العدد 342 - 343 -

السنة التاسعة والعشرون رجب وشعبان 1436هـ – أيار وحزيران 2015م

هدفا الثورات المتلازمان: إسقاط الحكام العملاء للغرب وأنظمتهم العلمانية، وإقامة خلافة جامعة وخليفة واحد

بسم الله الرحمن الرحيم

هدفا الثورات المتلازمان:

إسقاط الحكام العملاء للغرب وأنظمتهم العلمانية، وإقامة خلافة جامعة وخليفة واحد

إنهما هدفان متلازمان لا ينفكان، وإن الغرب وعلى رأسه أميركا لما تحقق له أنه لا يستطيع القضاء على الثورات حاول جاهداً أن يجعلهما هدفين منفصلين. وأن يلعب على كل هدف على حدة.

– فبالنسبة إلى الهدف الأول وهو: إسقاط الحكام العملاء وأنظمتهم العلمانية، فإن السبب الرئيسي الذي فجَّر هذه الثورات هو: ظلم الحكام الذي بلغ مدى لا يطاق… ورفض نظام الحكم الذي يتذرعون به أنه يمثل شرعيتهم الظالمة… ورفض سياساتهم الخارجية القائمة على العمالة لدول الغرب والعمل على تنفيذ أجنداتهم على حساب مصالح شعوبهم وقضاياهم المصيرية… ورفض سياساتهم الداخلية الظالمة، ورفض أعوانهم الأمنيين الذين سلطهم على رقاب الناس وأذلَّ بهم كراماتهم وهدَّد حياتهم، ورفض الوسط السياسي المتعاون معهم في تنفيذ سياساتهم الداخلية والخارجية الظالمة، ورفض وسائل الإعلام التي تمجِّد الحكام وتزوِّر الحقائق وتغطي على جرائمهم،… ورفض سياساتهم الاقتصادية التي ظلمت الناس في معيشتهم وأوقعت البلاد في ديون ثقيلة جداً ورهنت مقدرات البلاد بيد الغرب في الوقت الذي بلغت اختلاسات الواحد منهم عشرات المليارات… ورفض طريقة الحياة الاجتماعية التي تقترب أكثر وأكثر من طريقة الحياة الغربية الفاقدة للقيم والبعيدة كل البعد عن تعاليم دينهم…

هذا الرفض الشامل للحكام ولكل ما يمثلونه: هو رفض لهم ولكل من يشاركونهم، ولكل من هم وراءهم، وهذا أمر طبيعي، وإنه وإن تم التركيز على المطالبة بـ إسقاط الحكام، فإنما هو من باب رفض الشيء بأبرز ما فيه؛ لذلك لم يكن هذا الرفض مقتصراً على الحكام فحسب.

وهذا الكلام يشمل الدول التي قامت فيها ثورات والدول التي لم تقم فيها ثورات لأن الأمة واحدة في توجهها العام، وواحدة في معاناتها، وواحدة في طبيعة حكامها، وواحدة في رفضها، وواحدة في تبنِّيها الإسلام كونه دينهم الحقَّ، والذي يضع حداً نهائياً لكل هذه الأوضاع الشاذة…

هذا الرفض من الشعوب للحكام هو رفض كلي وجدِّي؛ ولكن الغرب والحكام تعاملوا مع هذا الرفض باستخفاف ومخادعة والتفاف؛ فاستبدل مبارك بمن هو أسوأ منه وأكثر إجراماً وهو السيسي. واستبدل بن علي بأقرب المقربين منه وهو السبسي، وعلي صالح بنائبه عبد ربه هادي منصور… وكانوا مجرمين وسفاحين وماكرين في التعامل مع هذه الثورات ظناً منهم أنهم سيخمدونها، ولكن هيهات.

– أما بالنسبة إلى الهدف الثاني، وهو: إقامة خلافة جامعة تضم جميع البلاد الإسلامية ويحكمها خليفة واحد. هذا الهدف تعي أميركا تماماً أنه خيار الأمة، وهذا الوعي من أميركا (ودول الغرب عامة، وسائر دول العالم النافذة مثل روسيا والصين والهند… ) أمر طبيعي في الدول التي تخطط لحكم العالم؛ فإنها لا بد أن تتحسَّس مكامن الخطر والتهديد لسياساتها ولتفوِّقها الحضاري (الفكري والمادي) وقد دلَّت على ذلك بوضوح تصريحات حكام الغرب وسياسيِّيهم ومفكريهم وباحثيهم منذ سنوات قليلة، وكان أبرزها تصريحات بوش الصغير وأعوانه في الحكم، ومثل هذه التصريحات ما زالت تسمع حتى الآن، وعلى أعلى المستويات من أوباما إلى الحاقد لافروف، والمعلم وزير خارجية السفاح بشار…

 من هنا ظهر على أميركا هجومها على الثورات بمخطط جهنمي هو مخططها للشرق الأوسط الجديد الذي يقوم على تقسيم جديد للمنطقة على أسس عرقية ومذهبية وطائفية مَقيتة من شأنها في نظرها هدم الجسور بين مكوِّنات الأمة الإسلامية الواحدة، ومنها اللعب بورقة الخلافة نفسها لإسقاطها بدفع الناس إلى رفضها، ومنها اللعب على ورقة الأقليات لتتدخل من خلالها وتمنع أي تغيير لا يكون على خاطرها… هذا ويعتبر كل من يسير بهذه السياسة أنه يخدم السياسة الأميركية، عن قصد أو غير قصد

إن هذا الغرب المجرم والمفلس والذي يملك خبرة استعمارية إجرامية واسعة أدرك أن هذه الثورات تشكل خطراً مصيرياً ماحقاً له؛ لذلك أعلن أول ما أعلن أنها ثورات (الربيع العربي)، وذلك استباقاً وصرفاً لها عن الإعلان بأنها ثورات (الربيع الإسلامي)؛ لأنها تعلم أنها لو لم تعلن ذلك لانتشرت هذه الثورات على أساس الإسلام بسرعة قصوى لا تستطيع معها تداركها نظراً  لما ستجيِّشه عند المسلمين من مشاعر إسلامية عامة، وتفتح أذهانهم على صورة الإسلام المشرقة المختزنة في ذاكرتهم، وخاصة الخلافة. كذلك كان السبب في تسميتها بثورات (الربيع العربي) أنها تستطيع بها أن تبعد المطالبة بالحكم الإسلامي وتناور على الحكم بنظام مدني؛ وهم قد استعملوا عبارة الدولة المدنية لأن «العلمانية» أصبحت مكشوفة عند المسلمين بأنها تعني «اللادينية». فهذا في حقيقة الأمر هو تلاعب وتغيير في الألفاظ فقط؛ لأن الدولة المدنية كالعلمانية تعني فصل الدين عن الحياة، وهذا جوهر القصيد… هذا يشير إلى عمق ما يدركه الغرب من حقيقة هذه الثورات وأنها إسلامية، ويشير في الوقت نفسه أنه يلعب بمصير الأمة على طريقته…

إن مطلب التغيير عند الأمة هو مطلب حقيقي جاد، ولا يمكن الالتفاف عليه إلا بمعالجات حقيقية جادة، والغرب وعلى رأسه أميركا إن فكر بالتعامل مع هذه الثورات بتغيير أقنعة الحكام العملاء لها، وبالتغيير الشكلي لوصف الدولة بالمدنية بدل العلمانية معتمداً على أن الشعوب تكون عادة سطحية، فلتعلم هذه الدول المجرمة أن الأمة بمجموعها مخلصة، وأن  هناك فئات واعية على مخططاتها الجهنمية، وهم جزء لا يتجزأ من هذه الأمة. ثم لتعلم هذه الدول أنه إذا لم يتحقق لهذه الثورات هدفاها فإنها تبقى قائمة حتى تتحقق؛ لأنها ثورات أمة هي خير أمة أخرجت للناس. إن هذه الأمة تتقدم بالرغم من كل هذا التآمر الواقع عليها من هذه الدول، وهي تحمل المفاجآت لها، والتي ستكون، إن شاء الله تعالى، خاتمتها مسك: خلافة راشدة على منهاج النبوَّة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *