العدد 348 -

السنة الثلاثون محرم 1437هـ – تشرين الثاني 2015م

الخلافةُ مطلبُ الأمةِ الإسلاميةِ الأساسيِّ، وقد آن أوانها، ولن يمنعَ إقامتَها تآمرُ أميركا ولا تدخُّلُ روسيا

بسم الله الرحمن الرحيم

الخلافةُ مطلبُ الأمةِ الإسلاميةِ الأساسيِّ،

وقد آن أوانها،

ولن يمنعَ إقامتَها تآمرُ أميركا ولا تدخُّلُ روسيا

 

مع التدخل الروسي المباشر، يواجه المسلمون في سوريا فصلاً جديداً من فصول المؤامرة الدولية عليهم، يهدف إلى منع سقوط السفاح بشار أسد بالرغم من كل الإمكانات التي سخرت دولياً لدعمه من قبل من روسيا نفسها وإيران وتوابعها علناً؛ ومن أميركا التي سخرت كل عملائها وأدواتها سراً ونفاقاً… ويهدف، فيما يهدف إليه، إلى دعم الموقف العسكري لهذا السفاح على الأرض، وخاصة بعد أن شهد جيشه المجرم انتكاسات عسكرية أقلقت الداعمين له، ويهدف، بعد أن يعوَّم موقفه العسكري على الأرض وبالتالي موقفه السياسي، إلى أن يشارك هذا السفاح في المرحلة الانتقالية ليكون جزءاً من الحل الأميركي، وليدخل في مفاوضات الحل النهائي من موقع قوة، ولضمان تنفيذ مقررات مؤتمر جنيف من موقع التوازن بين طرفي التفاوض: النظام والمعارضة العلمانيين العميلين لأميركا؛ فتضمن بذلك أن يكون حكام سوريا الجديدة عملاء لها، وأن يكون نظام الحكم مدنياً علمانياً… وبالمختصر، فإن التدخل الروسي المباشر جاء لتعويم موقف السفاح عسكرياً وسياسياً ولتهيئة الظروف الواقعية الضاغظة على الأرض للدخول في مرحلة المفاوضات على أساس مؤتمر جنيف… وبهذا يتبين أن هناك مصلحة أميركية من هذا التدخل الروسي المجرم، وأن هناك تنسيقاً بين كل من أميركا وروسيا. هذا وقد جاءت التصريحات من كلا الجانبين، الأميركي والروسي، تؤكد ذلك.

ويضاف إلى ذلك أن التطورات الميدانية، قبل التدخل الروسي المباشر، كانت تسير بعكس مصلحة أميركا، فقد كان برنامجها لتدريب المقاتلين قد واجه فشلاً ذريعاً، وكان أوباما قد حذر من سقوط مفاجئ للنظام السوري، وكانت خطتها التي يقوم ديمستورا بتسويقها لا تستطيع أن تجد طريقها على الأرض في ظل الأوضاع العسكرية المتردية للنظام، وفي ظل رفض شعبي كاسح لها؛ ثم إنه قابل هذا التدخل الروسي السافر الساخن رد فعل أميركي بارد كان عبارة عن ضجيج إعلامي ظاهره عدم الموافقة عليه وإظهار المسؤولين الأميركيين أنهم مع الطرف الآخر؛ لتضمن أميركا أن تكون هي وروسيا هما اللذان يقودان طرفي الصراع ويتحكمان في إدارتهما؛ ومن هنا جاءت تصريحات المسؤولين الأميركيين مؤيدة للتدخل الروسي أكثر مما هي شاجبة، وكان الغرض من إظهار التحذير منه إيجاد حالة من الخوف عند المسلمين من الفصائل المقاتلة المخلصة والحاضنة الشعبية لها للاستسلام والتسليم لإرادة المجتمع الدولي الذي تقوده أميركا لفرض حلها…

 هذا وقد كانت بدايات التدخل الروسي عسكرية عدوانية إجرامية تجلت بغارات جوية أوقعت المزيد من القتلى بين المسلمين، والمزيد من الدمار، مع ضجيج إعلامي ليكون التأثير مضاعفاً؛ فقد ابتدأت الغارات الجوية الروسية على الفصائل التي تشكل خطراً قريباً على النظام، وفي المناطق التي تهدد معقل رأسه. ومن المخطَّط له أن يتبع ذلك هجوم جوي وبري واسع لاحتلال الجانب الذي ليس بيد النظام من حلب؛ لذلك بدأنا نسمع عن استعدادات عسكرية جدية تقوم على التنسيق بين كل من روسيا كسلاح جو وبين جيش النظام وحشد من القوات الإيرانية كقوات برية يضع فيها كل من بشار وقاسم سليماني كل إمكاناته ليعوِّم نفسه فيها بعد كل هذه الإخفاقات العسكرية الذليلة التي مني بها كل منهما. وكون بدايات هذه الهجمة العسكرية الشرسة هي على حلب يذكرنا بخطة ديمستورا التي فشلت من قبل في تثبيت الهدن بين المناطق، وكانت حلب هي نقطة البدء في خطته، فما لم تستطع أميركا أن تحققه عن طريق ديمستورا بالدهاء والمكر، فها هي تريد أن تحققه الآن عن طريق روسيا وإيران بالقوة.

إن التوافق الدولي، الذي ظهر مؤخراً، على بقاء الأسد في المرحلة االانتقالية، يفضح أن كلاً من أميركا وروسيا تسعى بقوة لتغيير قواعد الاشتباك على الأرض، وذلك بتحويل الصراع من صراع لإسقاط النظام السوري الفاشي، وإقامة حكم الله في الأرض إلى عكسه تماماً، وهو محاربة المشروع الإسلامي الذي يسعى إلى إقامة الخلافة في سوريا على أنقاض بشار ونظامه، والذي تبنته معظم الفصائل المقاتلة، والذي يحظى بالحاضنة الشعبية الكاسحة من قبل أهل سوريا. ومَنْ لهم أكثر عدائية  للمشروع الإسلامي من بشار اللعين نفسه؟ وبهذا يتبين أن هدف أميركا وروسيا المشترك إنما هو محاربة المشروع الإسلامي المتمثل بإقامة الخلافة الإسلامية، ونظرتهما أن هذا السفاح هو خير من يحارب الإرهاب.

إن ما ينفذ من مؤامرة دولية على المسلمين في سوريا هو أحد أوجه الحرب العالمية على الإسلام، وهو يكشف عن إخفاق أميركي كبير، وعلى كل الصعد، والحمد لله وحده. وقد تجلى هذا الإخفاق في عدم قدرتها على إيصال الحاكم العميل البديل عن السفاح بشار، وتجلى في عجزها عن السير في تنفيذ مقررات جنيف التي اتفقت مع روسيا عليها منذ عام 2012م. وتجلى في مواقف كثيرة دلت على فقدان القيم عندها، وفقدان المصداقية؛ فشعب يقتل من حاكمه بأبشع صور المجازر المعلنة وتسكت عن ذلك، بل وتمنع تزويده بالسلاح الفتاك، وتسكت عن تزويد النظام بأعتى الأسلحة الفتاكة متذرعة بالقانون الدولي. ويُستعمل ضده السلاح الكيماوي، فتهدد ثم تتراجع وتتفق مع النظام في أبشع اتفاق بينهما على إتلاف السلاح الكيماوي، وتعمل على غسل جريمته بمدحه أنه متعاون مع المجتمع الدولي. وتجلى بفشلها بتدريب  مقاتلين تابعين لها. وتجلى بفشل عميلتها إيران وحزبها والميليشيات الطائفية التابعة لها، والتي سخرت المال والسلاح والمقاتلين ولم تدخر وسعاً في ضرب المسلمين تحت حجة ضرب التكفيريين، تلك الحجة الباهتة والتي لم تكن موجودة منذ بدايات الثورة على هذا النظام العلماني الكافر (إيران التي تدعي أنها إسلامية تدافع عن نظام علماني كافر، وتدعو لإقامة نظام علماني مدني كافر، وتسمي ذلك واجباً مقدساً). وتجلى بفشل روسيا التي زودت النظام المجرم بأسلحة إجرامه الفتاكة التي قضت على أرواح مئات آلاف الناس، ودمرت حياتهم ومعيشتهم، وفشل هذا النظام المجرم، بعد كل هذا الإمداد له بأن يقضي على ثورة المسلمين على ظلمه الذي لا يطاق، بل وصل فشله إلى درجة أنه لم يعد يملك الرجال الذين يقاتل بهم، ووصل حال السفاح لأن يكون شرابة خرج لا يحكم في سوريا، وصا إيران هي التي توجه االنظام السوري في أرض المعركة، وبعد فشل إيران، صارت روسيا. وبهذا كان التدخل الروسي المباشر هو الخطوة التي لا بد منها لإنقاذ السفاح، وهو لا يعني أكثر من تأخير تسقوطه.

وأمام هذه المؤامرة الدولية على المسلمين في سوريا، ويطرح تساؤل جدي، وهو أنه إذا كان المسلمون في سوريا قد استطاعوا أن يصمدوا ويحرموا أعداءهم من الانتصار، فهل يستطيعون أن ينتصروا على أعدائهم ويهزموا كل هذا الجمع؟ وكيف يتحقق ذلك؟

 نقول بداية إن الذي يستمد أحكامه وتصوراته للعمل من الواقع، فلا بد أن يغلبه هذا الواقع، ويؤدي به إلى الاستسلام للمؤامرة، وتحدثه نفسه أنه أمام هذا التآمر، أنَّى له أن يصمد. وهذا يؤدي به إلى قبول التفاوض والرضى بالحلول الوسطية، ويسعى لأن يستعين بالغرب وبأميركا وبحكام المسلمين العملاء لكي يدعموا موقفه، ويرضى بأن يتفق مع أميركا على أن يأتي عميلها الجديد إلى الحكم… وذلك كما يفعل الائتلاف الوطني السوري، الذي ما أوجد أصلاً إلا لهذه الغاية…

أما إذا كان يستمد أحكامه وتصوراته من الإسلام، فلا شك أن الصورة سوف تكون مختلفة تماماً، وسيرقى في المجابهة إلى المستوى المطلوب، وسيمتلك من أسباب القوة ما بمكنه من تحقيق الانتصار التاريخي المنشود؛ إذ سينضم حينها المسلمون كل المسلمين إلى عملية التغيير، بدل أن يكونوا متفرقين مشتتين…

إن الذين يستمدون أحكامهم وتصوراتهم من الإسلام، ومن ثم ينزلونها على أرض الواقع ليغيروه بناء عليها؛ فإن أول ما سيصل إليه هؤلاء هو أنه لا يعالج مشاكل المسلمين، ولا يغير واقعهم، إلا العمل لإقامة دولة الخلافة، وهذا فرض على المسلمين ليس في سوريا فحسب، بل في كل بلاد المسلمين، وهو يتطلب العمل لإيجادها في سوريا (كما في غير سوريا) حتى إذا ما قامت عندهم تداعى لها المسلمون في مختلف بلادهم، وامتدت في وقت سريع قياسي؛ وعندها لن تستطيع لا أميركا ولا مؤامراتها على المسلمين أن تنقذ الأوضاع لمصلحتها. وهذا عين ما تعيه كل من أميركا ودول الغرب وروسيا وحتى الصين وتخشاه… وتعمل على محاربته بكل مكر وإجرام.

وهذه الثورة حتى تنجح على الطريقة التي نتكلم عنها؛ يجب على القائمين بها أن يحرصوا على نظافة ثورتهم بأن تكون لله وحده، وعلى طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم  في إقامة دولة الإسلام الأولى في المدينة؛ فلا يلوثوها بالمال السياسي ولا بالسلاح المشروط، ولا ينخدعوا بالمساعدات الإنسانية التي يراد منها إيجاد موطئ قدم لأعداء المسلمين في أرض الثورة… كذلك على المسلمين أن لا يستمدوا العون لا من أميركا ولا من دول أوروبا ولا من حكام المسلمين العملاء لهم، فهذا خطير جداً، وهو يؤدي  إلى إجهاض الثورة… ثم على المسلمين أن يسيروا بحسب الطريقة التي سار عليها الرسول صلى الله عليه وسلم  وهي طريقة عملية يمكن تنفيذها في كل حين، وهي طريقة قد تحققت خطواتها كلها على أرض المسلمين، وليس في سوريا فحسب، ولم يعد ينقصها إلا أن يقوم أهل القوة من المسلمين بنصرة هذا الدين. فالرأي العام عند المسلمين على إسلام الحكم وعلى إقامة الخلافة تحديداً صار كاسحاً مما أقلق الغرب والشرق وجعلهم يتنادَون جميعاً لمنع ذلك في أبشع صورة نشهدها اليوم في بلاد المسلمين. والثلة المؤمنة التي أعدت نفسها لهذا الأمر قد تأمن وجودها وقدرتها على القيام بأعباء هذا الأمر إذا قام. فالخلافة إذا قامت في أي بلد من بلاد المسلمين تداعت إليها سائر بلاد المسلمين بالانضمام…

إننا نثق بوعد الله سبحانه وتعالى بنصر من ينصره (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ )، وببشرى رسوله الكريم «ثُمَّ تَكُونُ خِلَافةً عَلَى مِنْهاَجِ النُّبُوَّةِ»، ومهما حاول أعداء هذه الأمة مجتمعين أو متفرقين أن يكيدوا لها فإن كيدهم سيرتد عليهم، ومهما مكروا فإن مكرهم سيحيق بهم، ومهما حاولوا أن يخفوا عداوتهم فإن زلات لسانهم ستفضح مكنونات نفوسهم الخبيثة وحقد قلوبهم؛ وهم مهما عملوا على تلبيس حقيقة صراعهم مع المسلمين بأنها حرب ضد الإرهاب، فالمسلمون يعلمون أنهم لا يقصدون إلا الحرب على الإسلام بما فيه من أحكام الجهاد وتحكيم الشريعة إقامة دولة الخلافة؛ لذلك أعلنها بوش من قبل أنها «حرب صليبية»، وأعلنها بطريرك الروس أنها «حرب مقدسة». وأعلنها الساسة والمفكرون في الغرب أنها «حرب قيم» وأفكار.

إن الغرب يعي أن الإسلام دين منه الدولة، وفيه شريعة وأنظمة حياة، وفيه طريقة قوية لنشره لا يستطيع أحد أن يقف في وجهها وهي: الدعوة والجهاد يفتح بهما القلوب ويزيل الحدود، ويعلم أنه كانت له تجربته المرة مع دولة الخلافة في السابق عن طريق الفتوحات الإسلامية وما قابلها من الحروب الصليبية. وهو لا يريد لدولة الإسلام أن تقوم من جديد حتى لا تتكرر تجربته ويخسر سيادته؛ لذلك كانت الحروب القائمة اليوم في بلاد المسلمين هي حروب الغرب عليهم ليمنعهم من العودة إلى الحياة في كنف دولة الإسلام، دولة الخلافة الراشدة. ولكن أنى له ذلك. فالخلافة اليوم تتقدم أكثر وأكثر، ولم ولن تستطيع مؤامرات الغرب ولا حروبه المباشرة ولا غير المباشرة أن تقف في وجه تقدمها؛ لأنها أقوى من أعدائها. إنها أمر الله، قال تعالى: ( أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ )

(إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *