النظام الاقتصادي الإسلامي وخطر اندماجه بالاقتصاد الرأسمالي
يومين مضت
المقالات
173 زيارة
مصطفى عتيق
جاء الإسلام بنظام اقتصادي راقٍ وكامل وشامل لكيفية إدارة الثروة وكيفية تملكها وكيفية التصرف بها. وفصّل في مسألة كيفية التملك. وبيّن أنواع الِملكيات، بين مِلكية فردية ومِلكية الدولة ومِلكية عامة، وحافظ على ملكية كل جهة من التعدي من أي طرف آخر عليها، وبيّن الأحكام المتعلقة بالتطاول على مِلكيات الغير.
وباستقراء النصوص الشرعية نجد حدود ملكيات الأفراد والدولة وما هو من الملك العام (الملكية العامة).
ولتوضيح الملكية في الإسلام وأنواعها:
أولاً: الملكية العامة: وهي «إذن الشارع للجماعة بالاشتراك في الانتفاع بالعين»، وتتوزع على الشكل التالي:
١- المرافق، مرافق الجماعة. قال عليه الصلاة والسلام: «النَّاسُ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ: فِي الْمَاءِ وَالْكَلَأِ وَالنَّارِ»، كينابيع المياه والمراعي ومصادر الطاقة، وهي ما تتفرق الجماعة في طلبه.
٢- الثروة الباطنية (المعادن): عن أبيض بن حمال قال: وفدت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستقطعته الملح فقطعه لي، فلما وَلّيت، قال رجل: يا رسول الله أتدري ما أقطعته؟ إنما أقطعته الماء العِدّ، فرجع فيه.
فكل ما في باطن الأرض من ثروات توصف بالعِد الذي لا ينقطع تعدّ من الملكية العامة، كالنفط والغاز والفوسفات والذهب والحديد وباقي الثروات الباطنية. وهذه المعادن تتولى الدولة نيابة عن الأمة ولصالح الأمة استخراجها وجعل نفعها للأمة.
٣- الأملاك العامة بطبيعتها: طبيعتها تمنع امتلاكها من قبل الأفراد، كالطرق والساحات العامة والأنهار والشواطئ والخلجان. قال عليه الصلاة والسلام: «لَا حِمَى إِلَّا للهِ وَرَسُولِهِ».
لكل فرد من أفراد الأمة حق الانتفاع بالملكية العامة، ولا يجوز للدولة أن تأذن لفرد دون باقي أفراد الرعية بملكية الأملاك العامة أو استغلالها بشكل يمنع الباقين من ذلك.
ثانياً: ملكية الدولة: كل مال مصرفه موقوف على رأي الخليفة واجتهاده كالفيء والخراج والجزية والضرائب وخمس الركاز والعشور المفروضة على غير رعايا الدولة ومال المرتدين ومال من لا وارث له وريع شركات تملكها الدولة.
يحق للدولة ما يحق للأفراد كامتلاك المعامل والمصانع والأراضي وأن تقوم بإنشاء المؤسسات والشركات من أجل تحصيل ربح وريع تدعم به خزانة الدولة.
ثالثاً: الملكية الفردية: وهي إذن الشارع للأفراد بالانتفاع بالعين استهلاكاً ومنفعة ومبادلة. استخلف الله الإنسان في الأرض وسخر له ثرواتها ومن حق الإنسان التملك، قال تعالى: (وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا مِّنۡهُۚ).
وقد حدد الإسلام كيفية تملك الأفراد للثروة، من خلال العمل في التجارة والزراعة والصناعة والمساقاة والمضاربة والصيد وإحياء الموات والإيجار والركاز، ويتملك بالإرث والهدية والأعطية والصدقات والوصية والمهر والدية وما تعطيه الدولة له من أموال.
ومما سبق يتبين لنا أن الإسلام عندما وزع الملكيات حفظ أموال الناس ولم يحرم أحداً منها، فعندما يحدد الإسلام ما يجوز لك تملكه منعك من أن تعتدي على أموال الغير وحفظ المال العام لصالح الأمة دون أن تتفرد به فئة معينة من الناس كما يحصل في الدول الرأسمالية.
الخصخصة والاستثمار الخارجي:
نأتي على مسألة خطيرة جداً، وهي أن الاستثمار الخارجي يشمل في استثماره الملكيات العامة والمرافق العامة وكل ما تحتاجه الجماعة وتتفرق في طلبه، فالاستثمار قد يحوز من الملكيات العامة البترول والغاز والفوسفات والغاز وكل ما يتعلق بالثروة الباطنية، وهذا الاستثمار يكون من شركات رأسمالية جشعة همها النهب والسلب، ومشهورة بالفساد والجشع ورشوة الحكومات والمسؤولين ليكونوا شركاء في نهب البلاد، وأسوأ ما في الاستثمار نظام الاستثمار (boo) الذي يعني (بناء وتشغيل وتملك) بدون التعهد بالتحويل للحكومة، وهذا يؤدي إلى انتهاك السيادة في البلاد ومنع الدولة من السيطرة على أصولها الحيوية، فضلاً عن أثره على الناس من الناحية الاقتصادية، وهذا يُكسب المستثمرين تملك المشاريع بشكل دائم، ما يعني ضمان أرباح طويلة الأمد. وهذه السياسة الاقتصادية تؤدي إلى ارتهان الدولة للقطاع الخاص، خاصة إذا كانت شركات أجنبية، ويهدد سيادة الدولة على مواردها الحيوية. وفتح المجال للخصخصة والاستثمار الأجنبي يجعل البلاد مرتعاً لدخول الأجانب والسيطرة عليها ويؤدي إلى فقر البلاد.
والمصيبة الكبرى والأدهى عندما تقوم الدولة بخصخصة المرافق العامة كالمطارات والموانئ والطرق والكهرباء والمياه، والمصيبة العظمى خصخصة الثروات الباطنية كالبترول والغاز والفوسفات والمعادن الأخرى بذريعة عدم القدرة على استثمارها وتطويرها، وهذا يؤدي إلى فقدان السيطرة على الأصول والمرافق التي تخضع للخصخصة، ما يؤدي إلى زيادة نسبة احتكار المشاريع وارتفاع معدلات التضخم وازدياد الفروق بين الأغنياء والفقراء وازدياد البطالة.
ومن الآثار السلبية للخصخصة على المستوى السياسي انتهاك سيادة الدولة على أيدي رؤوس أجنبية أو جهات خارجية كصندوق النقد والبنك الدوليين. ولنا شواهد على فشل الخصخصة وآثارها الكارثية بعد تجربة أمريكا اللاتينية في التسعينات، إحدى أهم التجارب الفاشلة اقتصادياً. ومن الأحداث الشهيرة في التسعينات عندما قامت بوليفيا بخصخصة قطاع المياه. وحتى دول الاتحاد الأوروبي تعاني من الخصخصة.
إن خصخصة المرافق العامة والملكيات العامة يؤدي إلى سيطرة رجال المال والأعمال على الحكم، حينها ستكون السلطة بيد مجموعة من الجشعين والمنتفعين.
الخلاصة:
إن ما يحاك في أروقة الدول الرأسمالية وعلى رأسها أمريكا ضد بلاد المسلمين على المستوى السياسي والاقتصادي هو لما تحويه من ثروات وخيرات وفرص استثمارية ضخمة لجعلها منجماً للثروات وسوقاً استهلاكية للدول الغربية الرأسمالية التي تريد السيطرة على مقدرات البلاد من خلال دمج هذه البلاد بالاقتصاد الرأسمالي الربوي العفن الجشع، لتنفيذ مشاريع الغرب، تحت ذريعة الاستثمار والخصخصة وتطوير البلاد، ويجري إدخال الشركات الغربية للسيطرة على وسائل الإنتاج والثروات والمرافق العامة، معتمدة في ذلك على رجال الأعمال الأجانب والطبقة السياسية الحاكمة في بلاد المسلمين، لفتح البلاد لهؤلاء المستثمرين تحت ضغوط من صندوق النقد الدولي الذي يقدم الخطط والتوصيات التي تؤدي إلى تدمير وتخريب الاقتصاد وعجزه عن كفاية الناس، ليدخل البنك الدولي بقروضه المشروطة ورباها، لتصير البلاد ألعوبة بيد البنك الدولي، ليملي عليها خططه الخبيثة المتعلقة بالخصخصة والاستثمار، ما يؤدي إلى توريطها بدخول الشركات الرأسمالية للسيطرة على البلاد اقتصادياً وسياسياً.
وهذا ما يحصل في أغلب بلاد المسلمين، وهذا ما نشاهده من نهب للخيرات والثروات، والسبب الأساسي في ذلك هو غياب الإسلام عن الحكم وتقصير المسلمين في العمل لتحكيم شرع الله.
إن تشخيص المرض هو مقدمة لوصف العلاج على أساس الإسلام ومعالجاته حتى لا تُرهن أموالنا وممتلكاتنا وثرواتنا للكافر المستعمر وما يسببه ذلك من انتهاك سيادةالبلاد والتحكم في ثرواتها وقراراتها وتوجهاتها.
1447-04-03