العدد 347 -

السنة الثلاثون ذو الحجة 1436هـ – أيلول / ت1 2015م

ما سر سياسات ألمانيا المنفتحة تجاه اللاجئين السوريين؟

ما سر سياسات ألمانيا المنفتحة تجاه اللاجئين السوريين؟

 

تفاجأ كثيرون بـ”الانقلاب المفاجئ” الذي حصل في أوروبا تجاه قضية اللاجئين لا سيما القادمين من سوريا. وأخذ كثيرون يتساءلون عن مغزى هذه الحالة المتعاطفة غير المألوفة. إنما بقليل من التمعن، يمكن إدراك أن الذي جرى هو نجاح واضح في فرض الحكومة الألمانية أجندتها على الجميع. وهي ليست انقلاباً بل سياسة اتبعتها منذ سنوات مع عدد آخر من الدول الأوروبية كالسويد والنرويج، وذلك لاحتياجاتهم الكبيرة لعمال في مختلف المهن لملء الشواغر الحالية والمتوقعة في المصانع والأراضي والبنية التحتية وفي خدمة العواجيز والمتقاعدين الذين باتوا يشكلون نسبة كبيرة من تلك المجتمعات.

فالصعود العامودي للاقتصاد الألماني وحاجته إلى أيدي عاملة، إضافة إلى الضمور الديموغرافي في عدد السكان، وتطلعات ألمانيا للعب دور أكبر في أوروبا وربما في أماكن أخرى من العالم لاحقاً، جعلا ألمانيا تعمل كقطب يفرض ما يرى أنه يحقق مصالحه. لذلك شرّعت أبوابها أمام اللاجئين السوريين منذ بداية الأزمة بصمت، وعندما تزايدت أعدادهم وبدأت دول أوروبية تتصدى لهم وتتأفف منهم، وقفت ألمانيا لهم بالمرصاد بشكل واضح وعلني وقامت بحملة مضادة أججت الرأي العام الداخلي والخارجي وقلب الأمر رأساً على عقب، ووضع الدول المناوئة للهجرة واللجوء في وضع حرج أخلاقياً. إذاً هي استراتيجية ألمانية مبكرة، وليست وليدة لحظة معينة تعاطفاً مع مأساة السوريين، فالمتابع يجد أن ألمانيا تبنت مجموعة كبيرة من الإجراءات المتجانسة التي تؤكد سعيها للحصول على أكبر عدد ممكن من اللاجئين، حيث قامت بما يلي:

– جمّدت العمل باتفاقية دبلن، حيث أوقفت إجراءات ترحيل اللاجئين السوريين إلى الدول الآمنة التي سبق أن دخلوا إليها، وتركوا “بصمتهم” فيها.

– منحت من يصل إليها -في مدة قصيرة جداً نسبياً على نحو غير مألوف – حق الإقامة مع جواز سفر إضافة إلى تأمين كافة الحاجيات الأساسية من مسكن ومأكل وملبس وصحة وتعليم.

– أصدرت نداء إلى الشعب الألماني على لسان المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تطالبه بالترحيب باللاجئين، فخرجوا ينتظرونهم بمحطات القطارات يقدمون لهم الطعام والشراب ويظهرون تعاطفهم معهم. بل وقامت بإرسال وسائط نقل (باصات وقطارات) لتقل اللاجئين العالقين في المجر إليها.

– أعلنت الحكومة الألمانية عن استعدادها لاستقبال حوالى 800 ألف لاجئ ومهاجر العام الجاري إضافة لمن سبق استقبالهم، وهو عدد يزيد أربعة أضعاف عن العدد الذي استقبلته في العام الماضي.

– أججت الرأي العام لصالح اللاجئين من خلال تسليط الأضواء الإعلامية على معاناة اللاجئين وإظهار معاناتهم، كغرق الطفل المسكين إيلان الكردي وعدد آخر من المهاجرين الذين تناثرت جثثهم على الشواطئ في رحلة الهروب من الحرب المدمرة في سوريا.

باختصار إن ألمانيا وبقية دول أوروبا هي دول رأسمالية تبني سياساتها على ما يحقق لها مصالحها، ولو كانت أوروبا مشفقة حقاً على اللاجئين والمهاجرين إليها من سوريا لفرضت حظراً جوياً على نظام الأسد على نحو ما فعلت مع القذافي في ليبيا، لا سيما أن طائراتها تجوب سماء سوريا ليل نهار، كما كان يمكنها تسريب بضعة قاذفات لمن تصنفهم ضمن المعارضة المعتدلة لشل طائرات النظام التي تلقي البراميل المتفجرة على المدنيين الآمنين بدل ذرف الدموع الرخيصة على من يغرق منهم. لكنها سياسة الفرص والمصالح فقط. على صعيد آخر، فإن ألمانيا دولة طموحة، ولا يستبعد أن يكون لديها تطلعات للعب دور مؤثر في الشرق الأوسط في المستقبل، يكون فيه سوريو اليوم ألمانيو الغد أداة مهمة لدخول المنطقة، فكما قال بريجنسكي سابقاً “إن ألمانيا الصاعدة هي التي تستحق المراقبة والمتابعة بشأن طموحها وتطلعاتها، وليست الصين التي ينحصر همها في تحسين أوضاعها الاقتصادية”!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *