( وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ) الحلقة -2- التمحيص والاختبار…
2015/08/30م
المقالات
2,682 زيارة
بسم الله الرحمن الرحيم
( وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ )
الحلقة -2-
التمحيص والاختبار…
حمد طبيب – بيت المقدس
لقد اشترط الحق تبارك وتعالى لنصرته وولايته وتأييده الإيمان والتقوى والعمل الصالح… فإذا اتصف العبد بهذه الأوصاف السامية العظيمة فإن الله عز وجل يرزقه النصر والنصرة، ويحيطه بالحماية، ويدافع عنه في كل مكان أو موقف، قال تعالى يبين هذا الشرط الرباني: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ). وقال: (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ )، وقال: ( أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64) )، إلى غير ذلك من آيات عديدة ذكرت هذا الشرط الرباني…
والتمحيص والاختبار هو الكاشف عن نفسية المسلم الإيمانية، فلا بد للإيمان من الاختبار والامتحان حتى يُعرف أهل الإيمان الصادق الصحيح، ممن يسير على حَرْف؛ إن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة، قال تعالى: ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ )
وقال تعالى مبيناً حقيقة الاختبار والابتلاء في الكشف عن صدق الإيمان واستقامته وصحته: ( أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (4))، وقال:( أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (16)).
يقول الحافظ ابن كثير في تفسيره لهذه الآية: «إن الله سبحانه وتعالى لا بد أن يبتلي عباده المؤمنين، بحسب ما عندهم من الإيمان، كما جاء في الحديث الصحيح: «أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلابة زيد في البلاء»… وهذه الآية كقوله تعالى: ( أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142))، ومثلها في سورة «براءة». وقال في البقرة: ( أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ )؛ ولهذا قال هاهنا: (وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) أي: الذين صدقوا في دعواهم الإيمان ممن هو كاذب في قوله ودعواه…»
فالمؤمن صحيح الإيمان قد تشربت نفسه بحب الله ورسوله، ولا يبالي بحياةٍ أو موت في سبيل هذا الإيمان، وتصبح الدنيا في نظره لا تساوي شيئاً دون ارتباطها بالله والآخرة… لذلك تمرُّ كلُّ المحن والفتن والابتلاءات في حياته ولا تزعزع من إيمانه قيد أنملة، بل إنها تزيده صلابةً وقوة، كلما اشتدت اشتد معها عوده الإيماني، حتى لو وصلت إلى حد الموت فلا يبالي بالموت مقابل الحياة الحقيقية، ومقابل رضا الله عزّ وجل!!… وقد وصف الرسول صلى الله عليه وسلم إيمان بعض المؤمنين – ممن سبق أمة الإسلام- الراسخ الثابت العظيم؛ بأنه قد جعل منهم جبالاً لا تؤثر في قوتهم كل الرياح العاتية من قبل الظلم والظالمين… قال عليه الصلاة والسلام في حديث خباب بن الأرت الذي يرويه البخاري في صحيحه: «قال :شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة فقلنا: ألا تستنصر لنا ألا تدعو لنا؟!.. فقال: (قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل؛ فيحفر له في الأرض، فيجعل فيها، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه، فيجعل نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه، فما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمنَّ هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون». قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في شرحه للحديث: «وإنما قال «قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل… إلخ» تسلية لهم وإشارة إلى الصبر، حتى تنقضي المدة المقدورة، وإلى ذلك الإشارة بقوله في آخر الحديث «ولكنكم تستعجلون».
إن هذه السنَّة الربانية العظيمة قد مرّ بها أكرم الخلق على الله عز وجل (الأنبياء والرسل)، فلم تخلُ سيرة نبي من الأنبياء من الابتلاء والتمحيص والامتحان؛ فمنهم من عذِّب، ومنهم من هُجِّر من أرضه، ومنهم من قُتل، ومنهم من اتُّهم بأبشع التهم .. وكان نصر الله عز وجل وتأييده ينزل في كل مرة على هؤلاء الأنبياء، فيرفع الله عز وجل هؤلاء الرسل ويكرِّمهم بالنصر والنصرة والتمكين، ويهلك أقوامهم إن أصروا على التحدّي والعداء..وظلت هذه السنة كذلك باقية في أتباع الأنبياء والرسل؛ كقصة أصحاب الأخدود، وأصحاب الكهف، وأتباع عيسى عليه السلام، وأتباع موسى عليه السلام..وكان الله عز وجل يكرم هؤلاء المؤمنين من أتباع الرسل والرسالات بالنصر والمؤازرة، تماماً كما يكرم الأنبياء والرسل!!… وإن هذه السنَّة باقية حتى تقوم الساعة، يختبر بها الحقُّ تعالى أهلَ الإيمان؛ من يستحقون نصره وتأييده ممن لا يستحقون. وهذا يذكرنا بما يجري هذه الأيام لحمَلة الدعوة من أهل الإخلاص والتقوى، وكيف يحيط بهم الظالمون إحاطة السوار بالمعصم، ويذكرنا بالصبر العظيم الذي يتصف به هؤلاء الناس من أهل الإيمان والإخلاص والتقوى…
إن هناك صوراً عدَّة من الحرب الشرسة التي يمارسها أعداء الله ورسوله على أهل الإيمان والتقوى؛ يستهدفون من خلالها ثنيهم عن الهدف السامي العظيم الذي يسعَون لإيجاده في أرض الواقع، والطريق النوراني الهادي المستقيم الذي يسعون من خلاله لإيجاد هذا الهدف… إنها صور من الحرب والحقد والمكر من هؤلاء الكفرة المجرمين، وإنها في ميزان هؤلاء المخلصين الصادقين صور من الاختبار والابتلاء والامتحان والثبات على ذلك؛ ومن هذه الصور:
1- الأذى والتعذيب والتضييق على حملة الدعوة في كل المجالات الدنيوية؛ ولا يخفى ما يلاقيه أهل الشام خاصةً من أذىً لا تطيقه الجبال الرواسي، وما يلاقيه أهل أوزباكستان، وأهل كشمير وجمهوريات روسيا وغيرها…
2- منع الممارسات العملية في مجال الدعوة، وذلك كمنع الندوات والكتب، والمنع من إقامة الحلقات وتوزيع النشرات… وأيضاً منع التوظيف في المؤسسات الرسمية وغير الرسمية من أحوال الرزق والعمل…
3– تشويه الصورة النقية لحملة الدعوة؛ وذلك عن طريق الدعوة والدعاية الكاذبة عبر وسائل الإعلام والأبواق الناطقة باسمهم، وعن طريق المؤسسات الرسمية وغير الرسمية، وذلك كالحملة الكاذبة – في كل الأرض- في وصف الإسلام والعاملين المخلصين في طريقه بـ (الإرهاب)…
4- التهديد بالقتل أو بانتهاك الأعراض، أو الإيذاء في الولد والأهل وغير ذلك من وسائل خسيسة هابطة ساقطة…
5- تنكر أولي القربى بسبب الضغوطات التي تمارسها الحكومات والمؤسسات الرسمية وغير الرسمية؛ حتى يصل الأمر في بعض الأحيان إلى حد المقاطعة والمفاصلة التامة…
6- تكذيب الفكرة التي يحملها حامل الدعوة ويدعو لها، والوقوف في وجهها والصدّ عنها بكافة أساليب ووسائل الصد والإعراض؛ وخاصة من علماء السلاطين كمشيخة الأزهر وعلماء آل سعود…
7-المغريات المادية وعرض المناصب والأموال لأصحاب الحق من أجل حرف المسار والسقوط في حبائلهم وألاعيبهم…
هذه أهم الابتلاءات والفتن التي تعترض طريق حامل الدعوة السائر في طريق الهدى والاستقامة والرشاد. وهي عبارة عن تمحيص واختبار وامتحان شديد؛ يظهر ويتبين من خلالها صاحب الإيمان والاستقامة من صاحب الشهوات والدنيا، ضعيف الإيمان والتقوى. ويتبين من خلالها كذلك من يستحق النصر والتأييد الرباني ليكون أهلاً لحمل أمانة وحي السماء وتطبيقها وحراستها في الأرض…
فإذا كان صاحب الدعوة صحيح الإيمان تشرَّبت نفسه بحب الله ورسوله، وارتوى عقله قناعة بالفكر الصحيح الذي يحمله ويدعو إليه، فإن هذه الفتن والمحن تمر عليه واحدةً تلو الأخرى، لا تزحزح إيمانه شيئاً، ولا تهزه ولا تغير من حاله بشيء، أما إذا كان يحمل هذا الأمر قشوراً خارجية يتزين بها أمام الناس فقط؛ ليشار إليه بالبنان، أو ليقال فلان حامل دعوة، أو فلان عالم، فإنه سرعان ما يقع عند أول امتحان وتظهر حقيقة نفسه، فيكشفه الله عز وجل أمام الخلائق، ولا يستحق نصراً ولا تأييداً ولا استخلافاً في الأرض…
إن هذه السنة الربانية العظيمة لتذكرنا بما يجري في سوريا الشام من إيمان عظيم من قبل ثلة مؤمنة ثابتة في وجه العالم أجمع؛ حيث رماها العالم كله عن قوس واحدةٍ، بسبب دعوتها للخلافة، وثباتها على هذه الدعوة، رغم الشدة والبطش والتنكيل بمن يدعو لهذه الفكرة، ورغم المؤامرات الدولية واحدةً تلو الأخرى لإجهاض هذا المشروع الرباني العظيم، فما زال حملة الدعوة ومن أيَّدهم في هذا الطريق الشاق الصعب، ما زالوا ثابتين على هذه الدعوة رغم تساقط الكثير من الشعارات الكاذبة المزيفة، ورغم الارتماء في أحضان الأنظمة العميلة وأموالها وسياساتها…
إنه رغم مرور أربع سنوات عجاف شداد، ورغم المؤامرات المتتابعة، ورغم الموت الزؤام الذي يزأر من حول حملة الدعوة في أرض الشام ما زالوا – والحمد لله وحده – ثابتين على هذا الطريق؛ لا يضرُّهم من خذلهم من الفرق الموالية لأميركا وعملائها، ولا يضرُّهم كذلك من يحاولون تشويه صورة الإسلام النقي الصافي عن طريق حملات القتل الممنهج بلا سبب شرعي، ويدّعون في نفس الوقت أنهم على طريق السلف الصالح من الخلفاء الراشدين، وعلى طريقة الدولة الإسلامية الأولى، ولا يضرُّهم كذلك العروض المغرية للسير في مشاريع عرّاب أميركا في المنطقة: النظام التركي وساسته…
وليس الأمر في أرض الشام فحسب، بل إن حمَلة الدعوة لإعادة مجد الإسلام ودولته، ما زالوا على هذا الطريق الإيماني النوراني العظيم، رغم مرور ما يقارب الستين عاماً متتالية، ورغم الشدة والقسوة، ووعورة الطريق وقلة الزاد، ورغم كل ألوان الصد والرد والاضطهاد… ما زالوا ثابتين صابرين ماضين في هذا الطريق العظيم حتى يأذن الله عز وجل بنصره…
إن زاد حمَلة الدعوة في هذه الظروف العصيبة الشديدة هو الإيمان والارتباط بالله وحده عزَّ وجلَّ، والركون إلى قوته وتأييده، فحامل الدعوة يتذكر:
أولاً: إن النصر هو مع الصبر وأن مع العسر يسراً. يتذكر قوله تعالى: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6) )، ويتذكر حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم: «اِحفظِ اللهَ تَجٍدهُ أَمَامَكَ، تَعَرَّفْ إلى اللهِ في الرَّخاءِ يَعرِفْكَ في الشّدةِ، وَاعْلَم أن مَا أَخطأكَ لَمْ يَكُن لِيُصيبكَ، وَمَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُن لِيُخطِئكَ، وَاعْلَمْ أنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الفَرَجَ مَعَ الكَربِ، وَأَنَّ مَعَ العُسرِ يُسراً» رواه الترمذي. وقوله عليه الصلاة والسلام: «أبشروا أبشروا؛ لن يغلب عسر واحد يسرين، ثم تلا قوله تعالى: ( فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا )» أخرجه الحاكم.
ثانياً : يتذكر حامل الدعوة في ظل هذه الظروف العصيبة القاسية أن هذه هي سنَّة الله عزَّ وجلَّ؛ التي لا تتبدل ولا تتغير، فقد جرت مع الأقدمين، مع الأنبياء والرسل عليهم السلام، وستبقى حتى يرث الله الأرض ومن عليها… ( سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا (62) )، ( اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا (43) ).
ثالثاً : الزاد الثالث الذي يتزود به حامل الدعوة في ظل الابتلاءات والامتحانات؛ هو الطاعة لله عزَّ وجلَّ، وخاصّة الصلاة؛ بقيام الليل، وقراءة القرآن الكريم وقراءة سيرة الصالحين، قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153) )، وقال: ( وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (45) الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (46) ) وقال: ( أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ ). يقول ابن كثير في تفسيره: « …إن الصلاة من أكبر العون على الثبات في الأمر، كما قال تعالى: ( اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ )». وقال الإمام أحمد رحمه الله: «قال حذيفة ، يعني ابن اليمان: « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلَّى. وفي رواية فزع إلى الصلاة» رواه أبو داود. وقال عليه الصلاة والسلام في قيام الليل: «إن في الليلة ساعة، لا يوافقها رجل مسلم يسأل الله تعالى خيراً من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه، وذلك كل ليلة» رواه مسلم. وقال عليه الصلاة والسلام: «عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ، فَإِنَّهُ دَأْبُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ، وَهُوَ قُرْبَةٌ إِلَى رَبِّكُمْ، وَمَكْفَرَةٌ لِلسَّيِّئَاتِ، وَمَنْهَاةٌ لِلإِثْمِ». رواه الترمذي.
رابعاً: الزاد الرابع هو الصحبة الطيبة من أهل الإيمان والتقوى، واجتناب أصحاب الأهواء والشهوات والمعاصي. قال تعالى:( وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ). وورد في قصة الرجل الذي قتل تسعة وتسعين رجلاً، وذهب إلى أعلم أهل الأرض: «… قال له: إني قتلت مائة نفسٍ، فهل لي من توبة؟ قال له هذا العالم: ومن يحول بينك وبينها – سبحان الله! باب الله عز وجل مفتوح لكل إنسان في كل وقت يريد أن يتوب إليه، إذا كان صادقاً في توجهه – ولكن لا تعُدْ إلى أرضك فإنها أرض سوء، واذهب إلى قرية كذا، وكذا.. فإن بها قوماً يعبدون الله عز وجل، فاعبد الله تعالى معهم…». وقال عليه الصلاة والسلام: «عليكم بالجماعة، فإن الذئب لا يأكل من الغنم إلا القاصية» رواه أبو داود.
خامساً : الزاد الخامس الذي يتزود به أصحاب الحق والإيمان هو دراسة فساد الكفار، والاطلاع على المآسي التي يعيشونها يومياً، والشقاء العريض الذي يعانون منه في كل شؤونهم كبيرها وصغيرها… فهذا الأمر يجعل حامل الدعوة أكثر تمسكاً بدينه، وثباتاً على الحق عندما يرى ما عليه غيره من اعوجاج، وما هو عليه من استقامة ورشاد، ويتذكر قول الحق تبارك وتعالى : ( إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ ).
وفي الختام نقول: إن لله عز وجل عباداً له في الأرض صادقين مخلصين، ثابتين على الحق مهما أصابهم من لأواء ومن فتن ومحن ومشاقّ… ينطبق عليهم وصف المصطفى صلى الله عليه وسلم عن المغيرة رضي الله عنه قال: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَنْ يَزَالَ قَوْمٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى النَّاسِ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ» رواه مسلم. وقوله عليه الصلاة والسلام: «طُوبَى لِلْغُرَبَاءِ، فَقِيلَ: مَنْ الْغُرَبَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «أُنَاسٌ صَالِحُونَ، فِي أُنَاسِ سُوءٍ كَثِيرٍ، مَنْ يَعْصِيهِمْ أَكْثَرُ مِمَّنْ يُطِيعُهُمْ»…، وسينصر المولى عز وجل هذه الفئة الصابرة الثابتة على الحق، تماماً كما نصر الذين من قبلها، وسيمكِّن لهم في الأرض عما قريب… قال تعالى: ( إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (51) يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ).
نسأله تعالى أن يجعلنا أولاً من هذه الطائفة الربانية الصادقة، وأن يكرمها بالنصر والظفر القريب، إنه سميع قريب مجيب الدعاء، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.q