العدد 450-451-452 -

السنة الثامنة والثلاثون، رجب – شعبان – رمضان 1445هـ الموافق شباط – آذار – نيسان 2024م

خرافة الحصانة والردع لكيان يهود، وحتمية زواله

حمد طبيب

  بيت المقدس

كيان يهود، كما هو معلوم للقاصي والداني، مشروعٌ استعماريٌّ غربي؛ من أجل خدمة مصالح الغرب والمحافظة عليها.

وهذه الحقيقة أدركها قادة يهود من المؤسسين لكيان يهود، ومن قادة الحركة الصهيونية. يقول ماكس نوردو؛ وهو نائب هرتسل في المنظمة الصهيونية، في خطاب له في لندن سنة 1920م: «بأنه يرى أن الدولة الصهيونية ستكون بلدًا تحت وصاية بريطانيا العظمى، وأن اليهود سيقفون حرَّاسًا على طول الطريق الذي تحفُّ به المخاطر، ويمتدّ عبر الشرقين الأدنى والأوسط». وتقول حِنَّه أرنت، وهي باحثة يهودية من أصل ألماني: «لقد أكدّتُ أن الصهيونية، بطرحها نفسها حركة قومية؛ باعت نفسها منذ البداية للقيام بالوظيفة القتالية الاستيطانية. فشعار الدولة اليهودية كان يعني في واقع الأمر أن اليهود ينوون التستّر وراء القومية، وأنهم سيقدّمون أنفسهم باعتبار أنهم (مجال نفوذ) استراتيجي لأية قوة كبرى تدفع الثمن». أما ناحوم جولدمان، وكان مندوبًا للوكالة اليهودية في عصبة الأمم، فقال في خطاب ألقاه في كندا سنة 1947م: «إن الدولة الصهيونية سوف تُؤسِّس في فلسطين دورًا استراتيجيًا يُؤمِّن سيطرة الغرب على العالم، وهو دور سيكون له دون شك مردودٌ اقتصادي، ولكنه غير مباشر». ويقول الدكتور عبد الوهاب المسيري في كتاب (اليهود واليهودية) تحت عنوان: (إسرائيل الـمُستوطَن الصهيوني): «أعلن نابليون عام 1799م عن استعداده للسماح لليهود بإعادة بناء الهيكل في القدس؛ إذا ساعدوه في حربه مع بريطانيا العظمى؛ من أجل السيادة على الشرق الأدنى والطريق إلى الهند… وأعلن بسمارك عن رغبته في إنشاء كيان يهودي حول نهر الفرات لحماية مشروع خطّ الملاحة الألماني التجاري. وفي عام 1837م، طلب بالمرستون رئيس وزراء بريطانيا من سفيره في إسطنبول الاتصال بيهود الشرق الأدنى؛ ليطلبوا حماية بريطانيا؛ لتتمكن من تحقيق وجود لها، على غرار الوجود الذي حققته فرنسا في الشرق الأدنى»!!

ولقد دعم الغرب مشروع الدولة اليهودية تحت ستار الناحية الدينية للحركة الصهيونية، وأصدروا قراراتٍ دولية عديدة لهذا الأمر أشهرها وعد بلفور عام 1917م، والذي ينصّ على إقامة وطن قومي لليهود في أرض فلسطين، ومن ثم تجميع اليهود في هذه البقعة ورعايتُها. وفعلًا كانت الفرصة المناسبة لهذه الغاية بعد هدم الدولة العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى عام 1918م وتمزُّقْ العالم الإسلامي إلى دول ودويلات. فكانت فلسطين تحت الانتداب البريطاني باتفاق بريطاني فرنسي من سنة (1920-1948)م، ثم أُقِرَّ هذا الاتفاق بقرار أممي من عصبة الأمم سنة 1922م كمقدمة لتنفيذ وعد بلفور سنة 1917م، ولبداية الهجرة اليهودية في ظلّ هذا الانتداب، ولتسهيل عملية الهجرة اليهودية إلى أرض فلسطين، ثم كانت مسرحية إنهاء الانتداب، وتسليم اليهود فلسطين بردًا وسلامًا، وترحيل الغالبية العظمى من أهلها إلى خارج وطنهم وديارهم.

ورغم حصول الاختلافات بين كلٍّ من بريطانيا وأمريكا، وبعض الدول الأوروبية، على طبيعة المشروع الصهيوني الغربي، وإقامة وطنٍ قوميّ لليهود في فلسطين يُجسّد هذا المشروع، رغم حصول الخلاف حول فكرة هل يكون وطنًا قوميًّا مندمجًا مع محيطه، أم يكون دولةً مستقلة؟ وما هي طبيعة هذه الدولة وشكلها وحدودها؟ إلا أنه ورغم هذه الاختلافات، فإن قواسم مشتركة بين هذه الدول بقيت تجاه هذا الكيان منها:

1- إن هذا الكيان يُشكل دولةً تجمع شَتات اليهود في العالم الغربي، وتُخلِّص الغرب من كثير من المشاكل العرقية والدينية المتعلقة باليهود؛ خاصةً وأن العرقيات الأوروبية قد اضطهدت اليهود في أكثر دول أوروبا، وطردتهم منها، وأوقعت الكثير من المذابح بحقهم في بعض هذه البلاد، كما جرى في إسبانيا وألمانيا.

2- يجب أن يُدعم هذا الكيان من قبل الغرب عسكريًّا واقتصاديًّا ومعنويًّا من أجل ضمان استمراريته؛ لأنه لا يمكن أن يقوم بذاته وسط محيط إسلامي، وحالة من العداء والكراهية له من قبل الدول المحيطة به.

3- العمل على دمج هذا الكيان مع محيطه لإنهاء حالة العداء والصراع المحتدم، وإيجاد الركائز لذلك مثل: فكرة السلام، وفكرة التعايش السلمي، وفكرة قبول الآخر، والحوار بين الأديان، والمشاريع الاقتصادية المشتركة، وإيجاد المنظّمات المشتركة: مثل الجامعة الشرق أوسطية، أو القوة المشتركة الإقليمية وغير ذلك…

وبالفعل قام الغرب برعاية هذا المشروع الصهيوني الغربي ماديًّا ومعنويًّا، وقدّموا له أسباب البقاء والاستمرارية؛ عبر منظومة الأمم المتحدة، وبمساعدة العملاء من حكام المسلمين، وعن طريق الحروب المصطنعة، والهزائم والنكبات والنكسات المتكررة. ثم قاموا بعد ذلك بمحاولات الدمج والقبول لفكرة الدولة اليهودية، عبر مؤتمرات السلام بعد سنة 1978م أي بعد معاهدة كامب ديفيد. فكان مشروع اتفاق أوسلو ووادي عربة (1993-1994)م، ثم فَتْحُ البابِ أمام التطبيع مع بعض الدول العربية، لتلحَقَها دولٌ أخرى، وينتهي الأمر بفرض يهود وكيانهم أمرًا واقعًا في المنطقة، تحرسه القوانين الدولية وترعاه، وتحرسه الدول الإقليمية وجيوشها، وتكون له ميزات تضمن استمرارية بقائه.

لقد روَّج يهود والغرب طويلًا لمقولة «الجيش الذي لا يقهر»، ومقولة «الرادع الاستراتيجي»، و»الرادع النووي»، وغير ذلك… وردَّد ذلك الحكام في بلاد المسلمين كالببغاوات خلفهم مثل هذه المقولات. فما هي حقيقة هذه المقولات مقارنة مع ما هو موجود على الأرض، وطبيعة الأحداث السابقة والحالية، خاصةً الحرب الدائرة اليوم في غزة هاشم تشرين الأول/أكتوبر 2023م؟! وللإجابة عن هذا السؤال نقف على بعض الحقائق:

ما هو الهدف الحقيقي من وراء هذه المقولات؟! إن الهدف الأول من هذه المقولات هو إيجاد الرهبة والهيبة في العالم الإسلامي من يهود، وأنه لا يمكن لأية دولة أن تهزمهم؛ لأن عندهم الردع والحصانة العسكرية والعالمية، وبالتالي يجب على دول المنطقة أن تتعايش مع هذا الواقع، ولا تُعارض وجوده. ويجب على الشعوب أيضًا أن تسلّم بذلك. والأمر الثاني هو التمهيد لإيجاد فكرة السلام، ودمج هذا الكيان مع المحيط.

الحروب السابقة أثبتت فِرْية وخرافة هذه المقولة، مثل حرب أكتوبر 73، وحرب لبنان 82، وحرب لبنان 2006م، والانتفاضة الأولى والثانية… ففي تشرين الأول/أكتوبر 1973م، حطَّم الجيش المصري خطَّ بارليف، والحصون حوله في ساعات قليلة، وكسر الجيش المصري شوكة الجيش الذي لا يُقهر. وفي حرب لبنان 1982م صمد المجاهدون أشهرًا قبل أن يتم إخلاؤهم عبر مؤامرات وقرارات دولية. وفي سنة 2000م، خرج جيش يهود في انسحاب مُذلّ من لبنان. ثم أعاد يهود الكرّة مرة ثانية سنة 2006م لردّ الاعتبار، ولنزع سلاح حزب الله، وتحرير الأسرى اليهود، إلا أن خطتهم باءت بالفشل، ولم تُحقّق أهدافها، وظلّ سلاح حزب الله، وازداد بعد هذه الحرب.

طبيعة كيان يهود، وصفاته الاستراتيجية وقدراته من جميع النواحي لا يتناسب مع مثل هذا التصّور الخاطئ. فيهود هم كما وصفهم ربّ العزة سبحانه: (ضُرِبَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلذِّلَّةُ أَيۡنَ مَا ثُقِفُوٓاْ إِلَّا بِحَبۡلٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَحَبۡلٖ مِّنَ ٱلنَّاسِ وَبَآءُو بِغَضَبٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَضُرِبَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلۡمَسۡكَنَةُۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ كَانُواْ يَكۡفُرُونَ بِ‍َٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَيَقۡتُلُونَ ٱلۡأَنۢبِيَآءَ بِغَيۡرِ حَقّٖۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعۡتَدُونَ ١١٢). فكيان يهود ما زال وسيبقى مرتبطًا بالغرب ولا يمكنه التخلّي عن ذلك، وبالتالي فإن موضوع الردع والحصانة يقع ضمن دائرة تفاضل المصالح للغرب وليس ذاتيًّا، بمعنى أن الغرب يمكن أن يفاضل بين مصالحه لضرب كيان يهود ضربات موجعة، كما حصل في حرب أكتوبر، وفي إخراجه من لبنان سنة 2000م!

الغرب لا يريد لهذه الدولة أن تتجاوز حدودًا معينة. وهذه النقطة تضاف إلى سابقاتها من أن الغرب له نظرة لكيان يهود، وله مصالح مع الدول المحيطة، وهو يُسيّر أعماله وسياساته ضمن هذه القواعد؛ فلا يسمح لليهود بتجاوز خطوط معينة منها الحدود الحالية، ومنها مشروع حلّ الدولتين داخل فلسطين، وبالنسبة إلى أسلحة الدمار الشامل، يرى بعض الخبراء العسكريين أن امتلاك كيان يهود للسلاح النووي لا يعطيه الحصانة العسكرية؛ لأن المعركة ستكون على حدوده مباشرة، وفي داخل الأراضي التي يغتصبها؛ وبالتالي فإن استخدام مثل هذه الأسلحة سيكون له أثر تدميري على كيان يهود نفسه.

إن ما جرى على أرض غزة هاشم ومحيطها قد أثبت بما لا يقبل الشك أن سياسة الحصانة والردع هي خُرافة وليست موجودة أصلًا. فلا نقول كانت موجودة وسقطت على اعتبار أنها كانت موجودة، بل نقول إنها خرافةٌ وكذبٌ، وهي أشبه بما حصل في تشرين الأول/أكتوبر سنة 1973م؛ حيث كُسرت هيبة الجيش، ومُرّغ أنفه في التراب، وكانت خسائره كبيرة أمام مجموعات بأسلحة بسيطة، فكيف لو كان هناك جيش بمعداته وطائراته ومضاداتٍ للطيران وغير ذلك من أجهزة حديثة؟!.

إن واقع الأحداث السياسية التي تجري على الساحة في غزة، وفي غيرها من دول، يحاول الغرب ركوب موجتها بكل الوسائل من أجل تحقيق مصالحة السياسية، في فكرة حل الدولتين المتفق عليها مع الدول العربية والرباعية الدولية؛ وذلك لإرساء الاستقرار السياسي في المنطقة، كمقدمة لدمج كيان يهود، وقبوله والتعايش معه. فهذه الخطوط العريضة متفق عليها عند جميع الدول، وإنما الاختلاف في أساليب تحقيقها كلٌّ حسب مصالحه. فهل يستطيع الغرب أن يحقق هذه الغاية الخبيثة، أي هل يستطيع أن يجنيَ ثمرة الدماء والأشلاء والدمار والخراب لتكون جسورًا يمرُّ فوقها لخدمة مشاريع الكفر والشرّ والإرهاب وحرب الإسلام والمسلمين، وتثبيت كيان يهود في الواقع؟!

إنه ومنذ سيطرة اليهود، واغتصابهم لأرض فلسطين سنة 1948م، وإقامة الكيان على ثراها الطاهر؛ وكل محاولات الغرب قد تحطَّمت وفشلت في إيجاد السلام المزعوم، ودمج اليهود بالمحيط، وتحقيق الاستقرار السياسي في المنطقة، والسبب الرئيس في ذلك يرجع إلى ثلاثة أمور:

الصراع الدولي: ونقصد بالصراع الدولي ما كان بداية بين بريطانيا العظمى عندما كانت الدولة الأولى في العالم، وبرزت أمريكا كدولة منافسة في الساحة الدولية. ثم أصبح الصراع في تصفية النفوذ البريطاني من مناطق عديدة ومنها الشرق الأوسط. وازداد هذا الأمر خاصة بعد سنة 1990م عندما أصبحت لأمريكا الهيمنة العالمية وشبه التفرد الدولي، بعد انهيار المنظومة الاشتراكية. وقد انعكس هذا على قضية فلسطين طوال هذه المدة في تعطُّل المشاريع السياسية؛ نتيجة الصراع الدولي، وتعدّد العملاء والولاءات من قبل الحكام، فبرزت على سبيل المثال الخلافات بين بريطانيا وأمريكا في البداية على شكل كيان يهود؛ هل هو دولة مستقلة، أم دولة قومية ضمن الدولة الشاملة للعرب واليهود على السواء؟

عقيدة المسلمين الرافضة لليهود كدولة تحتلُّ مقدسات المسلمين وأرضهم خاصة المسجد الأقصى المبارك. فالمسجد الأقصى هو جزءٌ من عقيدة هذه الأمة في كل أنحاء الأرض، قال تعالى: (سُبۡحَٰنَ ٱلَّذِيٓ أَسۡرَىٰ بِعَبۡدِهِۦ لَيۡلٗا مِّنَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ إِلَى ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡأَقۡصَا ٱلَّذِي بَٰرَكۡنَا حَوۡلَهُۥ لِنُرِيَهُۥ مِنۡ ءَايَٰتِنَآۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡبَصِيرُ١)، واليهود هم أشد الناس عداوة للمسلمين بشهادة الله تعالى، قال تعالى: (۞لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ ٱلنَّاسِ عَدَٰوَةٗ لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱلۡيَهُودَ وَٱلَّذِينَ أَشۡرَكُواْۖ)، وحالة العَداء العقائدي لا تنتهي أبدًا؛ ما دام اليهود يهودًا والمسلمون مسلمين. فالصراع مع اليهود هو صراع عقيدة، وليس صراعًا على أرض أو مياه أو حلّ الدولتين، وما هو شكل كل من الدولتين ومساحته… ليس الصراع مع اليهود إطلاقًا هو هذا الأساس، فالأساس هو أساسٌ عقائديّ، بمعنى أن اليهود لا يجوز شرعًا أن يبقوا في أرض الإسراء والمعراج، ولا حتى في جزء يسير منها بوصفهم قوة محتلة ومغتصبة لهذه الأرض والمقدسات، وهذا ينطلق من عقيدة الإسلام التي تفرض الجهاد على كل المسلمين في حال اغتصاب قسمٍ من أرض الإسلام، أو الاعتداء على حرمات المسلمين وأعراضهم ودمائهم، أو تهديدهم أو غير ذلك. قال تعالى: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قَٰتِلُواْ ٱلَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ ٱلۡكُفَّارِ وَلۡيَجِدُواْ فِيكُمۡ غِلۡظَةٗۚ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلۡمُتَّقِينَ ١٢٣)، وقال سبحانه: (وَمَا لَكُمۡ لَا تُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلۡمُسۡتَضۡعَفِينَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَآءِ وَٱلۡوِلۡدَٰنِ ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَخۡرِجۡنَا مِنۡ هَٰذِهِ ٱلۡقَرۡيَةِ ٱلظَّالِمِ أَهۡلُهَا وَٱجۡعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيّٗا وَٱجۡعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا ٧٥) وقال جلَّ ثناؤه: (وَٱقۡتُلُوهُمۡ حَيۡثُ ثَقِفۡتُمُوهُمۡ وَأَخۡرِجُوهُم مِّنۡ حَيۡثُ أَخۡرَجُوكُمۡۚ وَٱلۡفِتۡنَةُ أَشَدُّ مِنَ ٱلۡقَتۡلِۚ). أما من السنة النبوية، فإن أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم تجاه غدر اليهود ونقض قريش للعهود أثبتت أنه لا يجوز السكوت في حال تعرض المسلمين لأي اعتداء في عِرضهم أو أرضهم أو كرامتهم. فعندما نقض بنو قينقاع العهد، واعتدوا على المرأة المسلمة في السوق أعلن الرسول صلى الله عليه وسلم الحرب عليهم، وحاصرهم خمسة عشر يومًا، ثم أجلاهم عن المدينة، وعندما اعتدت قريش على حلف الرسول صلى الله عليه وسلم من خزاعة رفض الرسول صلى الله عليه وسلم كلّ محاولات الوساطة للعفو عن الحادثة، وأعلن الحرب على قريش، وفتح مكة المكرمة. فهذا الأمر هو إجماعٌ عند الأمة الإسلامية، ولا يوجد له مخالف، أنه في حال الاعتداء على الأرض أو العرض أو الدين فإنه واجبٌ على الأمة النفير العام، ويصبح الجهاد فرضًا حتى يتمّ ردّ الاعتداء.

طبيعة اليهود وصفاتهم: والحقيقة، إن طبيعة صفات اليهود؛ من حيث الفسادُ والشرُّ وحبُّ الدنيا، والبخلُ وعدمُ حفظِ العهدِ والوعد وغير ذلك… كلُّ هذه الصفات تجعل طبيعة الصراع معهم أمرًا حتميًّا بالإضافة إلى الأساس الأول الذي ذكرناه، وهو صراع العقيدة، وهذا ما حدث مع المسلمين في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم عندما نقضوا العهود داخل المدينة، وحرَّضوا على قتله في أكثر من حادثة، وعندما تآمروا مع قريش، ونقضوا عهدهم مع المسلمين. قال الله تعالى في وصف اليهود: (وَأَلۡقَيۡنَا بَيۡنَهُمُ ٱلۡعَدَٰوَةَ وَٱلۡبَغۡضَآءَ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ كُلَّمَآ أَوۡقَدُواْ نَارٗا لِّلۡحَرۡبِ أَطۡفَأَهَا ٱللَّهُۚ وَيَسۡعَوۡنَ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَسَادٗاۚ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُفۡسِدِينَ). وقال تبارك اسمه: (أَمۡ لَهُمۡ نَصِيبٞ مِّنَ ٱلۡمُلۡكِ فَإِذٗا لَّا يُؤۡتُونَ ٱلنَّاسَ نَقِيرًا٥٣)، وقال أحد أحبارهم، وقد أسلم في حضرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو عبد الله بن سلام: يا رسول الله: «اليهود قوم بُهْت.. أهل كذبٍ وغدرٍ وخيانة»، ولم ينكر عليه الرسول صلى الله عليه وسلم هذا القول!! وهذا يضاف إلى الأمور السابقة في عدم رغبة اليهود أصلًا في التنازل عن شيء سيطروا عليه واغتصبوه إلا إذا نزع منهم بقوة السلاح.

وفي الختام نقول: إن كل هذه الأمور مما سلف  لَتُقدِّم لأمر جلل عظيم، ألا وهو أن أرض فلسطين ستكون مقبرة للغزاة اليهود مرة أخرى؛ كما حصل في عهد الصليبيين والمغول، وأنه يستحيل أن يقبل المسلمون أولًا بوجود جزء من عقيدتهم تحت سيطرة اليهود، ويستحيل كذلك أن يتعايش اليهود مع غيرهم من شعوب، ولا يتوقفون عن الفساد في الأرض كما هو حاصل اليوم بعد كل المعاهدات الغربية التي وقَّعها حكام المسلمين معهم. وما يجري اليوم في أرض فلسطين، أو محيط فلسطين شاهدٌ على هذه الحقيقة الساطعة؛ فكلّ هذه الأمور مجتمعة تقدم لأمرٍ جلل عظيم، وهو قربُ نهاية هذا الكيان الشرير، وحَتْميّةُ زواله نهائيًّا من أرض الإسلام، وهذا وعد الله العزيز الحكيم، وبشرى رسوله. قال تعالى: (عَسَىٰ رَبُّكُمۡ أَن يَرۡحَمَكُمۡۚ وَإِنۡ عُدتُّمۡ عُدۡنَاۚ وَجَعَلۡنَا جَهَنَّمَ لِلۡكَٰفِرِينَ حَصِيرًا٨). قال الإمام الطبري رحمه الله في تفسيره: «وإن عدتم يا معشر بني إسرائيل لمعصيتي وخلاف أمري، وقتل رسلي، عُدْنا عليكم بالقتل والسِّباء، وإحلال الذلّ والصّغار بكم. فعادوا، فعاد الله عليهم بعقابه وإحلال سخطه بهم». وقال تعالى أيضًا: (وَإِذۡ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبۡعَثَنَّ عَلَيۡهِمۡ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ مَن يَسُومُهُمۡ سُوٓءَ ٱلۡعَذَابِۗ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ ٱلۡعِقَابِ وَإِنَّهُۥ لَغَفُورٞ رَّحِيمٞ١٦٧). وقال صلى الله عليه وسلم في تَوعّدِ اليهود بالنهاية الحتمية في ظل فسادهم وشرهم: «لا تَقُومُ السَّاعَةُ حتَّى تُقاتِلُوا اليَهُودَ، حتَّى يَقُولَ الحَجَرُ وراءَهُ اليَهُودِيُّ: يا مُسْلِمُ، هذا يَهُودِيٌّ وَرائي فاقْتُلْهُ» رواه الإمام البخاري.

فهذه الأحداث وغيرها من فساد اليهود وشرورهم في هذه الأرض المباركة سوف تكون مقدمات لزوالهم بإذنه تعالى؛ تمامًا كما زال من قبلهم الصليبيون والمغول. وإنها ستنبه مشاعر الأمة وعقيدتها بالطريقة نفسها التي حصلت في عهد الصليبيين والمغول عندما انبرى العلماء في بعث الحياة في الأمة الإسلامية؛ فتداعت واتَّحدت في دولة واحدة تحت قيادة واحدة في عهد الصليبيين؛ حيث اتحَّدت تحت إمرة آل زنكي ثم المماليك، وانتصروا على الصليبيين وأخرجوهم من هذه الأرض الطاهرة المباركة، ثم تكرر الأمر بالطريقة نفسها في عهد المغول وطهّروا هذه الأرض من رجسهم وشرهم. فنسأله تعالى أن تبعث هذه الأحداث الجسام الروح في أوصال أمة الإسلام لتنتصر لدينها ومقدساتها وحرماتها وكرامتها في القريب العاجل، وتلقِّنَ اليهود ومن وراءهم دروسًا لا ينسونها أبدًا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *