العدد 295-296-297 -

العدد 295-296-297 – السنة السادسة والعشرون، شعبان ورمضان وشوال 1432هـ

إجرام حكام المسلمين استمرار لإجرام الاستعمار الغربي

إجرام حكام المسلمين استمرار لإجرام الاستعمار الغربي

 

أبو محمد – فلسطين – غزة

إن من أعظم الجرائم التي ارتكبها الغرب بقادته ومؤسساته المختلفة هو دعمهم لحكام المسلمين في مختلف البلاد، فها هو الغرب أدرك أن كلفة الاستعمار العسكري فادحة جدًا، بل وزادت فداحتها دوليًا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وسعي أميركا ممثلة بالاستعمار الجديد لإخراج الاستعمار القديم المتمثل بأوروبا وخصوصًا فرنسا وبريطانيا من بلاد المسلمين لتحل محله.

إن خروج هذا الاستعمار من بلاد المسلمين لم يحدث إلّا بعد أن قسمها ووضع توابع له متمثلة بمجموعة من الحكام وأوساط اقتصادية وثقافية تساند هؤلاء الحكام وتدعمهم بالقض والقضيض، فاستمر الاستعمار متخذًا أشكالًا شتى وصورًا كثيرة من أهمها الاستعمار الاقتصادي والفكري والسياسي المتمثل بالحكام ومعهم جيوش من العملاء الفكريين وقوى الأمن التي مارست القهر على أبناء الأمة المخلصين الساعين للتخلص من التبعية الغربية.

لذلك كانت هذه التيارات التابعة فكريًا وسياسيًا للغرب، وكان من الطبيعي أن يلجأ أمثال هؤلاء الحكام إلى قمع الأمة مستخدمين أجهزة أمنية فاق إجرامها كل تصور، بل وميزت بلاد المسلمين والعرب منهم خصوصًا بفرق خاصة تحمي كل نظام، ففي العراق وسوريا حرس جمهوري، وفي إيران حرس ثوري، وفي ليبيا كتائب القذافي وهكذا دواليك… فهذه الأنظمة لم تكن يومًا تستمد شعبيتها وقوتها الحقيقية من الأمة، وإنما لجأت لجزء من القوة ثقفتهم بثقافة خاصة وجعلت منهم نخبًا عسكرية مهمتها حفظ النظام أولًا وأخيرًا وليس حفظ البلاد التي لا يستمدون شرعيتهم منها.

وعلى الرغم من كل هذه القوى التي وجدت فإن القوى الفكرية والسياسية التي شايعت الحكام قد انهزمت هزيمة فكرية منكرة، وانعدم أثرها على المسلمين، وأصبحت ديكورًا تابعًا لأنظمة الحكم تأخذ حكمها، فيما بقيت الأجهزة الأمنية والفرق المختارة من الجيوش سندًا يسلط على رقاب الأمة خوفًا من تحركها.

وعلى الرغم من وجود أجهزة القمع لدى هذه الأنظمة فإن الغرب يعلم تمامًا أنه لا قبل لهؤلاء الحكام بحفظ أنفسهم وعروشهم البالية دون سند غير طبيعي يأتي من الخارج، ويكفي أن نذكر على سبيل المثال سوريا وهي التي كانت منبع الانقلابات والانقلابات المضادة، فإنه لما أتى حافظ الأسد ومن بعده ابنه إلى الحكم وكان مرتكزًا في حكمه على طائفة، فإنهما لم يستمرا في الحكم لأربعة عقود دون منازع بسند طبيعي بل بسند خارجي، متمثل بعمالة نظامهما لأميركا التي حمت ولا زالت تحمي هذا النظام.

إن هذا الجرم الذي ارتكبه الغرب الذي قضى على دولة الخلافة ثم نصب حكامًا عملاء له على رقاب المسلمين الذين أذاقوهم وبال أمرهم لهو جرم كبير لا تمحوه الأيام والليالي.

فالغرب، أميركا وأوروبا، هم الذين أوجدوا هذه الأنظمة الإجرامية على صدور المسلمين، وهم الذين أمدوا الأنظمة الحالية بأسباب الحياة، لذلك كان إجرام هؤلاء الحكام استمرارًا لإجرام هذه الدول الاستعمارية التي قضت على نظام الخلافة، والتي احتلت بلاد المسلمين ثم أكملت سيطرتها عليها بوضع هؤلاء الأصنام من الحكام متخذين القتل والتعذيب والتشريد لشعوبهم وسيلة لحفظ أمنهم وأمن أسيادهم.

والناظر في تاريخ دعم الدول الغربية لهذه الأنظمة يرى بوضوح كيف أن هذه الأنظمة ارتبطت ارتباطًا عضويًا بالاستعمار، بل كانت واجهة لهذا الاستعمار وامتدادًا له.

وإن أردنا أن نفصل قليلاً في جرائم الحكام على أيدي المستعمرين، فيكفينا أن نمر على من أسس الأجهزة الأمنية التي جعلت أولى مهماتها قمع أبناء الأمة حفاظًا على الأنظمة التي تحمي مصالح الدول الاستعمارية.

  • ففي الأردن الذي أقطعته بريطانيا لأبناء الشريف حسين لقاء خدماته للإنجليز وعمله على هدم دولة الخلافة، جاءت بريطانيا بكلوب باشا لكي يرئس الجيش العربي الأردني.

  • وفي البحرين كمثال شغل أيان هندرسون وهو رجل استخبارات بريطاني لمدة أعوام مسؤولية الأمن وحفظه في البلاد إبقاء للنظام الحاكم هناك.

  • وفي سوريا التي لعبت في ما يسمى بـ (الحرب على الإرهاب) دورًا كبيرًا في تقديم الخدمات لأميركا في محاربة ومنع المجاهدين من التسلل للعراق وحبسهم عن أن يكونوا ظهيرًا لإخوانهم المجاهدين في العراق.

  • وفي بلاد الخليج والمغرب كان لهذه الأنظمة الفضل الأكبر في التعاون مع أجهزة الاستخبارات الأميركية وتمكينها من العمل في البلاد بحجة مكافحة (الإرهاب) ، وتسليم الأميركيين لقوائم بأسماء الناشطين المناوئين لهم من أبناء الأمة المخلصين.

  • أما في السلطة الفلسطينية فكان للأميركان النصيب الأكبر من الإشراف على تدريب وقيادة قواتها الأمنية بدأ بالجنرال الأميركي السيئ الصيت الجنرال دايتون ومن خلفه وهو الجنرال مولر.

أما في المجال السياسي فقد كان الحكام في بلاد المسلمين صوتًا وأداة لمشاريع أسيادهم، عدا عن الصفقات والمشاريع الاقتصادية المشبوهة مع الشركات الأجنبية كشركات النفط وشركات السلاح التي أصبحت صفقاتها مع الحكام من أكبر الصفقات في العالم إنقاذًا لهذه الشركات ودولها من الإفلاس وتقليل نسب البطالة، وتصديرها وسائل القمع والتعذيب وانتزاع المعلومات من المعتقلين لهذه الأنظمة.

إن التخلص من الحكام بأشخاصهم لا يكفي لتغيير الواقع أبدًا.

فالدول الغربية التي عملت لعقود مع هذه الأنظمة لم تدخر وسيلة أو جهدًا في ربط تابعيها مباشرة معها، من خلال إيجاد عملاء في أوساط السياسيين والاقتصاديين وكبار ضباط الجيش خصوصًا من خلال الصفقات والمناورات المشتركة والتعاون العسكري والأمني، بل إن نشاط هذه الدول قد امتد لكثير من الحركات والأحزاب في بلاد المسلمين بل وطالت اتصالاتهم حتى بعض العلماء من علماء السلاطين.

وطبيعي لكل حكم لا يستند إلى الأمة، وهي السند الطبيعي، أن يستند للسند الخارجي، بينما يقوم بقمع محكوميه لكي يستمر على رأس نظام يمكن الغرب من تنفيذ سياساته.

فكل إجرام الحكام إنما هو جزء من إجرام الغرب بحق المسلمين، فهو الذي هدم خلافتهم وقسم بلدانهم وولى عليها عملاء له يحفظون مصالحه ويمنعون الداعين من إعادة الحكم بما أنزل الله، بل إن الغرب نفسه قد ساهم إما من خلال عملائه أو بنفسه مباشرة بتمكين الحاكم له من الإجرام بحق أبناء المسلمين، سواء في القمع السياسي أم نهب الثروات أم المشاركة في الخطط السياسية والمشاريع الغربية التي تحقق مصالحهم.

لذلك فان من أهم شروط أي تغيير حقيقي أن تقطع يد الغرب المستعمر من بلاد المسلمين، سواء أياديه المباشرة أم التي اصطنعها من فئة الحكام والمروجين لهم، وحينها سيكون مآل الأمور إلى إقامة نظام من جنس الأمة يكون فيه الحاكم مطبقًا لما تحمله الأمة من أفكار ومقاييس وقناعات، لا متسلطًا على رقاب الأمة بقوة المال والبطش كي يستمر في حكمه.

إن شعار إسقاط النظام والذي يرفع في هذه الثورات يجب أن يعني إسقاط الأفكار التي يقوم عليها النظام واستبدالها بمجموعة أخرى من الأفكار والمفاهيم متمثلة بقواعد يبنى عليها النظام الجديد وتكون أساسًا للدستور وللحكم والدولة.

إن أهم الأفكار التي تقوم عليها الدول وتخط بناء عليها قوانينها هي الدساتير، لذلك فان أحد أهم معاني إسقاط الأنظمة إنما يكون في تغيير الدساتير تغييرًا جذريًا مستندًا إلى فكر الأمة وإلى مفاهيمها المنبثقة عن العقيدة الإسلامية فقط وفقط، فهل يكفي هنا أن يقال بأن الإسلام هو المصدر الرئيسي للتشريع، فهذا معناه أن يشرك مع الإسلام ما هو غيره، وكأنه اتهام قبيح للإسلام بأنه لا يكفي لإيجاد حلول للمشاكل المتجددة في المجتمع، أو كأنه مصدر من المصادر المتنوعة يتساوى فيه حكم الله الكامل الشامل الحق مع حكم البشر الناقص المعوج.

وكذلك فان وضع دستور جديد للبلاد يقوم على أساس الإسلام وحده لا يمكن أن يتم إلا بالانعتاق من رجالات النظام القديم ووسطه السياسي المنافق. فإسقاط النظام هو إسقاط الأفكار التي يقوم عليها، وإسقاط رجالات النظام من مفاصل الدولة والتأثير فيها ممن تلبسوا بهذه الأفكار وكانوا لها سندًا، وإسقاط الوسط السياسي وظل الحكم البائد من مثل التجمع الدستوري في تونس والحزب الوطني في مصر وحزب البعث في سوريا… من خلال إبعادهم عن معترك التأثير في النظام الجديد وكشف فضائحهم أمام الملأ فوق ما هم فيه من انكشاف

أما مكونات التغيير الحقيقي فتقوم على ما يلي:

  • إن التغيير الحقيقي لا يمكن أن يتم إلّا بإزالة الانعتاق من تبعية الغرب المستعمر والمتمثلة في الأوساط السياسية والفكرية والاقتصادية وكبار قادة العسكر والجيش المدافعين عن الوصاية الأجنبية والتبعية للدول الغربية.

  • ويكون كذلك بمنع الدول الغربية من التدخل عبر سفاراتها والتي أضحت بعضها بمثابة القلاع داخل الدول وسفرائها، وأشبه بالمندوبين السامين يتدخلون في كل صغيرة وكبيرة، ويجتمعون بمن شاءوا ويزورون من شاءوا وتعج بعض سفاراتهم بآلاف الموظفين.

  • وتكون كذلك بإلغاء جميع المعاهدات المخالفة للإسلام وأولها المعاهدات مع كيان يهود، والمعاهدات التي تكرس التبعية لأميركا وأوروبا، سواء أكانت معاهدات ثقافية أم اقتصادية كاتفاقية الكويز، أم سياسية كمعاهدة كامب ديفيد، أم عسكرية كمناورات النجم الساطع في مصر.

  • وكذلك تكون باستبعاد أية تبعية عسكرية للغرب كمنع وإيقاف المساعدات العسكرية الأميركية لمصر والتي هي أحد أهم أشكال التبعية لأميركا في مصر، فكما أنه لا يمكن لبلاد أن تنتصر إن كان طعامها مستوردًا ولا تعتمد في إنتاجه على نفسها، فكذلك لا يمكن لأمة أن تنتصر إن كان سلاحها سلاحًا أميركيًا أو غير ذاتي.

  • ويكون كذلك بوقف مفاعيل دراسات مراكز الأبحاث والمنتديات الفكرية التي يروج لها الغرب ويدعمها بحجة نشر الثقافة الأميركية أو تعزيز الديمقراطية أو تعزيز قيم الحرية والعدالة بالمفاهيم الغربية، أو مشاريع إفساد المرأة أو المحافظة على حقوق الإنسان بحسب الفهم الغربي لهذه الحقوق.

  • ومن وسائل التبعية الغربية الاستثمارات الأجنبية، حيث إنها كثيرًا ما تكون عبارة عن مشاريع نهب وسلب لثروات البلاد، وأداة لممارسة الضغوط على الأنظمة وحتى الشعوب من أجل تحقيق غاياتها، وكثير منها ارتبط بعلاقات وصفقات مشبوهة مع فئة الحكام من أجل تيسير أعمالهم وتمكينهم من النهب بلا رقيب.

بمثل هذا التفكير يكون التغيير الحقيقي، يكون ابتداء بإزالة التبعية الغربية وإسقاطها وإسقاط رموزها وأولهم الحكام ثم الأحزاب المتواطئة مع الغرب والسياسيين المروجين لمشاريعه، والمراكز الثقافية الممولة منه، والسفارات التي أصبحت دولًا داخل الدول، وأهم من هذا كله الأفكار الغربية التي يروجها الغرب وعملاؤه في بلاد المسلمين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *