العدد 295-296-297 -

العدد 295-296-297 – السنة السادسة والعشرون، شعبان ورمضان وشوال 1432هـ

لعب الغرب بورقة الحركات الإسلامية المعتدلة!!

لعب الغرب بورقة الحركات الإسلامية المعتدلة!!

 

حمد طبيب (أبو المعتصم) بيت المقدس

 إن ما جرى من أحداثٍ عظام فيما سمي بالربيع العربي؛ أي الانتفاضات والثورات المباركة التي عمّت أغلب البلاد العربية -وكانت تعبّر عن الرفض المطلق للحكام، ولما هم عليه من قوانين ودساتير وطريقة تعامل مع الشعوب ومقدراتهم…- كان له وقع الصاعقة على رؤوس الدول الغربية وخاصةً في أميركا وبعض دول أوروبا الغربية؛ كفرنسا وبريطانيا!!..

 لقد أخذت هذه الدول تبادر بعقد الاجتماعات تلو الاجتماعات، لبحث أخطار هذا الزلزال المدوّي والبركان الثائر، وشرعوا أيضًا باتخاذ التدابير والاحتياطات المتعددة والمتنوعة؛ مثل عملية تغيير في السياسيين وأجهزة الدولة داخل الدول الثائرة المنتفضة، وإقالات حتى في رأس الهرم السياسي (الرؤساء وقادة الدول) ، ومحاكمات لهم على الملأ، ووصل الأمر بهذه الدول الغربية أن تظهر سياسة التأييد لهذه الثورات، بل وتقديم الدعم المادّي والمعنوي لها، ضد الحكام ممن حُرقت أراضيهم التي يستندون إليها، وأصبحوا دون أيّ سندٍ شعبيٍّ، وذلك مخافة أن تصل هذه الأمواج الهادرة والرياح الشديدة إلى مصالحهم الحيوية في بلاد العرب (النفوذ السياسي) فتقتلعها من جذورها، ويصبح الغرب بعد ذلك في دائرة الندم حيث لا ينفع تندّمٌ ولا تحسّر!!.. وأخذت الدول الغربية مع هذا وذاك بتسخير وسائل الإعلام بكافة أشكالها وألوانها؛ المسموعة والمرئية والمقروءة، وعبر شبكة التواصل المعلوماتي (الإنترنت) كذلك، فجعلوا من وسائل الإعلام هذه أداةً فعالة في هذه الأحداث، تعمل بكامل طاقتها الإعلامية والتوجيّهية، وجعلوها تقوم بعدة أدوار سريعة؛ منها عقد الندوات في قلب دائرة الحدث، ومنها إقامة غرف عملياتٍ دائمة ومستمرة، ومنها النزول إلى وسط الأحداث في المظاهرات والمعارك العسكرية.. وغير ذلك..

وكان من بين هذه التدابير والاحتياطات التي اتخذها الغرب للوقوف في وجه هذا الإعصار، لتفادي فقد السيطرة على بوصلة التوجيه أمر قديم جديد؛ هو اللعب بورقة الحركات الإسلامية المعتدلة ذات الشعبية في البلاد العربية؛ وذلك لعدة أهدافٍ وغاياتٍ تصب في محصلتها في غاية واحدة هي؛ «عدم انعتاق الشعوب وتحرّرها بشكل حقيقيّ من ربقة الاستعمار السياسي» ؛ أي عدم وصول الشعوب إلى الحقيقة؛ وهي أن التغيير الحقيقي يكون عن طريق تطبيق الإسلام الصحيح عن طريق المخلصين من حملة هذا الإسلام.

وسوف نتناول هذا الموضوع من عدة زوايا، وقبل أن نبدأ بعرض هذه الزوايا نقول: لم يألُ الغرب جهدًا في الماضي عندما عمل على هدم الخلافة صرح الإسلام وحصنه الحصين وبيضته التي لا تبارى، وسخّر في سبيل ذلك كل ما وصل إليه فكره وعمله السياسي والعسكري؛ من حملات تبشير، ومؤامرات دولية وإقليمية، وحروب طاحنة في عدة جبهات في بلاد البلقان وغيرها… وكان ذلك منطلقًا من كراهيتهم لهذا الدين مصداقًا لقوله تعالى: (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) ، وحرصًا منه على تحقيق مصالحه بعد أن هدم هذا الركن الركين والحصن الحصين؛ لذلك أخذ يقيم التدابير، ويضع الخطط للحيلولة دون عودة هذا المارد العملاق مرة أخرى إلى واقع حياة المسلمين؛ فمزّق البلاد والعباد، وزرع أفكار القومية والإقليمية، وجثم بقواه العسكرية فوق صدور المسلمين في عدة بلاد، وعندما ثارت الشعوب عليه بسبب قربها من عهد الإسلام، ونقاء عقيدتها التي تبغض الكفر والكافرين، وبسبب السوء الذي رأته الشعوب من هذا المستعمر الشرير البغيض..، عند ذلك أخذ الغرب يفكر بطريقة للسيطرة على الأوضاع للحيلولة دون عودة الأمة لسابق عهدها، لأنه لمس وبشكل مباشر أن الأمة أخذت تحنُّ لماضيها، وتلمس مساوئه ومساوئ نظامه المطبق عليها، لذلك فكر بتسخير قوىً من جنس هذه الشعوب تقوم مقامه وتخدمه في هذه المهمة الخطرة!!..

وفعلًا قام الغرب بتسخير بعض الزعماء الوطنيين أو القوميين، وفي مناطق أخرى، وقام بتسخير بعض الزعماء الدينيّين من أوساط الناس، ولكن بمواصفات ومقاسات معينة..؛ فسخّر في تونس والجزائر ومصر وغيرها زعماء قوميين، وفي ليبيا والسودان والسعودية.. زعماء دينيّين لهم ولاء قبليّ وتأييد شعبي بين أوساط الناس..

وبعد أن استقرت الأمور على شاكلةٍ معينة بعد الثورات الأولى في بلاد المسلمين؛ أي في بدايات القرن الماضي وأواسطه؛ حاول الغرب ترسيخ أقدامه الاستعمارية عن طريق الشعارات الكاذبة؛ من قومية ووطنية وغيرها؛ لكن هذه الشعارات الفارغة الكاذبة لم تلبث طويلًا حتى انكشف أمرها للشعوب وانكشف رجالاتها، وخاصة بعد ضياع فلسطين، وحرب أفغانستان والعراق وحرب الخليج الأولى، فبدأت الحركات الإسلامية بكسب العقول والقلوب في بلاد المسلمين، وبدأت أيضًا بقلب ميزان التأييد الشعبي في كافة الأوساط باستثناء الأوساط الحاكمة، فبدأ الرعب يستحوذ على قلوب الغرب من تمكّن هذه الحركات العاملة من الوصول للحكم، وقلب الأمور رأسًا على عقب، وبالتالي خسارة الغرب خسارة فادحة لكلّ الماضي والحاضر؛ من تخطيطٍ وتدبيرٍ وحربٍ وإنفاق للأموال!!.. وزاد هذا الرعب والخوف، واتسعت دائرته بعد هذه الثورات الأولى ضد الاستعمار وعملائه السياسيّين من الحكام الفاشلين، لذلك أخذ يفكر ويعمل بجديّة لتفادي هذا الخطر الزاحف على عرش سيطرته السياسية في بلاد المسلمين، وكان من هذه الأساليب الخبيثة -كما ذكرنا- استخدام ورقة الحركات الإسلامية المعتدلة!!..

ولخطورة هذا الأمر وتأثيره المباشر على الثورات، وعلى تطلعات الأمة في التحرّر والانعتاق سنتناول هذا الموضوع بالتحليل والتمحيص من أجل توجيه الأمة الوجهة الصحيحة، ومن أجل إنقاذها من هذا الخطر العظيم، وسنتناوله -كما ذكرنا- من عدة زوايا:

أولًا: أهداف الغرب وغاياته في بلاد المسلمين:

إننا عندما نتحدث عن أهداف الغرب وغاياته بشكل عام، وبشكل خاص في بلاد المسلمين، فإننا نرتكز على أمر مهم؛ وهو القاعدة التي ينطلق منها الغرب في حياته وكافة أعماله؛ وهو (النظام الرأسمالي الجشع) الذي يهدف للسيطرة على كل اقتصاديات الدول الفقيرة، ويعمل على مصّ دمائها، وتدمير قوتها لبقاء هذه السيطرة، بيد الشركات العملاقة وبقاء الأسواق لصادراته..، فالاقتصاد والمال والأعمال هي الروح لهذا النظام، ولذلك سمي بـ (الرأسمالي) ؛ ولذلك فإن أحد أبرز الأهداف التي يسعى إليها الغرب من خلال سيطرته على بلاد المسلمين سياسيًا، أو عسكريًا هو بقاء هذه البلاد نهباً له بكل ما تعني هذه الكلمة من معانٍ. وهناك هدف آخر لا يقل عن هذا الهدف أهميةً، بل هو الركيزة للهدف الأول؛ هذا الهدف هو (الحيلولة دون عودة الإسلام مرة أخرى إلى واقع الحياة كمشروع حضاري) لأنه يعني نهاية حضارته وفكره، ويعني نهاية امتداده الاستعماري في بلاد المسلمين، وبالتالي قطع الطريق على الأسواق وعلى الثروات!! لذلك فان الغرب يعمل على إزالة أية عقبة تقف في طريق مشاريعه وتطلعاته، ويتخذ كافة الإجراءات والاحتياطات لبقائها فعليًا وعمليًا في بلاد المسلمين…

ثانيًا: كيف لعب الكفار بشكل عام، والغرب بشكل خاص، بورقة الإسلام عبر التاريخ الطويل في حرب الإسلام، وفي هدم دولة الإسلام، والحيلولة دون عودتها مرة أخرى؟!

إننا عندما نتحدث عن هذه الزاوية فإننا نقف أمام تاريخ طويل مليء بالوقائع والأحداث التي تصب فيها، وليس أدلّ على ذلك مما ذكره القرآن الكريم في مسالة (مسجد الضرار) ، ووقوف جماعة منافقة تدّعي الإسلام وراء هذا المشروع الخبيث، وكيف أن الله عز وجل كشفها وأزال شرها وخطرها عن المسلمين؛ قال تعالى: (106 وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفَنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ 107 لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ 108 أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)

أما عندما بدأ الاستعمار الغربي بعملية هدم صرح الإسلام، فقد سخّروا بعض الأبواق من المُفتين- ممن يسمون علماء- في خدمة هذا المشروع الخبيث مثل (شيخ الإسلام) في أواخر الدولة العثمانية..، وبعد هدم الدولة وأثناء فترة الاستعمار العسكري قامت حركات جهادية في بلاد المسلمين؛ في البلاد العربية وغيرها لطرد الاستعمار العسكري، فحاول الغرب استغلال بعض هذه الحركات، من أجل تثبيت وجوده وبقاء نفوذه السياسي؛ منها الحركة السنوسية في ليبيا، والحركة المهديّة في السودان، والحركة الوهابية في السعودية، وفعلًا نجح في هذا المشروع فترةً من الزمن بعد الاستعمار العسكري…

وفي العقد الأخير من القرن الماضي وبدايات القرن الحالي، أي بعد انكشاف الحركات الوطنية والقومية وصعود التيار الإسلام بشكل قوي إلى السطح، نجح الغرب في استغلال بعض الحركات من أجل مشاريع سياسية؛ منها ما جرى في إيران باستغلال الثورة الإسلامية من قبل أميركا، ومنها كذلك استغلال الجهاد الأفغاني في عملية طرد النفوذ الروسي، ومنها أيضًا اللعب بالورقة الإسلامية في تركيا، وتسخير هذا الاتجاه في طرد النفوذ الأوروبي -من العسكريين- من الحكم، وتسخير السياسيين الأتراك أيضًا في عملية القيام بدور السمسار الأميركي خارج تركيا، وخاصة في هذه المرحلة من الثورات العربية وبالذات في المسالة السورية

ثالثًا: ما هي الورقة الإسلامية التي يلعب بها الغرب في هذه الأيام، وخاصة في ظل هذه الثورات المباركة؟!

والجواب على ذلك لا يكاد يخفى على المتابع المدقق في مجريات الأحداث المتلاحقة، حيث إن هناك حركات يجب أن تتصف بمواصفات معينة، من أجل التعامل معها وقبولها في العمل السياسي من أجل خدمة مشاريع الغرب.

وقبل أن اذكر بعض هذه الحركات نريد أن نذكر مواصفات هذه الحركات التي يتعامل معها الغرب، وهي مواصفات ومقاسات تتفق مع أهداف الغرب وغاياته وبرامجه السياسية، ولا تحمل أي معنىً للعداء أو المعاداة للغرب، ومن هذه المواصفات على سبيل المثال لا الحصر:

1- النظرة لموضوع التقارب بين الحضارات نظرة إيجابية، وعدم السير على فكر الصدام والصراع بين الحضارات.

2- النظرة للأديان السماوية الثلاث نظرة أخوة بين أتباع هذه الديانات، لا نظرة عداء ومفاصلة كما أراد الله ورسوله وفصّل في وصف اليهود والنصارى، وفي نظرتهم لأمة الإسلام.

3- تبني فكرة الوسطية التي أبرزها الغرب بشكل مقصود بين الأوساط الثقافية الإسلامية، وخاصة في الجامعات والمؤسسات الدينية وهذا سنذكره في الزاوية (الرابعة) .

4- النظرة للحكومات الحالية على أنها لا تخالف الإسلام، ويجب طاعة حكامها على اعتبار أنهم أولو الأمر والنهي.

5- موافقة ما عليه الغرب من أفكار (الحريات والديمقراطيات وحقوق الإنسان والدولة المدنية) ، والنظر أيضًا إلى الدول الكافرة بشكل عام والغربية بشكل خاص نظرة احترام وتقارب لا نظرة عداء، وعدم معارضة أو معاداة الغرب في مشاريعه وأعماله السياسية في بلاد المسلمين.

6- القبول والموافقة لما هو موجود من مؤسسات دولية وقوانين دولية مثل هيئة الأمم المتحدة وقوانينها، وقوانين المحكمة الدولية، ومحكمة الجنايات الدولية، ومجلس الأمن.. وغير ذلك من مؤسسات وهيئات دولية.

7- الإعلان المسبق أن الحركة الإسلامية لا تسعى ولا بأيّ وجهٍ لإقامة حكومة إسلامية، تقوم على تبنيّ الأحكام الشرعية في الدولة.

فهذه المواصفات والمقاسات توضع مسبقًا لقبول أي جماعة إسلامية تريد أن تكون مقبولة لدى الغرب في التعامل معها، والرضا بوصولها إلى سدّة الحكم، أو حتى مشاركتها في سياسة الدولة عن طريق البرلمانات أو غير ذلك من مؤسسات الدولة، وهناك للأسف الشديد بعض الحركات التي تسمي نفسها (معتدلة) قد قبلت بهذه الشروط أو بأغلبها، وظهر ذلك على ألسنة قادتها؛ من ذلك ما صدر على لسان الغنوشي زعيم حركة النهضة في تونس، حيث صرح لصحيفة «ذي تايمز» البريطانية في شهر 7 /2011: في مقابلة مع مراسلها (جيمس بون) من تونس، جاء في هذه المقابله كما ذكر المراسل «إن الزعيم الإسلامي التونسي راشد الغنوشي تعهد بعدم حظر ظهور النساء على الشواطئ التونسية بلباس السباحة؛ المكوَّن من قطعتين (البكيني) ، وبعدم حظر الكحول- التي يُقبل عليها السياح- في المحلات التجارية، خصوصاً الغربيين الذين يزورون تونس بأعداد غفيرة، وقال أيضًا: «إنه إذا ما تولى حزبه السلطة في الدولة التي بدأ فيها الربيع العربي فإنه لن يحظر الكحول أو يمنع النساء من التشمس على الشاطئ شبه عاريات أو عاريات، وأضاف: «لقد زرت عاصمة السياحة (الحمامات) ، وعقدت لقاءات مع رجال أعمال ومالكي فنادق، وقد سألوا عن نظرتنا إلى السياحة وأخبرتهم بأن الإسلام ليس دينًا منغلقًا، نريد أن تكون دولتنا مفتوحة أمام جميع الأمم، أما رأيه في الحكومة المدنية فقال في تصريحات لوكالة «آكي» الإيطالية للأنباء: إن التيار الإسلامي الوسطي الذي تمثله حركة النهضة في تونس وحركة الإخوان في مصر يؤمن بالدولة المدنية والديمقراطية وحقوق الفرد.

وقال (أبو الفتوح) أحد زعماء الإخوان المسلمين في مصر بشان مسألة الحريات في القوانين: «أول مبادئ الدين الإسلامي هي الحرية والعدالة، والهوس الديني الموجود حاليًا هو الحرام بعينه، فلا يجب أن يزجّ اسم الدين في حالة التسطيح الموجودة على الساحة الآن، فالالتزام بالإسلام لا يعني تحجّب جميع سيدات مصر، فالتدين بالإجبار والقهر المعنوي لا يصح» ، وتابع «لا أطالب بفصل الدين عن الدولة، فالدولة في الإسلام دولة مدنية، الأشخاص يديرونها ويطوّرونها في إطار المبادئ العامة للإسلام، دون إفراط أو تفريط»

ونقلت وكالة (أسوشيتدبرس) عن الناطق باسم الجماعة محمد غزلان 2011م قوله: «نرحب بالحوار مع أميركا لإزالة أي سوء فهم وجسر أيّ هوة» ، وهناك العديد من المخالفات والمغالطات في أقوال زعماء حركة النهضة والإخوان المسلمين، وليس هنا محل عرضها..

رابعًا: حقيقة هذه الأفكار والآراء -التي يضعها الغرب كشروط مسبقة- في ميزان الإسلام:

فبالنظر والتمحيص والتدقيق في هذه الأفكار والآراء، نجد أنها لا تمتّ إلى الإسلام بأية صلة، بل إنها أفكار وآراء صاغتها عقول الغرب، والعقول الآثمة في بلاد المسلمين من أجل أهداف خبيثة؛ منها ضرب الفكر الإسلامي النقيّ الصافي، ومنها الترويج للفكر الغربي بطريقة مقبولة في بلاد المسلمين، ومنها أيضاً إيصال بعض الجماعات الإسلامية إلى سدة الحكم، وركوب موجة التأييد الكاسح للإسلام!!

فلو نظرنا إلى موضوع التقارب بين الأديان لرأينا أن الإسلام لا يدعو إلى التقارب بين الإشراك والتوحيد، ولا يوجد بينهما أي قاسم مشترك، بل على العكس فان الإسلام يدعو إلى محاربة الإشراك ونقده من أساسه وهدمه، وإقامة التوحيد مكانه، فالفكر الإسلامي ليس فكراً تقاربيّاً كما يدعي علماء السلطان، إنما هو فكر فيه مفاصلة من الأساس، يقوم على إزهاق الباطل وقلعه من جذوره لإقامة الاستقامة والهداية والرشاد مكانه؛ قال تعالى: (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) ، وقال: (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) ، وقال: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)

وأما بالنسبة للأديان السماوية الأخرى؛ كاليهودية والنصرانية، فإن الإسلام قد حدّد موقفه منها من أول يوم واعتبرها أديانًا قائمة على التحريف والتزوير للعقيدة الصحيحة، والكذب على سيدنا موسى وعيسى عليهما السلام، وبيّن أن الإسلام هو خاتم وناسخ لهذه الديانات، ولا يُقبل الله من إنسان يتبع اليهودية أو النصرانية صرفًا ولا عدلًا…

ولا يوجد أية صلة بين هذا الأمر، وبين كون الإسلام يحترم الذمّي الذي يعيش داخل هذه الدولة، ويعامله معاملة حسنة حسب عقيدته ودينه، وبعض أمور حياته الخاصة، فهذا موضوع آخر ليس له صلة بموضوع النظرة للأديان، وأما فكرة الوسطية التي ضلّل بعض العلماء الناس بها، فإنها فكرة لا وجود لها أصلا في ميزان الإسلام ولا أحكامه؛ فالإسلام واحد لا يتعدد، فليس فيه تطرّف وتساهل كما يقولون وإنما هذه آراء بشر وضعتها عقولهم المحرفة، ولا يقاس عليها نظرة ولا فكر ولا تشريع، وإن القول: إن الوسطية من الدين بناء على فهم بعض الآيات القرآنية هو تضليل وتحريف لا أصل له من مثل قوله تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) ؛ فالوَسَط هنا غير الوَسْط الذي يزعمون، فوَسَط الشيء- الذي ذكرته الآية- خياره، ووَسْط الشيء توسّط بين أمرين، فهناك فرق كبير بين الوسط بفتح السين، والوسط بتسكينها، فالأمة وفكرها بناءً على هذا الفهم لا يوجد فيها شيء اسمه وسَطية وإنما هي أمة عدْل وخِيار، ومنهجها ودينها هو وحده المستقيم بين كل مناهج الأرض.

وأما فكرة أن الحكومات الحالية في العالم الإسلامي لا تخالف الإسلام، وأن حكامها (أولو أمر) ونهي، ويجب طاعتهم بناءً على قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) ؛ فهذا كلام لا يستند إلى أسسٍ شرعية، ولا حتى لأيّ أساس؛ فطاعة ولي الأمر مقرونة بطاعة الله عز وجل وأما إذا خالف الله فلا طاعة له. قال عليه الصلاة والسلام: «لا طاعة لمخلوق في معصية الله تعالى..» رواه الترمذي فمن من حكومات المسلمين وحكامهم يطبق شرع الله؟ بل من مِن هذه الحكومات لا يعلن الحرب على الله ورسوله والمسلمين، وفي نفس الوقت لا يخدم الاستعمار الغربي؟!.

وبالنسبة للفكر الغربي واحترامه، كشرط للقبول؛ فلا يخفى على مسلم عاقل ما هو الفكر الغربي، وما هي الحريات، وما هي الديمقراطيات، فيكفي أن الحرية هي انعتاق من كل قيدٍ رباني لنسفها ومجافاتها، ويكفي القول إن الديمقراطية تتخذ من البشر مشرّعين -بدل الله- لنسفها أيضًا: فلا احترام لهذه الأفكار السقيمة لأنها كفر صراح!!

بقي أمران من الشروط السقيمة لقبول الحركات الإسلامية:

الأمر الأول: قبول أفكار وآراء المؤسسان الدولية، وعدم المناداة بإقامة حكومة إسلامية في بلاد المسلمين.

فهذان الأمران هما تحصيل حاصل لأيّ حركة ترمي نفسها في أحضان الغرب وسياساته، أما الإسلام فهو بعيد بعد السماء عن الأرض من هذه المؤسسات الاستعمارية الإجرامية؛ لأنها مؤسسات تنشر الظلم والقتل والدمار والخراب على وجه الأرض، والإسلام يسعى لنشر الأمن والعدل والاستقامة، هذا عدا عن القوانين الكافرة التي تطبق في هذه المؤسسات؛ مثل قوانين الربا المركّب في صندوق النقد الدولي، ومثل اغتصاب حقوق الناس وتمليكها للمعتدي كما هو واضح في قرارات مجلس الأمن بخصوص قضية فلسطين وغيرها.. .

فهذه الهيئات والمؤسسات قائمة على أساسٍ باطل هو الفكر الغربي الرأسمالي، ولا يجوز شرعًا القبول بشروطها من أية جماعة إسلامية أو حتى دولة من الدول، وإن القبول بها هو خروج عن تعاليم الدين القويم.

الأمر الثاني: وهو الإعلان المسبق لعدم السعي لإقامة حكومة إسلامية: فهذا شرط ينافي كل الآيات القرآنية التي تدعو إلى الحكم بما انزل الله تعالى مثل قوله عز وجل (وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ) ؛ فهذا خروج عن الدين ومحاربة لله ولرسوله وللمؤمنين..

هذا ما يتعلق بالشروط التي توضع لقبول الحركات الإسلامية المسماة معتدلة، وهي في الحقيقة متردّية ومرتمية في أحضان الاستعمار ومشاريعه السياسية الخبيثة وهذا هو الرد عليها وعلى زعمها.

وبناءً على هذه المعطيات – الأفكار والشروط – وموقف الإسلام منها نصل إلى

خامسًا: وهي طريقة تعامل الحركات الإسلامية مع الدول الكافرة:

إن طريقة تعامل الحركات الإسلامية مع الحكومات في العالم الإسلامي، ومع الحكومات الكافرة الغربية يجب أن تكون قائمة على المفاصلة التامة، والعداء المطلق لكل الأفكار السقيمة التي تنادي بها هذه الحكومات وتسعى لحرف الأمة وتضليلها على أساسها، وهذا هو منهج السلف الصالح من صحابة رسول الله؛ من خيرة هذه الأمة وعلى رأسهم رسول هذه الأمة الكريمة محمد صلى الله عليه وسلم؛ فالرسول عليه الصلاة والسلام أمر بالصدع بقوله تعالى: (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) ، وبقوله: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ 1 لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ 2 وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ 3 وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ 4 وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ 5 لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ 6)

فيجب أن تكون النظرة لهذه الحكومات نظرة شرعية، لا نظرة مصلحيه من أجل منصب أو مشاركة في برلمان، أو السكوت عن الحركة مقابل تنازلها عن قيمها ومبادئها، والنظرة الشرعية هي أن هذه الحكومات حكومات تطبق الكفر الصراح، وفوق ذلك تسعى لترسيخ الاستعمار وأفكاره ومبادئه في العالم الإسلامي، وتحارب الله ورسوله وأمة الإسلام.

والحركة الإسلامية المخلصة لا تتنازل عن هدفها الرئيس وهو؛ السعي لإقامة شرع الله في الأرض مهما حاولت الدول مع هذه الحركة؛ من ترغيب وترهيب، وغير ذلك من أساليب، بل تعلن على الملأ أن هدفها هو إقامة حكم القرآن، وسنة المصطفى عليه الصلاة والسلام في بلاد المسلمين أولًا، ثم حمله إلى خارج بلاد المسلمين رسالة خير وهدى.

ويمكن إجمال طبيعة تعامل الحركة المخلصة مع الكفر بشكل عام، ومع العملاء لهذه الدول في بلاد المسلمين على النحو الآتي:

1- عدم اللقاء أو التقارب بين الكفار وعملائهم من الحكام في أيّ أمر، بل اتخاذ حالة العداء مع الكفار بشكل عام، وحالة الصراع الفكري والكفاح السياسي مع الحكومات في العالم الإسلامي.

2- السعي لقلب الحكومات في العالم الإسلامي قلباً جذريًا لإقامة حكم الإسلام، وعدم موالاتها مطلقًا.

3- تقويض الفكر الغربي من جذوره عقيدة وأحكامًا، وعدم قبوله نهائيًا بأي وجه من الوجوه أو ميدان من الميادين، وعدم قبول أي مؤسسة من مؤسسات الكفر ولا التعامل معها، لأنها باطلٌ نابت من باطل.

سادسًا: لماذا التركيز الآن- في ظل أحداث الثورات- على الجماعات الإسلامية المعتدلة؟!

وقبل ذكر بعض الأقوال كشواهد في هذا الموضوع، نقول: إن حالة العداء متأصلة في نفوس الكفار ضد الإسلام وأهله؛ لذلك لا يمكن أن يكون الهدف الغربي من التقارب مع بعض الحركات هو لخدمة الإسلام أو المسلمين، فالله تعالى يقول: (وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَاء حَتَّىَ يُهَاجِرُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتَّمُوهُمْ وَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا) ، ويقول: (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ)

إذًا الهدف هو غير ذلك، فما هو الهدف؟ الهدف -كما سبق وذكرنا- هو لضرب الإسلام والمسلمين أولًا، وتضليل المسلمين عن هدفهم الرئيس، وخدمة مصالحهم الاستعمارية ثانيًا، أي خدمة مخططات أميركا ودول أوروبا في بلاد المسلمين؛ وقد ظهر البعض من تصريحات هؤلاء الكفرة على ألسنتهم، وفي كتاباتهم، وما تخفي صدورهم أكبر قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ)

ويمكن إجمال الأسباب الحقيقة للتركيز على الجماعات (الإسلامية المعتدلة) ضمن النقاط التالية:

1- أفول نجم القومية والوطنية والشعارات القديمة، والتي استخدمها الكفار سنوات طويلة كجسور للمرور عليها لاستعباد واستعمار المسلمين ونهب خيراتهم وثرواتهم.

2- انكشاف عورات الحكام بشكل كامل حتى الغليظة منها، وعدم بقاء حتى ورقة التوت لتخفي هذه العورات لدرجة أن كل الشعوب باتت تمقتهم وتكرههم.

3- ظهور الإسلام كقوة فكرية عظيمة في بلاد المسلمين، واكتساحه الساحة السياسية في العالم الإسلامي، وظهور الجماعات الإسلامية كقوة سياسية أيضًا في بلاد المسلمين.

4- إظهار أن هناك بعض المحاولات ناجحة إسلاميًا في بعض بلاد المسلمين مثل تركيا وحصول التأييد الشعبي لها مثل حركة الرفاه والتنمية.

إن ما حصل في بعض البلاد العربية من انتفاضات على الحكام وأفكارهم ودساتيرهم، وبروز التيارات الدينية في هذه الانتفاضات عزّز هذه النظرة، وجعل الغربيين يفكرون بجدّية في ركوب هذه الموجة العظيمة عن طريق الاتجاهات الدينية المعتدلة؛ وقد برزت عدة نصائح على ألسنة الغرب بهذا الخصوص في ظل هذه الثورات العظيمة؛ منها على سبيل المثال لا الحصر: ما نقلته صحيفة واشنطن بوست في شهر شباط 2011م عن مسؤول أميركي بارز قوله: «علينا أن لا نخاف من دخول الإسلام في السياسة في بلدان الشرق الأوسط.. وأضاف إن طريقة أداء هذه الأحزاب السياسية والحكومات سيكون الحكم عليها، لا على علاقتها بالإسلام» ، أما وزير الخارجية الفرنسي (آلان جوبيه) ؛ فقد دعا إلى الحوار مع الحركات الإسلامية في العالم العربي، وخاصة تلك «التي تنبذ العنف وتقبل بقواعد اللعبة الديمقراطية» ، وقال أيضًا: إن بلاده لا تسعى للإطاحة بالزعماء العرب، وأضاف «آمل أن يُفتح هذا الحوار من دون عُقَد مع التيارات الإسلامية إذا كان هناك التزام من قبلها بالمبادئ التي ذكرتها، أي قواعد اللعبة الديمقراطية»

وفي تقرير لمحطة (BBC) الفضائية 01/07/2011م نقل تصريحاً لوزيرة خارجية أميركا كلينتون قالت فيه: «مع تغيير المشهد السياسي في مصر، من مصلحة الولايات المتحدة إجراء حوار مع كل الأطراف الذين يبدون توجّهات سلمية وغير عنيفة، وأضافت «إن ذلك لا يعتبر سياسة جديدة لكنها خطوة اعتمدت منذ خمس أو ست سنوات، وان واشنطن تستأنفها» . وقالت أيضًا:» إن الإدارة الأميركية ما برحت تجري ما وصفته باتصالات محدودة مع جماعة الإخوان المسلمين المصرية أكبر الحركات الإسلامية في مصر!!..

وقالت كلينتون: «إن الولايات المتحدة تريد «أن تتفاعل مع كل الأطراف التي تسعى للسِلْم وتنبذ العنف في مصر ما بعد الثورة، وأضافت أيضًا: «إنه نظرًا لتغير الواقع السياسي في مصر، فإنه من مصلحة الولايات المتحدة أن تتفاعل مع كل الأطراف التي تلتزم بالنهج السلمي وتنبذ العنف والتي تنوي المشاركة في الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة» .

وأصرت الوزيرة الأميركية على أن الجانب الأميركي سيواصل الإصرار – في هذه الاتصالات – على أهمية الالتزام بالديمقراطية ونبذ العنف واحترام حقوق الأقليات ومشاركة المرأة في الحياة العامة.

سابعًا: كيف يقوم المخلصون في كشف هذا الزيف الكبير والتضليل العظيم من أمام الأمة الإسلامية؛ كي يُزال هذا الخطر الداهم، وكي تعرف الأمة حقيقة ما يحاك ضدّها من مؤامرات عظام جسام؟

ويمكن تلخيص الإجابة عن هذه الزاوية ضمن النقاط الآتية:

1- بيان حقيقة العداء من قبل الكفار لأمة الإسلام على مدار التاريخ منذ بعثة المصطفى عليه الصلاة والسلام حتى اليوم، وبيان حقيقة عداء الدول الرأسمالية الصليبية على وجه الخصوص، وتحالفها مع الصهيونية والماسونية؛ من أجل حرب الإسلام والحيلولة دون عودته مرة أخرى إلى الحياة العلمية.

2-بيان أساليب الكفار التضليلية في الصد عن سبيل الله قديماً وحديثًا، ومنها استخدام ورقة الإسلام ضمن مقاسات وسياسات معينة، وبيان أن هذه الأساليب لم تتوقف وإنما تتجدّد وتتعدد كلما اقتضى الأمر ذلك.

3- شرح موضوع العقيدة الإسلامية بشكل مفصل، -وخاصة ما يتعلق بهذا الجانب- لعموم المسلمين؛ مثل مسالة المفاصلة، ومسالة عداء الكفار، ومسالة الكراهية المتأصلة في نفوسهم…

4-بيان الأحكام الشرعية التي تتعلق بطريقة التعامل مع الكفار بشكل تفصيلي وبيان الأحكام الشرعية المتعلقة بالجماعة الإسلامية في وجوب تغيير الواقع، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على أساس الإسلام، وبيان أن أوجب الواجبات بحقّ الجماعات الإسلامية هو العمل لإعادة حكم القرآن في أرض الواقع، وعدم الرضا بدساتير الكفر والحكام الجبريين الذين يحكمون بهذه الدساتير.

5-بيان حقيقة بعض النماذج المضللة في العالم الإسلامي مثل (النموذج التركي) ، وذلك بشكل تفصيلي؛ من حيث الهدف والغاية والطريقة المضلّلة المتّبعة في هذا النموذج، وحقيقة ارتباطات هذا النموذج بالأعمال الاستعمارية وخاصة مع كيان يهود والولايات المتحدة.

6-كشف المؤامرات الدولية في امتصاص حركة الجماهير العارمة وانتفاضتها ضد الظلم والظلام في بلاد الإسلام، وكشف محاولات الغرب في تسخير بعض المسلمين لهذه الغاية وخاصة في مصر وتونس عن طريق حركة الإخوان المسلمين، وعن طريق حركة النهضة، وجعل النموذج التركي مستقبلًا قدوةً لهم في هذه السياسات التضليلية.

ثامنًا: وهي أن الله عز وجل ناصر دينه، وأنه يمكّن أهل الإخلاص لهذه الغاية الجليلة؛ وهي أمانة وحي السماء، وان البشارة الربانية في عودة الإسلام – رغم كل الكيد والتضليل – ستتحقق في أرض الواقع، فالله سبحانه يقول: (وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ) ويقول تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ 36 لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىَ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ)

ويقول أيضًا في موضوع الإخلاص والزيف: (كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ) فقد مكر الكفار في عهد المصطفى عليه السلام مكرًا عظيمًا كادت تزول منه الجبال، وذلك لصدّ رسول الله ورده عن أمر هذا الدين وهذه الرسالة الربانية العظيمة، لكن هذا المكر كله تحطّم في نهاية المطاف على صخرة الحق، وأزاله الحق تعالى من طريق هذه الدعوة الربانية الصادقة..، وهكذا فإن ملة الكفر تمكر وتدبّر وتحيك المؤامرات، وتتبع الأساليب تلو الأساليب، وتسخر الجماعات الإسلامية وغير الإسلامية لصد الناس عن دينهم، وصرفهم عن هدفهم السامي النبيل في إقامة العدل والاستقامة.

فهذه الأحداث العظيمة التي تعصف في بلاد المسلمين فيها بشارة عظيمة تبشّر بعودة الإسلام عن طريق الخلافة الراشدة الموعودة، والبشارة في هذه الأحداث أن الأمة قامت ونهضت ترفض الذلّ والهوان والقهر والتسلط، قامت تدافع عن كيانها وذاتها المهانة، وتتفلّت من القيد والعبودية، وتدفع ثمن هذه الثورات والانتفاضات من فلذات أكبادها ومن دمائها وأموالها، ولن يضيّع الله أمة بهذه الأوصاف العالية الجليلة ولن ينساها، وسوف يقيّض لها من أبنائها من يأخذ بيدها لينقذها من هذا الكرب العظيم والبلاء المبين، ففي الأمة رجال يحبون الله ويحبهم الله، أذلةٌ على المؤمنين أعزةٌ على الكافرين، ولسوف يكرم الأمة بهم عما قريب بقيام خلافة الإسلام الموعودة، ليعود الحق إلى نصابه الصحيح، وتعود هذه الأمة كما كانت وكما أراد لها مولاها عز وجل خير أمة أخرجت للناس، قال تعالى: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ)

وستحمل هذه الأمة -عما قريب- هذا المشعل الرباني العظيم؛ مشعل الهداية والاستقامة والنور إلى البشرية جميعًا؛ إلى مهد الفاتيكان في روما محقّقة في ذلك البشارة الثانية في حديث المصطفى عليه الصلاة السلام عندما سئل: «أَىُّ الْمَدِينَتَيْنِ تُفْتَحُ أَوَّلاً قُسْطَنْطِينِيَّةُ أَوْ رُومِيَّةَُ فقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَدِينَةُ هِرَقْلَ تُفْتَحُ أَوَّلا» . يَعْنِي قُسْطَنْطِينِيَّةَ رواه أحمد، وتحقّق البشارة العظيمة في انتشار الإسلام في كل المعمورة مصداقًا لحديث المصطفى عليه الصلاة والسلام: «لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَلاَ يَتْرُكُ اللَّهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلاَ وَبَرٍ إِلاَّ أَدْخَلَهُ اللَّهُ هَذَا الدِّينَ بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ عِزًّا يُعِزُّ اللَّهُ بِهِ الإِسْلاَمَ وَذُلاًّ يُذِلُّ اللَّهُ بِهِ الْكُفْرَ» أخرجه احمد في مسنده، وستعود هذه الأمة- بإذنه تعالى- خير أمة أخرجت للناس على وجه الأرض مصداقًا لقول ربها عز وجل: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ) ، لتكون شاهدة على الناس في الدنيا والآخرة مصداقًا لقوله تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) صدق الله العظيم.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *