اللازمة للاستمرار بالتحكم في شؤون البلاد، إذ اعتبر الموافقة على التعديلات موافقة على دوره في الحياة العامة. وهو ما دفع المجلس العسكري لاحقاً (إبان الموجة الحالية من الثورة) إلى الإعلان بأنه لن يخضع لمطالب المتظاهرين بالتنحي عن السلطة سوى من خلال استفتاء شعبي جديد يطالبه بترك السلطة!

مرحلة النظام الجديد: وتتعلق باستنساخ النموذج الباكستاني في مصر، حيث تقف المؤسسة العسكرية وراء الستار كسلطة حاكمة فعلياً، فيما تضع على المسرح التيارات السياسية الرائجة في المجتمع وعلى رأسها التيار الإسلامي من خلال انتخابات برلمانية. وقد سار المجلس العسكري في عملية كسب ولاء مجمل التيار الإسلامي بشقيه السلفي والإخواني من خلال صفقات ظهرت تداعياتها جلية على الساحة الإعلامية والفكرية والسياسية في المرحلة الانتقالية. كما حاول اجتذاب النخب العلمانية له من خلال وثيقة «المبادئ الأساسية للدستور» التي تضمن علمانية الدولة تحت اسم الدولة المدنية الديمقراطية، فيما تكف يد أي مؤسسة أخرى عن التدخل في شؤونه. وبهذا نصّب المجلس الأعلى للقوات المسلحة نفسه وصياً على الدولة وحكما بين النخب والتيارات السياسية المختلفة، فمنحَ الإسلاميين إمكانية العمل بشكل مفتوح في الشارع والبرلمان والحكومة شريطة بقائهم ضمن التوجهات السياسية الأساسية للعسكر داخلياً وخارجياً، وضمنَ للتيار العلماني مشروع الدولة العلمانية من خلال تعهده (المجلس العسكري) بالحفاظ على مدنية (علمانية) الدولة واعتبارها خطاً أحمر.

إلا أن وثيقة «مبادئ الدستور» التي عرفت باسم «وثيقة السلمي» والتي تضع الأسس للنظام السياسي الجديد في مصر، أتت بنتائج عكسية، فقد رفضتها النخب العلمانية والليبرالية واليسارية رغم إقرارها علمانية الدولة، لأنها ترسخ حكم العسكر وتمنحه امتيازات تحول دون ما يتطلعون إليه من حكم مدني ديمقراطي على نحو ما كان عليه الحال إبان العهد الملكي قبل انقلاب 1952م. كما صدمت التيار الإسلامي، الذي اعتبرها محاولة مكشوفة لعزل الإسلام عن الدولة وتهميشاً للمادة الثانية من الدستور. إضافة لهذا فإن الأخطاء المتلاحقة والإخفاقات الواضحة في إدارة المجلس العسكري لشؤون البلاد على مدار عشرة شهور أدت إلى احتشاد غالب القوى السياسية على مختلف مكوناتها في ميادين مصر ضد حكم المجلس الأعلى للقوات المسلحة بغية إحراجه وإلزامه بالخروج من الحياة السياسية، ما يعني تعثر خطة أوباما، ووضع إدارته أمام مأزق يلزمها بإيجاد آليات جديدة لاحتواء الوضع للحيلولة دون خسارة أميركا لنفوذها في مصر بعد أكثر من ستة عقود على اختطافها من قبضة بريطانيا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *