العدد 347 -

السنة الثلاثون ذو الحجة 1436هـ – أيلول / ت1 2015م

المستقبل للإسلام حتماً، والأمة ستجرف كل الأدعياء

المستقبل للإسلام حتماً، والأمة ستجرف كل الأدعياء

تتمثل قوة الإسلام أساساً بفكرته الشمولية الصلبة التي تقدم تصورات واضحة وعميقة للإنسان عن معنى وجوده في الحياة، وكذلك فيما تضعه من معالجات لشؤونه من خلال منظومة متكاملة من الأحكام الشرعية التي تنظم علاقات الإنسان على نحو يشبع – عند تطبيقها-احتياجاته مادياً ومعنوياً.

وقد ظلت الفكرة الإسلامية متجذرة في نفوس جموع المسلمين، رغم كل ما عصف بهم من حملات فكرية ألحقت بفهمهم للفكرة الإسلامية بعض الشوائب جراء محاولات البعض خلط أفكار بعض الثقافات الأخرى بالإسلام، على نحو ما جرى قديماً من عملية دمج ممجوجة لبعض أفكار الفلسلفة اليونانية والهندية والفارسية بالتصورات الإسلامية، وما جرى حديثاً من محاولات توفيق مشبوهة بين الإسلام من جهة وبين أفكار اشتراكية ورأسمالية وديمقراطية من جهة أخرى.

إضافة إلى قوة العقيدة الإسلامية بقي الشوق إلى التاريخ المشرق الذي تحقق بسبب تطبيق الإسلام مصدر إلهام وتبجيل المسلمين، لا سيما وهم يقارنون ذلك -بكثير من الحسرة-مع واقعهم المؤلم بعد إقصاء الإسلام عن حياتهم، ما جعل المسلمين يتخذون من قول الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمن ابتغى العزة بغيره أذله الله» نبراساً كأفضل تعبير لهم عن المشكلة والحل، فَوُجِدَ توجه عام عند المسلمين حول ضرورة العودة إلى تطبيق الإسلام، وتصاعدت الدعوة مع كل أزمة جديدة ومع كل انكسار جديد إلى إعادة الإسلام حاكماً، طلباً لرضى الله سبحانه، وإدراكاً منهم بأن إقامته في واقعهم هو الملاذ الآمن لهم وللأجيال القادمة من المسلمين.

في هذا السياق، بات استئناف الحياة الإسلامية وتمكين الدين وإقامة دولة الخلافة غاية وهدفاً معلناً لكثير من الحركات الإسلامية، التي غلب على جلها كثير من الحماسة مع قليل من الوعي وكثير من ردود الفعل بلا تدقيق كاف في الواقع وفي الطريقة التي من شأنها تغيير الأوضاع القائمة.

لكن تحقيق تلك الغاية واجه تحديات مهولة تتمثل بهيمنة الغرب المطبقة على بلاد المسلمين من خلال أنظمة أمنية تفرض أجندات الغرب، وتحرص كل الحرص على أن تشل إرادة الأمة وتبقي مقدراتها وثرواتها رهينة سياسات الغرب ومصالحه.

كما اعتمد الغرب سياسات خبيثة لإفساد الرأي العام المؤيد للعودة إلى الإسلام وتحكيمه من جهة، ولضرب الوعي المتزايد حول أهمية الخلافة وما تمثل من قيمة، بأكثر من وسيلة وأسلوب. فاستثمر الغرب في هذه البيئة لتوجيه الطاقات المكنونة فيها لما يحقق مصالحه ويجرفها بعيداً عن تحقيق التغيير المطلوب بالطريقة المطلوبة.

فجاءت تصفية حسابات الولايات المتحدة مع الاتحاد السوفياتي في أفغانستان بدماء المسلمين وأموالهم تحت راية الجهاد الأفغاني لضرب الشيوعية ضمن زخم إعلامي عالمي هائل، حيث هبَّ المسلمون من كل حدب وصوب نصرة لهذه القضية، لا سيما من مصر والأردن ودول الخليج، مع أن فلسطين كانت على مرمى حجر منهم. ثم تحول هؤلاء إلى ذريعة تستعملها أميركا لإعادة صياغة النظام الدولي. فتم صرف جهود وتضحيات جيل كامل من المسلمين بين «حليف استراتيجي» للغرب تحت عنوان الحرب على الشيوعية، وعدو لدود له تحت عنوان «الحرب على الإرهاب».

في الوقت ذاته رتبت أميركا ثورة ذات طابع ديني في إيران للوقوف بوجه الشيوعية من جهة، ولخداع المسلمين بها من جهة أخرى، فخاضت حرباً طاحنة على مدار ثماني سنوات مع العراق معلنة أن طريق القدس يمر فوق جثة نظام البعث في بغداد، فيما كانت إيران حليفاً استراتيجياً وما زالت لنظام البعث في دمشق، ثم دخل النظام الإيراني في دورة شعارات ممانعة ومقاومة قوى الاستكبار ونصرة المستضعفين في الأرض، ما خدع كثيرين بالفعل، لينتهي به المطاف نصيراً لطاغية الشام ضد شعب مظلوم مسحوق، وقيامه بتسليم كافة ملفات الطاقة النووية للغرب، آملاً بأن يصبح عضواً في التحالف الدولي الذي تقوده أميركا في الحرب المزعومة ضد الإرهاب.

كما دفع الغرب تياراً عريضاً من الحركة الإسلامية ليتخلى عن آمال الأمة وتطلعاتها بالوحدة والخلافة وتحكيم الشريعة بذريعة الاعتدال وتجديد الخطاب الديني وفقه الواقع والدولة المدنية الحديثة، فتسلم الحكم في تركيا والمغرب وتونس ومصر والسودان بشعارات إسلامية تداعب مشاعر الجماهير وتنفس طاقاتهم فيما هي تطبق أجندات علمانية رأسمالية وطنية وقومية، ترسخ الواقع الكارثي القائم.

وأخيراً وليس آخراً، فقد تم الإعلان عن إقامة خلافة تنظيم الدولة في العراق والشام، وهي خلافة أبعد ما تكون عن تطلعات الأمة اليتيمة، التي تنتظر يداً حانية عليها تخرجها من قاع الذل والقهر والكفر، وتضعها على طريق الخلاص، إلا أن خلافة هذا التنظيم زادت الأمة بؤساً وتفريقاً وتشريداً وتقتيلاً، ما يضع ألف علامة استفهام أمام حقيقة صعود هذا التنظيم وممارساته وصولاً إلى إعلانه الخلافة، لا سيما أن التحقيقات الرسمية الجارية في العراق بخصوص استيلاء هذا التنظيم على كبريات مدن العراق في الشمال وحيازته كميات هائلة من المركبات والأسلحة والعتاد كشفت بأنها جاءت جراء صدور أوامر مباشرة من رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي لكبار القيادات العسكرية بالانسحاب من الموصل ومناطق الشمال.

هكذا يغدو واضحاً بأن الغرب ساهم بشكل مباشر ومؤثر في خلق دوامة العنف والفوضى، فعبث بالأمة واستنزفها في تحقيق مصالحه، وحاول جاهداً أن يشككها بدينها وبجدوى تطلعاتها ليحبط آمالها باستعادة الإسلام وليوهمها بأن دينها هو سبب بلائها.

إلا أن المدقق في مسيرة الأمة ومسارها يجد أنها سرعان ما تنهض من كبواتها، وأنها كلما انتكست تعود لتقف على قدميها من جديد مع ظهور أدنى بارقة أمل، فتتفاعل معها كأن لم يمسسها سوء. كما أن الباطل زهوق بطبعه، ومها طغى بظلمه ودجله وتضليله فإنه لا يكاد يترك أثراً مع الخير الكبير الذي يملأ الأمة. بل إن ما يجري من أحداث، وما يصيب الأمة من آلام، يعيد صياغتها من جديد، فيجذر فيها الوعي ويصلب فيها الإرادة ويؤهلها للعب دورها المنوط بها في الحياة كخير أمة أخرجت للناس.

 نعم، قد ينجرف البعض في متاهات الضياع، وقد ييأس آخرون ويسلمون للشيطان تحت مسمى أو آخر بذريعة أو أخرى، لكن تفاعل الأمة مع قضاياها يكشف أنها تسير قدماً إلى الأمام، إذ إنها سرعان ما تنفضُّ عمن يظهر عليه الزيف والدجل، وتبدأ بتلمس سبيل النجاة بالإسلام من جديد. وكلما رمى الكفر بشباكه وأوقع الأمة في فخاخه وظن أنها القاضية، تفاجئه الأمة بنبذ مشاريعه والكفر بأنظمته.

وهكذا فإنه رغم مرارة كل التجارب السابقة، ورغم كل الأذى الذي تسببت به، وكل ما أفضت إليه، فإنها تكشف عن معدن الأمة وعن صدق توجهاتها وعن زيادة وعيها، وعن التصاقها أكثر بإسلامها، وأنها ما زالت متأهبة للحاق بمن يقودها بالإسلام حقاً.

فقد أظهرت الأمة أنها وحدة واحدة تتفاعل مع قضاياها كأمة واحدة، وتسير في الاتجاه الذي تتصور أنه يحقق لها تحكيم الإسلام وإقامة دولته الجامعة. كما أدركت الأمة أن حكامها هم سبب بلائها، وأن تغييرهم هو الخطوة الأولى على طريق التغيير الصحيح، حيث لا إصلاح يؤمل ولا نهضة ترجى في ظل وجود هذه الأنظمة، كذلك أدركت الأمة عظم مكر الغرب بها وحقده عليها، وأنه لا رجاء لها به، وأن لا حياة لها إلا بدينها، لنقف أمام حقائق قوله تعالى: (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ )، (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ )، وقوله تعالى: (الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ ).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *