أبو بكر الصديق رضي الله عنه
يومين مضت
المقالات
182 زيارة
بهاء الحسيني
حين تتأمل في سيرة الصديق أبي بكر رضي الله عنه، تجد أن القيادة على أساس العقيدة ليست شعارًا، بل هي منهج طبقه أول الخلفاء الراشدين بعد انتقال النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى. فكان أبو بكر رجل دولة بحق، أقامها على شرع الله لا على موازين القوى، وأرسى مفهوم الطاعة لله لا لغيره. فكان حارس العقيدة ووحدة الدولة. فبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، واجهت الأمة أخطر أزمة سياسية وعقدية تمثلت في ارتداد بعض القبائل، وامتناع آخرين عن دفع الزكاة، وظهور مدعي النبوة.
هنا وقف الصديق موقفًا شرعيًا حاسمًا، فقال كلمته الشهيرة: «والله لو منعوني عقالًا كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه». ففهمه للشريعة لم يكن قاصرًا على إقامة الصلاة والصيام، بل كان شاملاً لحماية أركان الدولة الإسلامية من التفتت، وإبقاء نظام الإسلام حيًّا في واقع الأمة، سياسيًا وماليًا وعسكريًا.
فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِه
قوله تعالى فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِه دعوةٌ صريحة للاقتداء بهدي الصالحين وليس من باب الترف الفكري أو التكسب المالي . فمن أبرز هؤلاء الصحابة الجليل أبي بكر الصديق رضي الله عنه، الذي اختاره النبي صلى الله عليه وسلم إمامًا في صلاة المسلمين أثناء مرضه الأخير. فكان أبو بكر يمثّل أعلى درجات التزام الإسلام واتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فحدَّد شؤون الدولة الإسلامية بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم ببراعة وتقوى، محافظًا على أصول الوحدة الإيمانية، ومثبتًا للحكم بشرع الله بشموله الكامل.
فحين تولى أبو بكر الصديق رضي الله عنه الخلافة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، اجتمعت الأنظار في سقيفة بني ساعدة حيث بُويع بالخلافة وعُقدت له البيعة العامة، مؤكدًا أنه لم يأتِ طموحًا للسلطان بقدر ما كان حرصه على حماية الأمة وإقامة شرع الله بين أفرادها. وفي خطبته الافتتاحية للمسلمين قال رضي الله عنه: «يا أيها الناس، قد وُليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنتم فأعينوني، وإن أسأتم فقوموني… أطيعوني ما أطعتُ الله ورسولَه، فإذا عصيتُه فلا طاعة لي عليكم»، مرسّخًا بذلك مفهوم الطاعة المشروطة بشرع الله وحده.
استمر أبو بكر رضي الله عنه على نهج النبي صلى الله عليه وسلم في ترسيخ الدولة الإسلامية رغم الفتن التي عصفت بها. فقد تصدى لما يُعرف بـحروب الردة حين انصرف بعض العرب عن فريضة الزكاة وانكشف دينهم؛ وعندما اعترض عليه عمر رضي الله عنه قائلاً: «كيف تقاتل هؤلاء وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «أُمِرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله»، جزم أبو بكر بأنه لن يتردد أبداً عن دفع مظالم المسلمين وتحقيق حقوقهم: «وَاللَّهِ لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ… وَلَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهَا».
هذا الموقف الجاد يعكس إيمانه الراسخ بأن تثبيت حكم الإسلام واجتماع الأمة أهم من كل شيء، وأن الحاكم لا يجوز له أن يتوانى في تطبيق أحكام الشريعة، ليحمي أمة الإسلام من الانهيار.
ولهذا ظلّ الخليفة الصديق رضي الله عنه خاضعًا تمامًا لأحكام الشريعة دون زيادة أو نقصان. يقول حزب التحرير في كتابه نظام الحكم في الإسلام: «الطاعة للحاكم المسلم الذي يحكم بالإسلام فرض … ولا طاعة في المعصية».
وما يقوله الماوردي في الأحكام السلطانية يؤكد ذلك: «فَفَرَضَ عَلَيْنَا طَاعَةَ أُولِي الْأَمْرِ فِينَا»، أي وجب على المسلمين طاعة من تولَّى أمرهم (الخليفة) في تطبيق شرع الله دون خلاف. وبالتالي كان أبو بكر نائبا عن الأمة في تنفيذ أحكام الله، لا ملكًا يسنِّ القانون من هواه، ولا هو حاكم ينزل على رأي الشعب بهواه.
إنَّ هذه المفاهيم الشرعية السياسية مجتمعةً تُؤكد أن الحلَّ الشرعيَّ لأزمات أمَّتنا والعالم هو إعادةُ بناء كيانٍ إسلاميٍّ جامع يطبق الشرعَ كاملاً كما أنزله الله، ويؤسس الخلافةَ الراشدةَ على منهاج النبوة. فبهذا النظام وحده تستعيد الأمة عزَّتها وجماعتها وتعود في الصدارة.
قال تعالى: (هَٰذَا بَلَٰغٞ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِۦ وَلِيَعۡلَمُوٓاْ أَنَّمَا هُوَ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ٥٢).
1447-04-03