ثبات الرسول صلى الله عليه وسلم وثبات أصحابه ورسله
ساعتين مضت
المقالات
27 زيارة
ريان عيسى – ولاية العراق
لقد أرسل الله سبحانه وتعالى رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم رسولًا إلى قومه ليخرجهم من ظلمات الجاهلية إلى نور الإسلام العظيم، فصدع بدعوته أمام قريش. ومنذ اليوم الأول له وهو على جبل الصفا أنذر صلى الله عليه وسلم قومه وأبلغهم أن الله سبحانه وتعالى قد بعثه رسولًا لهم مبشرًا ونذيرًا، والقوم يعلمون أنه الصادق الأمين، لكنهم كذبوه وحاربوه وآذوه صلى الله عليه وسلم.
ولم تلتفت بعدها قريش بمجموعها إلى هذه الدعوة الجديدة، لظنّهم أنه أمر يخص بني هاشم وبني عبد المطلب، وخاصة أن الرسول صلى الله عليه وسلم ركز في بداية دعوته على الأقربين من أهله وأصحابه تنفيذًا لقوله تعالى: (وَأَنذِرۡ عَشِيرَتَكَ ٱلۡأَقۡرَبِينَ٢١٤). وبعد أن ازداد عدد الصحابة رضوان الله عليهم حدد لهم صلى الله عليه وسلم مكانًا ليجتمعوا فيه سرًا بعيدًا من أعين قريش، فكان دار الأرقم بن أبي الأرقم. واستمر الحال لثلاث من السنين، يعلّمهم فيها القرآن العظيم. وبعد إسلام حمزة بن عبد المطلب ومن بعده عمر بن الخطاب رضي الله عنهما خرج الرسول صلى الله عليه وسلم بأتباعه جميعًا في صفَّين، على رأس أحدهما حمزة، وعلى رأس الآخر عمر، فكان يومًا على الكافرين عسيرًا.
هنا أدركت قريش خطورة الأمر، وأنه لا بد لهم من وقفة حازمة لردع الرسول صلى الله عليه وسلم وأتباعه، فكان ما كان منهم من الكذب والظلم والافتراء والسجن والتعذيب والتهجير والحصار والإغراء بالمال وعرض الملك والنساء والسيادة على الرسول صلى الله عليه وسلم، كل ذلك من أجل ترك دعوته. فما كان منه صلى الله عليه وسلم إلا أن قال لعمه: «يا عمّ، والله لو وضعوا الشمس في يمينى والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته». فإنهم حتى لو قدموا ما طلبه منهم صلى الله عليه وسلم – وهو عين المستحيل- لما قبلها صلى الله عليه وسلم منهم. وهذا درس لكل من تنازل عن دينه وعقيدته وأمته من أجل دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها!!!
وبعد سنوات من الصراع الفكري بين الرسول صلى الله عليه وسلم وأتباعه من جهة وبطش سادة قريش وافترائهم وظلمهم من جهة أخرى، وبعد أن ضاقت الأرض بما رحبت على المسلمين في مكة وتحجرت مجتمعها أمام الدعوة الإسلامية شاء الله سبحانه وتعالى أن يلتقي الرسول صلى الله عليه وسلم بثلة من أهل يثرب من الخزرج، فانفتحت قلوبهم لدعوته صلى الله عليه وسلم، فأرسل صاحبه مصعب بن عمير معهم لتعليمهم الإسلام. ومصعب هذا هو مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف. نشأ في مكة شابًا مترفًا متنعمًا يرتدي أجمل الثياب ويتعطر بأفخر العطور. فكان من السابقين إلى الإسلام. وما أن علم أبواه بإسلامه حتى حاولا منعه وإعادته إلى عبادة الأوثان، فرفض، فسجناه وقطعا عنه المال، فأصبح فقيرًا معدمًا، فهرب منهما، وهاجر إلى الحبشة، ثم عاد رضي الله عنه إلى مكة مع من عاد. اختاره الرسول صلى الله عليه وسلم لمهمة نشر الدعوة في المدينة، فكان خير رسول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أول مهاجر إلى المدينة المنورة. وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدرًا وأُحُدًا، وكان حاملًا لراية العُقاب، راية رسول الله صلى الله عليه وسلم. واستشهد رضي الله عنه في معركة أحد ولم يكن له إلا نَمِرة، إن غطوا بها وجهه بدت رجلاه، وإن غطوا بها رجليه بدا رأسه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (غطوا رأسه واجعلوا على قدميه الإذخر)، وقرأ عليه الرسول صلى الله عليه وسلم قول الله تعالى: (مِّنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ رِجَالٞ صَدَقُواْ مَا عَٰهَدُواْ ٱللَّهَ عَلَيۡهِۖ فَمِنۡهُم مَّن قَضَىٰ نَحۡبَهُۥ وَمِنۡهُم مَّن يَنتَظِرُۖ وَمَا بَدَّلُواْ تَبۡدِيلٗا٢٣)الأحزاب ٢٣.
بعد بيعة العقبة الأولى أرسله النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة لينشر فيها الإسلام، فوفقه الله إلى ذلك، وانقاد له سادة الأوس والخزرج، واتبع عوام الناس سادتهم ودخلوا في دين الله عز وجل جماعات. وعاد مصعب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وما بقي في المدينة بيت إلا وفيه مسلم يوحد الله عز وجل أو يذكر فيه الإسلام بخير. وقدم وفد من الأوس والخزرج وبايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في المنشط والمكره، وكانت هذه بيعة العقبة الثانية، بعد عام واحد من البيعة الأولى، فكانت بيعة على الحرب، وكانت ميثاقا لإقامة الدولة الإسلامية الأولى في المدينة المنورة، فزادها الله نورا على نور وكانت بداية لعز الإسلام والمسلمين.
فلولا قوة ثبات الرسول صلى الله عليه وسلم على دعوته بعد توفيق الله عز وجل ورحمته وحسن اختيار الرسول صلى الله عليه وسلم لرسله إلى الناس لما قامت دولة الإسلام. فالرسول صلى الله عليه وسلم تحرك وباشر وتنقل، كما يتحرك أي إنسان يريد تحقيق غاياته. وهذا جهد بشري محض مدعوم بالوحي، وكأنه يقول لأمته: تستطيعون أن تقيموا دولتكم، وأن تعيدوا بها عزكم ومجدكم إن اتبعتم سبيلي وسنتي، والوحي معكم؛ كتاب الله وسنة رسوله، فلا تحيدوا عنهما، ولا تفارقوهما، واجعلوهما نصب أعينكم، فبهما تعيدون دولتكم من جديد.
والناظر إلى حال المسلمين اليوم يجد الأمة في أسوأ أحوالها، من تمزق إلى دول زادت عن الخمسين مزقة، مع طغيان أفكار القومية والوطنية والرأسمالية والإلحادية، وانشغال كل واحد منهم بحياته دون حياة أمته، فأصبحت الفردية والأنانية وحب الذات هي السمة الأبرز في حياة عامة المسلمين. ومما زاد الأمر سوءا تمكن الحكام العملاء والمجرمين الخائنين من شؤون المسلمين ودنياهم، وبطشهم بكل من يخالفهم حتى أصبح المسلم يسير متلفتا خلفه من خوفه ورعبه! فهل هذا هو الحال الذي يرضي الله تعالى؟ أم يرضيه عزنا ورفعتنا وسيادتنا على العالم كله؟
يا أمة سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم: ليس لكم والله اليوم إلا طريقة نبيكم، فبها وحدها تعيدون دينكم حاكما لحياتكم، ثم تحملونه للعالم كما حمله من قبل سلفنا رضي الله عنهم. وما أشبه اليوم بالبارحة. ولن يتغير واقعنا هذا إلا بالصبر والثبات والإصرار على تغيير الواقع مهما كان ثمنها مرا.(يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱصۡبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ٢٠٠) آل عمران ٢٠٠.
1447-05-08