في مواجهة الغزو الفكري: رواد الإصلاح بين الماسونية والتغريب 3
1988/01/30م
المقالات
3,113 زيارة
طه حسين عميلاً للاستشراق
بقلم: محمد المنتصر الريسوني
عضو رابطة علماء الغرب
بعد جمال الدين الأفغاني ومحمّد عبده اللذين تناولهما الزميل سمير الزين بالنقد بناء على أقوالهما وأفعالهما، نعرض لطه حسين “عميد الأدب العربي” في مصر. والواقع أن كتابات طه حسين ما يشيب له الرأس. ومن دعواته: الدعوة إلى التغريب المطلق، وإلى الفرعونية، وإلى رفض الإسلام وتحرير المرأة، فضلاً عن أفكار الكفر التي يدعو إليها صراحة. وقد تناول كثير من الكتاب دعوات حسين المناقضة للإسلام، وكان منهم الأستاذ الريسوني الذي تناول حسين في سلسلة مقالات، ننقل هنا أحدها، وقد نشرت في صحيفة “المسلمون”، العدد 25، ذو القعدة 1405هـ.
إن طه حسين صاحب قلم متميز في الكتابة، ولا أبالغ إذا قلت: إنه صاحب مدرسة في النثر. ومن مميزات كتابته سهولة في التعبير، مع طلاوة محببة، وتكرار في اللفظ الجميل، وتصرف الأساليب يدلّ على قدرة. غير أن من عيوبها تكرار المعنى وإعادته، وذلك ناتج عن تكرار اللفظ السابق الذكرـ وإن كان في عمومه مقبولاً وجميلاً ـ فإنه يعيد المعنى ويدور في فلكه، وإن حاولت أن تبحث عما قاله من جديد تبينت أنه ما قال شيئاً جديداً له قيمته ووزنه، ذلك أن المعنى الواحد يتعاوره لفظ مكرر.
الخلاصة أنه صاحب صناعة لفظية تبهر لأوّل مرة وتمدّ تأثيرها، لكن هذا التأثير لا يلبث أن يزول مع الأيام، أقول هذا عن تجربة طويلة مع مدرسة طه النثرية التي بدأت منذ ربع قرن وزيادة، فكان لأسلوبه في فترة وجيزة بعض الهيمنة عليّ، ما لبثت أن ذابت بمجرد الاتصال بعالم الفكر في شتّى واجهاته.
ونظراً لما أصدره طه حسين من إنتاج متعدّد يتميّز بكثير من البهرجة، لا تلبث أن تستولي على القارئ الساذج، ونظراً لما حازه هذا الرجل من شهرة في دنيا الفكر العربي على حساب عقيدة الإسلام وعلى كل ما يمت لها بصلة من قريب أو بعيد، كتبت هذا المقال لكشف النوايا المستورة والمطاعن الظاهرة.
الوثيقة الأولى: لسنا نصِم الدكتور طه حسين بالعمالة للاستشراق، أو قل بالعمالة للصليبية والصهيونية لأنهما ربيبتا الاستشراق شهوة في التشهير بالرجل فقط، لا ثم لا . إن المسلم الحق يرتفع عن هذه التفاهات ولا يصدر حكمه إلا بعد التبيّن من الأمر، مصداقاً لقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبيّنوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين). وإننا إذا تتبّعنا كتاباته كلها، حتى ما يسمى الإسلامية منها ظلماً، لوجدناها لا تخرج عن دائرة التآمر في مقاصدها ومراميها الحفيّة أو الجليّة على الكيان العربي والإسلامي، أو بعبارة أوضح وأجمع، على كيان العقيدة الإسلامية التي تضمّ في رحابها أمّة الإسلام في طول الأرض وعرضها، ولنبدأ بعرض الوثيقة الأولى. والوثائق كلّها في الحقيقة مستمَدة من كلامه، وبهذا لم يبقَ هناك أبلغ من اعتراف الجاني بجنايته بمحض إرادته، بعيداً عن كل ضغط أو إرهاب.
يقول معترفاً بدراسته عن المستشرقين وإعجابه بهم، لحد ملك عليه هذا الإعجاب مشاعره وعقله، وعلى رأسهم “كازانوفا“: «عرفت أستاذاً في “الكوليج دي فرانس“، ولم أكد استمع إليه حتى أعجبت به إعجاباً لم أعرف له حدّاً. كان يفسر القرآن، وكنت حديث العهد بباريس. كنت شديد الإعجاب بطائفة من المستشرقين، ولكني لم أكن أقدّر أن هؤلاء المستشرقين يستطيعون أن يعرضوا في إصابة وتوفيق لألفاظ القرآن ومعانيه والكشف عن أسراره وأغراضه. فلم أكد أجلس إلى “كازانوفا” حتى تغيّر رأيي، أو قل ذهب رأيي كله، وما هي إلا دروس سمعتها منه حتى استيقنت أن الرجل أقدر على فهم القرآن وأمهر في تفسيره من هؤلاء الذين يحتكرون علم القرآن، ويرون أنهم خزنته وسدنته وأصحاب الحق في تأويله».
الوثيقة الثانية: يقول شاكّاً في كتاب الله تعالى: «للتوراة أن تحدثنا عن إبراهيم وإسماعيل، وللقرآن أن يحدثنا عنهما أيضاً، ولكن ورود الاسمين في التوراة والقرآن لا يكفي لإثبات وجودهما التاريخي».
ويقول كذلك: «ونحن مضطرون إلى أن نرى في هذه القصّة نوعاً من الحيلة لإثبات الصلة بين اليهود والعرب من جهة، وبين الإسلام واليهودية والقرآن والتوراة من جهة أخرى، وأقدم عصر قد نشأت فيه هذه الفكرة إنما هو هذا العصر الذي أخذ اليهود يستوطنون فيه شمال البلاد العربية ويبثّون فيه المستعمرات».
الوثيقة الثالثة: يقول داعياً إلى تقليد الغرب في كل شيء حتى في الشعور: «ولنشعر كما يشعر الأوروبي، ولنحكم كما يحكم الأوروبي، ثم لنعمل كما يعمل الأوروبي ونصرّف الحياة كما يصرّفها».
الوثيقة الرابعة: يقول منتقداً القرآن الكريم في موضوع الضمائر: (أم يقولون افتراه) فالواو راجعة إلى المشركين من أهل مكة وهم لم يُذكروا، وفاعل افترى راجع إلى النبي وهو لم يُذكر، ومفعوله راجع إلى القرآن وهو لم يُذكر».
الوثيقة الخامسة: أشاد “إسحاق نافون” رئيس إسرائيل في خطبته رداً على خطبة السادات أثناء زيارته لمصر بطه حسين، وأثنى على “تفتحه”، وذكر في أثناء ذلك أن طه حسين عندما حلّ ضيفاً على الوكالة اليهودية في إرهاب، كنت أنا المرافق لزيارة مستعمرة “رمات غان”، وعندما سمع عن الحياة في المستعمرة قال: متى نصبح مثلكم؟
الوثيقة السادسة: يقول رافضاً الإسلام باعتباره ديناً رسمياً لمصر: «لم أكن في اللجنة التي وضعت الدستور القديم، ولم أكن بين الذين وضعوا الدستور الجديد، ولم يستشرني أولئك وهؤلاء في هذا النص الذي اشتمل عليه الدستوران جميعاً، والذي يعلن أن للدولة المصرية ديناً رسمياً هو الإسلام، ولو قد استشارني أولئك أو هؤلاء لطلبت إليهم أن يتدبّروا وأن يتفكّروا قبل أن يضعوا هذا النصّ في الدستور».
الوثيقة السابعة: اعد الصهيوني “إسرائيل ولفنسون” رسالة تحت إشراف طه حسين وهي تحت عنوان “تاريخ اليهود في بلاد العرب في الجاهلية وصدر الإسلام” قدم لها طه بقوله يؤيّد الصهيونية الحاقدة: «الموضوع في نفسه قيّم جليل الخطر بعيد الأثر جداً في التاريخ الأدبي والسياسي والديني للأمة العربية. فليس من شك أن هذه المستعمرات اليهودية قد أثرت تأثيراً قوياً في الحياة العقلية والأدبية للجاهليين من أهل الحجاز، وليس من شك أن الخصومة كانت عنيفة أشدّ العنف بين الإسلام ويهودية هؤلاء اليهود، في أنها استحالت من المحاججة والمجادلة إلى حرب بالسيف انتهت بإجلاء اليهود عن البلاد العربية.
وهذه الرسالة نال بها اليهودي لقب الدكتوراه من الجامعة المصرية، ونعتته بأنه على شاب وُفق إلى الخير، وإلى تحقيق أشياء كثيرة لم تكن قد حُققت من قبل».
الوثيقة الثامنة: ألقى طه حسين عام 1944 محاضرة عن اليهود والأدب العربي في المدرسة الإسرائيلية بالإسكندرية، ونوّه باليهود، وقد قوبلت المحاضرة بالتصفيقات الحادة، وقرّر المجلس الملّي الإسرائيلي إنشاء جائزتين باسم طه حسين يُمنحان لألمع طالبين في المدرسة.
الوثيقة التاسعة: يقول متحدّثاً عن رأي ابن خلدون في تأسيس دولة جديدة على أنقاض دولة مؤلفة من شعوب، مدافعاً عن فرسنا ضد قومه العرب والمسلمين في المغرب، يعني أنه نصب نفسه عميلاً للاستعمار الفرنسي حيث تسلّط على المغرب: «وملاحظة ابن خلدون هذه صادقة جداً فإن الرومان على ما بلغوا من الحذق في فن الحرب والاستعمار، لبثوا في نضال دائم مع شعوب أفريقية الشمالية، حيث كانت تضطرب نار الثورات بلا انقطاع. بل أن الفرنسيين أنفسهم قد عانوا ولا يزالون يعانون مشقات فادحة في مراكش في سبيل بسط حضارتهم عليها».
أجترئ بهذه الحقائق المدعمة بالوثائق وقد تعمدت أن تكون باعتراف صاحبها نفسه، وليس هناك من دليل قاطع خير من دليل يتضمّن الاعتراف الشخصيّ وهو ما يأخذ به الشرع الإسلامي، وتأخذ به كذلك القوانين الوضعية في العالم، وتركت ما قاله فيه غيره من المعاصرين ـ وما أكثره ـ إبعاداً لكل شبهة.
وهذه الحقائق التي حاولت استخراجها من هنا وهناك، والتي توزّعتها كتبه ومجلات إنما هي اختيار من بين حشد كبير منها تكفي على كفره، فراجع هذه الوثائق بإمعان تام ستجده عميلاً للاستشراق وكذا للصهيونية العالمية واليهودية “التلمودية”، والصليبية الدولة الحاقدة، كما ستجده كافراً بدون شك يرفض الدين من أساسه، وإن كان يحاول أحياناً أن يظهر بمظهر المسلم، فتلك خديعة تعلّمها من أساتذته المستشرقين. فتعاونه مع الاستشراق واضح جليّ في تلمذته على وإعجابه بهم (أنظر الوثيقة الأولى)، وتعاونه مع الصهيونية واليهودية شاهد ناطق (أنظر الوثيقة الخامسة)، وتعاونه مع الصليبية دافع قاطع (أنظر الوثيقة الثالثة)، وكفره أوضح من الوضوح نفسه (أنظر الوثيقة الثانية والوثيقة الرابعة والوثيقة السادسة والوثيقة التاسعة).
وينبغي أن أبادر إلى القول بأنني لست ممن يكفّرون لأقل سبب، فهذا ليس من الإسلام، بيد أن جريمة طه في مستوى التكفير وذلك حين رفض قصّة إسماعيل وإبراهيم في القرآن، وحين حاول انتقاد كلام الله تعالى، وحين تعاون مع الاستعمار الفرنسي في تسلّطه على المغرب. وهذا التعاون يعتبر تعاوناً مع الكفر ضد الإسلام، وفي مثل هذا يقول تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتّخذوا اليهود والنصارى أولياء، بعضهم أولياء بعض، ومن يتولهم منكم فإنه منهم، إن الله لا يهدي القوم الظالمين).
ومهما كانت الحال، فتحليل هذه الوثائق يطول ويتشقّق، وهذا ليس من منهج هذه الدراسة.
تنويه
لمزيد من الإطلاع على سجل طه حسين، كواحد من روّاد التغريب في العالم الإسلامي، يمكن للأخ القارئ الإطلاع على كتاب الدكتور عبد المجيد المحتسب “طه حسين مفكراً؟” وهو كتاب جيّد يبحث في جميع أعمال حسين وخلفياته التغريبية، ويقع في حوالي 300 صفحة.
طه حسين يخجل من أن يبدأ محاضرة له بالحمد والصلاة على النبي
مخافة أن يضحك عليه الناس
إن طه حسين احتاج لأن يعتذر عن بدء محاضرة له في اللغة والأدب عام 1921 بحمد الله والصلاة والسلام على نبيه، فقال: “سيضحك مني بعض الحاضرين إذا سمعني ابدأ هذه المحاضرة بحمد الله والصلاة والسلام على نبيه لأنّ ذلك يخالف عادة العصر”!!!
وطه حسين يكتب السيرة على أنها أساطير جميلة!!!
إنّ طه حسين قام بكتابة السيرة النبوية على أنها أساطير جميلة ولكنها لا تثبت أمام التدقيق العلمي! ويقول في تعريف كتابه (على هامش السيرة): “… وأحب أن يعلم هؤلاء أن العقل ليس كل شيء وأن للناس ملكات أخرى ليست أقل حاجة والرضى من العقل وان هذه الأخبار والأحاديث إذا هي مل يطمئن إليها العقل، ولم يرضها المنطق، لم تستقم لها أساليب التفكير العلمي فإن في قلوب الناس وشعورهم وعواطفهم وخيالهم وميلهم إلى السذاجة واستراحتهم إليها من جهد الحياة وعنائها ما يجبب إليهم هذه الأخبار ويرغّبهم فيها ويدفعهم إلى أن يلتمسوا عندها الترفيه عن الناس حين تشقّ عليهم الحياة.
… ويسخر بالجنّة التي وعد الله عبادة المتقين
ففي مقال له يسخر بشكل خفي بالجنّة التي وعد الله المتقين، فيقول: “فقد تعلّمنا فيما تعلمنا أن الجنة وعد الله عباده المتقين هي التي سترضي حاجات الناس إلى أقصى ما يمكن أن يبلغ الرضى، لأن فيها كل ما يمكن أن يشتهى وكل ما يمكن أن يلذ وما لا يخطر على قلوب الناس. وقد صوّر أبو العلاء في رسالة الغفران طرقاً من هذا الرضى الذي سيتاح لأهل الجنة المتقين، فأحسن التصوير وجوّد فيه، سواء أكان قصد به إلى الجد أم قصد به إلى الدعابة والفكاهة”(1).
وإن قوله: “فقد تعلمنا فيما تعلمنا أن الجنة …” لا يقوله مسلم، لأن المرء قد يتعلم شيئاً فرض عليه وهو لا يؤمن به، واستشهاده بتصوير أبي العلاء الجنة وما فيها ومن فيها، وتعقيبه على ذلك بقوله: “سواء أكان قصد به إلى الجد أم قصد به إلى الدعاية والفكاهة” يدل دلالة واضحة على السخرية والاستخفاف بما قرّره الله تعالى في القرآن الكريم من نعيم مقيم للمتقين من عباده.
(1) خصام ونقد، طه حسين: ص، 72،73.
1988-01-30