انتفاضة تونس ومصر آمال وعبر
2011/03/01م
المقالات
1,775 زيارة
انتفاضة تونس ومصر آمال وعبر
م. موسى عبد الشكور – الخليل- فلسطين
نقلة نوعية في واقع الأمة الإسلامية، حيث انتفضت جموع الناس في وجه الفراعنة فسقطت العروش، بأفضل الجهاد الوارد في حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «أَلَا إِنَّ أَفْضَلَ الْجِهَادِ كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ» انتفاضة أطاحت بفرعون مصر بعد طاغية تونس، والتي تنذر بإطاحة سائر العروش في العالم الإسلامي باعتبار أن الأمة الإسلامية جسد واحد. وهذه النقلة هي مرحلة جديدة، مرحلة أدركت فيها الأمة قوتها وأيقنت من قدرتها، وعلمت أن السلطان سلطانها وأن الطواغيت يمكن أن يزولوا عاجلاً غير آجل وإلى غير رجعة، بعد أن تضاءل الأمل عندما تزاوج نفوذ السياسة بنفوذ المال، وهم فرعون وهامان وقارون وملؤهما من الحزب الحاكم.
إن الأمة الإسلامية جديرة بأن ترتفع وترتقي إلى الفكر السياسي الإسلامي الراقي كما كان رقيها في المجالات الأخرى ثم زال. وسبب هبوطها وهو انخفاض فكر سياسييها ما أدى إلى تدخل الدول الغربية فيها لرسم سياساتها فكرياً وإبعادها عن دينها؛ فأدى ذلك إلى انخفاض للأمة في كل الميادين حتى أصبحت في ذيل الأمم، فلا تقدم ولا تأثير لها في السياسة الدولية، وهي بمثابة المفعول به. فسياسيوها غير واعين لا بل عملاء وطغاة وفي تراجع مستمر لصالح الغرب الكافر على حساب أمتهم وكرامتها.
إن التغيير والارتقاء لا تنزل به الملائكة جاهزاً، ولا يتم إلا بتضحية المسلمين والوعي والثبات واتخاذ القضية على أنها قضية مصيرية، وإن إقامة الدول وتغيير الأنظمة العميلة ليست مسألة مستحيلة، بل هي رغم مخاطرها بيد الشعوب المهمشة إن قصدت وتمت قيادتها عن وعي، فقد أكدت الأحداث في تونس ومصر صدق معادلة حركة الجماهير الثائرة وفاعليتها، ولو تركت تعبر عن نفسها لفتحت وضعاً جديداً متسلسلاً يعم العالم الإسلامي، وقد ينتج عنه مرحلة جديدة تغير مجرى التاريخ.
انتهى حكم بن علي في تونس والذي بقي مدة 23 عاماً، وهو امتداد لفترة حكم الطاغية الذي سبقه بورقيبة الذي تولى الحكم عام 1956م، فقد نصبه الفرنسيون كحاكم عميل تم اختياره بعناية، وتوج بمسرحية الاستقلال كحاكم ومؤسس لدولة تونس المستقلة في تلك الفترة التي سادت العالم الإسلامي، وهي استمرار لحقبة الاستعمار لبلاد الإسلام، وقد ربطت تونس بالغرب، لاسيما فرنسا، التي كانت بمثابة اللاعب الحاضر الغائب في الساحة التونسية.
وكانت تونس تحكم بولاة تابعين لدولة الإسلام العثمانية حتى سنة 1881م، وعندما احتلتها فرنسا كانت الدولة العثمانية في حالة ضعف شديد، وبحروب مستمرة على معظم حدودها، وتآمر الدول الغربية عليها لحسم المسألة الشرقية وهي وقف الجهاد والتهديد ضد أوروبا. وحاولت فرنسا فرض الثقافة الفرنسية عليها ولكنها فشلت لتمسك المسلمين هناك بدينهم؛ إلا أنها لم تيأس فقد استمالت بعض أبناء تونس حيث وجدت في بورقيبة العميل الخطير وجهاً يمكن أن يقود البلاد نباية عن الاستعمار الفرنسي، وحاولت إصدار فتى بوجوب قتال المسلمين في تونس تحت لواء الفرنسيين ضد الألمان في الحرب العالمية الثانية؛ إلا أنها لم تنجح كثيراً. ولكن بورقيبة الذي خدم الغرب الكافر بإخلاص استطاع إيجاد بعض ضعفاء النفوس من العلماء وإصدار الفتوى، فقد أصدر فتوى بجواز قتال الجندي المسلم في الجيش الفرنسي، وفتوى أخرى بجواز إفطار الجنود المسلمين الذين يقاتلون مع الفرنسيين في رمضان في الحرب العالمية الثانية؛ فكان أن كافأه الفرنسيون بحكم البلاد والاستقلال المزعوم، واستمر حكم الطاغية يحارب الإسلام؛ فقد أمر العمال بالإفطار في رمضان لأن الصيام يؤخر الإنتاج الصناعي، وحارب الحجاب وانتزعه عن رأس امرأة على التلفاز وأمام العامة من الناس، وألغى وزارة الأوقاف التي كانت ترعى المساجد، وقد أفتى هو ومن حوله من علماء وعملاء بجواز الحسابات الفلكية في رؤية الهلال، وقد تدخل بالحج بسياسة منظمة لمحاربة الإسلام، فقد أمر المسلمين بالحج مرة واحدة فقط لئلا تبدد أموال تونس بتكرار الحج، ولاحق المصلين، فظهر للغرب بأن له قوة للحكم ترضي الكفار، فتم ابتعاثه إلى فلسطين من قبل الإنجليز حيث أصبح عميلاً لها يحمل ثقافة فرنسية للترويج لمشروعها وهو إقامة دولة فلسطينية علمانية متعددة الطوائف على غرار لبنان، فجاء إلى فلسطين سنة 1946م وتم كشفه وهوجم من قبل الناس فرجموه بالبندورة والبيض الفاسد.
وبقي بورقيبة في الحكم بكل فجوره وبطشه إلى سنة 1987م حيث أثبت بن علي أنه عاجز عن الحكم بقرار من لجنة طبية، وبهذا أصبح بن علي رئيساً للبلاد، وسار على نفس خطى بورقيبة في محاربة الإسلام ونشر أفكار ومفاهيم الحضارة الغربية. وحكم هذا الدكتاتور تونس بالحديد والنار، بقبضة حديدية وبحكم مغلق على نفسه، واستطاع تنظيف الجيش ومن حوله من أي عمالة لغير فرنسا، فلم تجد أميركا لها موطئ قدم، فقد أحكم قبضته على الأمور بالتعاون مع فرنسا، وكرهه الناس وكرههم، واستمر في محاربة الإسلام حتى إنه ادعى أن الأذان يلوث البيئة إمعاناً منه في الكفر، وأصبحت الصلاة على البطاقة، ولاحق من يصلي أكثر من فرض في المسجد، وقد أصبح من شرار الحكام، وقد حكم ثلاثة وعشرين عاماً استحوذ أقاربه خلالها وأصهرته على المناصب وعلى الأموال وإدارة الفساد حتى أصبحت ثروته أكبر من ميزانية الدولة. ولخلفية الرجل العسكرية ومعرفته بتأثير الجيش وقوته في حماية النظام خاف من الجيش وحسب حسابه؛ فحاول تنظيفه ممن يشك في ولائهم له، وأخذ يضعفه لكي لا يستولي على السلطة لظلمه واستبداده، وخشي أكثر عندما قبض على أفراد من حزب التحرير في الجيش والذين تمّ اعتقالهم عام 1983م وحاكمهم.
وفي عام 2003م كان رئيس أركان الجيش رجلاً اسمه عبد العزيز رشيد أسكيك، وكانت له شعبية وكان محبوباً في الجيش، فخاف منه بن علي مع أن الرجال من حوله يدينون لفرنسا، إلا أن أنانيته واستبداده وغباءه السياسي أعمى بصره وبصيرته فقام بعملية تدبير تفجير طائرة قائد الجيش وثلاثة عشر من كبار ضباط الجيش، وبذلك أضعف الجيش وتخلص من قيادته كما قال المهندس أحمد الخطواني. كما وقام بتقليل عدد أفراد الجيش إلى خمسة وثلاثين ألفاً، وأهمله وحشره في الثكنات، ولم يهتم بهم من حيث زيادة الرواتب وتطوير العتاد، فكرهه الجيش وأصبح بينهم ثأر دفين، فخشي من الجيش وخشي الجيش من بطشه، ولكن بن علي ظن أن الجيش لم يعد له تأثير. وزاد على ذلك فقد نقل كل السلطة العسكرية إلى الأجهزة الأمنية التي شكلها بدل الجيش للقمع، وتقدر بمئة وعشرين ألفاً مدربين بأسلحة خفيفة، ولا يملكون أسلحة ثقيلة، فركن إليهم بقيادة أقاربه وأصهرته.
وبقي على هذا الحال إلى أن أحرق البوعزيزي نفسه فأثار الشارع بطريقة كبيرة، فتفاعل الشارع معه وامتدت الثورة إلى أنحاء تونس، وقتلت الأجهزة الأمنية عدداً لابأس به من الناس، ولكن الانتفاضة بقيت مستمرة واشتدت إلى أن عجزت الأجهزة الأمنية عن قمعها وإنهائها، وطالت المدة فأصبحت الحكومة في حرج أمام الرأي العام داخلياً وخارجياً، فلجأ بن علي إلى الجيش الذي يكرهه لوجود الثأر بينهما كما مر معنا، فطلب من رشيد عمار قائد الجيش أن يتدخل لإنهاء الانتفاضة؛ لعجز الأجهزة الأمنية ولامتلاكه المعدات الثقيلة، فرفض وقال له إن أسلحتنا توجه للعدو لا إلى التونسيين، فأقاله ووضعه في الإقامة الجبرية، وعين قائداً آخر بديلاً عنه، إلا أن الضباط لم ينصاعوا للقائد الجديد، وبقيت الانتفاضة مستمرة، فرجع بن علي إلى رشيد عمار لينقذ الوضع، إلا أن رشيد عمار رفض وقال: إما أن تغادر وإما أن أقصف القصر بمن فيه، فما كان من الرئيس إلا أن هرب مسرعاً بمساعدة ليبيا، ولم يجد سوى السعودية تستقبله.
فهرب الطاغية رغم الأجهزة الأمنية وتواجدهم الكبير، وذاب مؤيدوه وحزبه كالملح في بلد يبدو ذا ثقافة غربية، ويعد عضواً مؤسساً وفاعلاً فيما يسمى بـ“مبادرة الشراكة الشرق أوسطية” التي تتضمن تعاوناً غربياً وعربياً لإقرار الديمقراطية في العالم العربي كما يدعون، وقد تم لفظه من أسياده كالنواة بعد أن كان بن علي أحد رجالاتها المخلصين، فقد نشرت الكتب والمقالات في فرنسا وأوروبا عن فساد بن علي وليلى الطرابلسي زوجته وأسرتها بمجرد هروبه حتى رفضت استقباله رغم خدمته الطويلة لها. قال تعالى: (كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ) [الحشر].
وما حصل في مصر شبيه بذلك فقد سقط طاغيتها وبسرعة نسبية بعد أن ظن أنه قد رتب أمره وأمر من بعده في الداخل والخارج، إلا أن الله أتاهم من حيث لم يحتسبوا قال تعالى: (وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ) [القصص] سقط مقاول السلام المعتمد لدى أميركا، ومما سارع في زوال فرعون مصر هو التكبير، وقول آمين في الدعاء وصلاة الجماعة التي أرعبت الغرب الكافر وعملاءهم فسارعوا بالتضحية بالعزيز، وبذلك انتصرت الانتفاضة وحسم الأمر ضد الطغيان والفساد.
ولكن المعركة لم تنتهِ، وسرعان ما بدأت المراجعات، فقد أبدى الغرب وأميركا حلفاء الأنظمة الساقطة استعداداً للتخلي عن أي عميل إذا فقد أسباب القدرة على البقاء. وفي هذا الخصوص جاءت تصريحات الإدارة الأميركية متذبذبة بين إبقاء مبارك العميل الركن وبين مطالب المتظاهرين واحترام طموحاتهم وتطلعاتهم كما تدعي، عن طريق الإصلاحات الديمقراطية، وهي السيف الذي تشهره واشنطن في العالم الثالث. فقد أصبح الوضع يقلق الغرب وكبار المسؤولين في العالم الإسلامي، فأصبحوا ينظرون بقلق بالغ لمجرى التطورات الجارية حالياً في الساحة اليمنية والأردنية والجزائرية حتى السورية، فقد حذرت وزيرة الخارجية الأميركية الأنظمة العربية من السقوط في براثن السياسات الراكدة، وخوّفتها من خطر الزحف الإسلامي القادم لاجتياحها فقالت: «إن الذين يتمسكون بالوضع الراهن كما هو قد يتمكنون من الصمود أمام مجمل مشاكل بلدانهم لفترة قصيرة ولكن ليس للأبد، وإن آخرين سيملؤون الفراغ إذا ما فشل القادة في إعطاء رؤية إيجابية للشباب وسبل حقيقية للمشاركة»، وحذّرت كلينتون قادة الدول العربية «من التطرف الذي يمكن أن يملأ الفراغ» وقالت عن موجة الاحتجاجات إنها ليست مسألة مثالية، بل إنها ضرورة استراتيجية. أؤكد أن أميركا ستدفع برياح التغيير حتى تصل إلى نهايتها، هذا ما قالته، وتوقعت أنه سيكون هناك بعض الاضطرابات القادمة، لكنها واثقة في نهاية المطاف من تحقيق المصلحة الأميركية.. أما الحكام فقد اقترح ملك البحرين اجتماعاً ضرورياً لبحث الوضع لمنع استغلال التوجه العام للتغيير واحتواء الموقف، فقد صرح أمين الجامعة العربية وبعض الحكام في مؤتمر شرم الشيخ أن الشباب بحاجة إلى التنمية وهم محل اهتمام، وبدأ مسلسل التنازلات من قبل الحكام في كل الدول في المنطقة العربية.
لقد قضى البوعزيزي الذي يمثل الناس، وهو الميت الحي، وهرب بن علي ومبارك اللذين كانا يمثلان الطغيان، واللذين كانا يتفننان بإضعاف الناس، ولكن مشهد البوعزيزي يتكرر يومياً في كل بلاد المسلمين بين الرجال والنساء مع كل لمحة ونفس أو قول أو فعل في ظل هذه الأنظمة المستبدة التي أحدثت طلاقاً بين الحاكم والمحكوم، مما جعل قابلية إشعال النار موجودة في كل وقت، ولكن الذي كان يمنع الاشتعال هو استمراء الإهانة والقبول بالخذلان من قبل الناس، فطال عمر هذه الأنظمة، ولكن العزة موجودة، ودماؤها مازالت تجري مهما حصل، وإن القوة عند المسلمين ثابتة لا تهون مهما كانت النتيجة، فقد ثبتت فعالية الثورات السلمية والتغيير بدون الأدوات المادية واسترداد الحقوق، إذا تمت إدارة الثورة من الواعين وتحولوا عن الدعوة إلى الحرية والوحدة الوطنية ومطالب الجوعى والديمقراطية إلى الدعوة لتطبيق الإسلام.
هذا ما حصل، أما ما هي الدروس التي يمكن أن يستفاد منها والتي لم تنتهِ بعد فمنها:
1- إن سنة التغيير هي من سنن الله تعالى، وقد تحدث بلمح البصر، وهي ممكنة مهما كانت قوة الجيش والولاء للحاكم، قال تعالى: (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [آل عمران] ووعد الله قائم للمخلصين بالتمكين.
2- إن الأمة الإسلامية حية، ولها الدور الأول في التغيير، ولها القابلية لحمل الأمانة، ومهيأة لاسترداد حقوقها، وتستطيع أن تهدم الأنظمة مهما طال الأمد، فهي أقوى وأبقى من ظالميها وجلاديها.
3- إن فكرة التغيير والدعوة بين الأمة وشعوبها سريعة الانتقال لوحدة المشاعر والأفكار، وإن سخونة منطقة ما تؤثر في الأخرى، وصدق الشيخ تقي الدين النبهاني (رحمه الله) عندما قال: إننا نستطيع الوصول إلى الحكم خلال ثلاثون عاماً إذا تم التخلية بيننا وبين الأمة.
4- إن التغيير لا يتم إلا بالجيش، وهو جزء من الأمة، فهو الذي يحسم ويسرّع التغيير، وسرعان ما يرجع لمشاعره الإسلامية ولو كان بدون خبرة سياسية.
5- إن المبدأ هو الذي يقود الأمة ووعيها هو الذي يحدد مسار التغيير ويحقق أهدافه مهما حارب الكفار أفكار الإسلام ومفاهيمه.
6- إن مصير الظالمين والذين يحاربون الله والاستخفاف بدينه إلى زوال مهما طال الأمد.
7- إنه لا يأس مهما اشتد القمع والفساد وطغيان الحاكم، ومهما لوحق حملة الدعوة، فإن كل ذلك لا يمنع التغيير. فالدولة البوليسية سقطت أمام الجماهير التونسية رغم الجدار الصلب، فالموضوع صبر ساعة ووعي قادة وهو غير مكلف.
8- إن العلاقة بين الحكام والأمة علاقة انفصال وعداء، وقد صدق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عندما قال: «خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم ويصلون عليكم وتصلون عليهم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم».
9- إن الأحزاب الحاكمة هي أحزاب كرتونية مصلحية كاذبة خاطئة تذوب كالملح بزوال الحاكم، كما حصل مع حزب بن علي الذي يبلغ مليوني عضو، وحزب مبارك الذي يبلغ ثلاثة ملايين.
10- إن سدنة الديمقراطية وحقوق الإنسان ملة كفر واحدة متحدة في محاربة الإسلام، وتتبع مصالحها، وتتخلى عن أزلامها بسرعة قياسية لا حياء فيها، وإن جلد الكفار يتغير كالحرباء، فقد وصفت فرنسا أحداث تونس بأنها أحداث عنف، وبعد أن نجحت وزال بن علي وصفتها بأنها إرادة الشعوب وحرية التعبير.
إن الوعي على فكرة التغيير والعمل السياسي ضروري لكل من يعمل للتغيير لئلا تجير الجهود لدعاة الوطنية كما حصل مع عبد الناصر سنة 1952م أو في الجزائر مع أحمد بن بلا، وإن الوعي على الإسلام وأفكاره ومفاهميه ووجوب تطبيقها فرض رباني، ورفع شعارات التغيير الحقيقية وإعادة الثقة بإحكام الإسلام هي الكفيلة بحل كل مشاكل المسلمين، وبها الخلاص الحقيقي، وهي التي تحفظ الجهود ولا تضيعها، وهي الموصلة للخلاص مع هذا الوضع البائس.
إن الخلافة والإسلام السياسي هو الحل، ولا يجوز إبعاد الإسلام عن أي حل، وإن طريق الثورة السلمية هو طريق موصل من طرق التغيير، وهي ثورة عابرة للحدود لأن الحال في العالم الإسلامي واحد، وإن عدوى التغيير قابلة للانتشار فلا يقتصر على بلد من بلدان المسلمين دون آخر.
إن ما حدث في تونس ومصر هو رسالة لكل حاكم، وإن مصير بن علي ومبارك هو مصير كل الحكام مهما طال الزمن، وإن الأمة تلعن حكامها ليل نهار، ولو تمكنوا منهم لمزقوهم إرباً، وإن الكفار سيلفظونهم كما فعلت فرنسا وأميركا، ونقول لأمتنا إن بيننا وبين عودة الإسلام، إن شاء الله تعالى، أدنى مسافة، وإن النصر قريب، وإن العزة في الإسلام فدوروا حيث دار. فالحذر والخشية من أن تسعى الأنظمة إلى الالتفاف حول مطالب الناس بتوسيع هامش الحرية الغابرة والديمقراطية الفاجرة، ومحاسبة بعض رموز الفساد الاقتصادي، وعدم المساس بلقمة العيش، حتى لا تصل الأمور إلى مستوى الانفجار الشعبي كما حدث في تونس ومصر وتجييرها كما فعلت الحكومات بالإصلاح السريع والتدخل لكبح جماح الأسعار، وإتاحة مزيد من فرص العمل لمقاومة البطالة المتفشية، وزيادة الرواتب والتعديل الوزاري.
لقد زلزلت الأحداث دول الكفر، فقد أخذ المسؤولون الأميركيون يعقدون اجتماعات لمجلس الأمن القومي برئاسة أوباما، وأخذت وزيرة خارجية الولايات المتحدة تعطي تصريحات كل ساعتين، كما أخذ غيبس الناطق باسم البيت الأبيض، وفيليب كراولي الناطق باسم الخارجية الأميركية يظهرون على الشاشات أكثر مما ظهر نظراؤهم خلال الحرب على أفغانستان والحرب على العراق، ليس لدعم قضية الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، بل لإطالة عمر الأنظمة “الصديقة”. وهذا القلق غير المسبوق في الولايات المتحدة يعكس قلقاً (إسرائيلياً) حول أمنها الذي كفلته اتفاقيات السلام المنفردة، وفي خضم هذه الثورات الغاضبة على الطواغيت، فقد تسابقت دول الكفر كالريح كي تنتهي إلى إزالة الأشخاص دون إزالة النظام، حيث إن الأشخاص يمكن تعويضهم ويمكن شراء ذمم آخرين ولكن النظام إذا رفضه الناس فلن يعود؛ لأن الإسلام إذا قامت دولته فوق ركام هذه الأنظمة، سيشعرهم فوراً بنعيم رعايته وعدله وحفاظه على ثرواتهم وكرامتهم.
ولهذا كله يتوجب على المسلمين:
– إرضاع الوعي والسياسة لأبناء الأمة الإسلامية مع الأكل والشرب لفهم ما يدور من حولهم.
– الاتصال بعلماء الأمة ليقفوا مع أمتهم ويقودوا المسيرة، فلاتزال طائفة من علماء الأمة في صف الحكام وهم الفئة الجبانة سريعة السقوط.
– العمل على ضرب العلاقة بين الحاكم والمحكوم من خلال الكفاح السياسي والصراع الفكري.
– كسب وسائل الإعلام التي لم تقم بواجبها وانحازت لأسيادها، فتم نقل جميع من شارك في الثورة إلا دعاة الخلافة؛ لذلك يجب التركيز عليها ومداولة الاتصال بها وكسبها فهي جزء مهم من الأمة.
– التركيز على فكرة الخلافة وتضخيمها حتى لا تتعامى عنها وسائل الإعلام.
– كسر حاجز الخوف عند الأمة وأن رجلاً واحداً يمكن أن يفعل الكثير.
– يجب أن نعلم أن القضية ليست قضية جوع وملء البطون، فهذه قراءة خاطئة لما حدث في تونس والذي افتتحه شاب أحرق نفسه، بل إن أسباب الاحتقان قد تراكمت من قبل خلال سنوات طويلة، وتنوعت معها صور المعاناة والظلم والتي وفرت القابلية للاحتراق.
– يجب علينا كسب ود الجيش وقادته فقد جاء دورهم، فهم بيضة القبان في المعادلة.
– إن إرادة جماهير الناس هي أقوى من إرادة الأنظمة، فإذا وقفت فلا يمكن أن تقف أمامها أية قوة مهما كانت، فخلال شهر كان الحاكم قد غادر بأقل الأثمان نسبياً.
– يجب رفع مستوى الخطاب عند الأمة وتحديد المطالب التي تنقذ الأمة وترضي الله وعدم الاكتفاء بتغيير الحكام فقط.
إن هذه الأحداث المتسارعة يجب الوقوف عليها كمحطات فارقة في تهيئة الأمة لاستقبال الحدث الكبير المزلزل، فقد بدأت مرحلة الحكم الجبري بالأفول، وهذه نقطة تحول سهلة لانفراط عقد الكفر وعملائه وضعفهم أمام قوة الجماهير هذه واحدة، أما الثانية فكانت حرب لبنان في 2006م والتي أثبتت أن (إسرائيل) مشروع رخيص من كرتون، أما الثالثة فهي ضعف دول الكفر وعدم قدرتهم على حسم أي معركة. ومن هنا فإن إعادة الخلافة أصبحت قاب قوسين أو أدنى أو أقرب من لمح البصر.
إن الحكمة تقتضي التفاعل السريع والناجع مع التطورات السريعة والمتلاحقة باستغلال زخم الشارع وتوجيهه نحو المعركة الحقيقية ضد الأنظمة لتمكين الإسلام السياسي من إدارة دفة الحكم. وليعلم الجميع أن من يسود في النهاية هي النظرة السياسية المبنية على العقيدة الصحيحة والمبنية على المبدأ كما في الإسلام. أما النظرة السياسية التي تتغير وتتبدل حسب المصلحة فهي النظرة السياسية الغربية، فإنما هي إلى زوال هي ونظرة الحكام السياسية النابعة من الأنانية.
إن التغيير الحقيقي هو الانتقال من الهيمنة الغربية الحضارية والسياسية والاقتصادية ومن الأنظمة العلمانية إلى حياة إسلامية في ظل أنظمة الإسلام، حيث تتحطم فيها الحدود المشؤومة التي فرقت بلاد المسلمين، لتتصدر الأمة الإسلامية موقع الصدارة في الميدان الدولي حاملةً الهداية والنور للبشرية.
لذلك فلتكن هذه هي المعركة الأخيرة قبل قيام الخلافة الإسلامية، فإذا كان الغرب قد حدد عدوه، ورمى الأمة الإسلامية عن قوس واحدة، ونظر للأمة الإسلامية كأمة واحدة لا تقسمها حدود عند اشتعال الفتيل، وأكدت له الأحداث أنها صاحبة حضارة واحدة توحدها ومشاعر واحدة تحركها، فإن واجب المسلمين اليوم هو العمل مع العاملين للخلافة لكي لا يحصل الإجهاض وإهدار طاقات الأمة وإضاعة الفرصة بأن تركز في مطالبها على عودة الحكم بالإسلام بدل حكم البشر الوضعي، ورفع مستوى الخطاب عندها لمستوى يليق بها كأمة رائدة لكل الأمم، وأن يقوم ضباط جيوش الأمة والشباب المخلص في مقدمتها لإزاحة كل من يقف في وجهها أو يحاول سرقة المنجزات وركوب الموجة وتفريغ الغضب بألهيات ترضي بعض الرغبات الآنية. فإن فعلوا فازوا فوزاً عظيماً ونالوا مرتبة الأنصار، وكانوا من السابقين لوضع الإسلام موضع التطبيق دون تردد وبسرعة فائقة، وهناك أوساط سياسية مخلصة جاهزة ومؤهلة لصبغ الساحة السياسية بلون جديد، لون الإسلام الخالص، وحينها يرتد الكفر على أدباره وترتعد فرائصه ويصبح المسلمون أسياد العالم، وعندها تتحكم الأمة بمقدراتها وتوجهها فوراً ضد النفوذ الاستعماري، وتعود الخلافة لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلى، وليأخذ دين الله مكانه ظاهراً على الأديان كلها، وتأخذ الأمة مكانتها كخير الأمم، يرضى عنها ساكن السماء والأرض وذلك هو الفوز العظيم.
2011-03-01