العدد 291 -

العدد 291 – السنة الخامسة والعشرون، ربيع الآخر 1432 هـ، الموافق آذار 2011م

مقتطفات من كتاب التيسير في أصول التفسير للعالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشته

مقتطفات من كتاب  التيسير  في أصول التفسير للعالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشته

 

(فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ، وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ، فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَءَاتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ، تِلْكَ ءَايَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ)

جاء في كتاب التيسير في أصول التفسير لمؤلفه عطاء بن خليل أبو الرشته أمير حزب التحرير حفظه الله في تفسيره لهذه الآيات ما يلي:

في هذه الآيات يبين الله سبحانه ما يلي:

  1. بعد أن جاءت بني إسرائيل من بعد موسى الحجةُ القاطعة على أن طالوت هو ملكهم وذلك بإتيان التابوت إليهم صَدَّقوا وساروا مع طالوت لملاقاة عدوهم.

ثم أعلمهم طالوت أن الله مبتليهم بنهر من باب الاختبار لبيان صدقهم وإخلاصهم في ملاقاة عدوهم، وكان ذاك الابتلاء أن لا يشربوا من النهر كراعاً بمعنى أن لا يأخذوا الماء بأفواههم مباشرة من النهر، وأعلمهم أن من شرب الماء كراعاً من النهر فليس من أتباعه وأصحابه، ومن لم يشرب أو شرب ولكن بغرفة بيده فإنه من أتباعه.

وكانت نتيجة الابتلاء أن شربوا كلهم كراعاً إلا القليل منهم، فسار بمن آمنوا معه لملاقاة العدو، فلما رأوا عدوهم رأي العين قال قسم منهم أن لا طاقة لهم بقتال جالوت وجنوده، ولكن القسم الآخر، وهم شديدو الإيمان بالله الذين يتطلعون إلى الآخرة أكثر من تطلعهم إلى الدنيا، وهم الفريق الأقوى إيماناً الذين فاقوا الفريق الآخر بأداء الطاعات وحسن التقرب إلى الله، قالوا مشجعين الفريق الآخر أن لا عبرة بكثرة العدد بل بعون الله والنصر مع الصبر والله مع الصابرين.

واندفعوا مع طالوت وهم يدعون الله أن يفرغ عليهم صبراً ويثبت أقدامهم وينصرهم على القوم الكافرين.

فاستجاب لهم الله سبحانه ومكَّنهم من أعدائهم فهزموهم بإذن الله وقتل داود – عليه السلام – جالوت، وأنعم الله على داود بالملك والنبوة، وعلمه غير ذلك مما ينفعه في دنياه كصنعته السلاح والحديد وما يعينه في الجهاد في سبيل الله.

ثم يبين الله سبحانه في آخر هذه الآيات أنه لولا الجهاد لفسدت الأرض، ولكن الله سبحانه تفضل على العالمين بأن أرسل رسلاً يدعون الناس لدين الله ويقاتلون بالمؤمنين أعداء الله ليحولوا دون فساد المفسدين وظلم الظالمين.

(فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ) أي غادر معهم المدينة التي كانوا فيها وساروا باتجاه عدوهم لقتاله.

(إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ) أي مختبركم بالمرور على نهر.

(فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ) أي من كرع من النهر فشرب بفيه لأن الشرب من النهر على الحقيقة هو هكذا وليس تناولاً.

(فَإِنَّهُ مِنِّي) أي من أتباعي.

(وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي) أي لم يذقه، من طَعَم الشيء إذا ذاقه مأكولاً كان أو مشروباً – حكاه الأزهري – وفي هذا مفهوم موافقة فالنهي عن ذوق الماء كراعاً يعني شدة النهي عما زاد عن ذوق الماء أي شربه كراعاً.

(إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ) أي شرب متناولاً بيده، وهذا استثناء منقطع لأن النهي هو عن الشرب الكراع، والاستثناء للشرب تناولاً باليد وهو ليس من الشرب الكراع، فهو منقطع بمعنى لكن (لكن من اغترف غرفة بيده) فهو مني.

قرأ عامة أهل المدينة والبصرة (أبو عمرو وابن كثير ونافع) بنصب الغين من الغرفة بمعنى الغرفة الواحدة من قولك: اغترفت غرفة، والغرفة هي الفعل بعينه من الاغتراف.

وقرأ آخرون بالضم بمعنى الماء الذي يصير في كف المغترف، فالغَرفة الاسم والغُرفة المصدر والغَرفة بالنصب معناها المرة، والغُرفة بالضم تعني الماء في اليد، سواء أكان مرةً أم مراتٍ، وحيث إن القراءتين متواترتان والمعنى واحد، فيكون المعنى المحكم المشترك بين القراءتين هو: المغترف من الماء مرة واحدة.

أما (بِيَدِهِ) بعد غرفة فهو قيد لها، (فالغرفة) نكرة في سياق الإثبات فهي مطلقة. و(بِيَدِهِ) قيد لها فيكون المستثنى هو الذي تناول الماء بيده وشرب مرة واحدة، أي أن الذي سيكون من أتباع طالوت هو ذاك الذي لا يشرب كراعاً من النهر ويمضي مجتازاً له، أو لا يشرب كراعاً ولكن يغترف من النهر بيده مرة واحدة فقط، ويمضي مجتازاً له.

(الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ) أي أصحاب اليقين بملاقاة الله، وهم شديدو الإيمان الذين يتطلعون إلى الآخرة فوق تطلعهم إلى الدنيا، وأنَّ ملاقاة ربهم تأخذ عليهم العقول والسمع والأبصار.

فالظن هنا بمعنى اليقين بملاقاة الله بقرينة قولهم (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) وهذا يعني أنهم لا يشكون بملاقاة الله وهي قرينة على أن الظن هنا بمعنى اليقين.

(جَالُوتَ) أعجمي معرب كما قلنا في (طالوت).

(الْحِكْمَةَ) النبوة، وقد جمع الله لداوود على بني إسرائيل الملك والنبوة وكان الملك منفصلاً عن النبوة كما بينا في الآيات السابقة من قولهم لنبيهم أن يبعث لهم ملكاً.

(وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ) أي ولولا فرض القتال في سبيل الله لِرَدْع أهل الشرور والفساد.

(تِلْكَ ءَايَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ).

هذه الآية يختم الله سبحانه بها ما أنزله على رسوله من أحكام وآيات دالة على صدق نبوته صلوات الله وسلامه عليه.

وكل من تدبرها بإعجازها في لغتها وأسلوبها وصِدْق إخبارها بمغيبات لا يعلمها بشر إلا بوحي من ربه، والإيمان الموافق للفطرة والعقل الذي دعت إليه الآيات، وعدم اختلافها في كل ما حوته من أحكام وأخبار، كل ذلك ينطق بصدق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأنَّه رسول من رسل الله الذين أرسلهم لإنقاذ عباده من الظلمات إلى النور (وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *