العدد 232 -

الـوعــي ــ العدد 232 ــ السـنة العشرون ــ جمادى الأولى 1427هــ ــ حزيران 2006م

دولة الخلافة عالمية إنسانية… والخلافات المذهبية المعاصرة مردها إلى تحركات الأيادي الغربية العابثة

رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في لبنان:

دولة الخلافة عالمية إنسانية…

والخلافات المذهبية المعاصرة مردها إلى تحركات الأيادي الغربية العابثة

 

أجرت صحيفة البلد اللبنانية في 6/3/2006م مقابلة صحفية مع رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في لبنان الدكتور أيمن أحمد رؤوف القادري، ووجهت إليه بعض الأسئلة المتعلقة بنشاط الحزب في لبنان وخارجه. وقد رأت «الوعي» نشر هذه المقابلة لما فيها من فائدة.

1– ألا ترى أن الشعارات التي استعملتموها، في ملصقات ذكرى هدم الخلافة، مضرّة في الوقت الحالي، وأنها قد تؤدي إلى أزمة طائفية أو مذهبية؟؟

لا يمكن أن نتصوّر أبداً أنّ في الإسلام إلاّ الخير للبشرية جمعاء، فهو الدين الذي ارتضاه الله لخلائقه، وجعله خاتم الرسالات المتتابعة إلى العنصر البشري. وهذا الإسلام هو الذي حكم العالم على امتداد قرون مديدة، ولم يجلب للإنسانية إلاّ الثمار اليانعة، واعترف بذلك البعيد قبل القريب.

 وليس في ما نطرحه أيّ دعوة مذهبية أو طائفية، نحن لا نريد تطبيق الإسلام لتهميش أحد، بل لنرتقي جميعاً إلى مستوى الكرامة الإنسانية، التي صاغها الوحي.

  إنّ تاريخ حكم الدولة الإسلامية لم يشهد تنازعاً  مذهبياً، وإنما كان تنازعاً سياسياً أُسْدِل عليه ثوب مذهبيّ، وهذا الأمر حاصل في الكيانات «الوطنية» التي تجزِّئ بلاد المسلمين منذ عقود.

إنّ معظم الخلافات المذهبية المعاصرة مردُّه إلى تحرُّك الأيادي الغربية العابثة في صفوف الناس، والدولة الإسلامية لا ينبغي بها أن تمكِّن هذه الأيادي من هذا العبث. وقد عبّر يوسف كرم القطب المارونيّ المعروف في القرن التّاسع عشر، في شمال لبنان، عن  شيوع استقواء أبناء ملّته بالأوروبيّين، وذلك في رسالة منه إلى البطريرك المارونيّ بولس مسعد عام 1857م، ومن كلامه فيها: “لقد أصبحت أمورنا في هذه الأيّام تابعة لإنكلترا أو فرنسا، وإذا ضرب أحدهم جاره تصبح المسألة إنكليزيّة- فرنساويّة، وربّما قامت إنكلترا أو فرنسا من أجل فنجان قهوة يُهرَق على أرض لبنان”. وكذلك عبّر عن حجم التّدخّلات الأجنبيّة، في إذكاء النعرات المذهبية، ناحوم جولدمان رئيس الرّابطة اليهوديّة العالميّة، في خطابه بباريس حيث عُقِد مؤتمر اليهود المثقّفين عام 1968م، فقال: “إذا أردنا لإسرائيل البقاء والاستقرار في الشّرق الأوسط، فعلينا أن نفسخ الشّعوب المحيطة بها إلى أقلّيّات، تلعب إسرائيل من خلالها دوراً طليعيّاً, وذلك بتشجيع قيام دويلة علويّة في سوريا، ودويلة مارونيّة في لبنان، ودويلة كرديّة في شمال العراق”. وقال كليمنصو رئيس وزراء فرنسا في مذكّراته: “كان أصدقاؤنا الإنكليز أسبق منّا في التّنبّه إلى موضوع الأقلّيات المذهبيّة والعرقيّة في بلاد المشرق العربيّ. وقد اتّفقت وجهتا نظرنا كلّيّاً حول هذا الموضوع”.

2- نشرتم في أحد الملصقات أنه يجب إذابة لبنان، في الوقت الذي يطالب فيه اللبنانيون بالاستقلال، ألا يجعلكم ذلك خارج السرب؟

نحن نتبنّى ما يجمع الأمة، وما يخرجها من دائرة التشرذم والصراعات الدولية على أرضنا. ليس في الأمة من يرضى بالانتماء الضيّق، والنظرة المغلقة، والأفق المسدود. لقد كان أبناء هذا البلد في مقدّمة من دفعوا أبهظ الأثمان لنصرة قضية فلسطين، وسائر قضايا الأمة، عبر عقود وعقود، وليس هذا إلاّ دلالة على أنهم لا يؤمنون بـ«لبنان» المنغلق على حدوده المصطنعة. إن البعض في لبنان يتحرّك حالياً من خلال ردّات الفعل، فبسبب استيائه من الأداء السوري الذي أمعن في إذلال أهل هذا البلد، صار يؤثر انغلاق الكيان اللبناني على ذاته، أي أن يخنق نفسه في شرنقة ضيقة. نحن ندرك أن أداء الأنظمة العربية، كلّها، أداء سيئ، لا يحترم إرادة الأمة، بل لا يصدر عن عقيدتها أو تصوّراتها، لكنّ هذه الأنظمة التي تظلم شعوبها أيضاَ، لا ينبغي أن تجرّنا إلى قناعات خاطئة. نحن نحرص على أن نوضح للأمة أن تسترشد باللحظات المضيئة في تاريخها، وهي كثيرة، حتى تعلم أن كلّ عدوّ متربّص بها شراً كان يمنى بالفشل، ويرتدّ على أعقابه. نحن لا نتصادم مع الأمة، في أي مكان، نحن نضع الخطّ المستقيم بجانب الخطوط المعوجّة، لتسهل الرؤية، وتحسن المقارنة.

3تطالبون بدولة الخلافة والحكم بالشريعة. ما هو امتداد هذه الدولة؟ وما هو مصير القوانين الدولية؟

نحن لا نطالب بدولة إسلامية قطرية، أو قومية. نحن نريد أن تكون دولة عالمية إنسانية، وإذا أعلنـّا أنها إسلامية، فلأنها تحكم بالإسلام الذي أنزله الله، عز وجلّ، رحمة للناس جميعاً، وليس المراد أنها دولة للمسلمين دون سائر رعايا الدولة.

ولماذا لا نصرّ على رفض فكرة القانون الدوليّ بمفهومه الملزم، وقد برز منذ ظهور هذه الفكرة، مَن أنكرها مِن فقهاء القانون، أمثال «هوبس» و«بوفنلدوف» و«أستن»، وذهب آخرون، وفي عدادهم «كروان» و«أريك» و«زيلتمان» إلى أنّ قواعد القانون الدولي ما هي إلاّ «قواعد خُلقية» لا يترتّب على خرقها أيّ مسؤولية قانونية. وقال «سترلنج أدموندز» و«فندورف» و«أوبنهايم» إنه ليس لها من خصائص القانون شيء!

نحن نرى أنّ الأندية الدولية، بشتّى تفرّعاتها، تمدّ الاستعمار الغربي بأساليب ملتوية متجدّدة، في امتصاص قدرات الشعوب المقهورة. فهل نكون كالخراف التي تشكر الجزّار؟ لا بدّ أن نعمل على إيجاد آليّات جديدة منصفة، للتعامل بين الأمم, وآنذاك تهدأ البشرية من الحروب العبثية.

قال المستشرق إستانلي بول في كتابه حكم المسلمين في إسبانيا: ” لم تنعم الأندلس طوال تاريخها بحكم رحيم عادل، كما نعمت به في أيّام الفاتحين العرب”.

وقال ول ديورنت في قصّة الحضارة إنّ المسيحيّين في الأندلس طالما فضّلوا حكم المسلمين على حكم المسيحيّين، وإنّ الأقاليم الّتي وقعت تحت حكم العثمانيّين مثل رودوس واليونان، أو البيزنطيّين أو البنادقة، حتّى بلاد المجر نفسها، ارتأت أنّ الأحوال فيها صارت تحت حكم السّلطان سليمان إلى أحسن ممّا كانت عليه أيّام آل هابسبرغ!

قال جيم ميران عضو لجنة الشؤون الخارجية بالكونجرس الأميركي، [في حديث لمدير تحرير مجلة المجتمع الكويتية ـ العدد 119 ـ 5/3/1996]: “أنا اعتقد أن القرن القادم هو قرن الإسلام وقرن الثقافة الإسلامية، وستكون هذه فرصة لإحلال مزيد من السلام والرفاهية في كل بقاع العالم”.

4- ما هي مواصفات الخليفة؟ وهل هناك من تبايعونه للخلافة؟

لقد استنبط الحزب من مصادر الإسلام التشريعية، مواصفات الخليفة، فلا بدّ أن يكون رجلاً، مسلماً، يتميّز بالعقل السليم، لا يخضع لأيّ إملاءات أو أمور تخرجه عن اتخاذ القرار من وحي قناعاته، ولا بدّ أن يكون عادلاً وفق معايير الإسلام التي ترتكز إليها الدولة، وقادراً على تحمّل أعباء الحكم من جميع الأوجه. وفي الأمة كثير ممّن تنطبق عليهم هذه المواصفات.

5- ما هو مذهب الخليفة؟

نحن لا نتبنّى أن يكون الخليفة من مذهب ما، لا يعدوه، إنه خليفة يحكم بالإسلام في دولة الإسلام. إنّ التقوقع المذهبي لا يمكن أن ترتفع على أكتافه أيّ دولة، فكيف يكون الأمر في دولة نريدها أن تنشر النور في أرجاء العالم؟ إن فاقد الشيء لا يعطيه، فلا بد من أن تخرج الأمة من سراديب المذهبية المظلمة. وهذا لا يعني أن تُحمل الأمة على مذهب واحد، فالتعدّدية في إطار فهم النصوص الشرعية، أمر مشروع.

6- ما هو مصير غير المسلمين في دولة الخلافة؟

قال «الكونت هنري دي كاسترو» في كتابه «الإسلام سوانح وخواطر»: «لقد درست تاريخ النصارى في بلاد الإسلام، فخرجت منه بحقيقة مشرقة، وهي أنّ معاملة المسلمين للنصارى تدلّ على لطف في المعاشرة، وترفّع عن الغلظة، وعلى حسن مسايرة، ورقة ومجاملة، وهذا إحساس لم يؤثر عند غير المسلمين، فإنّ الشفقة والحنان كانا يعتبران لدى الأُوروبيين عنواناً على الضعف، وهذه ملاحظة لا أرى وجهاً للطعن فيها». (التعصب والتسامح بين المسيحية والإسلام: 210 ).

وقال المستشرق «السير توماس أرنولد»: «من الحق أن نقول: إنّ غير المسلمين نعموا في ظل الحكم الإسلامي بدرجة من التسامح لا نجد معادلاً لها في أُوروبا قبل الأزمنة الحديثة.» (تعدد الأديان وأنظمة الحكم لجورج قرم: 537.)

وقال «غوبينو» في كتابه «أديان آسيا الوسطى وفلسفتها»: «أقول إلى حدّ الجزم: بأن لادين يضاهي الإسلام في التسامح.» (المصدر نفسه: 238)

وقال بطريرك بيت المقدس «ثيودسيوس»: « إنّ المسلمين قوم عادلون، ونحن لانلقى منهم أي أذى أو تعنّت.» (تاريخ العلاقات بين الشرق والغرب في العصور الوسطى للدكتور سعيد عاشور: 19.) وذلك في الرسالة التي بعث بها سنة 869 إلى زميله «اجناتيوس» بطريرك القسطنطينية.

وفي ما أوردت من هذه الأقوال كفاية، نسأل الله عز وجلّ، أن يمكّننا من أعطاء صور مشرقة إضافية، تتذاكرها الأجيال اللاحقة.

7- هل تلمسون شعبياً أنّ هناك ما يشجّع على إقامة دولة الخلافة؟

هذا الأمر نلمسه في كلّ يوم، ونرى تناميه في كلّ حين. إنّ الأمة باتت مهيّأة لأن تُحكَم بالإسلام، ففي وجدانها عقيدة صافية، لم تستطع كلّ حملات التضليل أن تستأصلها، بل ربّما عملت على ترسيخ جذورها. وفي التكالب الغربي على الأمة، من البشاعة، ما يدفع الأمة إلى البحث عن بديل للحكّام المتخاذلين الذين لم يهبّوا للدفاع عن أي كرامة مسلوبة.

8- ما هي الأساليب التي سوف تتّبعونها لإقامة دولة الخلافة، ولا سيما أنكم محظورون في لبنان، ومعظم الدول العربية؟ وهل تسعون لاستعادة ترخيص الحزب في لبنان؟

إنّ رفع الحظر في القاموس السياسي العربي المعاصر، بات ورقة حسْن سلوك، يمنّ بها النظام على من يحمل له أعواد البخور، ويرتجل له قصائد المدح. نحن نستمدّ مشروعية عملنا من القرآن الكريم، والسنّة المطهّرة, ومع ذلك أصررنا أن نقطع الطريق على كلّ متصيّد في الماء العكر، واستناداً إلى إفادة من وزارة الداخلية والبلديات، برقم 5060/2 تاريخ 12/11/2005م، تم تسجيل طلب علم وخبر لجمعية سياسية باسم “حزب التحرير”، سجل تحت رقم 4349/2 تاريخ 18/8/2005م. ومعلوم أن قانون الجمعيات العثماني الصادر سنة 1909م، والمعمول به حالياً، يجيز لكلّ حزب أن يعمل بموجب هذا الإجراء.

أمّا أساليبنا فهي لا تخرج عن الدعوة الهادئة الهادفة، عبر أقنية الرأي المألوفة، ولا تخرج عن العمل السياسي الواضح، وأبرز مفرداته الزيارات واللقاءات السياسية، التي نحمل فيها مشروعنا المتكامل، ونطرحه في رحابة صدر، إزاء أي نقاش.

9- هل هناك من يدعمكم في تحرّكاتكم؟ وما هي علاقاتكم بالتنظيمات الإسلامية الأخرى الموجودة على الساحة؟

نحن نعلم أن الدعوة، حتى تكون صافية خالصة لوجه الله عز وجلّ، لا بدّ أن تكون بعيدة عن أي توظيف سياسي، في خانة هذا الطرف أو ذاك. والجهات «الداعمة» المألوفة في قاموس الحركات السياسية، في محيطنا، ليست موافقة لما نطرحه من مشروع سياسي، فأي قبول بدعم منها، سيكون ثمنه أن نتنازل عن هدف ما، أو فكرة ما، وهذا ما نأباه، لأن مجمل ما لدينا غير قابل للتفاوض، فهو مبني على مسلّمات إيمانية. قال الله تعالى: ( وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ ) [هود 113].

وأمّا الحركات الإسلامية، فإن أبناءها إخوة لنا نزورهم ويزوروننا، وننصحهم وينصحوننا.

10- من أين ستكون نقطة الانطلاق نحو الدولة الإسلامية؟ ومتى ستبدؤون حملتكم؟

نحن نعمل منذ نشأة الحزب على إتمام مشروعنا الكبير، نحن لسنا في انتظار لحظة الصفر للبدء. أما ساعة النصر فإنها في علم الغيب، لا ندري متى تكون ساعة الاستجابة أو أين؟ نحن نسعى إلى إنضاج الأمة، حتى تؤازرنا في ما نقوم به، لأنه أمر يعود بالنفع على الحميع.

11- تهاجمون دائماً الحكّام العرب والمسلمين ، وترون أنهم عملاء لدى الغرب. على ماذا تعتمدون في أحكامكم، خصوصاً أن هناك حكّاماً ينبرون دائماً للدفاع عن القضايا العربية، وعن الأمة الإسلامية؟

لن ندخل الآن في جدل التحليل السياسي، لسنا في مقام استحضار أدلة أو وثائق تضع هذا الحاكم أو ذاك في خانة الاتهام بالعمالة. نحن أمام واقع مهترئ، تعاني منه الأمة. هؤلاء الحكّام، سواء أكانوا عملاء أم لا، قصّروا في الذود عن كرامة الأمة، وفرّطوا بمقدّساتها، ونهبوا خيراتها. وفوق هذه الفواجع، تركوا الاحتكام إلى شريعة ربّهم. إننا متّفقون على أنهم ليسوا على قدر المرحلة، فإن كان ذلك عجزاً، لا عمالة، فليفسحوا المجال لسواهم. أمّا قولك إن ثمة حكّاماً غيورين على مصالح الأمة، فأقول: جرّد سياستهم من الخطب العنترية، والشعارات الانتخابية المؤقتة، وأرني التصديق العمليّ لما يقولون! أرني من الأفعال في حرب كيان يهود، معشار ما يقوم به أحدهم في حرب عبثية مع جيرانه من أبناء جلدته.

12- هناك أكثر من فريق وحركة مسلّحة إسلامية تسعى إلى إقامة الدولة الإسلامية. هل من تنسيق بينكم؟ وهل تسعون إلى تطوير دوركم من سياسي وإعلامي إلى عسكري؟

نحن نأمل أن يكون في الأمة أكثر من فريق يعمل على إقامة حكم الله في الأرض. لكنّ الطريقة التي نلتزم بها جاءت مستنبطة من مظانّها الشرعية. ولا نرى أن يكون في منهاج أيّ حركة إسلامية أعمال عسكرية تتوخّى بها الوصول إلى الحكم. والصحابة في بيعة العقبة الثانية عرضوا عليه (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يأذن لهم بمقاتلة أهل منى بالسيوف، فقال: «لم نؤمر بالقتال» [رواه النسائي وابن أبي حاتم والحاكم وصححه]. أي أنه أبى العمل المادي والاغتيال والثورة المسلحة طريقاً للدولة. وبما أننا بنينا رؤيتنا على ثوابت شرعية، فإن تغييرها لا يصحّ: نحن لم نعزف عن العمل العسكريّ بسبب ظروف مرحلية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *