العدد 450-451-452 -

السنة الثامنة والثلاثون، رجب – شعبان – رمضان 1445هـ الموافق شباط – آذار – نيسان 2024م

زرع الطواغيت أخطر من صنعهم… أردوغان مثلًا

نبيل عبد الكريم (أبو مصعب)

إن الصراع بيننا وبين الغرب قديم جدًّا؛ ولكن بعد تمكنهم من إسقاط الدولة العثمانية عبر التغلغل في جسم الخلافة العثمانية لعدة سنوات وزرعهم للخونة واستمالتهم وبثِّ الأفكار الهدَّامة وممارسة الخديعة والمكر، تمَّ تقسيمها إلى دويلات صغيرة وكبيرة، ولم يكتفوا بذلك بل عملوا على تشويه صورة الخلافة في أذهان الأمة وذلك عبر عملائهم وخاصة اللعين مصطفى كمال الذي أبعد معالم الدين عن الساحة السياسية في تركيا، وأعلن إنهاء منصب الخليفة بطريقة ماكرة، وشوَّه صورتها، وجعل الأتراك يصدقون أنها هي من جلبت لنا التخلُّف والفقر، وأنها لا تصلح للوجود في زمن الثورة الصناعية والعلم.

كذلك زين الغرب صورة الدولة القومية التي سوف تعيد لكل بلد رونقه وصفته القومية بمعزل عن كونهم مسلمين، وانساق وراء هذا الطرح كل خائن ومضبوع بالحضارة الغربية، ولو تركونا هكذا دون تدخل في حياتنا وطريقة عيشنا لعدنا لأصلنا واستعدنا عزنا بأسرع ما يتصور؛ ولكنهم بعد أن دخلوا بلادنا وفرضوا الدستور الوضعي، سيطروا على البلاد وأرزاق العباد ونهبوا الثروات، ثم زرعوا كيان يهود المسخ لكي يحولوا دون عودة وحدتنا، وليكون هذا الكيان خنجرًا مسمومًا في قلب الأمة.

وبعدما أفاق الناس من خضوعهم وخنوعهم وفهموا متأخرين أنهم أصحاب البلاد ولها حق الاستقلال، هبُّوا إلى إخراج المستعمر الذي احتلَّ بلاد المسلمين بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، وتقسيم بلاد المسلمين بين دول الكفر التي استعمرتنا ثم نصبت علينا حكامًا عملاء يحكمون بالنيابة عن دول الكفر، وهم يدَّعون أنهم من أبناء جلدتنا، وأوهمونا بأننا حصلنا على الاستقلال من الدول المستعمرة. ولعدم وعي الشعوب أنه لا استقلال لنا بعيدًا عن ديننا وعزِّنا بطاعة الله وإقامة شرعه فإنه تغيَّرت وجهة بوصلة حراك الشعوب من الاستقلال والتحرير إلى الدعوات الوطنية والقومية وتحرير المرأة وحرية الفكر والتعبير وغيرها من الدعوات المضلِّلة. وبهذه الدعوات المضللة  تمَّ تصفية المخلصين واستمالة من في نفوسهم ضعف وغباء سياسي ممن قبلوا أن يكونوا حرَّاسًا للمستعمر، ويتمموا ما كان يقوم به من نهب ثرواتنا لمصلحته، فخرج المستعمر بجنوده وعاد من خلال عملائه، وأعطى هذه الدول استقلالها الوهمي. وبعيدًا عن الصراع الدولي الذي كان يمارس على بلادنا وفوق أراضينا وبسفك دماء أبنائنا وسيلان الدماء الزكية في غير مكانها، استطاع أن يعيد اللعبة على ما كانت عليه وبقي هو المسيطر بأدوات محلية سميناها خائنة؛ ولكننا اليوم نعاني من نوع أخطر بكثير من القائد الخائن الذي يقدم مصلحة المستعمر على مصالح أهله وأبناء دينه لنفاجأ بنوع جديد تم زرعه فينا، وهم ليسوا من جلدتنا ولكنهم صنعوا على أعين الغرب وبدهاء ومكر عظيمين، فأصبح من يحكمنا منذ فترة هم حماة حقيقيين للغرب، وتحقَّقَ ما قالته غولدا مائير رئيسة وزراء الكيان الصهيوني سابقًا «سيتفاجأ العرب ذات يوم أننا أوصلنا أبناء إسرائيل إلى حكم بلادهم». والحقيقة إنهم نجحوا في ذلك وهم يقومون بأدوارهم على أكمل وجه، كما رسمها لهم سيدهم الكافر، فكل الأحداث التي عصفت في المنطقة تدلُّ على نجاحهم، فكان من الصعوبة بمكان أن نصدق أنهم من ديننا وأبناء جلدتنا. وإن من لا يرى من الغربال فهو أعمى بعيون خائنة، فهو لا يريد أن يبصر الحقيقة. ومع أن الأمثلة كثيرة؛ ولكن سوف أستعرض وأقرأ الأحداث من خلال القائد المقدام الهمام الذي أتقن دوره وهو قارئ القرآن الذي يسعى لتطبيق الشريعة، ولكن ببطء وحنكة كما روَّج له المطبِّلون والمخدوعون فيه.

نعم، هو الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ولن نعود لتاريخه، وكيف صعد السلم السياسي، وما فيه من علامات تذهل من يقف عندها ويتأملها جليًّا بعين المبصر وليس قارئ التاريخ. سوف نتناول فقط بعض القضايا الراهنه وأركز على القضية الفلسطينية وما يحدث اليوم في غزة.

قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بتاريخ 11/9/2021م: «تركيا باتت صاحبة كلمة في كل قضايا المنطقة»، وأضاف: من الممكن رؤية تأثير بلادي في كافة أرجاء المنطقة من سوريا إلى ليبيا، ومن المتوسط إلى القوقاز). وكالة الأناضول 

وهذا التصريح صحيح 100% وذلك بأن تركيا كانت ومازالت تمثل الذراع الفاعل والقوي للولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، فقد نجح بدرجة امتياز في تغيير الواقع التركي من سيئ الى أسوأ ، والمخفي والذي لبس عليهم وأدخل الجميع في متاهة أن ما يفعله هو الصواب بعينه فكل أعماله يبدو ظاهرها مع ؛ ولكنها عند إزالة الستار عنها في مراحل تنفيذها يظهر عوارها، وفي خواتمها تظهر الخيانة وتكون قاصمة لظهر هذه الأمة، وبعيدة كل البعد عن تطلعاتها.

ففي بداية الثورة السورية قامت تركيا بتدريب المنشقين من الجيش السوري على أراضيها، وفي يوليو 2011م أعلنت مجموعة منهم ميلاد الجيش السوري الحر تحت إشراف المخابرات التركية، وفي أكتوبر تم إيواء الجيش الحر وجميع عائلاتهم في منطقة واحدة على الأراضي التركية تشرف عليها المخابرات، وجعلتها منطقة آمنة وقاعدة عسكرية.

ويعد تدخل الجيش التركي مع القوات التابعة له في عدة مناطق مثل حلب والرقة والحسكة والشمال السوري أصبحت بعضها تحت حكم السلطة المزدوجة للمجالس المحلية اللامركزية والإدارة العسكرية التركية.

وقد شنَّت القوات التركية ومعاونيها عدة عمليات لخدمة المطامع التركية وتنفيذا للأجندة الأمريكية في المنطقة كعملية درع الفرات وغصن الزيتون وهجمات متفرقة لإخضاع قوات سوريا الديمقراطية مثل هجوم غرب الفرات، وهذا كله دون التدخل وذكر دورهم مع داعش سلبًا وإيجابًا.

وقد أخضعت هذه المنطقة لاقتصادها ورعايتها عبر عملائها في المنطقة . أما كان بمقدور هذا الجيش التركي والحر والفصائل التابعه له لو كانت هناك إرادة مخلصة أن تنهي النظام؟ وهي قادرة على ذلك بليلة واحدة، ويعلن عبر هذا النصر التزامه بشرع الله وتبني مصالح هذه الأمة، وهو يعلم أن هذه الأمة إذا ما احتضنته سوف يكون أكبر زعيم في العالم، وأنه سوف يخضعهم جميعهم؛ ولكن الظاهر شيء وما يبطن شيء آخر، ونجد العكس قد حصل. فإن تدخله كان لوأد الثورة والتخلص من مخلصيها وحرف البوصلة واعتقال المخلصين، والأيام المقبلة حبلى بالأحداث التي سوف تظهر خياناته أكثر وأكثر، ونجده في دمشق مرحب به وفي حضرة المجرم قاتل الأطفال بشار ونكتشف حينها أن الاتصالات لم تنقطع بينهم من أول الثورة ، وما كان ذلك إلا تنفيذًا لمخططات سيدهم أمريكا.

أما ليبيا، فنجد أنه دخل الساحة الليبية مع حكومة الوفاق التي كانت مع بريطانيا أي ضمن الصراع الدولي ومع ضعف أوروبا وتقصيرها في دعم حكومة الوفاق دخل وساعدهم بمركبات مدرعة وطائرات مسيرة ومرتزقة من مقاتلي الفصائل التابعة له في سوريا مع دعم لوجستي من الجيش التركي، فقلب الطاولة في أول الأمر ثم أنهى الصراع أو وضعه في نهاياته لمصلحة أمريكا، فقد نفذ المطلوب منه بحذافيره.

ولو استعرضنا كل التحركات التركية لوجدنا أنها دائمًا تصب في خانة تنفيذ المخطط الأمريكي، وليس كما يدعي البعض أنه يراعي مصالح بلاده، بل هو أيضًا باع مستقبل تركيا الاقتصادي، ولن أدخل في هذه المسألة بل سوف أعرج الآن على واقع قضية فلسطين والحرب الدائرة في غزة العزة.

إن أردوغان اللاعب الماهر بخلط الأوراق أحيانًا يصيب حوارييه بالدهشة والارتباك عندما يمارس عنترية فارغة من مضمونها ويرقص بكلمات جوفاء وشعارات فارغة على كثبان من أشلاء المسلمين وبرك الدم من حوله وهو يتلاعب بقضايا المسلمين.

فهو الذي يعترف منذ زمن بالكيان الصهيوني، ويعاقب الإمارات بسبب التطبيع واتفاقها المشروط مع الكيان الصهيوني. وأيضًا نجده يطالب بإرسال المساعدات وفتح المعابر وإغاثة الناس في غزة، ويشجب إصرار الكيان على عدم إدخال المساعدات مغيِّرًا أنظار الأمة عن الحل الحقيقي إلى مسألة مساعدات. وفي ذات الوقت فإنه يرسل أطنانًا من المساعدات الغذائية والطبية والعسكرية إلى الكيان الصهيوني، ويتبجح بها ويبرر موقفه بأنها اتفاقيات تجارية لا يمكن تجاوزها أو التخلي عنها.

إن تركيا هي أول من أقامت علاقات مع الكيان وتم تعيين سفراء بينهما وذلك سنة 1950م. ومنذ ذلك الحين وتجمعهم علاقة وصلة جيدة. وفي عهد أردوغان وصلت هذه العلاقات إلى حد المؤاخاة والنسب وتناسوا أن تركيا هي ثاني أكبر بلد ذات أغلبية مسلمة (مع الأسف) هي من تدعم الكيان منذ وقت طويل في كل المجالات.

فالعدو الصهيوني يصف أردوغان أمام الإعلام (بالعدو الصديق) وهو وصف دقيق حيث أنه عدو لهم بالإعلام والتصريحات الفارغة وصديق فيما عدا ذلك.

ورغم شعاراته ومتاجرته بالقضية الفلسطينية، فان التقارير الدولية تفضحه وتسقط أقنعته الزائفة، مثل تقارير وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا) التابعة للأمم المتحدة، والتي ترصد أهم المتبرعين والداعمين للفلسطينيين واللاجئين منهم على مستوى العالم ومن بين أهم  20 داعمًا ومتبرعًا لا يظهر اسم تركيا.

كل هذا في ناحية وما يحدث في غزة اليوم في ناحية أخرى. فكل هذا الظلم والقتل والإجرام والتشريد والتجويع لم يحرك شعرة في ساعد القائد الهمام الذي دائمًا ما نسمعه: يقول فلسطين خط أحمر، وكم أصبحت هذه العبارة مستفزَّة حينما نسمعها منه؛ لأننا نعلم أنه أول من يخونها، فقد قالها في سوريا وخانها، وهو يقولها الآن في غزة، وخيانته هي من تعلن عن نفسها. فهو يبيع غزة كلامًا حيث يقول في عدة مناسبات ومواقع:

«إننا نتهم الدول الغربية وخاصة أوروبا بالمسؤولية عن مجازر الإبادة التي ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي». وقال «إن من كانوا يسكبون دموع التماسيح على أوكرانيا يصمتون الآن إزاء ما يجري في غزة». وقال: «نحن لا نندِّد هنا بالمجزرة الحاصلة في غزه فحسب، بل ندافع أيضًا عن استقلالنا ومستقبلنا». وقال: «إسرائيل انزعجت من تصريحي بأن حماس ليست حركة إرهابية وشعرت بإهانة شديدة من هذا، وأنا أتحدث بوضوح لأن تركيا لا تدين لكم بأي شيء بعكس الدول الغربية».

وله مثل هذه الأقوال الكثير الكثير، ولكنه يتصرف وكأنه غير مسلم، وكأنه لا يملك جيشًا يعدُّ من أكبر الجيوش في المنطقة عددًا وعتادًا؛ ولكنه ليس لهذه القضية بل هو يعمل به لحماية عرشه ويجني منه الأموال وتنفيذ مخططات أسياده. ولم يكتفِ بعدم تحريك الجيش، بل حاول بكل قوة منع كل صوت يتكلم عن تحريك الجيوش ولو بطريق التهديد الخفي غير المباشر.

إن أشكال هؤلاء الحكام هم صنيعة الغرب؛ لذلك تجرَّأ الكيان الصهيوني المسخ بدعم من أمريكا أن يقوم بهذه المذابح الجماعية أمام نظر ومسمع من كل دول الجوار والدول العربية والبلاد الإسلامية دون خوف أو تخوُّف من تحرك شعوبها؛ وذلك لحسن اختيارهم لزمرة الحكام الذين يعتبرون أنهم شركاء في هذا المخطط، وأيديهم ملوثة بدماء أهل غزة وقبلها دماء كل مسلم سال دمه بسبب تقاعسهم وتآمرهم على هذه الأمة .

فهم يلعبون ألاعيب خبيثة تارة يعتبرون أنفسهم الملجأ الوحيد لكل مظلوم، وفي لحظة نجدهم يقومون بتسليم المخلصين إلى جلاديهم كما حدث مع العديد من المسلمين هنا في تركيا وآخرها المعارضة المصرية، وسوف يتبعها على الأغلب المعارضة السورية قريبًا، وبهذا يتم كشفُ أي معارضة واحتواؤها ثم تصفية من يرفض التنازل.

أيها المسلمون: أما آن لنا أن ننظر بعين العقل وأن نزن الأمور بموازينها ولا نسمح بأن نلدغ من الجحر نفسه ألف مرة؟ ألم يكفِنا ما سفك من دماء حتى نعلم المخلص من الخائن، والصادق من الكاذب. إن صمت الشعوب تجاه هؤلاء الحكام لا يبشر بخير، بل إن تحريك أهل القوة هو النهج الصحيح للوصول إلى خلاصنا من هؤلاء الحكام، فإذا تخلصنا منهم ومن تسلطهم، فإن زوال الكيان الصهيوني المحتل يكون بأسرع ما يكون، فقد أثبت طوفان الأقصى وهن هذا الجيش الكاذب وأنه بصرخة (االله أكبر) من أمة الإسلام تجعلهم يولون مدبرين لا يعقِّبون…

فيا أهل القوة: إن السلاح اليوم بين أيديكم، فإما أن تكتبوا به تاريخًا لا تمحوه السنين… تاريخ لن يتكرر وثوابه عند الله عظيم، أو تساقوا إلى حتفكم فيضعكم التاريخ في مزابله ويذكركم بأنكم خنتم دينكم وأمتكم.

يا أيها المخلصون من هذه الأمة المعطاءة، غذُّوا السير مع الحزب الذي لا يكذب أهله، حزب التحرير الذي يعمل لاستئناف الحياة الإسلامية ووضع الأمور في مواضعها التي ترضي الله ورسوله متمسكًا بكتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام عاملًا ليلًا ونهارًا ومضحيًا بشبابه، ومتحديًا الحكام العملاء الذين يسعون لكتم صوته ولشل حركته. وهم أيضًا يعلمون أنه على الطريق الصحيح، وسوف يصل إن شاء الله قريبًا جدًّا، ويسطر تاريخ الخلافة الراشدة التي بشر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن الله متمُّ نوره ولو كره الكافرون، ولكن أين نحن من ذلك؟

قال تعالى:(يُرِيدُونَ أَن يُطۡفِ‍ُٔواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفۡوَٰهِهِمۡ وَيَأۡبَى ٱللَّهُ إِلَّآ أَن يُتِمَّ نُورَهُۥ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡكَٰفِرُونَ٣٢).

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *