هل تصادق الأحداث الأخيرة في حياة الأمة على نهج حزب التحرير في التغيير؟
ساعتين مضت
المقالات
1 زيارة
عبد الستار أبو تقي – فلسطين
إن أعظم ما يميز الحزب المبدئي أثناء سعيه للتغيير حرصه على الاستقامة في الفكر والعمل، مصداقا لقوله تعالى: {وَأَن لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقًا}، وخشيته أن تصيبه فتنة أو عذاب إن هو خالف عن أمر الله.
والحزب المبدئي يؤمن أن الثبات على الحق ومطلوب الشرع هو ما يوصله إلى رضا الله، والتمكين في الأرض، في خلافة راشدة ثانية موعودة تقوم قريبا بإذن الله، رغم المحن والابتلاءات، ورغم الصد والملاحقات، ورغم التضليل والتلبيسات.
وحامل الدعوة إذ يحرص على رضا الله في القول والعمل، يقطع أن الله عز وجل هو من يدبر له الأمر كله، ويصرّفه في حياة الأمة، ليميز الخبيث من الطيب، وليمن على المستضعفين، ويجعلهم أئمة، ويجعلهم الوارثين، في سنة تمحيص لا تتخلف، مكافأة لهم على استقامتهم.
ومن مكافأة الله للعاملين الصابرين المحتسبين أنه يعينهم على الخير، ويحميهم من الانحراف في الفكر والسير، ويجعل أفئدة من الناس أكبر وأعظم تهوي إليهم، ويريهم من مقدمات نصره ما يطمئن به فؤادهم أن الفهم سليم والنهج قويم.
إن المتفكر فيما جرى ويجري من أحداث سياسية في حياة الأمة مؤخرا يرى أنها تصادق على الطريقة الشرعية في التغيير، القائمة في الأساس وقبل كل شيء على التقيد بالحكم الشرعي وطريقة النبي ﷺ في التغيير، ويرى فيها أيضا تسلية وطمأنة للمؤمنين أنهم يسيرون في الطريق الصحيح، وأن التزامهم جنب الله وعدم خضوعهم للواقع سيورثهم عزا في الدنيا والآخرة.
أما أبرز ما صادقت عليه الأحداث التي تعصف بالأمة مؤخرا:
أولا: أن عمل التغيير الواجب التلبس به في الأمة بعد سقوط الخلافة هو تغيير فكري سياسي. وأن أي محاولة للارتكاز في دولة قبل أن يفعل الفكر فعله في الأمة، وقبل أن تؤمن الأمة بمشروع السياسي الإسلامي، وتنادي بالإسلام نظاما للدولة، ستكون محاولة مجهضة وفاشلة لمخالفتها سنن التغيير.
ثانيا: أن الأنظمة التي ورثت الخلافة في بلاد المسلمين أنظمة طاغوت أقامها الكافر المستعمر حربا على الدين والأمة، وأن أدنى اعتراف بشرعيتها يورث سخط الله، وفشل من يشرّعها، حتى لو نادى وعمل لشيء من الدين، ولو كان عمله بحسن نية، فحسن النوايا لا يكفي للفلاح في التغيير، وإنما الوعي في الفكر والعمل، استنانا بنهج المصطفى ﷺ.
ثالثا: أن الدعوة والعمل للخلافة الجامعة القادمة هو وحده مطلوب الشرع في التغيير اليوم، وأن أي عمل للمسلمين دونه، وإن كان خيرا، لا يبرئ ذمتنا أمام الله، بل ويديم ضياعنا. فالخلافة هي الكيان التنفيذي للدين، وفيها وحدتنا وعزنا، وبها نعود سيرتنا خير أمة أخرجت للناس، نطبق بها الإسلام فينا، ونحمله للعالم بالدعوة والجهاد كما فعل السابقون.
رابعا: أن مصير الأمة واحد، وقضيتها واحدة، وحربها واحدة وسلمها واحد، مِحنة كل بلد فيها هي محنتها كلها، وحلها واحد، وأن محاولات التماس حلول لقضايا جزئية فيها، في حدود سايكس بيكو، لن ينفعها، ولن يرفع عنها الذلة والصغار. فأعداؤها يتكتلون ويرمونها عن قوس واحدة، فعليها أن ترتفع عن الواقع، وتتحرك تحركا جمعيا كأمة واحدة من دون الناس، لترد على أعدائها. وهو عين ما يدعو إليه حزب التحرير منذ أن قام. وما استفراد الغرب بالكيانات الكرتونية في بلاد المسلمين، منذ هدم الخلافة، وما يحصل في غزة هاشم اليوم، إلا دليل بين ظاهر على ضرورة التفكير والعمل الجماعي في الأمة، من أجل خلاصها من حيث هي كيان واحد.
خامسا: أن القوة في الأمة ومقدراتها هي ملك لها، وجيوشها ليست استثناء، وهي من جنس الأمة وليست من جنس حكامها، وأن محاولة فصلها عن الأمة جريمة كبرى لا تخدم إلا أعداءها، وتديم شقاءها، فلا تعرف طريقا لخلاصها. لقد لمس أطفال المسلمين في غزة هذا الأمر ولمسوه، فنادوا به، ولا زال نفر من أبناء الأمة تائهين عنه. فأعداؤهم يدأبون على تضليلهم بزعم استحالة طلب النصرة من أهل القوة فيها لإقامة الخلافة. ورغم ذلك، فإن فقه طلب النصرة لدى أبناء الأمة في تنامي اليوم، والحمد لله، ويصب في صالح دعوة الحزب حين يقضي الله أمرا كان مفعولا. ولقد باتت فكرة طلب النصرة من جيوش الأمة وتفصيلاتها ومفرداتها على طاولة بحث الأمة بعد عقود وعقود من مقاومتها، وحتى التندر عليها. وصار من أبناء الأمة من يفكر، بجدية أكبر، في موقع الجيوش وعملها في الأمة، وأنها باتت الحل العملي، وحتى الحتمي، لإنقاذها مما هي فيه، وأنها السبيل للتخلص من الحكام العملاء المجاهرين في عداوة شعوبهم، والانقلاب على نظمهم، عندما تنحاز للأمة. والأمة اليوم إنما تفتقد العامل الرئيس لإحداث التغيير والنصر، ألا وهو تحرك الجيوش وخلع الحكام وتسليم الحكم للأمة، ولمن نذروا أنفسهم أن يقيموا حكم الله في الأرض.
سادسا: أن كل ما يحصل اليوم من أحداث جسام في حياة الأمة، ومن وقائع سياسية، ومن تكالب الغرب علينا، يخدم دعوتنا، دعوة الحق بإذن الله.
فعندما يعلن الغرب الصليبي اليوم أن حربه الرئيسة هي مع من يسميهم “الإسلامويين” الذين يريدون وحدة المسلمين في خلافتهم، وأنه يمكن أن يقبل من الأمة أي شيء دون ذلك، يعي أبناء الأمة على حالهم، ويلتفتون إلى ما يرفعهم ويخدم دينهم.
وعندما تجذر أنظمة الضرار في بلاد المسلمين الفرقة والتشرذم خدمة للكافر، وتسلمه البلاد والعباد، وتروج للكفر والفساد، وتقرب علماء السوء، وتحارب كل من يقول “ربي الله” وتتخندق مع أعداء الأمة، وتعلن ذلك كفاحا وبكل صلف، تتنامى الأيدي التي تأخذ بحلاقيمها.
وعندما يلمس أبناء الأمة، لمس اليد، أن دولها اللقيطة وأجهزتها القمعية، وحركاتها الوطنية والقومية والمذهبية لم تورثها إلا الهوان والذل، تنفض يدها منها، وتفكر في الانعتاق منها. وعندما تشارك حركات ما يسمى “الإسلام المعتدل” في نظم الباطل كل مرة، فتبوء بإثمها، ينكشف حالها ويبدأ أبناء الأمة بالانفضاض عنها، والالتفات للصادقين في دعوتهم.
وعندما يخرج المسلمون على حكامهم في أقطار عدة فيما سمي ب”الربيع العربي” فيقتلون بالجملة، وتستباح حرماتهم، وتتقاطر عليهم كلاب الغرب والشرق، فهو بذلك إنما يمتحنهم ويصبرهم ويعلمهم، ويتخذ منهم شهداء، ويرشدهم إلى الحق من العمل.
وعندما يقول المصطفى عليه الصلاة والسلام: (…والجهاد ماض منذ بعثني الله إلى أن يقاتل آخر أمتي الدجال لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل…) فإنما يبشر أمته بدوام جهادها وتوقد جذوتها إلى يوم الدين، وأنه ما دام فيها جهاد فهي بخير، وأنها منصورة على أعدائها، وإن دالوا عليها في بعض الجولات.
وعندما يقوم نفر من أبناء الأمة بقتال يهود يرتفع صوت الجهاد في الأمة، وينكشف ضعف يهود، ويُساء وجههم في جنبات الأرض، ويفتضح الحكام لموالاتهم، يهيَّأ للأمة ملامح خلاصها وطريقه، وأن خلاصها لا يمكن أن يحصل إلا بالتخلص من دول الضرار فيها، وإقامة خلافتها التي تجاهد أعداءها مجتمعة، تحت راية رسولها ﷺ، فلا يكون لأعدائها عليها سبيل، فتغزوهم ولا يغزونها، ويكون جهادها جهاد طلب ومبادأة لنشر الدين في ربوع العالمين.
وعندما تتدبر الأمة فيما يحدث في غزة تدرك أن صراعها هو صراع بين الحضارة الإسلامية والحضارة الرأسمالية العفنة، وليس كما يتوهم البعض أنه صراع على قطعة أرض، وتعي أن نظام سايس بيكو الذي أنشأ (إسرائيل) وسماها “دولة” هو ذاته من صنع المحميات العربية وسماها “دولا”. وأن الارتباط الشرطي بين كيان يهود والمحميات العربية يعني أن الاثنين يسقطان معا أو يبقيان معا.
وعندما تتأمل الأمة أحداث سوريا الأخيرة تلمس أن نهاية أنظمة الحكم الجبريالآيلة للسقوط أمر ممكن وميسور، وقريب بإذن الله.
سابعا: أن كل ما يجري اليوم من أحداث في حياة الأمة تهيئة للقادم من طوفان الأمة الخير في دولتها الجامعة التي آن أوانها. فالأمة وإن كانت مكبلة من حكامها بأمر أسيادهم، لكنها حية لا ريب في ذلك، وهي تحتاج قيادةً مخلصة تقودها لتنقلب على واقعها وتعود سيرتها الأولى. ولا شك أن كل ما جرى في حياة الأمة منذ سقوط الخلافة يشير بقوة إلى استقامة دعوتنا ونجاعة الطريقة الشرعية في الوصول إلى مراد الله بإذنه. وهذا حال من رضي الله عنهم، وجعلهم سببا في الخير: غرباء يصلحون ما أفسد الناس.
ثامنا: إن كل ما يجري في الأمة اليوم من أحداث وتصاريف هو امتحان من الله لحمَلة الدعوة، {يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ}، لنثبت على الحق، ولنواصل نهجنا، فقد وعدنا الله وعدا لا يتخلف، فقال {وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ}، ووعد الله قادم لا محالة، بشرنا به المصطفى الله ﷺ حين قال: «لا يلبث الجَور بعدي إلا قليلًا حتى يطلع، فكلما طلع من الجور شيء ذهب من العدل مثله حتى يولد في الجور من لا يعرف غيره، ثم يأتي الله تبارك وتعالى بالعدل، فكلما طلع من العدل شيء ذهب من الجور مثله حتى يولد في العدل من لا يعرف غيره». رواه الإمام أحمد.
نسأله سبحانه أن يجعلنا هداة مهديين، وأن يعيد الأمة إلى مربع دعوة الحق. فاللهم دبر لنا إننا لا نحسن التدبير، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
1446-11-28