العدد 341 -

السنة التاسعة والعشرون جمادى الآخرة 1436هـ – نيسان 2015م

النظام السعودي يسير وراء الغرب في محاربة الإسلام، داخلياً وخارجياً (1)

بسم الله الرحمن الرحيم

النظام السعودي

يسير وراء الغرب في محاربة الإسلام، داخلياً وخارجياً (1)

أبو عبد الله – بلاد الحرمين الشريفين

يتكون المجتمع من مجموعة من الأفراد تربط بينهم علاقات دائمية، هذه العلاقات تتحكم فيها مفاهيم الإنسان ومشاعره والأنظمة السائدة بينه وبين غيره من الناس. فمفاهيم الإنسان هي التى تحدد المصلحة التى يجتمع الناس عليها، وبها يحدد الصواب من الخطأ. وهذه المفاهيم ترتبط بها مشاعره التى يفرح وينتصر، ويحزن ويثور ويغضب بحسبها. والأنظمة هي السلطة التى ترعى شوؤن الناس بما يوافق مفاهيمهم ومشاعرهم، وهي التى لها أثر كبير فى العلاقات السائدة فى المجتمع. وحتى يكون هذا المجتمع – المكون من الأفراد والمفاهيم والمشاعر والأنظمة – مجتمعاً متجانساً، يجب أن تتوحد وتتجانس هذه المفاهيم والمشاعر والأنظمة من غير أن تناقض بعضها بعضاً. وكي يكون مجتمعاً ناهضاً راقياً، يجب أن ترتكز هذه المفاهيم والمشاعر والأنظمة على قاعدة فكرية واحدة صحيحة. ونحن المسلمون نؤمن أن هذه القاعدة الصحيحة الوحيدة هي العقيدة الإسلامية، التي منها تنبثق الأفكار والمشاعر والنظم التى تحكم العلاقات بين المسلمين، وبها يتحدد مفهوم المصلحة فى المجتمع الإسلامي.

وقد أدرك الكافر المستعمر ذلك جيداً؛ لذلك نراه منذا الوهلة الأولى من دخوله لبلادنا قد أبدل القوانين الإسلامية التى كانت تحكم بلاد المسلمين بقوانينه الوضعية دون الالتفات إلى تعوُّد المسلمين فى تلك البلاد على حكمه ودون التدرج معهم. وأخذ يضرب المفاهيم الإسلامية ويشوهها لديهم مستخدماً عملاءه الذين صنعهم؛ فاستطاع بذلك أن يوجد مجتمعاً مضطرباً غير متجانس، يتمسك أفراده بعقيدتهم الإسلامية، وتكون مشاعرهم إسلامية، ولكنهم مفصولون عن القوانين والمقاييس السائدة فى الدولة التى فرضت عليهم.

هذا وقد سار حكام آل سعود على الضرب الذى رُسم لهم من قبل أسيادهم الغربيين، فسلخوا المسلمين فى بلاد الحرمين عن محيطهم الإسلامي، وأنشؤوا دولة سميت باسم عائلتهم، وأذكوا مشاعر الوطنية، وأصبحوا يفرقون بين المسلمين بكلمة سعودي وغير سعودي، مواطن ومقيم. وأصبحوا يدعمون خطط الغرب المستعمر فى بلادنا، ولم ينسوا أن المسلمين فى هذه البلاد مازالوا متمسكين بعقيدتهم، مستعدين للتضحية فى سبيلها، رافضين لأى أنظمة أو قوانين وضعية مخالفة للإسلام. وحتى يلتف حولهم الناس، ألبسوا نظامهم لباس الإسلام، وأصبحت كل القوانين والأنظمة – المخالفة للإسلام – يصبغونها بصبغة الإسلام، مستخدمين شيوخاً اتخذوهم مطية لإدخال كل ما يخالف الشرع فى المجتمع تحت فتاواهم الفاسدة، ولإجهاض كل عمل لتخليص مسلمي هذه البلاد من حكمهم الجائر العميل.

وفى الآونة الأخيرة أصبح النظام يسرع الخطى لعلمنة وتغريب الدولة والمجتمع أكثر من قبل، فلم يكفِه ما فعله فى هذه البلاد باسم الإسلام، بل أصبح يغيِّر ويبدل فى تركيبات المجتمع غير عابئ بشكوى الناس ولا نصائح العلماء والمسلمين المخلصين له. ويتجلى ذلك في أمور عديدة، نتناول فيما يلي أبرزها:

إفساد الأسرة والمرأة المسلمة

قام النظام السعودي – بالرغم من الزوبعة الكبيرة التى ثارت، وخاصة من جانب بعض من المشايخ والعلماء واعتراضاتهم المتكررة وعرائضهم المطولة – بالتوقيع على اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة المعروفة باسم «سيداو». وهي الاتفاقية التى تلزم الموقعين عليها بالقضاء على كل أشكال التمييز بين الرجل والمرأة، وتنادي بالمساواة المطلقة بينهما. وهي الاتفاقية التى لا تخلو مناسبة وإلا ونجد مسؤولاً رسمياً يشيد باعتراض البلاد عند التوقيع على المواد المخالفة للشريعة الإسلامية، وأن السعودية تحفظت واشترطت عدم تنفيذ أى بند فيه مخالفة للقانون الإسلامى (جريدة الرياض 16-03-2014م)، ولكن ما يقوم به النظام الحاكم من تغيير للقوانين وتشويه للمفاهيم فى المجتمع وإصدار للقرارت يدل على زيف ادعائهم، بينما عملهم يقوم على إيجاد ما نصت عليه الاتفاقية فى أرض الواقع. فقد كان هناك مجموعة من البنود التى يدعي النظام أنها غير ملزمة له وأنه اعترض عليها عند التوقيع، مثل ما يتعلق بإلغاء كافة أشكال التمييز بين الرجل والمرأة من قوانين هذه الدول الموقِّعة، بجانب تجسيد مبدأ المساواة بينهما فى تشريعاتها، وضمان الحماية الفعالة للمرأة عن طريق المحاكم الوطنية، وهناك مواد تلغي مفهوم القوامة والولاية، وتعطى للمرأة نفس الحق فى منح الجنسية لأطفالها مثلها مثل الرجل، واتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لتحديد أدنى سن الزواج، وتعديل الأنماط الاجتماعية والثقافية لسلوك الرجل والمرأة. ولكن الناظر لما يحدث فى المجتمع من تغيير للأنظمة والقوانين والتى دائماً ما تسبقها حملة إعلامية لتهيئة المجتمع ليتقبلها، يرى أنه قد اتخذت عدة قرارات لتفعيل بنود هذه الاتفاقية والمضي بها قدماً استجابة لدعاوى تحرير المرأة. وليس موضع الحديث هنا عن مساوئ هذه الاتفاقية وبيان مدى فسادها، وإنما الإشارة لما يتخذ من قرارات وقوانين يبدو فى ظاهرها الإصلاح وإرجاع حقوق المرأة، وهي فى حقيقتها تنفيذ لخطط الغرب الكافر لتدمير المجتمعات الإسلامية بدعاوى التحرر والمساواة.

من هنا أصبحت تظهر الدعوات المتكررة لإلغاء مبدأ الـمُحْرَم، والسماح للمرأة بحرية الحركة والتعاملات فى المجتمع. وقد تم بالفعل وقف إبلاغ ولي الأمر بمغادرة أفراد أسرته من النساء إلى حين إدخال التعديلات اللازمة ليصبح القرار اختياريا ًكما صرح بذلك المتحدث باسم المديرية العامة للجوازات (جريدة الوطن 14-01-2014م)، كل هذا تزامناً مع فتح باب الابتعاث للدول الغربية على مصراعيه للمرأة، ليرجعنَ مضبوعات بالثقافة الغربية. وانتشار الدعاوى بإلغاء ما أسموه أشكال التمييز بين الرجل والمرأة، والولاية المطلقة على المرأة السعودية وحقها فى تقرير المصير، وتحديد حد أدنى لسن الزاوج، والدعوات المتكررة لفرض هذا أمراً واقعاً على المجتمع (جريدة الرياض 23-01-2013م). وما هذه الدعوات المتكررة والسماح لكتَّاب الرأي فى الصحف المحلية وفى البرامج الإعلامية إلا تمهيد لإقرار المزيد من القوانين التغريبية وتهيئة الرأى العام لها. إضافة إلى صدور قانون – من جملة قوانين تستحدث استجابة لتغريب أنظمة القضاء تحت مسمى تطويره – يعاقب الرجل بتعويض زوجته مبلغاً لا يتجاوز 50 ألف ريال إذا ضربها، كما تشمل على الحبس لمدة لا تقل عن شهر ولا تزيد عن عام (موقع العريية دوت نت 14-04-2014م). وهو القانون الذي سبقه حملة من مقالات كتَّاب الرأى وحملات إعلامية لإبراز قضايا العنف ضد المرأة، وصدور قانون أخر بعدم تنفيذ إعادة الزوجة إلى بيت الزوجية بالقوة الجبرية (جريدة عكاظ 23-03-2014م).

 كذلك تشجيع الدعوات لهدم مفهوم القوامة فى الإسلام، التى ليست فقط للرجل على زوجته، وإنما المقصود بها كذلك الأب على ابنته. وتشجيع دخول المرأة بشكل واسع فى مجالات العمل المختلفة دون مراعاة لأحكام الاختلاط بين الرجل والمرأة فى المكاتب والمؤسسات التجارية وحتى المطاعم والأسواق التجارية، يضاف إلى ذلك الضجة التى تحدث من حين إلى آخر حول قيادة المرأة للسيارة، وحول أحقيتها فيها، وهو الأمر الذى تم قبول مذكرة بشأنه لأول مرة فى مجلس الشورى (موقع بى بى سى العربية 18-03-2013م). إضافة إلى النقاشات التى تدور حول دخول المرأة للعمل بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما صرح رئيس الهيئة بأن هذا الأمر من أمانيه (جريدة الوطن 08-05-2014م). هذه الأمور وغيرها هي من المؤشرات الكثيرة على تشريعات عديدة تتم تهيئة الساحة لتقبلها.

واستكمالاً للسير على خطى التغريب واستجابة للضغوطات الغربية العلمانية وأتباعهم فى الداخل، تم السماح للمرأة بالدخول فى مجلس الشورى بـ30 عضوة معينة من قبل الملك، كذلك تم السماح لها بالترشح والدخول في المجالس النيابية فى الانتخابات المقررة فى 2015م، وكم رأينا من إبراز للإشادات الغربية بهذا الأمر، وإبراز هذه الإشادة فى الصحف المحلية (جريدة الرياض 28-03-2014م)، ومباركة من علماء ومشايخ كانوا فى السابق ممن ينكرون هذا الأمر، حتى إن رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الشيخ عبداللطيف آل الشيخ أبدى سعادته بالقرار، وإنه غير مخالف للكتاب والسنة (جريدة المدينة 12-01-2013م)، وكأنه تذكر الآن فقط أن الإسلام أعطى للمرأة حق المشاركة السياسية، وهو الحق الذى قرره لها الإسلام منذ أكثر من 1400 عام في أن تكون عضواً فى مجلس الأمة لمحاسبة الحكام وتقديم المشورة. والمجال هنا لا يتسع للحديث عن دور مجلس الشورى هذا فى ظل هذا النظام وما هو إلا تضليل وخداع للناس وما فيه من مخالفات شرعية. كما أن السماح للمرأة والتمنن عليها بالمشاركة لم يكن استناداً لأحكام شرعية تبيح للمرأة أن تكون عضواً منتخباً فى مجلس الأمة، وإنما تم فيه الخضوع لإملاءات الغرب والاتفاقيات الدولية الموقعة، والتفاخر بأن هذا الأمر هو من باب المساواة بين الرجل والمرأة، والتغني بحكمة وقيادة ولاة الأمور وتبنيهم لقضايا المرأة.

ونحن هنا لسنا بصدد تبيان الحكم الشرعي في كل قانون من هذه القوانين أو كل تغير من هذه التغيرات، وتبيان ما أقره الإسلام للمرأة المسلمة وحرمها منه هذا النظام سنين طويلة ظلماً، وتبيان المخالفات الشرعية في القوانين الجديدة، وإنما كان استعراضنا لها لتبيان التغيرات التي تحدث في ظل هذا النظام الذي ما فتئ يحرم ما أحل الله، ثم يحلل ما كان يحرم من قبل، وكأن أحكام الله مرهونة بيد أسياده، فما أمروه به صار حلالاً بعد أن كان سنين حراماً.

ديدن هذا النظام سوء رعايته لمصالح الأمة

لاتطلع شمس يوم ولا تخلو صحيفة يومية من خبر محلي إلا ويكشف لنا مدى سوء وتردي الأوضاع المعيشية فى هذه البلاد فى ظل حكم هذه الأسرة. فنظرة خاطفة إلى مختلف قطاعات الدولة نجد اللامبالاة والاستهتار وسوء الرعاية السمة الغالبة لحكومة آل سعود فى تسيير شؤون الناس.

فقطاع الصحة يعاني من حالة من السوء لا توصف. بداية من تكدس للمرضى فى العيادات، وأخطاء قاتلة سواء فى التشخيص أو فى العلاج أدت إلى الوفاة فى عدة حالات، دون أدنى اهتمام أو إحساس بالمسؤولية من وزارة الصحة. ودون حتى اتباع الإرشادات والتعليمات البدائية فى كيفية تمريض المرضى وعلاجهم، وحوادث نقل دم ملوث كثيراً ما يتم الكشف عنها (جريدة عكاظ 14-02-2013م). وبدلاً من أن تقوم وزارة الصحة بالدور المنوط بها فى تحسين الحالة الصحية للمواطنين والعمل على تحسين خدماتها الطبية، نجدها تتستر على الأخطاء وحالات الإهمال، إضافة إلى إخفاء المعلومات وإنكار الأخبار عن انتشار الأمراض والأوبئة، حتى إن فيروس كورونا الذى تم اكتشافه فى البلاد قبل سنتين تم الكشف عنه والإقرار بانتشار المرض مؤخراً بعد أن تجاوز عدد الوفيات الـ 170 حالة، وارتفاع حالات الإصابة إلى نحو أكثر من 500 حالة، دون أن تحرك الوزارة والدولة من قبلها ساكناً لاحتواء المرض ونشر التوعية عنه، ودون إجراء أى اختبارات أو أبحاث لاكتشاف علاج له، وكأننا ننتظر أن يمنَّ علينا الغرب باكتشافه العلاج لنا، ولا ينقص الدولة لا المال ولا المعامل اللازمة لعمل البحوث اللازمة لاكتشاف علاج له، علماً بأن مخصصات الصحة تعدت الـ100 بليون ريال فى ميزانية هذا العام، ناهيك عن ترك توفير الرعاية الصحية لرؤوس الأموال ممثلة فى شركات التأمين تتلاعب بالمرضى كيفما شاءت.

 ويضاف إلى ذلك انتشار الفساد فى كل مفاصل الدولة، وحتى مع وجود هيئة مكافحة الفساد «نزاهة» التى نشأت قبل ثلاث سنوات، مازال الفساد منتشراً يأكل الأخضر واليابس، حتى إن عدد البلاغات التى رفعت لـ «نزاهة» بلغت فى عام واحد فقط 10 آلاف بلاغ (جريدة المدينة 08-01-2014م). ورغم أن قرار إنشاء هذه الهيئة كان بأوامر مباشرة من الملك عبد الله إلا أن الأيام تكشف مدى العجز والقصور الذى تعاني منه الهيئة فى مكافحة الفساد، حتى إنها عجزت عن فرض غرامة مالية على الجهات غير المتعاونة معها (عكاظ 25-03-2014م). وقضايا الفساد فى كارثة سيول جدة مازالت منظورة حتى الآن أمام القضاء دون محاسبة حقيقية للمسؤول عنها، و»نزاهة» مازالت ترفع أسماء الجهات الحكومية التى لم تتجاوب معها لملك البلاد ولا مجيب (جريدة الرياض 19-01-2014م).

هذا غير إفسادهم للتعليم وعقول الأبناء، سواء برداءة مستوى التعليم الذى لا يخرِّج شخصية صالحة للمجتمع، أو من جعل التعليم من المشاريع الاستثمارية والتوسع الكبير فى المدارس الخاصة الدولية والأهلية والرسوم الباهظة المفروضة على أولياء الأمور، أو من سياسات تغريبية للتعليم استجابة لمطالب الغرب لإعادة تشكيل الثقافة التى تدرس للأبناء وإحلال الثقافة الإسلامية بالثقافة الغربية، والتوسع فى الابتعاث الخارجي للطلبة والطالبات محاولة منهم لإنشاء جيل مصبوغ بالصبغة الغربية، فيعود هؤلاء الطلبة محملين بالأفكار الغربية وثقافة الغرب متخذين مقاييسه للحياة مثلاً عليا، ساخطين على مجتمعهم، متهمينه بالرجعية والجمود والتخلف.

وأمثلة سوء الرعاية وعدم اكتراث حكام البلاد بتحسين حياة المواطنين وتأمين حاجات الناس الأساسية من مأكل وملبس ومسكن، وتوفير رعاية صحية وتعليم وأمن لهم، أمثلة كثيرة لا تحصى. حتى إن المرء يظن أنه فى دولة تتسول وليس فى دولة من أغنى دول العالم تتجاوز ميزانيتها التريليون ريال سنوياً.

رفاهية أم بؤس اقتصادي

مع اقتراب نهاية كل عام تعلن الحكومة ميزانيتها للعام القادم، وتتفاخر سنوياً بارتفاع حجم الميزانية حتى وصلت فى ميزانية هذا العام إلى أرقام فلكية تجاوزت التريليون ريال كإيرادات و925 بليون ريال كمصروفات، بجانب الفائض السنوى من الميزانية السابقة. وتجاوز حجم الأصول الاحتياطية فى منتصف العام الماضي الـ2 تريليون ريال، وهو الذى جعل السعودية في المركز الثالث عالمياً لأكبر احتياط مالي عالمي (جريدة الرياض 06-05-2013م). بجانب تحقيقها لنمو اقتصادي أكبر من أميركا وبريطانيا (الحياة 05-03-2014م)، واحتلالها المركز السابع في التصنيف السيادي لمجموعة الـ20ـ (الرياض 08-03-2014)، والمركز الثامن عالمياً كأقوى اقتصاد مؤثر فى قرارات صندوق النقد الدولي (جريدة الرياض 23-03-2014م)، وقد نقلت (جريدة الرياض 19-09-2012م) أن 1265 ثرياً من أثرياء السعودية يملكون ثروات تتجاوز الـ800 بليون ريال.

 ولكن ما هو حال الفرد الذى يعيش تحت رعاية هذه الحكومة. أى عاقل يسمع ويرى هذه الإحصائيات والأرقام، يشعر إنه أمام دولة توفر قمة الرفاهية لأبنائها، أو على الأقل وفرت جميع احتياجات الناس الأساسية ونالوا قدراً لا بأس به من الكماليات. إلا إنه بالرغم من كل هذه الثروات والأموال التى تكفي البلاد العربية كلها، نجد أن نسبة الفقر فى هذه البلاد بلغت 12.5% (جريدة الرياض 31-10-2014م)، أي أن ما يقرب من 4 ملايين نسمة يعيشون بأقل من 5 ريالات يومياً للفرد (المعدل العالمى 1.25 دولار). فى حين أنه من المفترض أن يكون معدل دخل الفرد – كما قدره خبراء اقتصاديون لعام 2013 – 98 ألف ريال، وكان من المتوقع أن يصل إلى 137 ألف ريال فى 2014م (موقع العربية دوت نت 01-05-2013م).

ويعود هذا التفاوت الرهيب إلى أمرين رئيسيين، وهما اتباع الحكومة للسياسة الرأسمالية في الاقتصاد، إضافة إلى نهب أموال الملكية العامة وجعلها ملكية للدولة. فالسياسة الاقتصادية الرأسمالية قائمة فى الأساس على سوء توزيع الثروات بين أفراد الدولة وعدم إلزام الدولة بتوفير الحاجات الأساسية من مأكل ومسكن وملبس وصحة وتعليم وأمن، فأحدثت هذه السياسات فجوة بين الأغنياء والفقراء تزداد بعداً مع الوقت، وهي السياسات التى تجعل دولة مثل السعودية بكل ما حباها الله سبحانه وتعالى من ثروات تعجز عن القضاء على الفقر فيها. بجانب أن جزءاً كبيراً من ثروات الأمة منهوب في دعم اقتصادات الغرب المستعمر ومساعدته في الأزمات الاقتصادية التى تعصف به، حتى إن محافظ مؤسسة النقد السعودية خرج ليصرح بأن ربط الريال بالدولار مفيد (موقع CNN العربية 04-03-2013م)، بعد ازدياد الدعاوى المطالبة بفك ارتباط الريال بالدولار ووقف دعمه، وهو الذى يضيع على الأمة أموال طائلة لا حصر لها سنوياً. وينكشف هذا النظام وعجزه حتى عن مجرد توفير أدنى حد من الرفاهية للناس، أن يخرج وزير الاقتصاد السعودي – أكبر منتج ومصدر وبها أكبر احتياطي  للنفط فى العالم – ليتذرع بأن فاتورة دعم الوقود أصبحت باهظة (موقع العربية دوت نت 08-05-2013م)، تأكيداً لتكهنات ثارت عن التخطيط لرفع الدعم الحكومي عن أسعار الوقود. ويضيف أن من أهم التحديات التى تواجهها البلاد الآن هو اجتذاب الشركات العالمية للاستثمار فى البلاد، لتكون بذلك هي المتحكم الأساسى فى الاقتصاد. واستمراراً للربط مع المنظومة الغربية الرأسمالية والسير على خطاها وعدمها، تشارك المملكة فى كل المؤسسات الاقتصادية الاستعمارية التى لا هدف لها إلا السيطرة على اقتصادات العالم والسيطرة للضغط على الدول باتباع سياسات اقتصادية تكون فى خدمة أصحاب رؤوس الأموال. كل هذا إضافة إلى جعل اقتصاد البلاد قائماً على البنوك والمؤسسات النقدية الربوية وشركات الأموال الوهمية وشركات التأمين، وكلها دلالات على إبعاد أحكام الإسلام وتغييبه عن المجتمع.

  أما عن نهب أموال الملكية العامة للمسلمين، فحدث ولا حرج عن نهب مجموعة صغيرة من أصحاب السلطة والنفوذ لكل خيرات البلاد تحت مسمع ومرأى من حكام البلاد ومشاركة منهم لهم. ويكفي مجرد الإشارة لرد أحد أبناء الملك فى جلسة عامة استهزاءً بالجالسين بأنه أصبح لا يوجد أراض متاحة للناس بسبب الشبوك (مقطع من اليو تيوب)، وكان الواجب عليه أن يوضح من هم أصحاب الشبوك ومن يسمح لهم بالاستيلاء على مئات الألاف بل ملايين الأمتار من الأراضى وإقامة الشبك حولها كيفما يحلو لهم، دون محاسبة أو عقاب.

إن الحالة الاقتصادية فى البلاد تسير من سيئ إلى أسوأ خلافاً للدعاية الوهمية بنمو الاقتصاد والأرقام الفلكية للميزانية، فالمتابع لأحوال المعيشة فى البلاد، ولشكاوى الناس من ارتفاع الأسعار المتكررة، وربط أفراد المجتمع بقروض ربوية لا آخر لها لأجل دفع قسط سيارة أو لتوفير مسكن لائق لأسرته، إضافة إلى سوء الخدمات المقدمة، وتوحش رؤوس الأموال واستيلائهم على كل خيرات البلاد، وعدم خلو أي حديث يومي بين الناس عن المعاناة المعيشية التى يجدونها يومياً  لخير دليل على تردي الأحوال الاقتصادية في البلاد..

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *