العدد 450-451-452 -

السنة الثامنة والثلاثون، رجب – شعبان – رمضان 1445هـ الموافق شباط – آذار – نيسان 2024م

كيف تنهض هذه الأمة من جديد ؟؟

 ريان عادل – الموصل

الأجيال الأخيرة للمسلمين من الذين ولدوا وعاشوا خلال المئة سنة الأخيرة لم يجدوا أمامهم وفي حياتهم العامة التي يعيشونها سوى الكوارث والمصائب والخور والعوز والتخلُّف والرجعية والنظم القمعية مع معاداة هذه النظم للإسلام ولمن يدعو إليه؛ حتى اضطر الدعاة إلى الاختباء والتنقل الحذر لكيلا يسقط الداعي بين براثن أجهزة المخابرات الفاجرة، وهذا الأمر يشمل جميع أنحاء تواجد المسلمين شرقًا وغربًا مع تفاوت هامشي بين منطقة وأخرى في العالم الإسلامي المترامي الأطراف.

وفي ظل هذا الواقع السيئ والذي حدثنا عنه الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم بقوله «لا يلبث الجور من بعدي إلا قليلًا حتى يظهر. فكلما ظهر من الجور شيء ذهب من العدل مثله؛ حتى يولد في الجور من لا يعرف غيره. ثم يأتي الله بالعدل. فكلما ظهر من العدل شيء ذهب من الجور مثله؛ حتى يولد في العدل من لا يعرف غيره» مسند الإمام أحمد.

في ظل هذا الواقع المرير لم تعرف تلك الأجيال دولة الإسلام، ولا حكم الإسلام، ولا كيفية تطبيق الإسلام، فأصبحت الأمة تائهة محتارة لا تعرف لنفسها طريقًا أو هدفًا أو غاية سامية يُسعى لها؛ فأصبح المسلمون بين متجمِّدٍ على الموروث القديم بلا فهم، وبين مسارعٍ في ركاب الغرب لظنِّه أن هذا هو ما يريده الإسلام، وأنه حيثما تكون المصلحة فثَمَّ شرع الله، وبين مَن تجَّرد بالكلية عن دينه وسار في ركاب الغرب بلا قيد أو شرط.  

في هذا الظلام الدامس قيض الله لهذه الأمة حزب التحرير، وأثبتت الوقائع أنه كان في حسن سيره وحسن بلائه وحسن صبره، وحسن ثباته أنه كان (الرائد الذي لا يكذب أهله) فقد بيَّن ووضَّح وعالج الأفهام والقناعات للأمة، وبيَّن للمسلمين سبب وجودهم والغاية منه ووضَّح لهم أن الأمة لن تعود إلى سابق عهدها ومجدها إلا إذا أقامت سلطانها وكيانها السياسي والتنفيذي القائم على أساس الإسلام وشرعه الحنيف. فالدولة لا تقهرها إلا دولة مثلها (الدول لا تقهر بجماعات مسلحة مهما كانت قوتها، ولا بمن يأخذ من الدين شيئًا ويترك الباقي بسبب الظروف والوقائع على الأرض) فكيف إذا اجتمعت دول الغرب على أمة ممزَّقة، يعيش أهلها فيها في حدود هي أشبه بسجن منه إلى دولة!!.

إن جميع الدول في العالم الإسلامي هي صناعة غربية متكاملة الأركان لا يستطيع فيها حاكم واحد أن يخرج عما يريده الغرب منه، فولاء هؤلاء الحكام ومن اتبعهم هو لسيدهم الغربي وليس لأمتهم. فالغرب عندهم هم أصحاب الفضل عليهم؛ إذ أقعدوهم على كراسي الحكم والجاه السلطان، وجعلوا من كل واحد منهم خنجرًا ينهشون به هذه الأمة قتلًا وتعذيبًا وسجنًا وتهجيرًا وإخفاءً وظلمًا وقمعًا وقهرًا… وما غزة عن تآمرهم ببعيدة؛ فلم يتحرك منهم أحد لنجدتها، بل سارعوا إلى تهديد من يريد من الجيوش أن تتحرك لنصرتها، ولا عجب فيما يتصرفون به لأن مهمتهم من أسيادهم أن يشكلوا جدار الصد الأول عن اليهود، ومخطط لهم أن يقفوا ضد نهضة الأمة وإعادتها إلى سابق مجدها كما يريده لها خالقها.

لذا، وكما بين حزب التحرير، فإن أول مقومات النهضة لهذه الأمة من بعد نضجها الفكري هو التخلص من هؤلاء الحكام العملاء ورميهم ورمي نظمهم وأتباعهم في مزابل التاريخ، وتولِّي زمام الحكم والسلطان ممن لا يخافون في الله لومة لائم؛، فيطبقون الإسلام في الدولة والمجتمع، ومن ثم تحمله هذه الدولة كرسالة نور وهدى إلى شعوب العالم كافة… هذا هو العمل الأساسي لدولة الإسلام لإخراج الناس من ظلمات الجاهلية إلى نور الإسلام، ورد كيد أعداء هذه الأمة من دول الغرب الكافر، وإلزامهم حدهم وتصغير شأنهم والتضييق عليهم حتى لا يفكروا ثانية في المساس بالإسلام وأهله.

إن نظام الخلافة هو النظام الذي أسسه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذين يعتبر إجماعهم مصدرًا من مصادر التشريع الإسلامي بعد كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فما يجتمعون عليه هو شرع لا خلاف فيه أو عليه، من هنا كانت الخلافة ونظام الحكم الإسلامي هو شرع شرعه الله لنا كمسلمين، وعن طريقه نحافظ على ديننا ونطبقه ونحميه ومن ثم نحمله إلى العالم كله بالجهاد والدعوة.

عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حد يقام في الأرض خير من أن تمطروا أربعين صباحًا» رواه النسائي وابن ماجة وأحمد، ومن المعروف شرعًا أن من يقيم الحدود هو خليفة المسلمين أو من ينوب عنه من عماله، فإن كان هذا الخير كله ينبع من تطبيق  حدٍّ واحد من حدود الإسلام فكيف بتطبيق الإسلام كله دفعة واحدة ؟!.  

هذا ما حاول الغرب جاهدًا صرف أذهان المسلمين عنه، واستبدل لهم نظام حكمهم الشرعي بنظم وضعية من ديمقراطية ورأسمالية واشتراكية، وروابط قومية ووطنية… وبحمد الله أثبتت كلها فشلها بعد أن طُبقت عمليًّا في واقع حياة المسلمين، وبعد أن سار المسلمون في ركبها سنينَ عجافًا فتأخَّروا بسببها لعقود، وأثبتت بالتالي أنها مخالفة لفطرة الإنسان التي فطره الله عليها؛ لأنها أنظمة وضعها الإنسان العاجز الناقص المحدود، ولأن تلك الروابط ليست روابط إنسانية تنفع لجمع الإنسان مع أخيه الإنسان فضلًا عن أن تجمع المسلم مع أخيه المسلم.

لذا يعمل حزب التحرير ومنذ أكثر من سبعين عامًا، بالأمة ومعها لتصحيح بوصلتها وتركيز أفهامها وتصويب توجهاتها نحو قارب النجاة الذي لا يوجد غيره، ألا وهو العمل مع العاملين لقيامة دولة الخلافة الإسلامية الراشدة الثانية على منهاج النبوة؛ مصداقًا لقوله تعالى: (وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَيَسۡتَخۡلِفَنَّهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ كَمَا ٱسۡتَخۡلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمۡ دِينَهُمُ ٱلَّذِي ٱرۡتَضَىٰ لَهُمۡ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنۢ بَعۡدِ خَوۡفِهِمۡ أَمۡنٗاۚ يَعۡبُدُونَنِي لَا يُشۡرِكُونَ بِي شَيۡ‍ٔٗاۚ وَمَن كَفَرَ بَعۡدَ ذَٰلِكَ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ ٥٥)[النور: 55]

ولهذه الغاية النبيلة ولأجل هذا الهدف السامي وضع حزب التحرير خريطة عمل شرعية كاملة، بيَّن فيها طريقة تنفيذ الأحكام الشرعية في واقع الحياة، وأَّلف الكتب والكرَّاسات ونشر البيانات لتوضيح فكره ووجهة نظره بشكل واضح لا لبس فيه، ولأن الحزب واثق بوعد الله وببشرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف؛ حيث قال: «ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، ثم سكت». فوضع دستورًا لدولة الخلافة القادمة بإذنه وعونه وتوفيقه إن شاء الله تعالى، دستورًا كل موادِّه مبنيَّة على أساس عقيدة الإسلام وحده، ومنبثقة عنها أحكامه الشرعية، وعرض دستوره على الأمة لتقرأه وتتدبر فيه، حتى يعلم القاصي والداني أن الإسلام دين كامل ونعمته تامَّة عامَّة طامَّة، لا تخرج كل كلمة فيه عن أحكام الشرع قيد أنملة، وليثبت أنه الحزب القادر بإذن الله وهدايته على أن يتولى قيادة الأمة والأخذ بها إلى مسرح الحياةحاكمًا وهاديًا ومجاهدًا وناشرًا للدين في جنبات العالم… إنها الخلافة الراشدة الثانية أيها المسلمون، إنها البعث الجديد للحق في آخر الزمان الذي يصل ما انقطع مع أوله… فهنيئًا لمن وفقه الله وهداه لأن تكون له يد في قيامة هذا الأمر.

 من أجل هذا أيها المسلمون، ندعوكم جميعًا أفرادًا وجماعات، جنودًا وقيادات وجميعَ فئات المجتمع أن تعملوا وتساندوا وتؤازروا حزب التحرير ليتمكن من إقامة دولة الخلافة وتطبيق الإسلام جملةً وتفصيلًا، تلك الخلافة التي فيها وحدها عزكم وأمنكم، وفيها قبل كل شيء رضا ربكم عنكم، والتي بها يرفع الله يد عدوكم عنكم، بل ويضع يدكم عليهم لتخرجوهم من الظلمات إلى النور بإذنه تعالى. 

اللهم قد طال ليل الكفر والظلم علينا فأخرجنا من هذا الكرب العظيم، اللهم واهدنا إلى صراطك المستقيم يا أرحم الراحمين… اللهم أهدنا إلى أرشد أمرنا، وكحِّل اللهم أعيننا برؤية تطبيق شرعك الحنيف وأقرَّ أنفسنا بالعيش في كنف دولة الخلافة الراشدة الثانية التي تكون على منهاج النبوة، تمامًا كما بشر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم،… ربنا أنت خير هادٍ، وخيرُ معينْ، خيرُ ناصرٍ… وما توفيقنا إلا بالله العلي الكبير.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *