العدد 232 -

الـوعــي ــ العدد 232 ــ السـنة العشرون ــ جمادى الأولى 1427هــ ــ حزيران 2006م

مقاطعة العقائد أوْلى من مقاطعة البضائع

مقاطعة العقائد أوْلى من مقاطعة البضائع

 

وردت إلى مجلة «الوعي» هذه الكلمة الطيبة التي كتبها الشيخ محمد الصادق من اليمن ونشرتها مجلة «صوت الإيمان» اليمنية في عددها رقم 177 الصادر في صفر 1427هـ الموافق مارس/ آذار 2006م. وقد رأت الوعي أن أوانها لم يَفُتْ، وأن في إعادة نشرها خيراً، وجزى صاحبها عنا ألف خير. ومما جاء فيها:

في جريمة الإساءة للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)

كما نقاطع البضائع التجارية نقاطع بالأَوْلى بضائع المبادئ

 

لقد هبَّ العالم الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه، بل والأقليات المسلمة في ديار غير المسلمين، للانتصار لإمام الأنبياء وخاتمهم وسيد ولد آدم، الرحمة المهداة، والسراج المنير، الشافع المشفع، صاحب المقام المحمود، وصاحب الحوض والكوثر، عليه الصلاة والسلام، وذلك بالرغم من تمزق المسلمين إلى دويلات، وأرغموا بذلك أتباع الصليب على التراجع، ووقع عكس ما توقعوه ولعلهم ندموا على ما فعلوه، فكيف لو كان المسلمون كياناً واحداً وجسداً متماسكاً برأس واحد هو الخليفة الذي وجوده فرض على المسلمين أجمعين بمن فيهم طلائعهم من الجماعات الإسلامية، وهم آثمون ما لم يجدُّوا في إعادة هذه الخلافة في أقرب فرصة. لقد سجّل آخر خليفة غيور، رغم أنه كان على رأس الرجل المريض (الخلافة العثمانية)، وهو السلطان عبد الحميد، رحمه الله، موقفاً يذكره له التاريخ، عندما لبس ملابس الحرب وهدَّد رئيس فرنسا عندما عرضت إحدى المسارح الفرنسية مسرحيةً فيها إساءة للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فما كان من الرئيس الفرنسي إلا أن اعتذر فوراً ومنع المسرحية.

واليوم يتنادى المسلمون لمقاطعة البضائع؛ لأن ذلك هو ما بيد الشعوب. وأما الحكام، فلم يفعلوا شيئاً كبيراً يتناسب مع الحدث. وأمام هذه المقاطعة التي يتحمس لها الناس في كل مكان، جزاهم الله خيراً، تكون المناسبة مواتية لتذكيرهم بمقاطعةٍ أهم وأولى، وهي ضرورية في كل الأحوال، ألا وهي مقاطعة العقائد والأفكار إضافةً إلى المقاطعة التجارية. إن الفكر الديمقراطي، على سبيل المثال، هو فكر مستورد حتى عند النصارى؛ لأنهم استوردوه من اليونان في عصر وثنيتها. إن هذا الفكر أصبح له رواج في ديار المسلمين وكثير من المسلمين يتبناه بحجة محاربة الاستبداد، مع أن ديننا مبدأ غني بالقيم التي تمنع الاستبداد والتسلط وفي مقدمة ذلك الشورى والمحاسبة. وديننا يجعلنا أغنياء كذلك مكتفين به في تنظيم شؤون حياتنا، ومعلوم أن الغني المكتفي اكتفاءً ذاتياً لا يستورد في عالم المواد فأَوْلى ألا يستورد في عالم القيم والمبادئ ( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ ) [النحل 89] بل نحن مأمورون في ديننا بتصدير ما عندنا من النور والهدى ونشره في العالمين؛ لأن ديننا جاء به نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) رحمةً للعالمين. ونحن ممنوعون في ديننا من استيراد المبادئ من غيرنا ، لاسيما اليهود والنصارى، والابتعاد عن جحر الضب، وكم حرص الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) على مخالفتهم!! وفي كل ركعة نكرر الدعاء بتجنيبنا صراط المغضوب عليهم وهم اليهود والضالين وهم النصارى. وقد غضب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) كما في الحديث الصحيح عندما وجد مع سيدنا عمر (رضي الله عنه) شيئاً من التوراة، وهي كتاب إلهي في الأصل، وقال له: «لو كان موسى حياً ما وسعه إلا اتباعي»، وقال الله سبحانه: ( وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا ءَاتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ ءَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا ) [آل عمران 81] ومنع الله المسلمين من تقليد اليهود في لفظة (راعنا) فقال سبحانه: ( لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا ) [البقرة 104] فكيف يستجيز المسلمون بعد ذلك الاستيراد لمثل الديمقراطية على ما فيها من مساواة لغير المتساوين من العلماء والجهال والرجال والنساء والصالحين والطالحين، ومافيه من تحكيم للأغلبية ولو كانت على غير الحق، وسماحٍ بحرية التعبير حتى ولو كانت إساءةً لنبينا وديننا، وهي ما يحتج به الغربيون في سكوتهم عن الإساءة لنبينا، بل ويحتج به من أعادوا نشر الإساءة حتى في ديار المسلمين، فهل آن الأوان لمقاطعة هذه المبادئ وتنبيه الناس إلى ضرورة ذلك مع ما نحن فيه من مقاطعة البضائع؟! نأمل ذلك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *