يا حُكّامَ بلادِ المسلمينَ: ( أَفَتَطۡمَعُونَ أَن يُؤۡمِنُواْ لَكُمۡ)؟
يومين مضت
المقالات
152 زيارة
إبراهيم سلامة
أفتطمعون أن يؤمن لكم اليهود والأمريكان؟ فمَن يَرجُ مِنهُم شيئًا لا يَزيدوهُ إلّا خَبالًا وتَخسيرًا، فهم قومٌ بُهتٌ لا عَهدَ عندَهم ولا ذِمّةَ ولا دين. والواقعُ المشهودُ يدلُّ على أفعالِهم وسَوادِ وقَسوةِ قلوبِهم. (وَلَا تَحۡسَبَنَّ ٱللَّهَ غَٰفِلًا عَمَّا يَعۡمَلُ ٱلظَّٰلِمُونَۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمۡ لِيَوۡمٖ تَشۡخَصُ فِيهِ ٱلۡأَبۡصَٰرُ ٤٢ مُهۡطِعِينَ مُقۡنِعِي رُءُوسِهِمۡ لَا يَرۡتَدُّ إِلَيۡهِمۡ طَرۡفُهُمۡۖ وَأَفِۡٔدَتُهُمۡ هَوَآءٞ ٤٣)(إبراهيم: 42–43). ولا تَحسَبَنَّ أنَّ اللهَ يُهمِلُ الظالمينَ ولا يُحاسِبُهم؛ إنّما يُمهِلُهم لأجَلٍ لا يَتأخّرونَ عنهُ ولا يَستقدِمون. وما هذا السلطانُ وهذه البَهرجةُ والنَّعيمُ الظاهرُ عليهم إلّا نِقمةٌ لا نِعمة، ولا رحمةَ فيه لعِصيانِهم للهِ واتِّخاذِهم أربابًا من دونِ الله.
و(الظَّالمونَ) هم اليَهودُ والأمريكانُ، ومَن لا يَحكُم بما أنزلَ اللهُ من المسلمين، فيَتّبعون القوانينَ والأحكامَ الوضعيّةَ في حُكمِهم، فيَعصون اللهَ ورسولَه صلى الله عليه وسلم. ( إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمۡ لِيَوۡمٖ تَشۡخَصُ فِيهِ ٱلۡأَبۡصَٰرُ): يُؤخِّرُهم جميعًا ليومٍ تَجحَظُ فيهِ أعينُهم مُحدِّقةً في الهواء، لا ترى شيئًا، (مُهۡطِعِينَ مُقۡنِعِي رُءُوسِهِمۡ لَا يَرۡتَدُّ إِلَيۡهِمۡ طَرۡفُهُمۡۖ وَأَفِۡٔدَتُهُمۡ هَوَآءٞ ٤٣). أشخاصُهم مبهوتةٌ، محكومةٌ بالمشي السريع، مُختلَّةُ التوازن، وأعناقُهم ممدودةٌ مشدودةٌ، مُطأطَأةُ الرؤوسِ من الذلِّ والهوان، وأفئدتُهم خاويةٌ، وأعينُهم مُسمَّرةٌ في الهواء، لا حُجّةَ لهم ولا بُرهان.
(يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقٗا مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ يَرُدُّوكُم بَعۡدَ إِيمَٰنِكُمۡ كَٰفِرِينَ ١٠٠ وَكَيۡفَ تَكۡفُرُونَ وَأَنتُمۡ تُتۡلَىٰ عَلَيۡكُمۡ ءَايَٰتُ ٱللَّهِ وَفِيكُمۡ رَسُولُهُۥۗ وَمَن يَعۡتَصِم بِٱللَّهِ فَقَدۡ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ١٠١) (آل عمران). إنَّ طاعةَ أهلِ الكتابِ واتّباعَهم والتلقّيَ منهم وأخذَ أنظمتِهم وقوانينِهم هزيمةٌ داخليّةٌ فكريّةٌ ونفسيّة، تُدمِّرُ الشخصيّةَ الإسلاميّةَ، وتجعَلُ الإذعانَ للكفّارِ قِوامَها ومسلكَها، فيُسلَبُ تميّزُها بالعقيدة الإسلاميّة.
(يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقٗا مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ) بأخذِ أنظمتِهم وقوانينِهم في الحُكمِ والتحاكمِ إليها، وتنظيمِ شؤونِ حياتِكم وسياستِها وتسييرِ أمورِكم ورعايتِها، (يَرُدُّوكُم بَعۡدَ إِيمَٰنِكُمۡ كَٰفِرِينَ).
وهذا ما نراهُ في واقعِ حياتِنا هذه الأيّام؛ فلا يُحكَمُ بشرعِ اللهِ في بلادِ المسلمينَ كافّةً، ويَعمُّ بلاد المسلمين البغيُ والظُّلمُ والفساد. والواجبُ على المسلمينَ الالتزامُ بشرعِ اللهِ والتمسُّكُ به في الحكمِ والتحاكمِ إليه حصرًا وقصرًا. فالأمّةُ الإسلاميّةُ تُنشِئُ حياتَها وتُنظِّمُها بشرعِ اللهِ ومنهاجِه، ولا تتَّبِعُ سبيلَ الكافرينَ ونهجَ حياتِهم.
والإيمانُ بالإسلامِ يحتِّمُ أن يكونَ الحكمُ والتحاكمُ والقضاءُ والتقاضي والعدلُ والإنصافُ وتنظيمُ حياةِ الناسِ وحُكمُها في جميعِ مناحي الحياةِ بالشريعة الإسلاميّةِ حصرًا وقصرًا. )وَمَآ ءَاتَىٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَىٰكُمۡ عَنۡهُ فَٱنتَهُواْۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۖ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ( (الحشر: 7). فقضيّةُ الحكمِ بما أنزلَ اللهُ قضيّةُ الإيمانِ وصحّتِه وشرطُه. فالمؤمنونَ يَحكُمونَ ويتحاكمونَ بما أنزلَ اللهُ على رسولِه صلى الله عليه وسلم، ولا يُبدّلونَ منه شيئًا، ولا يَستعيضونَ عنه بشيء، ولا يَزيدونَ في الشرع ولا يَنقصون. والكافرونَ والظالمونَ والفاسقونَ هم الذين لا يَحكُمونَ بما أنزلَ اللهُ تباركَ وتعالى. فإن أطعتم أهلَ الكتابِ وامتثلتم لأنظمتِهم وقوانينِهم، فأنتم مثلُهم، (يَرُدُّوكُم بَعۡدَ إِيمَٰنِكُمۡ كَٰفِرِينَ َ)، فتُصبِحوا بطاعتِهم كافرين. (وَكَيۡفَ تَكۡفُرُونَ وَأَنتُمۡ تُتۡلَىٰ عَلَيۡكُمۡ ءَايَٰتُ ٱللَّهِ وَفِيكُمۡ رَسُولُهُۥۗ). إنَّها لكبيرةٌ وإثمٌ عظيمٌ أن يَكفرَ المسلمُ بعد إيمانِه، وقد عَلِم أنَّ اللهَ حقٌّ، وأنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قد بلَّغَ الرسالةَ وأدَّى الأمانةَ.
وقد بلَغَ المسلمونَ بعد رسولِ الله صلى الله عليه وسلم مغاربَ الأرضِ ومشارقَها، ونحنُ مُخاطَبونَ بالقرآنِ الكريمِ والسُّنّةِ النبويّةِ كما خوطِبَ بها المسلمونَ من قبلِنا، وقد أدَّوا ما عليهم من الأمانةِ وبلَّغوا رسالةَ رسولِهم صلى الله عليه وسلم، ونحنُ كأنّنا ارتَكسنا على أعقابِنا، لا تُحرِّكُنا آياتُ اللهِ ولا سُنّةُ رسولِه صلى الله عليه وسلم. (وَمَن يَعۡتَصِم بِٱللَّهِ فَقَدۡ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ). والاعتصامُ باللهِ هو التمسُّكُ بدينِه، والتوكُّلُ عليه، والالتجاءُ إليه. ومن يَتمسّكْ بدينِ اللهِ فقد أطاعَ اللهَ وأطاعَ رسولَه صلى الله عليه وسلم. ولا يجوزُ التلقّي في العقيدةِ والمنهجِ وتنظيمِ شؤونِ الحياةِ إلّا بما أُنزِلَ على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم حصرًا.
عن عبدِ اللهِ بن ثابتٍ قال: جاء عمرُ بنُ الخطابِ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسولَ الله، إنّي مررتُ بأخٍ لي من قُريظة، فكتبَ لي جَوامعَ من التوراة، ألا أعرضُها عليك؟ قال: فتغيَّر وجهُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم. قال عبدُ الله: فقلتُ له: ألا ترى ما بوجهِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال عمر: رضينا باللهِ ربًّا، وبالإسلامِ دينًا، وبمحمّدٍ صلى الله عليه وسلم رسولًا. قال: فسُرِّي عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم ثم قال: «والذي نفسي بيده، لو أصبح فيكم موسى ثم اتَّبعتموه وترَكتموني لضللتم، إنَّكم حظّي من الأمم، وأنا حظُّكم من النبيّين». رواه أحمد.
هذا هو منهجُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم؛ يمنعُ التلقّيَ من أهلِ الكتابِ أو من غيرِهم فيما يخصُّ العقيدةَ والشريعةَ والشعيرةَ، أي فيما يخصُّ تنظيمَ شؤونِ الحياةِ وحُكمَ الناسِ ورعايتَهم، وتحقيقَ مصالحِهم في جميعِ مناحي الحياة، التي يجبُ أن تكونَ الأنظمةُ والقوانينُ والأحكامُ كلُّها منبثقةً من كتابِ الله وسُنّةِ رسولِه صلى الله عليه وسلم.
وأهلُ الكتابِ أشدُّ الناسِ حرصًا على إضلالِ الأمّةِ الإسلاميّةِ عن عقيدتِها؛ فالعقيدةُ الإسلاميّةُ هي مصدرُ القوّةِ والعزّةِ والإلهامِ والشهادةِ والاستشهادِ ونُصرةِ المظلومِ، ونشرُ الإسلامِ دينِ الحقِّ والعدلِ والإنصافِ بين الناس.
رَبَّنَا اغفِرْ لنا ذنوبَنا وإسرافَنا في أمرِنا وثبِّتْ أقدامَنا وانصُرْنا على القومِ الكافرين، وارحَمْنا وارحَمْ والدَينا ومَن له حقٌّ علينا، والمؤمنين يومَ يقومُ الحساب. وصلِّ اللهمَّ وسلِّمْ وبارِكْ على سيِّدِنا محمّدٍ، وعلى آله وصحبِه أجمعين. والحمدُ لله ربِّ العالمين.
(وَٱللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰٓ أَمۡرِهِۦ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ).
1447-04-03