طريقة إدارة ترامب في مُعالجة النزاعات الخارجية
3 ساعات مضت
المقالات
34 زيارة
أحمد الخطواني
تُركّز إدارة ترامب في مُعالجتها للنزاعات الخارجية على فكرة أنّها لا تحتاج إلى شركاء خارجيين في حلّها لتلك الأزمات، فهي من مُنطلق الشعارات التي تبنّاها ترامب وتيّار ماغا (لتعود أمريكا دولة عظيمة ثانية) و(أمريكا أولاً) فإنّها لا تحتاج إلى شركاء دوليين، وتستطيع بمفردها حلها، أي أنّها تُريد الاستفراد بالحل دون مساعدة الآخرين، ولا إشراكهم به، فأصبح يغلب على أسلوبها في العلاج الطابع الإقصائي، واستبعاد وجود الشركاء.
وهذا شيء جديد على السياسة الخارجية الأمريكية لم يكن موجوداً من قبل حتى في فترة حكم ترامب الأولى، فإدارة ترامب الحالية على سبيل المثال قامت بإلغاء دور اللجنة الرباعية في السودان والتي تشمل بريطانيا والنرويج إلغاءً رسمياً مع أنّها كانت موجودة وحاضرة مُنذ إدارة ترامب الأولى واستمرت مع إدارة بايدن، وعطّلت أيضاً دور مجموعة مينسك التي كانت مسؤولة عن حل مشاكل أرمينيا وأذربيجان مُنذ أكثر من خمس سنوات والتي تشمل روسيا وفرنسا، إذ قامت برعاية مُحادثات السلام بين الدولتين بِمفردها من دون الرجوع إلى المجموعة ولو من باب التشاور أو المجاملة.
وفي النزاعات الخارجية الأخيرة أصرّت إدارة ترامب على تجاهل الشركاء الدوليين تجاهلاً تامّاً، ففي النزاع بين روسيا وأوكرانيا تجاهلت تماماً الدول الأوروبية، واجتمع ترامب مع بوتين في ألاسكا على انفراد ودون مشاورة الأوروبيين، وحاولت فرنسا وبريطانيا جر الدول الأوروبية الرئيسية ومعهما المفوضية الأوروبية للاصطفاف إلى جانب أوكرانيا، وحاولوا بوصفهم كتلة أوروبية كبيرة الالتصاق بأوكرانيا ليكونوا إلى جانب أمريكا في المفاوضات مع روسيا لكنّ ترامب استبعدهم وأصرّ على التفرد في التفاوض مع بوتين.
حتى إنّ بعض المسؤولين الروس أظهروا امتعاضهم من التدخل الأوروبي خاصة بريطانيا في المشكلة الأوكرانية، ووصفوا دورها صراحةً بأنّه يهدف إلى تخريب المفاوضات الجارية بين روسيا وأمريكا.
ونقلت الأخبار بأنّ رئيس وزراء بريطانيا ستارمر قام بتدريب رئيس أوكرانيا زيلينسكي حول كيفية مقابلة ترامب والتعامل معه حتى في الشكليات، فظهر زيلينسكي بعد ذلك أمام ترامب ببدلة سوداء أنيقة وليس ببدلة عسكرية كما فعل في السابق، وكرّر الشكر لترامب ست مرات في دقيقتين.
فواضح من هذه الأمثلة أنّ الملمح الأول في السياسة الخارجية الأمريكية في إدارة النزاعات الخارجية يقضي بالتفرد في حلها وعدم إشراك القوى الدولية فيها لقناعة الإدارة الأمريكية بقدرتها بمفردها على القيام بذلك وعدم الحاجة إلى الشركاء.
أمّا الملمح الثاني لهذه السياسة فهو تحقيق أكبر قدر من الاستفادة المادية بالابتزاز والضغط على المتخاصمين بوقاحة لقاء إدارة نزاعاتهم، فمثلاً في إدارة النزاع بين رواندا والكونغو نالت الشركات الأمريكية فرصة حق الوصول إلى المعادن النادرة اللازمة لصناعة الإلكترونيات الدقيقة شرقي الكونغو.
وفي إدارة النزاع الهندي الباكستاني وبعد توقيع الاتفاق تمّ تمكين الشركات الأمريكية من تطوير واستخراج احتياطيات النفط الباكستانية الهائلة بالإضافة إلى تعزيز التعاون الاستخباري بين أمريكا وباكستان، وجعل الجيش الباكستاني – وليس الحكومة – هو المسؤول عن إدارة العلاقات السياسية الأمريكية الباكستانية بينما تقوم الحكومة فقط بترشيح ترامب للحصول على جائزة نوبل.
وأمّا بالنسبة لإدارة النزاع التايلاندي الكمبودي الذي وُقّع في ماليزيا وبوساطة ماليزية، فأعلن ترامب عن تمكّنه من إيقاف الحرب بين الدولتين، وبالمُقابل تمّ الإعلان عن التوصل إلى اتفاقيات تجارية ضخمة حصلت عليها الشركات الأمريكية من كلا البلدين، فيما أعلنت كمبوديا عن ترشيحها لترامب لنيل جائزة نوبل للسلام.
وأمّا فيما يتعلق بالنزاع الأذري الأرميني فتوقيع اتفاق السلام بين رئيسي الدولتين صاحبه الإعلان عن تغيير ممر زنغزور إلى ممر ترامب والذي خططت تركيا أنْ يربط بين أذربيجان وإقليم ناخجوان الأذري الموجود داخل الأراضي الأرمينية والذي يُحاذي الحدود الإيرانية ويصل إلى تركيا، والذي كانت تعترض عليه إيران وروسيا، فوافقت أرمينيا على تأجيره لأمريكا لمائة عام، وتحويله إلى واحدٍ من أهم الممرات التجارية العالمية التي تقطع على روسيا والصين وإيران الطريق لإنشاء ممراتهم ومشاريعهم في المنطقة، وجعلت أمريكا تركيا وهي صاحبة الفكرة أصلاً مُجرد أداة من أدوات تنفيذ مشروع أمريكي تجاري وجيوسياسي من أهم وأضخم المشاريع العالمية، وقال الرئيس الأذري إلهام علييف تعليقاً عليه: «إنّ ترامب حقّق مُعجزة في أقل من ستة أشهر».
وبالإضافة إلى تحقيق ترامب لهذه المكاسب المادية الضخمة فقد أثمر هذا الاتفاق عن إخراج أرمينيا من دائرة النفوذ الروسي ومن منظمة شانغهاي الروسية الصينية نهائياً، وتمّ تثبيت تبعية أذربيجان أيضاً للنفوذ الأمريكي.
وأمّا في الحرب الروسية الأوكرانية فأمريكا أخذت موافقة أوكرانيا من قبل على منح الشركات الأمريكية نصف أرباح عائدات استخراج المعادن النادرة في جميع الأراضي الأوكرانية.
فنهج التفرد الأمريكي في حل الأزمات من وجهة نظر إدارة ترامب الحالية وتحقيق المكاسب المادية باتا من أبرز ملامح السياسة الخارجية الأمريكية في حل النزاعات الخارجية، وقد ساهما في تفكيك التكتلات الدولية، ومُحاصرة الصين وعزلها عن روسيا، وإضعاف أوروبا، وبقاء أمريكا هي القوة الوحيدة المُتسيّدة في الموقف الدولي.
لقد باتت أمريكا تُدرك جيداً أنّ روسيا ليست الاتحاد السوفيتي، وأنّها لا تُشكّل أي خطر على الغرب، وإنّ غرقها في أوحال أوكرانيا لمدة ثلاث سنوات يؤكّد حقيقة ضعفها العسكري مُقارنةً بأمريكا، وأنّها لا تحتاج إلى حلف كحلف الناتو لمُواجهتها، فلا داعي لبقاء حلف يتم الإنفاق عليه بأموالِ أمريكية ليس له ضرورة، وأدركت أمريكا أنّ الأوروبيين ضعفاء جداً وهم من يجرّونها لمحاربة روسيا لتحقيق مصالحهم بالنيابة عنهم، وأنّهم لم يعودوا يستحقون كل هذا الإنفاق عليهم من الخزينة الأمريكية، وأنّهم ليسوا طرفاً دولياً يُعتدّ به، لذلك يجب إسقاطهم من الموقف الدولي، وبدا هذا واضحا في مؤتمر واشنطن الذي عُقد في 18/08/2025 والذي حضره زعماء بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والمفوضية الأوروبية والناتو بالإضافة إلى الرئيس الأوكراني زيلينسكي حيث ظهروا جميعاً كالتلاميذ أمام مُعلمهم، فلم يُعاملهم ترامب مُعاملة الأنداد، بل احتقرهم وأجلسهم مصفوفين على كراسي خشبية أمامه كمُستمعين، وقطع اجتماعه معهم، واتصل أمامهم بالرئيس الروسي بوتين ليُسمعهم ما يُريد، وليُظهر لهم مدى وضاعتهم وعجزهم وتفاهتهم.
وهكذا كان هذا الاجتماع بمثابة إعلانٍ أمريكي مفصليٍ بأنّهم لم يعودوا من اللاعبين الرئيسيين في الحلبة الدولية، وأنّ اعتمادهم على المظلة الأمريكية في المائة سنة الماضية أدّت إلى هذه النتيجة من الضعف والهوان، فهم حتى أعجز عن توفير ضمانات أمنية لأوكرانيا بمفردهم.
فالعالم اليوم إذاً بات يتكون من ثلاث قوى عسكرية عالمية مؤثّرة وهي أمريكا وروسيا والصين، ويتكوّن فقط من قوتين عالميتين من ناحية عسكرية واقتصادية وهما أمريكا والصين.
1447-03-09