تونس الزيتونة بين براثن المستعمر والسعي إلى التحرر
2016/04/25م
المقالات
2,147 زيارة
بسم الله الرحمن الرحيم
تونس الزيتونة بين براثن المستعمر والسعي إلى التحرر
الأستاذ :محمد علي بن سالم
لقد كانت تونس منطلق ثورة الأمة باغتت الاستعمار والعملاء، وهم الذين خالوها واهمين قد أصبحت مسخًا ومستوطنة فكرية غربية بامتياز، أرادوا فصلها عن أصلها كونها بلادًا إسلامية فتحها الفاتحون، وأنها جزء من أمة عريقة تحمل عقيدة راسخة تأبى الانصياع والانكسار.
هكذا أرادها الغرب الكافر ،ولكن ذهبت أحلامه وأمانيه أدراج الرياح؛ فقد بان منها عزم وحزم أذهل دول الكفر وأعتى أجهزة مخابراته، وفاجأ عملاءه حين هبت الجموع هبة واحدة زلزلت عرش الطاغية بن علي، ودفعته للفرار في يوم مشهود علت فيه الحناجر «الشعب يريد إسقاط النظام».
فعلًا إنها ثورة على الظلم والفساد، ظلم نظام أذاق الناس الويلات: كمّ الأفواه – سجن – قتل- نهب- تضييق- ملاحقات… دون حسيب ولا رقيب.
إن المدقق في واقع هذه الثورة يدرك أنها قد باغتت الغرب وعملاءه وأرعدت فرائصهم، مما دفعهم إلى التنبه والاستيقاظ واستيعاب الصدمة خشية فقدان مصالحه وكنس عملائه، فانبرى إلى التخطيط والتآمر لأجل حرف الثورة عن مسارها الصحيح – قلع العملاء وكنس الاستعمار والعيش الكريم – بمؤامرات محبوكة في أقبية السفارات، وساعدهم في ذلك أيادي مرتعشة –توسم فيها ناخبوها الخير واختاروها لخطابها الديني وخوفهم من الله- ولكنها لم تكن قادرة على صدها والوقوف ضدها، بل سارعت لترضية الغرب الكافر وكسب وده ورضاه.
ثم تتالت الحكومات تترى، فمن حكومة الغنوشي – وزير بن علي – إلى السبسي مرورًا بحمادي الجبالي ثم علي العريض ثم المهدي جمعة وصولًا اليوم إلى حكومة الحبيب الصيد.
واليوم وقد مرت أكثر من 5 سنوات على ثورة الخضراء ضد الظلم والفساد، وها نحن نرى كيف أن محترفي السياسة في بلدنا قد توافقوا جميعًا على تسليم البلاد للكافر المستعمر باتفاقيات خيانية أسوأ من اتفاقية الحماية التي وقعها باي تونس سنة 1881م.
ولقد كانت أول خياناتهم – وأخطرها- إبعاد الإسلام من التشريع والسياسة؛ فأقروا دستورًا لقيطًا ضد عقيدة الأمة، دستورًا علمانيًا أشرف عليه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ونوح فلدمان اليهودي الأميركي.
كما سلموا اقتصاد البلاد إلى صندوق النقد الدولي يسيره كيف يشاء، فتعددت زياراته وفتحت مكاتبهم لمدرائه دون خجل ولا حياء، ليطلع على أدق الأسرار وأخطرها في الوقت الذي يتشدقون فيه بـ «هيبة دولتهم وقراراتهم السيادية».
ويتواصل مسار الخيانة لهذه النخبة الحاكمة بتفريطها في ثروة البلاد (ملح- بترول – حديد – غاز…) للشركات الاستعمارية التي تستأثر بها من دون أهل البلد الذين يعانون الفقر والبطالة وغلاء المعيشة، زاعمين أن تونس بلد فقير لا ثروة فيها.
ولم يقتصر تآمر هذه الزمرة الحاكمة عند هذا الحد، فقد سلموا أمن البلاد لبريطانيا باتفاقية تجعلها (بتمويل أوروبي) هي المتحكم في أهم أجهزتنا الأمنية تدريبًا وتكوينًا وتشريعًا –وزرع فيهم العقيدة الأمنية.
ثم وبكل خزي ووقاحة يسلمون قطعة أرض من بلدنا العزيز لأميركا عدوتنا وعدوّة المسلمين الأولى.
كما عمل هؤلاء الحكام أو بالأحرى الموظفون لدى أسيادهم على حرف الثورة عن مسارها؛ وذلك بالقضاء على كل نفس ثوري، ومعاقبة الثائرين والالتفاف على المطالب المشروعة، إضافة لإعادة رموز الفساد بعد أن لفظهم الناس.
وها هم اليوم يعملون للتمهيد لبريطانيا وفرنسا من أجل التدخّل العسكري لاحتلال ليبيا، ولم يكفهم ذلك فأعادوا العلاقات مع سفاح وطاغية الشام بشار رغم قتله ومازال لإخواننا في كل أنحاء الشام.
إذن هذه هي سجايا حكامنا اليوم» أسود على شعوبهم خدم لعدوهم» ، فهاهم صامتون صمت القبور عما يفعله كيان يهود بالمسجد الأقصى مسرى النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وعن قتله لأبنائنا كل يوم ، بل وصلت بها الوقاحة إلى تعيين وزير صديق لليهود على رأس ديبلوماسيتها.
هذا حال الخضراء بعد أكثر من 5 سنوات من ثورتها:
حكومة عاجزة خانعة باعت البلاد والعباد للكافر المستعمر، وتسير وَفق إملاءات وتوجيهات «المسؤول الكبير»، متمسكة بحبائله ،ومتخذة من فزاعة الإرهاب حلًا سحريًا تداري به فشلها وخيبتها وهي التي عجزت عن قول الحقيقة كاملة رغم علمها التام بمن يقف وراءه ومن يسهله ويستثمره.
والحقيقة أن هذه الزمرة الحاكمة تدرك جيدًا أن الإرهاب هو الوصفة السحرية التي يستعملها الغرب لمحاربة الإسلام ويستغلونه هم للبقاء في كراسيهم المعوجة دون مبالاة بالدماء المراقة وما سيخلفه غباؤهم السياسي من مآسٍ على البلد والمنطقة عمومًا.
إذن هذه هي دخائل هذه الحكومة وخيانتها وتفريطها، وهو أمر غير خافٍ عن كل ذي حصافة، وما ذكرناه ليس من باب التباكي، وإنما من باب الكشف والفضح وتعرية هؤلاء الحكام النواطير الذين فرطوا في الدين والأرض والعرض.
هؤلاء هم حكامنا… ولكن تونس الزيتونة أرض الفاتحين، فيها رجال وقفوا وقفة رجل واحد؛ فتصدعت أركان بن علي وانهارت، وفيها أحفاد رجال لما رأوا الباي سنة 1881م يسلم البلاد لفرنسا تبرؤوا منه، وخلعوا طاعته، وأعلنوا العصيان عليه، وأعلنوا ولاءهم لله ولرسوله وللمؤمنين، وذلك برسالة عز وشرف أرسلها وجهاء صفاقس سنة 1882م إلى خليفة المسلمين (السلطان عبد الحميد الثاني).
وليس خافيًا على أحد أن في الخضراء حزبًا تقيًا نقيًا هو حزب التحرير، قد عاهد الله ورسوله على أن يصل ليله بنهاره لمنع تسليم البلاد لأعدائها، وأقسم على أن يمنع تونس من الانهيار على يد الضعفاء والجبناء، وأنه لن يستكين أو يهدأ حتى يقيم شرع الله خلافة راشدة على منهاج النبوة.
إن شباب حزب التحرير في تونس يعملون في الأمة ومعها – يبينون ويشرحون ويكشفون- ويدعونها دعوة الرائد الذي لا يكذب أهله من أجل إعلان البراءة أمام الله تعالى من هذا النظام العلماني الحاكم وما انبثق عنه من حكومات العجز والخيانة ،مستنهضين عزائمهم من أجل تجديد العزم معنا والتوكل على الله للوقوف جميعًا وقفة رجل واحد، ونأخذ على يد هذه الطغمة الحاكمة التي تريد بيعنا وبيع بلادنا للعدو الكافر المستعمر.كما ندعوهم للوقوف معنا صفًا واحدًا وأن لا نرضى عن شرع ربنا بديلًا؛ لأن التغيير الحقيقي لا يكون بتغيير الأشخاص، وإنما بتغيير الأنظمة الوضعية العاجزة والفاسدة، وجعل الإسلام موضع التنفيذ المباشر في دولة أمرنا الله سبحانه أن نقيمها فرضًا لازمًا، ووعدنا بالنصر (إن صدق العزم منا) وعدًا لا يتخلف.
وها هم شباب حزب التحرير في تونس يجددون النداء إلى أهل القوة والمنعة في بلادنا بأن يقفوا مع أهلهم وعقيدتهم فلا يطيعوا هذه الحكومات التي انكشف عجزها وضعفها وعمالتها، وأن يكونوا معنا سندًا لإقامة شرع ربنا وبشرى نبينا صلى الله عليه وسلم.
قال تعالى:» (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) q