العدد 354-355 -

رجب وشعبان 1437هـ – نيسان / أيار 2016م

ثورة الكنانة جزء من صراع الأمة مع الغرب لنيل حريتها وإقامة خلافة على منهاج النبوة

بسم الله الرحمن الرحيم

ثورة الكنانة جزء من صراع الأمة مع الغرب لنيل حريتها

 وإقامة خلافة على منهاج النبوة

عبد الله عبد الرحمن

الصراع بين الأمة والغرب طويل وممتد، والحَراك في الكنانة جزء أصيل منه, فلم تبدأ ثورة الكنانة  في 25 يناير 2011م كما يتخيل البعض, فما حدث لم يكن غير نتيجة لتراكمات عقود من القهر والظلم تحت نير النظام الرأسمالي المتوحش الذي فصل الكنانة عن عقيدتها وحاول طمس هويتها, بل وحاول تعريتها من ثوب الإسلام بالكلية, إلا أنه فشل في تعريتها فمزق ثوبها ولم ولن يستطيع إلباسها ثوبًا آخر, سنوات القهر الطويلة تخللتها محاولات كثيرة للتملص من هذا النظام، فسمعنا عن أحداث الفنية العسكرية والمنصة وغيرها, كلها كانت بغاية التملص من هذا النظام والعمل على تحكيم الإسلام وإن لم يكن لدى القائمين بالعمل تصورًا واضحًا لكيفية تطبيق الإسلام ولا لكيفية الوصول لحكم الإسلام, وإنما دفعتهم مشاعرهم الإسلامية ورغبتهم في العيش في ظل الإسلام إلى القيام بتلك الأعمال, الأمر الذي يرشدنا في النهاية إلى أن الصراع في مصر وفي كل بلاد الإسلام إنما هو صراع بين الرأسمالية المتحكمة والإسلام الكامن في النفوس، والذي يأبى على أهله الاستكانة قبل أن يروه واقعًا عمليًا مطبقًا.

الغرب يعلم ذلك جيدًا، ويدرك أبعاد الصراع ومداه ومنتهاه رغم أن الكثيرين من أبناء الأمة وحتى وقت قريب لم يدركوا أبعاد الصراع ولا أدواته, فالغرب يدرك تمامًا أنه يصارع الأمة صراع بقاء، وأن بقاءه مهيمنًا على الأمة هو قضيته المصيرية؛ لأنه يدرك تمام الإدراك أن خروج جزء واحد من الأمة من تبعيته سيعني إقامة خلافة على منهاج النبوة تسعى لتحرير باقي الأمة من سلطانه وتمكين سلطان الإسلام في الأرض؛ بما يعني تقلص نفوذه كله، وأنه لن يكون بمأمن في عقر داره، إن بقي له عقر دار؛ ولهذا وضع على رأس بلادنا أسوأ من فينا ليكونوا مطيته علينا, وليحولوا بيننا وبين هذه الغاية التي فرضها الله علينا ووعدنا بها, فيمنعونا من العمل لله وتحقيقها واقعًا في حياتنا, ولتكون دماؤنا وأموالنا وأعراضنا أرخص ما يتقرب به إليهم، وها نحن نرى أنهار الدماء التي تسيل في الشام ومصر وليبيا واليمن والعراق وغيرها, بيد من هم محسوبون كجيوش للأمة وبسلاح ثمنه من قوت أبنائها, كل هذا ليجبروا الأمة على العودة إلى التبعية وعدم التفكير في الانعتاق من ربقة الغرب والرضى بما يلقيه الغرب لهم من فتات ما هو مملوك لهم أصلًا, بل والرضى بالخنوع والذل وعدم التفكير ولو لمجرد التفكير في العيش وفق أحكام الإسلام ولا استئناف الحياة الإسلامية.

لهذا حارب الغرب ثورة الكنانة بوسائل عدة، ومنعها من نيل غايتها في إسقاط النظام، والتفَّ على هذا المطلب وانحرف به إلى إسقاط رأس النظام, وهو نفس ما يحاول فعله في الشام الآن، ولكنه يبوء بالفشل في كل مرة ويعود بالخزي والخسران, فثورة الشام تحتضن فكرة ومشروعًا إسلاميًا واضحًا، ويؤثر فيها مخلصون واعون من شباب حزب التحرير. أما ثورة الكنانة فهذا ما فقدته وتحتاجه، وما عمل الغرب على عدم وجوده؛ لأنه لو وجد في ثورة الكنانة فلن يكون هناك مجال للتفاوض على بقاء جزء من النظام, بل وستتحطم كل مؤامراته كما يحدث في الشام الآن, ولإدراك الغرب أن الأمة في سعيها تبحث عن تحكيم الإسلام، والذي لا يكون إلا بخلافة على منهاج النبوة. ومع تصاعد الأصوات الداعية لإقامتها حتى أصبحت رأيًا عامًا لدى الأمة، وأصبح الجميع يتكلم عن وجوبها ووجوب وجودها كنظام بديل يوحد الأمة ويجمعها ويحميها، وتعالت أصوات شباب حزب التحرير الصدَّاحة بالحق تخاطب الجيوش وتستنصرها وتستحثُّها على تحقيق الوعد والبشرى، حتى لم يعد أحد يرى خلاصًا للأمة مما هي فيه إلا بها، حتى دعاة الاعتدال الأميركي, فما كان من الغرب وعلى رأسه أميركا إلا إيجاد نموذج مشوه لهذه الخلافة يشوِّه فكرتها لدى الأمة وتصويرها بصورة الدولة التي تقوم على سفك الدماء وقهر البلاد والعباد, وهي في حقيقتها لم تتوفر فيها القواعد الشرعية، ولم يتحقق لها حتى التغلب المزعوم, فليس فيها من الخلافة على منهاج النبوة شيء, وحتى إعلانهم عنها هو إعلان دعائي استباقي؛ فلم يتوفر لها أرض أمان وتمكين بحيث يكون أمانها خارجيًا وداخليًا للإسلام والمسلمين, فدعاتها ليسوا سوى تنظيم مسلح يستخدمه الغرب لتشويه الخلافة الحقيقية التي يريدها المسلمون, والتي يسعون لها، والتي بها فقط يكون عزهم ومجدهم, فكان إيجاد هذا النموذج والإعلان عنه ليقولوا للأمة هذه هي خلافتكم التي تريدون فلا تفكروا فيها محاولين حصر الأمة بين خيارين كلاهما سيئ، وكلاهما لن تقبل به الأمة ولن ترضخ له مادام  في الأمة حزب واعٍ كحزب التحرير، حزب رائد لا يكذب أهله، قائم على فكر الأمة ووعيها، ساعٍ لنهضتها، واعٍ على تآمر الغرب وعملائه، يسعى في الأمة لا يكلُّ ولا يملُّ يكشف المؤامرات ويفضح المتآمرين، وينشر في الأمة صحيح الأفكار ويوعيها على حقوقها التي يجب أن تكون لها وفي أيديها.

وهذا عين ما تحتاجه الكنانة في ثورتها فكرًا رائدًا يقود ثورتها, ومشروعًا جاهزًا للتطبيق ينبثق عن عقيدة الأمة ويرضي طموحها ويعيد حقوقها، ولا يوجد إلا ما يحمله حزب التحرير، فهو وحده القادر على مجابهة الغرب في صراع الأفكار، والغرب نفسه يعرف ذلك. ففي تقرير غير بعيد لمؤسسة راند الأميركية صرحت أن حزب التحرير هو المقاتل الرئيس في حرب الأفكار, فلا يوجد على الساحة (وللأسف) من هم على مثل وعيه وجاهزيته لقيادة الأمة، وهو أهل لها بعون الله.

يا أهل الكنانة، إنكم أهل الخير وحماة الإسلام، واقعكم وموقعكم يحملكم أمانات عظام ومسؤوليات جسام، فأنتم بيضة القبان, وقد قيل عن مصر إن من يملكها يملك العالم, فمصر بحدودها الحالية الضيقة بفعل سيكس بيكو فيها من المقومات ما يجعلها سيدة الدنيا، وما يجعل العالم كله يتبعها ويدور في فلكها, ففيها من الخيرات ما تستغني به عن العالم كله وهو لا يستغني عنها، ولها في موقعها ما يجعلها تتحكم في كل خطوط التجارة بين الشرق والغرب, فكيف لو كانت جزءًا من دولة خلافة على منهاج النبوة. واجتمع لها وبها ومعها سلطان المسلمين في الأرض واجتمعت في يد خليفة المسلمين كل خيرات بلادنا التي ينهبها الغرب والتي لا تقدر بثمن, تخيلوا معي كيف ستكون الثروات، وكيف ستنعمون بها عندما توضع في يد حاكم يخشى الله ويقوم فيها بما أمره الله عز وجل, فيستوي الجميع عنده في حقوقهم وواجباتهم بغض النظر عن الدين أو اللون أو العرق أو الطائفة, هذا ما كان وما رأيناه في عهد عمر بن الخطاب وما سيكون وأخبر عنه رسول الله «ثم تكون خلافة على منهاج النبوة» وسيأتينا الخليفة الذي يحثو المال حثوًا ولا يعده عدًا, وتخيلوا معي كيف سيكون عزكم ومكانتكم ودولتكم هي سيدة الدنيا كما كانت, وفوق كل هذا كيف ستكونون عند ربكم وقد تحقق على أيديكم وبكم وعده وبشرى نبيه بخلافة على منهاج النبوة، تبسط سلطان المسلمين في الأرض حتى لا يبقى بيت حضر ولا وبر إلا ويدخله هذا الدين بعز عزيز أو ذل ذليل.

يا أهل الكنانة، إنكم وبعد كل تلك العقود وما جربتم فيها، لا خلاص لكم إلا بالخلافة، ولا نجاة إلا بإيجادها، ولن تنجح ثورتكم إلا بجعلها أول ثوابت ثورتكم والتمحور حولها واعتبارها قضيتكم المصيرية التي تموتون من أجلها, ورفع راية رسول الله التي تغضب الغرب وترضي الرب, واعلموا أن ثورتكم هذه ستظل في حراكها حتى يكون هذا مطلبكم، وحتى تكون هذه غايتكم، فهي وحدها التي تحقق لكم كل ما خرجتم مطالبين به من كرامة وحرية وانعتاق من التبعية, فصححوا مسار ثورتكم من الآن، واجعلوا غايتها وثوابتها واضحة جلية ولتكن:

1- اقتلاع النظام بكل أركانه ورموزه ودولته العميقة.

2- التحرر من التبعية للغرب الكافر بكل أشكالها وكل رموزها.

3- تحكيم الإسلام شاملًا كاملًا في دولة خلافة على منهاج النبوة.

بهذا فقط تكون ثورتكم قد أخذت مسارها الصحيح، واتجهت نحو ما يحقق ما ترجوه الكنانة والأمة، وبهذا تكونون قاب قوسين أو أدنى من اقتلاع النفوذ الغربي من بلادكم, والذي لن يقوى حينها على صراعكم وقد أصبح الصراع واضحًا جليًا؛ فعندها ستتمايز الصفوف، ولن يبقى ويثبت في الصراع إلا من هم كأمثال الصحابة في صدقهم وإخلاصهم، وهم من ستقوم على أكتافهم الخلافة القادمة, فسارعوا وبادروا لعل الخير يكون على أيديكم فتفوزوا فوزًا عظيمًا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *