العدد 466 -

السنة التاسعة والثلاثون، ذو القعدة 1446هـ الموافق أيار 2025م

السعودية وموجات التطبيع بعد الإبادة الجماعية صفقة أمريكية جديدة لإعادة تشكيل منطقة الشرق الأوسط

 

نصر فياض- فلسطين

 

هل يكافأ كيان يهود على الإبادة الجماعية في غزة وعمليات التهجير والعدوان على الضفة بموجة تطبيع جديدة تقودها السعودية وتباركها السلطة الفلسطينية ويسير في ركابها حكام المسلمين؟!

إن ما صدر عن الرئيس الأمريكي الجديد ترامب من تصريحات وما يعلن من الجانب السعودي يشي بأن السعودية على طريقها للتطبيع وأن يكون هذا التطبيع هو نهاية العدوان في غزة والضفة الغربية، والذي يهدف إلى إنهاء الحالة الجهادية وفرض الاستسلام بالقوة أو ما يطلق عليه ترامب وكيان يهود تحقيق السلام بالقوة، ومن ذلك التقليل من عدد السكان عبر التهجير القسري أو “الطوعي”.

فأصبح التطبيع مع السعودية وإبرام اتفاقات أبراهام أخرى بالإضافة إلى فرض الرسوم الجمركية التي انتهجها ترامب منذ توليه الإدارة الأمريكية لتقليص العجز التجاري وإجبار الدول على السير فيما تريده الإدارة الأمريكية الجديدة هو من أهم أولويات السياسة الأمريكية. فأمريكا تعمل على تهيئة الأجواء للتطبيع مع السعودية وإبرام اتفاقات أبراهام جديدة، وهي تحضر منطقة الشرق الأوسط لتحقيق ذلك، وخاصة في الأرض المباركة فلسطين (الضفة الغربية وقطاع غزة).

 

تهيئة الأجواء

إيران ودورها في المنطقة

أما عن تهيئة الأجواء في المنطقة فقد شمل عدة ملفات أهمها إعادة رسم الدور الإيراني في المنطقة، وهو ما يعرف بمحور المقاومة والممانعة، وكيف تم إضعاف هذا الدور وتوجيه ضربة له، وإحداث تغيير في السياسة الإيرانية ضمن تفاهمات جديدة شملت المنطقة.

فقد قال نتنياهو: ( …إن إسرائيل تقوم في الوقت الحالي بتغيير وجه الشرق الأوسط، ).الجزيرة ٣١/١٠/٢٠٢٤، وقال أيضا: (عندما تكمل إسرائيل التغيير والقضاء على ما وصفه بـ”المحور الإيراني”، ستمهد لاتفاق إضافي مع السعودية ودول أخرى.)

ومن ذلك سعي ترامب لاتفاق مع إيران حول ملفها النووي، فقد جاء في موقع بي بي سي عن محرر الشؤون الدولية: “وفي الوقت الذي كان العالم يتداول ويعلق على تصريحات ترامب بشأن غزة، نشر هو على منصته “تروث سوشيال” رغبته في التوصل إلى “اتفاقية نووية سلمية مع إيران”. بي بي سي ٢/ ٦/ ٢٠٢٥، فهو يستخدم العصا والجزرة مع إيران من أجل تحقيق ذلك.

ومن المؤشرات أيضا على التفاهمات الجديدة مع إيران اجتماع الدوحة الذي استضافه رئيس الوزراء القطري، وشارك فيه وزراء خارجية من السعودية ومصر وتركيا والأردن والعراق، بالإضافة إلى دبلوماسيين كبار من إيران وروسيا، والذي أسفر عن رحيل الأسد والقوات الإيرانية والمليشيات وحزب إيران من سوريا، (قال مسؤول إيراني كبير لرويترز إن طهران، حليفة الأسد الرئيسية في المنطقة، فتحت خط اتصال مباشر مع المعارضة في القيادة السورية الجديدة، مشيرا إلى ضرورة “تجنب أي مسار عدائي” بين البلدين. ولم يتضح ما إذا كانت اتصالات إيران تجري مع هيئة تحرير الشام أو مع فصيل آخر بالمعارضة السورية…

وقال المسؤول إن مجموعة المسؤولين توصلوا إلى توافق قبل ساعات من فرار الأسد من دمشق على أن الاتصالات مع هيئة تحرير الشام ضرورية من أجل تحقيق الاستقرار في سوريا، مضيفا أنها أولوية من أجل ضمان عدم حصول جماعات مثل تنظيم الدولة الإسلامية على موطئ قدم في سوريا.) القدس العربي ١٠/ ديسمبر/٢٠٢٤.

 ومن المؤشرات الاجتماعات التي رعتها السعودية لإبرام الاتفاق بين لبنان وكيان يهود، فقد تحدثت وسائل إعلام ومواقع إعلامية عن توسط السعودية في إبرام اتفاق بين أمريكا وإيران لوقف إطلاق النار في لبنان، وايضا اجتماع ايلون ماسك السري مع مندوب إيران في الأمم المتحدة، وإطلاق إيران ليد الدولة العراقية لتكبيل الفصائل والمليشيات التي كانت توجه ضربات لكيان يهود ضمن معركة طوفان الأقصى.

وهذه الأجواء الجديدة تقلل من التوترات مع كيان يهود وتفتح الطريق أمام مشاريع التطبيع التي ستشمل المنطقة بأسرها.

 

تهيئة الاجواء في قطاع غزة والضفة الغربية

وذلك من أجل تطبيق الأهداف الاستراتيجية الأمريكية المتعلقة بالمنطقة، فقد دعمت أمريكا والدول الغربية كيان يهود بكل أنواع الدعم لتحقيق أهداف الحرب في غزة والتي أعلنها كيان يهود من تدمير قدرات حماس العسكرية والسلطوية وإعادة الأسرى والتأكد من عدم إمكانية عودة السابع من أكتوبر من جديد، ولضمان عودة آمنة لسكان غلاف غزة إلى المستوطنات التي يسكنون فيها.

وكذلك دعمتها في تحقيق الأهداف الخفية من العدوان على غزه والمتمثلة في الردع عبر الانتقام، وهو ما قامت به من إبادة جماعية وتهجير للسكان والحديث عن إقامة مشاريع اقتصادية ضخمة في القطاع بعد انتهاء الحرب وأن تكون غزة ضمن اتفاقات أبراهام.

وجاءت الصفقة الأخيرة لتبادل الأسرى بمراحلها الثلاث والتي كان قد أعلن عنها بايدن والتي تم الاتفاق عليها قبل مجيء ترامب بأيام، فترامب يعمل على أن يحقق ليهود ما عجزوا عن تحقيقه في الحرب، فترامب بإعلانه خطته للتهجير من قطاع غزة دفع الدول العربية للانخراط في ترتيبات اليوم الثاني للحرب والتي تحقق لليهود الأهداف التي عجزوا عن تحقيقها في الحرب، ومنها التهجير “الطوعي”، بتسهيل خروج السكان في القطاع إلى مصر، ولا يستبعد أن يكون حديث ترامب عن غزة وامتلاكها وتهجير السكان منها تهيئة لصفقة أكبر تتعلق بالضفة الغربية وغزة حسب الرؤية الأمريكية، وأن تكون مقدمة للتطبيع مع السعودية، وخاصة إذا استعدت السعودية للتطبيع مقابل تثبيت الناس في غزة وعدم تهجيرهم، وتقديم الأموال لإعادة الإعمار وتقديم الخدمات الإنسانية مقابل مسار لدولة فلسطينية وتكون المستوطنات في الضفة الغربية جزءا من كيان يهود.

 

التطبيع مع السعودية

كان التطبيع بين كيان يهود والسعودية يسير بشكل متسارع، وهذا ما كان يعلنه ولي العهد السعودي :(أعلن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في مقابلة مع شبكة فوكس نيوز الأمريكية بثت مقتطفات منها الأربعاء أن المملكة “تحقق تقدماً” باتجاه التطبيع مع إسرائيل. وقال ولي العهد السعودي: “نقترب كل يوم أكثر فأكثر من تطبيع العلاقات مع إسرائيل”. وأضاف الأمير محمد بن سلمان قائلا: “هناك دعم من إدارة الرئيس بايدن للوصول إلى تلك النقطة. وبالنسبة لنا فإن القضية الفلسطينية مهمة للغاية. نحتاج إلى أن نحل تلك الجزئية ولدينا مفاوضات متواصلة حتى الآن. وعلينا أن نرى إلى أين ستمضي. نأمل أن تصل إلى مكان تسهل فيه الحياة على الفلسطينيين وتدمج إسرائيل في الشرق الأوسط”). الأربعاء 2023/9/20.

وجاءت عملية طوفان الأقصى فلم تؤثر عمليات الإبادة الجماعية على المباحثات الأمريكية السعودية من أجل التطبيع مع كيان يهود رغم إعلان وقفها، وقال جو بايدن الرئيس السابق في خطابه لإعلان خطته لوقف إطلاق النار: “ستتمكن إسرائيل من تحقيق المزيد من التكامل في المنطقة مع هذه الصفقة، بما في ذلك من خلال اتفاق تطبيع تاريخي محتمل مع المملكة العربية السعودية، ولا أعتقد أن هذا الأمر يشكل مفاجأة لأحد. وتستطيع إسرائيل أن تكون جزءا من شبكة أمنية إقليمية لمواجهة التهديد الذي تشكله إيران”. Rt /1 يونيو 2024

وعملت أمريكا والسعودية على إتمام اتفاقية التطبيع وأن تكون جاهزة وهذا ما أشار له أنتوني بلينكن وزير الخارجية الأميركي قبل مغادرته منصبه في ٢٠/ديسمبر/٢٠٢٤ عندما قال: “أحد الأشياء التي أتذكرها هي أنه في العاشر من أكتوبر قبل عام، كان من المفترض أن أسافر إلى المملكة العربية السعودية وإسرائيل للعمل على المكون الفلسطيني من صفقة التطبيع هذه. وبالطبع لم تتم هذه الرحلة بسبب السابع من أكتوبر. ولكن حتى مع أحداث غزة، واصلنا هذه المحادثات وواصلنا العمل”.

ويبدو أن أمريكا ترى أن وقف إطلاق النار في غزة يتطلب عملا مكثفا لإنهاء الحرب بفوز كيان يهود، وتحقيق أهدافها، وذلك عبر فرض السلام بالقوة كما يقول ترامب، وهو ما قاله نتنياهو: “السلام يأتي من خلال القوة، فعندما نكون أقوياء جدا ونقف معا فإن الاعتراضات ستتغير”. والذي يعني بتصورهما فرض الاستسلام عبر صفقة التبادل، فقد قال الرئيس الأمريكي ترامب إنه “مع إنجاز الصفقة سيواصل فريقي للأمن القومي العمل لضمان ألا تتحول غزة مرة أخرى إلى ملاذ للإرهاب”. ويقول أيضاإنه “سيستثمر وقف إطلاق النار لاتفاقات إبراهيمية جديدة” الجزيرة 15/1/2025.

وهذا يتطلب عملا من الدول العربية وعلى رأسها السعودية وقطر والإمارات والأردن وغيرها من الدول مثل تركيا، للمساعدة في إنهاء الصراع عبر استخدام  المساعدات الإنسانية، وإعادة الإعمار لتحقيق أهداف يهود، والمساعدة في التهجير “الطوعي” حسب رغبة السيد الأمريكي، والتقدم بمبادرة لإنهاء الصراع تتوج بتصفية القضية الفلسطينية عبر إطلاق مسار سياسي لإنهاء الصراع مع الإقرار بضم المستوطنات وتحسين حياة الفلسطينيين وإعادة إعمار غزة ومكافحة أفكار الجهاد وما يسميه يهود بالتطرف والإرهاب وترسيخ ثقافة السلام والديانة الإبراهيمية، هذا ما تفرضه أمريكا على هذه الدول.

وقد شدد نتنياهو على أن اتفاقيات التطبيع مع دول عربية في المنطقة، والمعروفة باتفاقيات أبراهام، حصلنا عليها لأننا تجاوزنا الفلسطينيين”. الجزيرة 9/2/2025.

إن الاتفاقات الإبراهيمية الجديدة التي ستفتتحها السعودية والتي ستشمل السلطة الفلسطينية والتي ستكون “دون سيادة” في الضفة الغربية وقطاع غزة، ستفتح الطريق أمام باقي دول الخليج، ومنها قطر، وأيضا الدول العربية الأخرى من مثل لبنان والعراق وليبيا والجزائر وغيرها من دول في العالم الإسلامي، للتطبيع مع كيان يهود، ما يعني تصفية القضية الفلسطينية دون أن يعطي اليهود شبرا واحدا من أرض الإسراء والمعراج لهذه الدول المطبعة، بل ستكون السيادة الكاملة هي لكيان يهود على كامل الأرض المباركة، مع إعطاء الفلسطينيين حكما ذاتيا هزيلا تقدم فيه السلطة الفلسطينية الخدمات الأمنية عبر التنسيق الأمني مقابل إدارة بلديات في أماكن تواجدها.

 

خطورة التطبيع السعودي

يمكن لنا أن نلخص خطورة التطبيع السعودي مع كيان يهود والاتفاقات الإبراهيمية الجديدة في الآتي:

١- فيما تمثله السعودية من رمزية باعتبارها الأرض التي نزل عليها الوحي، وفيها الأماكن المقدسة التي تهوي أفئدة المسلمين إليها، وهذا له تأثير نفسي وثقافي على الشعوب الإسلامية في العالم، وخطورة على الهوية والعقيدة والأفكار التي يحملها المسلمون، وخصوصا مع طرح الديانة الإبراهيمية والثقافة الغربية وما يعرف بثقافة السلام (الاستسلام).

٢-إن السعودية بما تملك من أموال وتأثير يمكنها من أن تستخدم ذلك لصالح أمريكا وكيان يهود، وهذا ما يصرح به الرئيس ترامب، وهي تسير في طريق التطبيع عبر إعادة الإعمار وتحسين حياة الفلسطينيين مقابل فرض حلول تصفوية للقضية الفلسطينية.

٣- إن تطبيع السعودية ودول الخليج الأخرى والدول التي ستلحق بقطار التطبيع سيجعل هذه الدول ضمن حلف شرق أوسطي في مواجهة مع إيران بجانب كيان يهود في حلف عملت أمريكا على تشكيله من قبل، وهذا يحول الصراع من صراع بين كيان يهود وأمريكا العدوتين من جهة والأمة الإسلامية من جهة أخرى إلى صراع بين الشعوب الإسلامية نفسها، ويكرس ذلك انقسامها مذهبيا وطائفيا إلى محور سني وآخر شيعي، حسب الهوية المذهبية أو الطائفية للدولة التي تحكم المسلمين.

٤ـ إن تطبيع السعودية وتشكيل الحلف الإستراتيجي الشرق أوسطي عدا عن أنه سيغير وجهة الصراع في المنطقة سيجعل هذا الحلف أداة تستخدمها أمريكا في مواجهة خصومها الدوليين الصين وروسيا، فتجبر هذه الدول التي تشكل الحلف الشرق أوسطي على أن تقيد تجارتها وصفقاتها مع الصين أو روسيا أو أي دولة تراها أمريكا عدوة لها.

ومن جهة أخرى فإن هذا التطبيع وما سينتجه من مشاريع اقتصادية ضخمة عابرة للحدود بالشراكة الكاملة مع أمريكا سيستخدم لوضع أوروبا تحت العباءة الأمريكية والحد من منافستها الدولية واجبارها على أن تكون في مواجهة مع الصين. فبذلك تستخدم أمريكا المسلمين وبلادهم وقودا في الحرب الأمريكية مع خصومها الدوليين.

 

٥- التحول الجذري لصالح كيان يهود

وعليه فإنّه يظهر من هذا الاستعراض أن تطبيع السعودية وما سيتبعه من موجة تطبيع يحمل مشروعا أمريكيا يحقق المصالح الأمريكية الإستراتيجية ولكنه في الوقت نفسه سيحدث تحولا جذريا في المنطقة لصالح كيان يهود على أكثر من صعيد:

السياسي

أن يدمج كيان يهود في المنطقة ضمن حلف يجمعها مع دول المنطقة، وأيضا أن يكون مستقبلا ضمن الجامعة العربية ولو بشكل جديد.

الاقتصادي

إنشاءمشاريع يكون كيان يهود هو قطب الرحى فيها، وهو حلقة الوصل بين الهند ودول الخليج وأوروبا والأمريكيتين، وهذا يجعل الحفاظ على كيان يهود ضمن المصالح الحيوية للدول المطبعة وضمن أمنها القومي،ولا سيما أن تجارتها الخارجية تمر عبرها من خلال أنابيب النفط والغاز أو سكك الحديد أو الطرق السريعة وصولا لموانئ كيان يهود لتنتقل إلى أوروبا.

 

الأمني والعسكري

إن التطبيع مع كيان يهود يفتح الباب أمام العمل الاستخباراتي والأمني في الدول المطبعة، وخاصة عبر الشركات الإلكترونية والسياحية وغيرها، ويفتح الباب أمام التعاون العسكري بدءا بالمناورات المشتركة بين دول المنطقة وكيان يهود ومرورا بصفقات الأسلحة كالتي أبرمتها المغرب مع كيان يهود، وصولا إلى العمل المشترك في الدفاع والهجوم ضمن الحلف الإستراتيجي الشرق أوسطي الذي تشكل عبر القيادة الوسطى الأمريكية بين دول المنطقة وكيان يهود.

 

الثقافي

إن التطبيع يهدف إلى إزالة العداء مع كيان يهود وفرض ثقافة الاستسلام على الشعوب، وهذا يقتضي إزالة الحالة الجهادية من المنطقة والثقافة المغذية لها وفرض ثقافة السلام وما يقتضيه ذلك من إزالة مفاهيم الإسلام التي تفرض النضال والكفاح والجهاد، وهذا ما تقوم به الإمارات ضمن ما نصت عليه اتفاقية السلام بين الإمارات وكيان يهود، وهي تعمل للترويج للديانة الإبراهيمية. وفي المقابل نرى السعودية تعمل على نشر الفساد والعهر ضمن ما يسمى بالترفيه، ونشر الإلحاد  في أرض الإسلام ومهبط الوحي كشهادة حسن سلوك تقدمها لأمريكا وكيان يهود.

 

الحقائق والفشل المحتم

إن التطبيع السعودي المحتمل، وما سيتبعه من عقد اتفاقات إبراهيمية جديدة، وما يحلو لكيان يهود أن يسميه تشكيل الشرق الأوسط الجديد وما يحمله من تصفية للقضية الفلسطينية سيصطدم بحقائق لا بد من الإشارة لها، سنضعها في نقاط:

١- إن إنهاء قضية فلسطين عبر صفقة كما يريد الرئيس الأمريكي ترامب هو جهل في معرفة المسلمين ومدى ارتباطهم بالأرض المباركة، وهو قصور نظر وعدم اعتبارلما حدث في الحاضر، وهو ما سطره المجاهدون وأهل غزة من ثبات وصبر وتمسك بالأرض، وكذلك في الماضي القريب، وما ذاقه الأمريكان في العراق وأفغانستان على أيدي المجاهدين الأبطال الذين أرغموا جيش أمريكا على الخروج من هذين البلدين، وهذا وحده كاف كي يدرك من له عينان أن المسلمين أعصياء على التطويع والتطبيع. وإذا نظر هذا الأرعن في التاريخ لكان له عبرة وعظة، فالحروب  الصليبية وما تبعها من انتصارات للمسلمين وكنس للصليبيين من بلاد المسلمين ومتابعتهم في عقر دارهم لهو خير شاهد.

٢-إن الأرض المباركة والمسجد الأقصى المبارك مرتبطان بعقيدة المسلمين ولن يقبل أهل فلسطين أو أي مسلم بتركهما في يد يهود أو كافر طال الزمان أم قصر، والتاريخ شاهد على ذلك، والجهاد مستمر إلى قيام الساعة لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل.

٣- إن فرض السلام بالقوة عبر التهجير والقتل والاستسلام وهو ما طرحه الرئيس الأمريكي ترامب من تهجير سكان غزة وتوعد أهل غزة بالجحيم، وأيضا ما يطرحه يهود على أهل فلسطين، كما جاء على لسان نتنياهو: (أناشد سكان غزة: إما أن تختاروا الحياة وتضمنوا مستقبلكم ومستقبل عائلاتكم، أو أن تتمسكوا بالموت والدمار. الخيار لك، اختر الحياة.)Rt  عربي 24/11(2024،أو ما جاء على لسان سموترتيش في مؤتمر “الشرق الأوسط الحقيقي”، الذي عُقِدَ في القدس: (…وسيكون أمام عرب أرض إسرائيل ثلاثة خيارات.. أولئك الذين يعترفون بالسيادة اليهودية سيستفيدون من دولة إسرائيل. سيحصلون على إدارة مجتمع محلي بدون رمز وطني. ومن لا يريد ذلك يمكنه الهجرة. وأولئك الذين لا يتبنون أيا من المقترحات هم إرهابيون سيتم التعامل معهم من قبل الجيش الإسرائيلي والمؤسسة الأمنية).

إن هذه الدعوة إلى القبول بالاستسلام وقبول المحتل والرضا بالخنوع والذل الصريح تأباه النفوس الحرة، وتكفر به النفوس المؤمنة، وهذا يجعل أهل فلسطين في مواجهة مع هذه المخططات، ولن يقبلوا بها حتى يحكم الله بيننا وبينهم، وهذا سيفجر على مستوى الأمة الإسلامية بركانا من الغضب والثورة لاقتلاع الحكام العملاء الخونة الذين والوا أعداء الله وفرطوا في المقدسات.

٤- إن الترويج لإقامة التحالفات مع كيان يهود، على اعتبار ما حققوه في المنطقة من إنجازات وإلحاق الهزيمة بالمحور الايراني، وتسويق الحاجة إلى حلف إستراتيجي عربي مع كيان يهود في مواجهة إيران ولما تشكله من خطر هو محض كذب، لأن الانتصارات المزعومة لكيان يهود هي انتصارات زائفة، ساهمت في صناعتها الدول الكافرة من أمريكا والدول الغربية وحكام العرب والمسلمين العملاء، إما بمشاركتهم في دعم يهود، كمن دافع عنهم وأمدهم بجسر بريمن الإمارات إلى حيفا، وإما بخذلانهم لأهل غزة والأرض المباركة. وهو ما حدث في حرب غزة من إمداد بالسلاح والعتاد والمرتزقة ودعم إعلامي وتبني رواية كيان يهود وهم يقومون بالتدمير والقتل والإبادة الجماعية وكذلك حمايتهم في المحافل الدولية، والعمل على تقديم المبادرات لإطالة الحرب ومنح الوقت ليهود لإنجاز الإبادة الجماعية وتحقيق أهداف العدوان الغاشم.

ومن جهة أخرى فقد حيدت الجيوش عن الحرب، وتُرك القتال لجماعات حوصرت من القريب قبل البعيد.

ولكن رغم ذلك كله فقد تهشم جيش يهود، وتلقى ضربات موجعة من مجاهدين تعرضوا للحصار والتجويع، وبعتاد يكاد لا يذكر أمام آلة القتل والدمار لكيان يهود، فلم يستطع جيش يهود حسم المعركة لصالحه في غزة، وهذا ما اعترف به مهندس خطة الجنرالات عندما أقر بفشل الخطة.

ومن جهة أخرى فقد ازدادت المخاطر بتفكك جيش الاحتياط في كيان يهود، نتيجة طول الحرب والاستنزاف الحاصل في المعارك. فاحتاج جيش يهود إلى من ينقذه ويخرجه من مأزقه، باتفاقات وصفقات عمل الحكام العملاء على إبرامها باتفاق مع أمريكا، وهذا يفسر سرعة خروج لواء نحال وغفعاني من الشمال مباشرة بعد إعلان وقف إطلاق النار دون انتظار الأوامر.

٥- إن الرؤى والخطط والسيناريوهات الأمريكية المتعلقة بغزة والضفة الغربية أو بمنطقة الشرق الأوسط لتشكيله بما يخدم المصالح الأمريكية ودمج كيان يهود في المنطقة تصطدم بوقائع على الأرض وصلابة الناس الذين أفشلوا حتى اليوم كثيرا من السيناريوهات التي حاول اليهود تمريرها في غزة والضفة الغربية، من التهجير القسري بداية الحرب وخطة الجنرالات والفقاعات الإنسانية وغيرها. وشعوب المنطقة العربية والإسلامية هم أبناء الأمة الإسلامية الكريمة، فهم أكثر صلابة في رفض ثقافة السلام والاستسلام والتطبيع بكل أشكاله.

٦ـ إن الاتفاقيات الإبراهيمية تهدف إلى سلخ المسلمين عن دينهم وأخلاقهم وقيمهم وفرض ثقافة الخنوع والاستسلام، والأمة لن تترك دينها ما دام فيها عرق ينبض وهذا ما أثبتته السنون والأيام.

٧ـ إن الطغيان والزهو بالقوة والغطرسة التي أظهرها ترامب، وما أظهره يهود من عجرفة واستخفاف بالمسلمين سيُرديهم، لأن الطغيان يعمي صاحبه.

فهذا فرعون أوصله زهوه بقوته وطغيانه وغطرسته إلى أن لحق بموسى ومن معه من بني إسرائيل إلى البحر، حتى إذا ظن أنه ممسك بهم ضرب موسى البحر فانفلق ليسير موسى ومن معه في طريق كل حافة منه كالجبل العظيم، فعمي فرعون بطغيانه وبزهوه بقوته عن رؤية حقيقة أنه أمام معجزة وأمام نبي متصل بخالق الكون والسماء القادر على كل شيء، فأرداه طغيانه وزهوه بقوته، فأغرقه الله وجنوده في اليم.

 واليوم أعمى أمريكا وكيانَ يهود طغيانُهم، مع رؤيتهم لخيانة الحكام لأمتهم، فظن اليهود بحبل أمريكا والغرب الممدود لهم أنهم قادرون على مجابهة الأمة والاعتداء على مقدساتها وأن يعيثوا في بلادها الفساد، فأعماهم ذلك عن حقيقة أن أمة الإسلام هي أمة كريمة، وأنها تمرض ولكنها لا تموت، وأنها تمر بمرحلة ضعف ولكنها ستعود إلى قوتها وعنفوانها محررة لأرضها وفاتحة للبلاد. والتاريخ شاهد لمن له سمع وبصر.

خاتمة

 إن السكوت عما جرى ويجري في فلسطين اليوم والاندفاع نحو موجات من التطبيع في المنطقة سيدفع يهود إلى مزيد من الأطماع وهذا ما كشفته الخريطة التي نشرت على موقع وزارة الخارجية لكيان يهود والتي تشمل أراضي في الأردن وسوريا ولبنان بالإضافة لفلسطين.

وإنّ التطبيع بكل أشكاله السياسية والاقتصادية والثقافية والعسكرية والأمنية جريمة ومنكر فظيع، لأنه ترك للجهاد وإطالة لأمد احتلال الأرض وتدنيس المقدسات، ووضع مقدرات المنطقة لقمة سائغة لكيان يهود، ليعيثوا في بلاد المسلمين الفساد.

وإننا على ثقة بأن ما حدث في غزة ومعركة طوفان الأقصى لن تمحى آثاره، فهو طوفان أصاب المنطقة والعالم، وهو لن تجف مياهه التي مزجت بدماء الشهداء حتى تثمر عزا ونصرا، خلافة راشدة على منهاج النبوة تقود الأمة إلى التحرير المنشود، وترسي نظاما عالميا جديدا يملأ الأرض عدلا وقسطا بعد أن ملئت جورا وظلما.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *