العدد 11 -

العـدد الحادي عشر – السـنـة الأولى – شعبان 1408هـ – نيسان 1988م

سؤال وجواب

السؤال 1: هل يحل للمسلم أن يستعمل الحزام الناسف وما شاكله، فيقتل نفسه مع قتله للأعداء؟

 الجواب 1:

بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم علّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علّمتنا.

نعم يجوز استعمال الحزام الناسف وما يشبهه. وهذا ليس انتحارً، وليس قتلاً للنفس، وليس إلقاءً باليد إلى التهلكة.

إن الانتحار حرام. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها بطنه يوم القيامة في نار جهنم خالداً مخلّداً فيها أبداً، ومن قتل نفسه بسُمّ فسُمّه في يده يتحسّاه في نار جنهم خالداً مخلداً فيها أبداً». وهذا ينطبق على من تصيبه مصيبة ويحاول التخلّص منها عن طريق الانتحار، أو يأمره قائده، أو عدوه بقتل نفسه فيقدم على قتل نفسه.

أما الإقدام على عمل من أعمال الجهاد فيه موت محقق أو موت مرجّح من أجل إصابة الأعداء، وهي ما تسمّى العلميات الانتحارية، فهي مستثناة من عموم الحديث المذكور أعلاه. فقد ذكرت كتب التفسير عند قوله تعالى: (يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضْ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ) أنه صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر: «قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض». فقال: عمير بن الحمام: عرضها السموات والأرض؟ فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعم» فقال: بخ بخ. فقال: «ما يحملك على قولك: بخ بخ» قال: رجاء أن أكون من أهلها. قال: «فإنك من أهلها» فتقدّم الرجل فكسر جفن سيفه وأخرج تمرات فجعل يأكل منهن، ثم ألقى بقيتهنّ من يده وقال: لئن أنا حييت حتى أكلهنّ إنها لحياة طويلة، ثم تقدم فقاتل حتى قتل، رضي الله عنه.

وذكرت كتب التفسير عند قوله تعالى: (وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) أنها نزلت في النفقة. وقد ذكرت أكثر كتب الحديث بسند صحيح أن رجلاً من المهاجرين حمل على صف العدو بالقسطنطينية حتى خرقه ومع المسلمين أبو أيوب الأنصاري. فقال ناس: ألقى بيده إلى التهلكة. فقال أبو أيوب: نحن أعلم بهذه الآية، إنما نزلت فينا. صحبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهدنا معه المشاهد ونصرناه، فلما فشا الإسلام وظهر اجتمعنا معشر الأنصار تحبباً، فقلنا قد أكرمنا الله بصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ونصره حتى فشا الإسلام وكثر أهله، وكنا قد آثرناه على الأهلين والأحوال والأولاد، وقد وضعت الحرب أوزارها، فنرجع إلى أهلينا وأولادنا فنقيم فيهما، فنزل فينا: (وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) فكانت التهلكة في الإقامة في الأهل والمال وترك الجهاد.

وأخرج الحاكم في مستدركه على شرط الشيخين: (قال رجل للبراء بن عازب: إن حملت على العدو وحدي فقتلوني، أكنت ألقيت بيدي إلى التهلكة؟ قال: لا، قال الله لرسوله: (فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ)، وإنما هذه في النفقة).

والحزام الناسف وما يشبهه هو مثل هذه الأعمال، وهو يدخل في وقوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ).

ولا يحل للأسير أن يقتل نفسه أو يقتل زميله كي يتجنب إعطاء معلومات للعدو، بل عليه أن يمتنع عن إعطاء المعلومات التي تضرّ بإخوانه، وعلية أن يصبر ولو قتله العدوّ.

السؤال 2: التدريب على القتال ما حكمه في الشرع، هل هو واجب أو مندوب أو مباح؟

الجواب 2:

التدريب على القتال يستمد حكمه من حكم القتال نفسه. فالقتال هو الأصل، والتدريب هو الفرع. فلنبحث أولاً حكم القتال.

القتال (الجهاد) هو فرض من الفروض الكفائية على المسلمين. وهو مستمر منذ شرعه الله تعالى حين أنزل أول آية أذنت بالجهاد، وهي قوله تعالى في سورة الحج: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ). وهو مستمر مع كل أمير بَرّاً كان أو فاجراً، لا يعطله عدل عادل ولا جوز جائر، حتى يقاتل آخر هذه الأمة الدجالَ، وحتى تقوم الساعة.

وحين يكون للمسلمين خليفة أو أمير فإن أمور الجهاد تكون منوطة به. والجهاد إما يكون لحماية المسلمين وبلادهم وأموالهم ودينهم، وإما يكون لفتح بلاد الكفار من أجل حمل الرسالة الإسلامية إليه. في الحالة الأولى، أي حالة الحماية والدفاع فإن الجهاد يجب أن يقوده وينظّمه الأمير، فإن قصر أو تخر وجب على الناس أن يقوموا بهذا الواجب. وفي الحالة الثانية، أي حالة القتال لفتح بلاد الكفار وحمل الرسالة لهم فإن الجهاد يجب أن يقوده وينظّمه الأمير، ولا يجوز للأفراد القيام به ولو قصرّ الأمير أو تأخر. وإذا قصر الأمير على الأمّة أن تحاسبه وتأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر وتجبره على القيام بالواجب.

وهنا أضع نص المادة (90) من الدستور: «الجهاد فرض على المسلمين، والتدريب على الجندية إجباري، فكل رجل مسلم يبلغ الخامسة عشرة من عمره فرض عليه أن يتدرب على الجندية استعداداً للجهاد. وأما التجنيد فهو فرض على الكفاية».

وهذه المادة تتحدث عن الحالة التي يكون فيها للمسلمين خليفة، أو أمير. وحين تنص المادة على أن التدريب على الجندية إجباري تعني أن الدولة هي التي تتولّى أمور التدريب، وهي التي تجبر من يتخلف.

وفي ظروفنا الحالية لا يوجد للمسلمين خليفة، ولكن يوجد لهم أمراء. وهؤلاء الأمراء وإن كانوا لا يحكمون بما أنزل الله وإن كانوا أمراء جور فجور، فإن أمر القتال مربوط بهم شرعاً. ونحن نرى أنهم يدرّبون، ويجندون. فغالبية البلاد الإسلامية فيها تدريب لعامّة الشباب، وهي ما يسمونها خدمة العلم، وكل شاب مسلم تطلبه الدولة للتدريب يجب شرعاً عليه أن يلبّي، سواء طلبته في سن الخامسة عشرة أو في سن العشرين أو غيرها. والشاب الذي تعفيه الدولة من خدمة العلم، أي من التدريب، فإن حكم التدريب يصبح غير واجب في حقه، بل يصير مندوباً.

ولا ينزل حكم التدريب فيحق الشاب المسلم إلى مرتبة الإباحة، بل هو بين أن يكون واجباً أو مندوباً.

قلنا إن الجهاد فرض على الأمة الإسلامية، وهو فرض على الكفاية. ويصبح فرض عين على من يستنفرهم الأمير، وعلى من يقع اعتداء الكفار على ناحيتهم، وعلى من يليهم، حتى تحصل الكفاية لردع الكفار.

والأمر بالجهاد هو أمر بإعداد العُدة من مختلف الأسلحة، وهو أمر بالتدريب على هذه الأسلحة بموجب القاعدة الشرعية: (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب).

فضلاً عن ورود أدلة مستقلة بشأن العُدّة والتدريب. قال تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمْ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ). وقد روى مسلم وغيره عن عقبة بن عامر يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو على المنبر: «(وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ) ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي». وقد روى الإمام أحمد وأهل السنن أن رسول صلى الله عليه وآله وسلم قال: «ارموا واركبوا، وأن ترموا خير من أن تركبوا». وهناك قول مأثور: علّموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل.

وهذا الطلب حين يوجهه الأمير إلى سن معين على وجه الإلزام يصبح واجباً على هذا السن، ويبقى في حق من سواهم مندوباً.

والآن ليس النقص في الجهاد ناجماً عن نقص في عدد المدرَّبين، لأن غالبية شباب الأمة مدربة، فالكفاية حاصلة من هذه الناحية. ولكن النقص في الجهاد ناتج عن موقف الحكام تجاه الجهاد. الحكّام لا يريدون القتال. الجيوش الجرّارة موجودة، والأسلحة تملأ المستودعات، وغالبية شباب الأمة مدرّبون ويشكلون جيشاً احتياطياً.

فإذا قام أفراد يريدون مقاتلة العدو بدون إذن الحكام، فإن هؤلاء الحكام سيعتقلون هؤلاء الأفراد وربما يقتلونهم. وهذه الجبهات مع اليهود كلها تقف عليها الجيوش العربية شرطة حراسة لمنع تسلّل المقاتلين لمقاتلة العدو.

وصدق من قال: إن طريق فلسطين، وطريق استئناف الجهاد تمر على أنقاض هذه الأنظمة.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *