العدد 344 -

السنة الثلاثون رمضان 1436هـ – تموز 2015م

الإسلام و العربية من الله محفوظان

بسم الله الرحمن الرحيم

الإسلام و العربية من الله محفوظان

أبو راتب – الخليل

   إن الله خلق آدم عليه السلام، وكان عيشه مسيراً بأفكار أنزلت عليه من الله ( وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ) فأمره ونهاه كقوله تعالى: ( وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ ) واستمر آدم وأهله وذريته الأولى على ذلك إلى الوقت الذي لا نعلمه، ثم تشكَّل الناس إلى أمم والتي قال الله فيها: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ) وقال: ( وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلَا فِيهَا نَذِيرٌ ) وكانت الأمم تترى يحكم عيشَها قناعاتُها، سواء ما كان من الأنبياء أو من أعرافها. وإن ما كان ينزل على الأنبياء لم يكن يعالج مشاكل الإنسان جميعاً. فيما كان في التاريخ القديم والحديث أعراف خاصة لسلوك الجماعات وهناك من الشرائع البشرية كالتي نسبت إلى حمورابي في العراق وإلى كنفوشيوس في الهند قبل الميلاد فيما خلا من الدهور وقبل الإسلام.

   فهذه صورة مختصرة عن عيش الإنسانية في الأيام الخالية وقبل الإسلام، وقد اندثر جميع ما كان عند الإنسانية من أعراف وقوانين وكأنها لم تكن، حتى إن الديانات التي نزلت قبل الإسلام مثل النصرانية واليهودية لم يحافظ عليها كما أنزلت، وحرف فيها الكلم وبُدِّل، وقيل فيهم من الله تعالى: ( يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ ۙ وَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِه ) فكأن الذي أُنزل من الله لم يكن، لأن الله سبحانه وتعالى لم يتكفل بحفظه. ولكن ومن أجل بقاء العلاقة بين الناس وخالقهم أنزل الله الإسلام على رسوله الكريم خاتم النبيين والمرسلين بالقرآن الكريم، وقد تكفل الله بحفظه ليبقى كما أنزل إلى يوم الدين فقال تعالى: ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ).

   والسؤال فهل ما تكفل الله بحفظه مقصور على القرآن الكريم، أم أن حفظه تعالى أحاط بالذي نزل به الوحي على رسوله الكريم من كتاب وسنة؟.  والجواب:

أولاً: إن القرآن الكريم لا يفهم من غير تفصيل وبيان، فكانت السنة قد فصلت وبينت ما كان بحاجة إلى تفصيل وبيان في القرآن الكريم ( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ). والسنة والحديث بمعنى واحد، وهي وحي من الله فيعتبر الحديث نصاً شرعياً، فمن غير الحديث لا تفهم الصلاة المفروضة ومواقيتها وعدد ركعاتها. وكذلك الحج والزكاة، وهناك الكثير من أحكام العلاقات بين الحاكم و المحكوم والتي بين الناس جلها في السنة. فالله تعالى يقول: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ). فالسنة هي التي بيَّنت نظام الحكم في الإسلام في بيان لأولي الامر وآلية تحقيقه والمحافظة عليه في أرض الواقع والأدلة كثيرة. فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منها» وقال: «ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية» وهناك أحكام الحدود المفصلة في السنة.

   من كل ذلك يتبين أن الإسلام هو في الكتاب والسنة. فالآية التي قالت: ( وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) يعني القران الكريم. فالمحافظة على الآية التي تقول ( وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ) دون المحافظة على ركعتي الفجر المفروضة والمندوبة مثلاً، فمعنى ذلك أن المحافظة على الرسالة لم تستكمل بعد؛ لذلك فان الإسلام و المحافظة عليه كرسالة لا بد أن تشمل كل ما نزل به الوحي من القرآن والسنة.

 وكذلك فان المحافظة من الله على اللغة العربية هي من ضروريات المحافظة على الرسالة. فالله تعالى يقول: ( إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ). وقال ( بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ )؛ لذلك وحيث إن الذي نزل به الوحي لا يفهم إلا بالعربية، كان من ضروريات المحافظة على الرسالة المحافظة على العربية لغة القرآن الكريم.

  أما كيف يحافظ على الرسالة لبقائها؟ فإن الله تعالى قد جعل لها آلية، وجعلها في الناس يقومون بها إرادياً وعفوياً وهم لا يشعرون من أجل أن تخدم المحافظة على الرسالة، والواقع المحسوس ينطق بذلك يومياً. فهناك الكثير من الوقائع المحسوسة التي لا تحصى وعلى الدوام وكلها تخدم المحافظة على الإسلام. فحينما انتقل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى كان القرآن الكريم مكتوباً في الرقاع والعسب، ومفرَّقاً في أماكن عدة، ومحفوظاً في الصدور. وقد باشر في جمعه في مكان واحد أبو بكر رضي الله تعالى عنه، ثم نسخه عثمان رضي الله تعالى عنه في نسخة واحدة، وقد نسخت عنها النسخ إلى أن انتهى إلينا مصحف عثمان الذي هو بين أيدينا اليوم.

أما الحديث يعني السنة فقد مرت بمراحل وصارت مدوَّنة في بطون كتب الأحاديث المروية وفي كتب الفقه. ففي هذه المراحل ومع هذا الزمن الطويل كان المحسوس يبرهن على أن الله قد سخَّر من العباد من يعمل على المحافظة على رسالة الإسلام. فالقرآن الكريم وعدد كلماته كما أنزلت قد نسخ بالنسخ اليدوي، ثم الطباعة السريعة المتطورة المنتجة لملايين النسخ من القرآن. وكذلك ما يقوم به الناس من الاحتفاظ بنسخ القرآن الكريم وحفظه في الصدور، وتلك المواهب التي جعلها الله في رجال حفظة الأحاديث بأسانيدها. وقد روي عن ابن كثير أنه كان يحفظ الآلاف من الأحاديث بأسانيدها. والكثير من المواهب المسخَّرة لحفظ الحديث، أو مثل ما جرى من محاولات لإنقاص كلمة أو تبديلها في القرآن الكريم والتي تم كشفها وأحرقت نسخها. وكذلك فان الحُفَّاظ لأي شيء من القرآن الكريم حتى إذا ما سمعوا خطأً في قراءة من القرآن الكريم لا يصبرون حتى يصححوا ما سمعوا.

   أما المحافظة على اللغة العربية فان ما جرى في التاريخ وفي أرض الواقع هو أن الله سخر من الناس من يحافظون على اللغة العربية. فها هو الخليل بن أحمد لما قالت له ابنته: (ما أجملُ السماء) فقال لها (النجوم). ولما فهم منها أنها استجملت السماء قال لها: (بل قولي: ما أجملَ السماءَ) وفتح فمه وأظهر الفتحة، ثم شرع في بيان قواعد اللغة وتثبيتها. وذاك أبو الأسود الدُؤلي الذي سخِّر لتنقيط الكلم، وكذلك الكُتّاب والشّعراء، وما وضع من المعاجم من لسان العرب وغيره، وما كتب في التفسير والفقه والحديث والفكر الإسلامي من آلاف بل مئات آلاف  المؤلفات كلها كتبت بالعربية، وقد أسهمت في المحافظة على الإسلام كرسالة. فهذا الارتباط الذي بين السنة والكتاب، وبين العربية والكتاب، قد جعل أمر الحماية شاملاً للكتاب والسنة والعربية معاً. لذلك فإن القول بأن الله قد شملت عنايته بالحفظ جميع التنزيل من كتاب وسنة وعربية بدليل أنه طابق الواقع، فهو قول حق بالدليل النقلي للقرآن الكريم، وبالدليل النقلي والعقلي للسنة النبوية الشريفة، وبالدليل العقلي للعربية .

   وفوق ذلك، فإن قوله تعالى: ( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا ) وقوله تعالى: ( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ) وهذا دليل على أن مآل هذا الدين أنه ظاهر على الدين كله، ودليل على أنه باقٍ كما أنزل إلى يوم الدين من كتاب وسنة. ثم إن قوله تعالى: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا ) يعني أن الله تعالى قد أكمل هذا الدين بالكتاب والسنة أي ما نزل به الوحي. ثم إن قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث «تركت فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً: كتاب الله وسنتي» فان معنى الترك هنا تفيد الديمومة وحتى قيام الساعة؛ لأن الخطاب للمسلمين على الدوام.

أما أنه تعالى قد خصَّ حفظه للإسلام دون الديانات التي أنزلت فلقوله تعالى: (إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) أي أن الله استحفظهم التوراة ولم يتكفل بحفظها، فلم يكتب لها البقاء. و كذلك قد اندثر كل ما كان من أعراف و قوانين بشرية وهذا مآلها.

   إن محاولات الكفار العبث بنصوص القرآن الكريم قد كانت والقرآن يتنزل، فالله تعالى قال في كعب بن الأشرف (وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ). وكذلك اليوم وما قبل اليوم فان الهجمات المسمومة في مضمار حرب الحضارات من كيل التهم لأحكام الإسلام للقيادة الفردية وأنها دكتاتورية، والهجمة على الحدود وقطع يد السارق، وعلى الجهاد وتعدد الزوجات، وعلى تاريخ المسلمين وإنشاء الجمعيات النسوية من أجل الإفساد… والكثير الكثير من آلية الحرب الثقافية على الإسلام، فإنها لم تنجح في طمس أو درس حكم واحد من أحكام الإسلام. وكل الذي حصل أنها أحدثت بلبلة الأفكار عند الناس وأفسدتها، و أنَى لها أن تحقق أهدافها وقد بدأت الأمة تفيق من غيبوبتها.

   وأما الهجمة التي كانت على اللغة العربية والمحاولات التي جرت من أجل تفعيل اللغة المحكية بدل الفصحى لتكون في الصحافة والرسائل والكتابات قد باءت بالفشل بعد المجابهة التي جرت بين أهل الفصاحة وأهل المحكيات عل اختلاف لهجاتها. وقد بقيت اللغة العربية على ما هي عليه كما وضعت ولسوف تبقى.

بقيت مسالة وهي: إذا كان الله قد تكفل بحفظ الإسلام، فكيف يتفق هذا مع تعطيل حكم الإسلام بعد أن كان مطبقاً؟ أما الجواب فهو أن المحافظة على الإسلام من الله لا يعني المحافظة على تطبيقه في أرض الواقع؛ لأن الأمة هي المكلفة والمسؤولة عن تطبيقه في أرض الواقع. فالله تعالى أنزل الذكر وحفظه لهم، وأمر الأمة بتطبيقه والمحافظة على تطبيقه وتكفَّل بحفظ الأمة من الانقراض وبعثها لتتحمل مسؤولية الرسالة والعالم. ومن أجل أن نضع الإصبع على التفريق بين حفظه تعالى للدين وبين تنفيذ أوامره، فإنه تعالى أنزل أحكام الصيام وتعهد بحفظها ولم يتكفل بصوم الصائمين. وأنزل أحكام الزكاة وحافظ عليها ولم يتكفل بإخراجها من الناس؛ لأن المسؤولية مسؤولية الدولة والأمة. وأِنهُ لَمٍن أعظم النعم من الله أن يرعى هذا الدين ويتكفل الله تعالى ببقائه إلى يوم الدين، وما علينا إلا أن نربط حياتنا وعيشنا بما فرضه خالقنا علينا. وإنه لفوز عظيم في الدنيا والآخرة؛ وذلك ببيعة إمام عادل على كتاب الله وسنة رسوله، يطبق الإسلام في الداخل وينشره بالدعوة والجهاد للناس كافة.q

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *