العدد 82 -

السنة السابعة شعبان ورمضان 1414هـ, شباط 1994م

المهدي (ع) وحده أم المسلمون يقيمون الخلافة؟

يعتقد كثير من المسلمين، وأخصّ المتدينين منهم، بأن الخلافة ستقوم، وأنها ستكون خلافة على منهاج النبوة، يعنون بذلك أنها خلافة راشدة ولكني لا أرى هؤلاء يعملون لإقامة هذه الخلافة، وإذا سألتهم عن سبب قعودهم عن العمل لإقامتها أجابوك بأن الإمام المهدي هو الذي سيقيمها، وأن الخلافة قبل مجيء المهدي لن تقوم، وبالتالي فإنه لا ضرورة تدعوهم إلى العمل لإقامتها. والسؤال هو: هل ستقوم الخلافة فعلاً، وهل المهدي هو الذي يقيمها؟

الجواب:

إن القول بأن الخلافة ستقوم هو قول صحيح دلّت عليه أحاديث نبوية كثيرة، وحيث أن هذه الأحاديث كلها صحيحة أو حسنة وليس منها حديث واحد متواتر فإنه لا يصح القول بالاعتقاد في هذه المسألة، فالقول أن المسلمين يعتقدون بأن الخلافة ستقوم هو قول غير صائب، ذلك أن الاعتقاد لا يكون إلا بآية قرآنية أو حديث متواتر، وقيام الخلافة ورد في أحاديث صحيحة وحسنة ولكنها غير متواترة، فلا يجوز الاعتقاد بقيامها، وإنما الصواب أن نقول أن الخلافة ستقوم بإذن الله ونصدق ذلك. وهذه الأحاديث هي:

1- عن ثوبان –رضي الله عنه- قال: قال رسول –صلى الله عليه وسلم: «أن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وأن أمتي سيبلغ ملكها ما زُوي لي منها…» رواه مسلم وأحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه. قول الحديث: «وأن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها» لم يتحقق حتى الآن، إذ لم يملك المسلمون مشارق الأرض ومغاربها بعد، وسيكون هذا في المستقبل، وهو يشير إلى قيام دولة للمسلمين لفتح الأرض مشارقها ومغاربها.

2- عن ابن عمر –رضي الله عنه- قال سمعت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يقول: «إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلّط الله عليكم دلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم» رواه أبو داود. قوله: «حتى ترجعوا إلى دينكم» معناه حتى تعودوا إلى العمل به وتحكيمه في شؤون حياتكم، فهو بشارة من رسول الله –صلى الله عليه وسلم- بأن المسلمين سيعودون إلى دينهم بعد أن يكونوا قد تركوا تحكيمه.

3- عن أبي قبيل قال: كنا عند عبد الله بن عمرو بن العاص –رضي الله عنه- وسُئل: أيّ المدينتين تفتح أولاً: القسطنطينية أو رومية؟ فدعا عبد الله بصندوق له حَلَق فأخرج منه كتاباً قال: فقال عبد الله: «بينما نحن حول رسول الله –صلى الله عليه وسلم- نكتب إذ سُئل رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أيّ المدينتين تفتح أولاً أقسطنطينية أو رومية، فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم: مدينة هرقل تفتح أولاً، يعني القسطنطينية» رواه أحمد. فالرسول –صلى الله عليه وسلم- عندما سئل عن فتح المدينتين القسطنطينية ورومية ـ وهي روما عاصمة إيطاليا ـ لم ينف فتح رومية بل قال أن القسطنطينية تفتح أولاً، وهذا يدل على أن رومية ستفتح بعدها، وحيث أن رومية ـ روما ـ لم يفتحها المسلمون حتى اليوم، فإن هذا الحديث بشارة على أن المسلمين سيفتحون عاصمة إيطاليا، ولا يتصور أن يفتحها المسلمون دون عودة الخلافة التي تستأنف الجهاد في سبيل الله وفتح البلدان.

4- عن النعمان بن بشير عن حذيفة –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: «تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة منهاج النبوة، فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكاً عاضّاً، فيكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكاً جبرية، فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، ثم سكت». فهذا الحديث يبين أن الخلافة ستقوم بعد الملك العاض والجبري، وأنها ستكون على منهاج النبوة، أي أنها وُصفت بنفس ما وصفت به الخلافة أيام الخلفاء الراشدين، فستكون بإذن الله خلافة راشدة.

هذا هو الجواب على الشق الأول من السؤال.

أما الجواب على الشق الثاني فهو كما يلي:

إن الأحاديث النبوية الشريفة إن هي ذكرت أن المهدي سيقيم الخلافة فإن ذلك ليس دالاً على أن المسلمين يجب أن ينتظروا المهدي حتى يقيم لهم الخلافة، فالواجب على المسلمين يبقى واجباً عليهم وهو إقامة الخلافة، ولا يسقط هذا الواجب عنهم بمجرد إعلامهم أن المهدي يقيم الخلافة، فإقامة الخلافة كما هي واجبة على المهدي هي واجبة على غيره من المسلمين، فهؤلاء المتدينون كما وصفتهم لا حجة لهم للقعود عن العمل لإقامة الخلافة بالقول أن المهدي سيقيم الخلافة، ولذا فإن هؤلاء المتدينين الذين قعدوا عن العمل لإعادة الخلافة آثمون لقعودهم، وسيسألهم الله عزّ وجلّ عن قعودهم هذا، فإن ماتوا قبل إقامة الخلافة ماتوا مِيتة جاهلية لما روى عبد الله بن عمر –رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يقول: «من خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بَيْعة مات مِيتة جاهلية» رواه مسلم. ومنطوق الحديث أن من مات والخلافة قائمة فلم يبايع الخليفة مات ميتة جاهلية، ويؤخذ منه أن مات في أيامنا هذه ولم يعمل لإيجاد هذه الخلافة مات هو الآخر ميتة جاهلية، فليحذر هؤلاء المتدينون من أن يموتوا ميتة جاهلية، هذا أولاً.

وثانياً: إن الأحاديث النبوية الشريفة لم تذكر مطلقاً أن المهدي هو الذي سيقيم الخلافة، على كثرة الأحاديث المروية عن المهدي –رضي الله عنه، وكل ما ذكرته الأحاديث هو أنه خليفة صالح يحكم بالعدل ـ يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً ـ فأين النص الذي يستشهدون به على أنه هو الذي سيقيم الخلافة؟ بل أن لدينا نحن النص الذي ينفي مفهومه عن المهدي أنه سيقيم الخلافة، وأن المهدي سيكون خليفة بعد موت خليفة قبله، وهذا يؤكد بأن الخلافة ستكون قائمة قبل أن يصبح المهدي خليفة، فالمهدي هو خليفة مسبوق بخليفة في دولة الخلافة الراشدة القادمة بإذن الله، وهذا يؤكد بأن المهدي ليس هو الذي سيقيم هذه الخلافة، وبالتالي تسقط حجة هؤلاء على العقود عن العمل وانتظار المهدي الذي يزعمون أنه هو الذي سيقيم لهم الخلافة.

عن أم سلمة قالت: سمعت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يقول: «يكون اختلاف عند موت خليفة فيخرج رجل من بني هاشم فيأتي مكة فيستخرجه الناس من بيته وهو كاره فيبايعونه بين الركن والمقام، فيجهَّز إليه جيش من الشام حتى إذا كانوا بالبيداء خُسِفَ بهم فيأتيه عصائب العراق وإبدال الشام وينشأ رجل بالشام وأخواله كلب فيجهز إليه جيش فيهزمهم الله، فتكون الدائرة عليهم. فذلك يوم كلب الخائب من خاب من غنيمة كلب فيستفتح الكنوز ويقسم الأموال ويلقي الإسلام بجرانه إلى الأرض فيعيش بذلك سبع سنين أو قال تسع سنين» رواه الطبراني في الأوسط وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد وقال: «رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح».

يتفق رواة الأحاديث وشرّاحها على أن الخليفة المذكور في هذا الحديث هو المهدي، وفي هذا الحديث نصٌ صريح بأن الخليفة هذا سيأتي بعد خليفة قبله «يكون اختلاف عند موت خليفة» «فيخرج رجل… » فالمهدي ليس هو الذي سيقيم الخلافة وليس هو الخليفة الأول في دولة الخلافة الراشدة القادمة بإذن الله، فلم يبق أمام كل مسلم يخشى المِيتة الجاهلية إلا أن ينهض للعمل لإقامة الخلافة ونصف خليفة.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *