أيها الضباط في الجيوش: ألم يكن لكم عبرة في أبطال غزة الذين سبقوكم إلى مقارعة كيان يهود وأثخنوا فيه وقذفوا فيه الرعب… فماذا تنتظرون؟!
2023/12/20م
المقالات
2,769 زيارة
(هذه خطبة جمعة التي ألقاها الأستاذ أحمد القصص في يوم الاعتصام التضامني مع أهلنا في غزة)
الخطبة الأولى
الحمد لله ثمّ الحمد لله، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا الله، وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله وصفيّه وخليله، أرسله بالهدى ودين الحقّ ليظهره على الدين كلّه ولو كره المشركون، اللهمّ صلّ وسلّم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واستنّ بسنّته بإحسان إلى يوم الدين. (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسۡلِمُونَ ١٠٢)، (يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفۡسٖ وَٰحِدَةٖ وَخَلَقَ مِنۡهَا زَوۡجَهَا وَبَثَّ مِنۡهُمَا رِجَالٗا كَثِيرٗا وَنِسَآءٗۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِۦ وَٱلۡأَرۡحَامَۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيۡكُمۡ رَقِيبٗا١)، (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلۡتَنظُرۡ نَفۡسٞ مَّا قَدَّمَتۡ لِغَدٖۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ١٨).
ثمّ أمّا بعد أيّها الناس، أيّها المؤمنون، أيّها المتشوّقون للصلاة في الأقصى، أيّها المتشوّقون لنصرة إخوانكم في غزّة والعوائقُ تحول بينكم وبينهم، يا عباد الله المتّقين:
يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: (فَلۡيُقَٰتِلۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يَشۡرُونَ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا بِٱلۡأٓخِرَةِۚ وَمَن يُقَٰتِلۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيُقۡتَلۡ أَوۡ يَغۡلِبۡ فَسَوۡفَ نُؤۡتِيهِ أَجۡرًا عَظِيمٗا ٧٤ وَمَا لَكُمۡ لَا تُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلۡمُسۡتَضۡعَفِينَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَآءِ وَٱلۡوِلۡدَٰنِ ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَخۡرِجۡنَا مِنۡ هَٰذِهِ ٱلۡقَرۡيَةِ ٱلظَّالِمِ أَهۡلُهَا وَٱجۡعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيّٗا وَٱجۡعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا ٧٥ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۖ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱلطَّٰغُوتِ فَقَٰتِلُوٓاْ أَوۡلِيَآءَ ٱلشَّيۡطَٰنِۖ إِنَّ كَيۡدَ ٱلشَّيۡطَٰنِ كَانَ ضَعِيفًا ٧٦).
إنّ معاني الجهاد التي حوتها هذه الآيات العظيمات، ككثير من الآيات غيرها، تذوّقنا شيئًا من طعمها صبيحة السابع من تشرين الأوّل، بعد أن حَرَمنا لذّتَها حكّامُ الجور والفساد نواطير الغرب في بلادنا ركّاب العروش. ذقنا شيئًا من لذّتها وطعمها حين بادرت ثلّة من الأبطال ذوي القليل من العتاد، ولكنّهم ذوو كثير من الإيمان والعزم والإصرار والشوق إلى الجنّة والتوق إلى نصرة الإسلام.
في صبيحة مباركة ذاقت الأمّة الإسلامية نشوة النصر، فعرفت أنّها أمّة أسود، أمّة أبطال. عرفت الأمّة أنّ الكيان الذي زعم أنّه لا يقهر إنّما هو بيت العنكبوت، وأنّه كيان كرتوني، يمكن أن يهزم بلمح البصر لو وُجد القرار عند جيش من جيوش المسلمين، بل عند نصف جيش، بل عند ربع جيش، بل عند عُشر جيش من جيوش المسلمين. توقّع المسلمون في كلّ العالم بعد أن سمعوا أخبار هذه المعركة المباركة، هذه الغزوة الرائعة التي كادت أن تُنسي كيان يهود وساوس الشيطان، توقّعوا أن تدبّ النخوة في قلب رجل من ركّاب العروش، ولكنّ ركّاب العروش ليسوا بالرجال أصلًا، بل نساء المسلمين أكثر شجاعة ونخوة وشكيمة منكم يا ركّاب العروش. ولكنّ الأمّة أمِلت أن ينتفض بعضٌ من قادة الجيوش،فيتذكّروا أنّهم ينتمون إلى أمّة، لا إلى حاكم يسوم الأمّة سوء العذاب. ترقّبت الأمّة أن تنتفض جيوش المسلمين في كلّ مكان، أو في قطر من الأقطار من أجل أن تلبّي صرخة وا إسلاماه، وا أُمّتاه، ولكنّها كانت صرخات في واد لم تلامس سمع أحد من حكّام الجور والفساد، ولم تلامس سمع أحد من قادة الجيوش وضبّاطها حتّى اللحظة، لأنّه قد ران على القلوب ما ران، ولأنّهم استمرؤوا الذلّة والهوان والخضوع للجائرين والطغاة.
هذا واقع المسلمين، والتاريخ يكرّر نفسه. منذ تسعة قرون مرّت الأمّة الإسلامية بواقع شبيه بما نحن عليه الآن. كانت بلاد المسلمين، ولا سيّما تلك المحيطة بأرض فلسطين والمسجد الأقصى، مشرذمة مقسّمة يتنافس فيها على العروش أمراء وسلاطين وعشّاق للعروش، فتشرذمت الأمّة بين لئام لا همّ لهم سوى التنافس على السلطة والتكبّر على الناس والتجبّر في الأرض. كان في مصر حكّام يزعمون أنّهم خلفاء فاطميون. كان هؤلاء العبيديون يحكمون مصر، وضمّوا الأقصى إلى سلطانهم. وكانت بلاد الشام مقسّمة بين أمراء وسلاطين، فخلت الطريق أمام جحافل الفرنجة ليزحفوا من غرب أوروبا، وليخترقوا بلاد المسلمين، وليحتلّوا شمال بلاد الشام وساحلها، حتّى وصلوا إلى الأقصى. وهناك انكسر جيش الفاطميين أمام الهمج الذين رفعوا لواء الصليب، وعجز الأمراء والسلاطين عن أن يرسلوا المدد لإنقاذ الأقصى. فاحتشد في الأقصى سبعون ألفًا من أهل القدس، فما كان من هؤلاء المجرمين إلّا أن سفكوا دماء سبعين ألفًا من المسلمين في المسجد الأقصى، وقطّعوا الأشلاء وبقروا البطون وولغوا في الدماء وأكلوا لحوم البشر. أين الجيوش!؟ أين الأمراء!؟ أين السلاطين!؟ كانوا قد أمضوا عشرات السنين وهم يتنازعون فيما بينهم على العروش والتوسّع وجباية أكبر قدر من المكوس والإتاوات. فما كان ينقذ هذه الأمّة إلّا أن يخرج من خلف الحكّام المتخاذلين أبطال جدد، فإذا بمربّي أبناء السلاطين والأمراء، إذا بالأتابك يبدأون بحمل الراية وتلقّف المسؤولية. فكان من أعظمهم عماد الدين زنكي في شمال بلاد الشام، وقد كان أوّل من قضى على إمارة من إمارات الصليبيين، إمارة الرها. ثمّ تلقّف الراية من بعده نور الدين محمود، وتابع الجهاد ضدّ الصليبيين. ثم تلقّف الراية بعد نور الدين محمود صلاح الدين بطل التاريخ الإسلامي، الذي عرفه المسلمون بأنّه محرّر الأقصى. فما كان إنجاز صلاح الدين؟
كان إنجازه أن أنهى دولة العبيديين الذين يزعمون أنّهم فاطميون وأنّهم خلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحكم مصر وأتبعها بدولة الخلافة في بغداد، وضمّ مصر إلى الشام، فطوّق ممالك الصليبيين وإماراتهم، حتّى آن الآوان بعد أن صار للمسلمين دولة مجاهدة، دولة ذات قرار، على رأسها سلطان باع نفسه لله وسخّر نفسه لنصرة الإسلام. هاجم صلاح الدين هؤلاء الطغاة وكسرهم في معركة حطّين، وحُرّرت القدس بعد أن حكمها الصليبيون تسعين سنة. ولم يقف الأمر هنا، فما زال هناك إمارة طرابلس الصليبية حيث احتلّ الصليبيون طرابلس حوالي قرنين من الزمان، وما زال هناك فلول للصليبيين في الساحل الشامي، فتلقّف الراية بعد ذلك أناس لم يكونوا يومًا من الملوك، ولم يكونوا يومًا من أبناء الأمراء، جند وضبّاط في جيش الأيّوبيين كانوا مماليك، كانوا عبيدًا ثمّ أصبح هؤلاء العبيد عمالقة في تاريخ الإسلام، بل عمالقة في تاريخ البشرية، وإذا بهم يتصدّون فوق التصدّي للصليبيين لأبشع غزو في تاريخ البشرية، غزو المغول الذين ذبحوا وشرّدوا الملايين من البشر، فكانت غزوة المظفّر قطز، غزوة عين جالوت التي كسر بها الجيش الذي صوّر نفسه للناس أنّه الجيش الذي لا يقهر، مملوك أصبح قائدًا، بالإسلام كسر أقوى جيش في العالم آنذاك، ثمّ تابع بعده الظاهر بيبرس، ثمّ المنصور قلاوون الذي حرّر مدينتكم هذه وأعادها إلى دار الإسلام، فكان ذلك دليلًا على أنّ الأمّة تنتصر إن حشدت صفوفها وراء حكّام باعوا أنفسهم لله وعزموا على الجهاد وعلى نصرة الإسلام، لا وراء حكّام باعوا أنفسهم إلى الشيطان وتآمروا مع كيان يهود وشاركوه في حصار أهل غزّة وفي حصار أهل الضفّة وكانوا يتلقّفون أيّ مجاهد يحاول الوصول إلى حدود فلسطين من أجل أن يطلق الرصاص على المحتلّين. كم مجاهدًا تلقّفه رصاص السيسي قبل أن يصل إلى أرض فلسطين، كم مجاهدًا تلقّفه رصاص ملك الأردنّ قبل أن يصل إلى حدود فلسطين، كم مجاهدًا تلقّفه أدعياء المقاومة حين حاول أن يرمي صاروخًا على كيان يهود وحُوّل إلى المحكمة العسكرية، كم مضى على هؤلاء وهم يطوّقون فلسطين ويشكّلون حماية لكيان يهود! والله أيّها الإخوة، والله والله قد ثبت لجميع الناس أنّ هذا الكيان لم يصمد عشرات السنين بما أوتي من قوّة ذاتيّة، ولا بما أوتي من شكيمة، ولا بما أوتي من بأس، هؤلاء قد أخبرنا الله تعالى عنهم بأنهم (أَحۡرَصَ ٱلنَّاسِ عَلَىٰ حَيَوٰةٖ) على أيّ حياة (يَوَدُّ أَحَدُهُمۡ لَوۡ يُعَمَّرُ أَلۡفَ سَنَةٖ وَمَا هُوَ بِمُزَحۡزِحِهِۦ مِنَ ٱلۡعَذَابِ أَن يُعَمَّرَۗ)، هؤلاء الذين أخبرنا الله تعالى عنهم أنّهم لا يقاتلوننا إلّا من وراء جُدر، (لَا يُقَٰتِلُونَكُمۡ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرٗى مُّحَصَّنَةٍ أَوۡ مِن وَرَآءِ جُدُرِۢۚ)، هؤلاء أجبن خلق الله، هؤلاء لم يصمدوا بطائراتهم ولا بدبّاباتهم ولا بالتكنولوجيا التي منحهم إيّاها أسيادهم، هذا الكيان والله والله إنّما صمد عشرات السنين بحماية حكّام المسلمين له، بتواطؤ حكّام المسلمين معه منذ نشأته، بتواطؤ حكّام مصر والأردنّ والحجاز ونجد ولبنان وسوريا وسائر بلاد المسلمين، تواطؤ هؤلاء هو الذي مكّن هذا الكيان من الصمود، والدليل أنّ ثلّةً من الأبطال أحدثت في كيان يهود تلك الصدمة التي لم يذوقوا طعمها خلال تاريخهم، فما بالكم لو أنّ جيشًا عزم على القتال، ما بالكم لو أنّ أرضًا من الأراضي المحيطة بفلسطين فُتحت حدودها من أجل أن يزحف المجاهدون صفًّا واحدًا تحت «راية لا إله إلّا الله محمّد رسول الله»؟
أتعرفون أيّها الإخوة؟ أتعرفون أيّها الناس أنّ في بلاد المسلمين جيوشًا تُصنَّف بأنّها من أقوى جيوش العالم عُدّة وعددًا؟ أتعرفون أنّ بعض بلاد المسلمين تملك من القدرة ما يُمكّنها من أن تهزم جيوشًا، لا جيشًا واحدًا؟ جيش باكستان من أقوى جيوش العالم، ولكنّ قنبلتها النووية تحفة للصيانة والفخر، ليست لتستخدم في نصرة الإسلام والمسلمين. جيش مصر صُنّف من أقوى جيوش العالم. الأسطول الجوي الحربي السعودي من أقوى أساطيل الجوّ الحربية في العالم. الجيش التركي صُنّف في عشرة أقوى جيوش في العالم، يصنع طائراته ويصنع دباباته. لكنّ هذه الجيوش لا تعرف الطريق إلى القدس، هذه الجيوش تعرف طريقها إلى الفتن الداخلية. عَرَف جيش السعودية الطريق إلى اليمن وإلى حفتر في ليبيا، وعرفت طائرات الإمارات المتطوّرة طريقها إلى طرابلس الغرب، وعرفت جيوش تركيا الطريق إلى أذربيجان وعرفت الطريق إلى ليبيا، وعرفت جيوش باكستان الطريق إلى أفغانستان من أجل أن تشارك الأمريكيين في غزوها. عرفوا كلّ الطرق إلّا طريق القدس! لماذا؟ لماذا أيّها الجبناء!؟
لن أخاطب الآن حكّام العروش، هؤلاء ليسوا منّا ولسنا منهم، ولكن أخاطب مَن في نفسه بقيّة من دين، بقيّة من إيمان، بقيّة من صلاة، بقيّة من رجولة، بقيّة من نخوة… متى؟ متى تتشوّقون إلى نصرة دينكم؟ متى تتشوّقون إلى نصرة أمّتكم؟ متى تتشوّقون إلى الشهادة في سبيل الله؟ كم مرّة مررتم بآيات الجهاد وآيات الإستشهاد؟ كم مرّة مرّ معكم أنّ الموت لا يقدّمه ولا يؤخّره أحد؟ كم مرّة قرأتم قول الله تعالى: (أَيۡنَمَا تَكُونُواْيُدۡرِككُّمُ ٱلۡمَوۡتُ وَلَوۡ كُنتُمۡ فِي بُرُوجٖ مُّشَيَّدَةٖ)؟ كم مرّة قرأتم قول الله تعالى: (وَمَن يُقَٰتِلۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيُقۡتَلۡ أَوۡ يَغۡلِبۡ فَسَوۡفَ نُؤۡتِيهِ أَجۡرًا عَظِيمٗا)؟ مالكم لا تستجيبون إلا لأمريكا؟ كم مرّة سمعتم بضبّاط قاموا بانقلابات على حكّامهم استجابة لأمر أمريكا حين قالت لهم انتهت صلاحية حاكمكم فاخلعوه؟ ما لهؤلاء يستجيبون لنداء أمريكا ولا تستجيبون أنتم لنداء ربكم؟ ما لكم لا تستجيبون لنداء الله الذي قال: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱسۡتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمۡ لِمَا يُحۡيِيكُمۡۖ)؟ ما لكم لا تستجيبون لنداء الثكالى؟ لنداء المستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون (رَبَّنَآ أَخۡرِجۡنَا مِنۡ هَٰذِهِ ٱلۡقَرۡيَةِ ٱلظَّالِمِ أَهۡلُهَا وَٱجۡعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيّٗا وَٱجۡعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا)؟ أنداء أميركا أولى بأن تلبّوه؟ ما لكم كيف تحكمون؟ ألا تخجلون من أمّتكم؟ ألا تخجلون من أبنائكم؟ ألا تخجلون من إخوانكم؟ بالله عليكم ألا تخجلون من أزواجكم؟ وأنتم تستعرضون نجومكم وسيوفكم ونياشينكم دون أن تقدّموا أو تؤخّروا، وأنتم ترون الدماء في أمّة الإسلام تسفك، وأنتم ترون الأقصى ينتهك! أأنتم رجال بالله عليكم؟ أأنتم رجال؟ لا أسألكم: أأنتم ضباط؟ أأنتم قادة؟ أسألكم: أأنتم رجال؟ أأنتم رجال؟ أهذا ما يرضاه الرجال لأنفسهم؟ أن يكونوا مع الخوادر؟ أن يكونوا مستترين في ثكناتهم؟ أن يرضوا بنعيم زائل من الدنيا، بالقصور والامتيازات التي منحهم إيّاها حكّام الجور والضلال؟ ما لكم كيف تحكمون!؟ أتنتظرون أن تخلدوا في هذه الدنيا؟ أتنتظرون أن تكون لكم في هذه الدنيا حياة أبدية لا نهاية لها؟ ماذا تنتظرون!؟ واللهِ خلفكم ملايين الجنود الذين لو رُفعت فيهم راية الإسلام لافتدوا بأرواحهم أرض الإسلام وأقصى الإسلام وأمّة الإسلام. أيّها الظالمون ماذا تفعلون!؟ أيّها المجرمون ماذا تفعلون!؟ تخافون من هذا الكيان المسخ؟ ألم يكن لكم عبرة في تلك الصبيحة، في ذلك السبت؟ ألم يكن لكم عبرة في هؤلاء الأبطال الذين رسموا على جباهكم علامة العار؟ إذ سبقوكم بصدورهم العارية وبنادقهم اليدوية، سبقوكم إلى مقارعة كيان يهود وأثخنوا فيه وقتلوا منه وقذفوا فيه الرعب، أليس لكم فيهم عبرة؟ ممّ تخافون؟ من كيان يهود المسخ؟ أتخافون المنافقين الذين يظاهرون كيان يهود؟ من حكّامكم الذين يتواطؤون مع كيان يهود؟ أم تخافون أمريكا التي أذّلها المجاهدون في أفغانستان؟ ممّن تخافون؟ بالله عليكم اقرأوا واسمعوا قول الله تعالى: (۞أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ نَافَقُواْ يَقُولُونَ لِإِخۡوَٰنِهِمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ لَئِنۡ أُخۡرِجۡتُمۡ لَنَخۡرُجَنَّ مَعَكُمۡ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمۡ أَحَدًا أَبَدٗا وَإِن قُوتِلۡتُمۡ لَنَنصُرَنَّكُمۡ وَٱللَّهُ يَشۡهَدُ إِنَّهُمۡ لَكَٰذِبُونَ ١١ لَئِنۡ أُخۡرِجُواْ لَا يَخۡرُجُونَ مَعَهُمۡ وَلَئِن قُوتِلُواْ لَا يَنصُرُونَهُمۡ وَلَئِن نَّصَرُوهُمۡ لَيُوَلُّنَّ ٱلۡأَدۡبَٰرَ ثُمَّ لَا يُنصَرُونَ ١٢)، اسمعوا يا أصحاب النياشين: لَئن رفعتم هذه الراية فوق رؤوسكم (لَأَنتُمۡ أَشَدُّ رَهۡبَةٗ فِي صُدُورِهِم مِّنَ ٱللَّهِۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَوۡمٞ لَّا يَفۡقَهُونَ ١٣ لَا يُقَٰتِلُونَكُمۡ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرٗى مُّحَصَّنَةٍ أَوۡ مِن وَرَآءِ جُدُرِۢۚ بَأۡسُهُم بَيۡنَهُمۡ شَدِيدٞۚ تَحۡسَبُهُمۡ جَمِيعٗا وَقُلُوبُهُمۡ شَتَّىٰۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَوۡمٞ لَّا يَعۡقِلُونَ ١٤)، أبَعد كلام الله كلام؟ أبَعد وعد الله وعود ومحاذير؟ الله تعالى يطمئنكم أنّكم إن أخلصتم النيّة لله وقاتلتم لتكون كلمة الله هي العليا لن ينفع هؤلاء شيء، لن ينفعهم المنافقون من حكّام العرب والمسلمين الذين يتواطؤون معهم، ولَئن حاولوا أن ينصروهم ليولنّ الأدبار هم وإيّاهم، هذا قول ربّكم عزّ وجلّ، هذه بشارة من الله أنّكم إن نصرتم الله فإنّه ينصركم، (إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُرۡكُمۡ وَيُثَبِّتۡ أَقۡدَامَكُمۡ)، ألم تروا أن الجدران التي بنوها كالجدران التي تحصّن بها بنو النضير زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم(وَظَنُّوٓاْ أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمۡ حُصُونُهُم مِّنَ ٱللَّهِ فَأَتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِنۡ حَيۡثُ لَمۡ يَحۡتَسِبُواْۖ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعۡبَۚ يُخۡرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيۡدِيهِمۡ وَأَيۡدِي ٱلۡمُؤۡمِنِينَ فَٱعۡتَبِرُواْ يَٰٓأُوْلِي ٱلۡأَبۡصَٰرِ)، هذه بشارة من الله لكم، وبشارة من رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال لكم: (تقاتلكم يهود فتقتلونهم) ولم يقل تقاتلونهم، (تقاتلكم يهود فتقتلونهم حتى يختبئ اليهودي وراء الشجر والحجر فيقول الشجر والحجر)، ينطق الحجر لأجلك يا مسلم، ينطق الشجر لأجلك يا مسلم، (يقول الشجر والحجر يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي ورائي فاقتله)، هذه بشارة الله لكم، هذه فرصة التاريخ لكم، فماذا تنتظرون بالله عليكم؟ ماذا تنتظرون؟ تنتظرون دجّالًا شارك في سفك دماء مليون من المسلمين في الشام، في سورية؟ وهو يفتخر بأنّه ينصر فلسطين، وحين أظهر أهل غزّة شكيمتهم خذلوهم وتركوهم وراحوا يقومون بألعاب بهلوانية في جنوب لبنان، ماذا تنتظرون بالله عليكم؟ من تنتظرون؟ إن لم تكن هذه لحظتكم وفرصتكم ففرصة مَن تكون؟ أما سمعتم بسبعة آلاف حتّى اللحظة ويزيد من أهل غزّة قتلوا تحت الأنقاض؟ أما سمعتم بأنّات الأطفال يرون بيوتهم مهدّمة فوق رؤوس أهليهم، فيقولون ليته حلم… ليته حلم!؟ أما سمعتم نداءات الثكالى تقول لكم: وامعتصماه، وا إسلاماه؟ أم لم تحرّككم هذه الصرخات التي تحرّك الجبال؟ فما بال قلوبكم أيّها الخانعون؟ أيها الخانسون، ما بالكم لا تعرفون لله طاعة؟ ولا تعرفون لله وقارًا؟ أين أنتم مِن أمّتكم؟ عار عليكم والله! أنتم لا شيء، نجومكم وسيوفكم ونياشينكم ورتبكم لا شيء، أنتم نكرة… ما لم تقوموا لنصرة أمّتكم، ولنصرة دينكم، ولإعلاء رايتكم، ولتنكيس رايات الجاهلية في الأرض. أنتم لا شيء ما دمتم خانسين على ما أنتم عليه.
أيّها الإخوة الكرام:
اعلموا أنّ معركتنا الكبرى ليس مع شرذمة من اليهود شذّاذ الآفاق، هؤلاء والله ليسوا سوى ظلّ للعروش القائمة حولهم، إذا سقط العرش زال ظلّه. كيان يهود ظلّ لعروش الطغيان والخيانة، وهؤلاء إنّما هم وكلاء الغربي في بلادكم، الذي أقام لليهود كيانًا في أرض فلسطين، هؤلاء هم أعداؤكم الحقيقيون، فما أن يزلزَل عرش من عروش بلاد المسلمين لتعلو راية «لا إله إلّا الله محمّد رسول الله»، ولينظّم أميرٌ للجهاد صفوف المسلمين فيحقّق فيهم قول الله تعالى: (إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلَّذِينَ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِهِۦ صَفّٗا كَأَنَّهُم بُنۡيَٰنٞ مَّرۡصُوصٞ٤) فإنّ تحرير فلسطين سيكون أسهل الاستحقاقات، أسهل استحقاق يوم تكون لكم دولة ويوم تعلو لكم راية، أسهل الاستحقاقات يوم تحكمون بشريعة الله ويوم تصبح الجيوش مجاهدة في سبيل الله، أسهل مهمّة تحرير فلسطين. ولكنّ هؤلاء المجرمين جعلوها مُعضلة، جعلوها القضية التي لا يستطيع أن يدانيها إنسان، وأنه لا بدّ من التعايش مع شرّ خلق الله الذين قال الله تعالى فيهم: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ ٱلنَّاسِ عَدَٰوَةٗ لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱلۡيَهُودَ وَٱلَّذِينَ أَشۡرَكُواْۖ).
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله ثمّ الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلّا الله وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله، اللهمّ صلّ وسلّم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه بإحسان إلى يوم الدين.
أيّها الإخوة الكرام:
هناك طريق واحد، لا طريق غيره، لايجوز مطلقًا، بل آثم آثم من يعلن أنّنا شعب متعاطف مع شعب شقيق هو شعب فلسطين. هذه الفتنة التي فيها سقطنا، فسقطت فلسطين وسقط الأقصى. نحن لسنا جيرانًا، نحن لسنا شعبين شقيقين، نحن لسنا أمّة متعاطفة مع أمّة، نحن وأهل غزّة والقدس وسائر فلسطين أمّة واحدة، لا يجوز أن تفرّقنا الرايات والأعلام. نحن أمّة يجب أن ترتفع فوق رؤوسها راية «لا إله إلّا الله محمّد رسول الله». تحت هذه الراية ننتصر، وتحت أعلام الاستعمار ننكسر. نحن حين ننصر أهل غزّة فإنّما ننصر أنفسنا، ولا نتعاطف مع شعب شقيق كما يريد لنا أشرار الحكّام وأصحاب قلوب الشياطين. ارفعوا راية تجعلكم أمّة واحدة، لأنّ قضيّة فلسطين قضيّة أمّة وليست قضية شعب فلسطيني. بل يا أهل طرابلس وسائر لبنان ويا أهل سورية ويا أهل الأردنّ: أنتم وأهل غزّة من أكناف بيت المقدس، نحن وأهل غزّة من أكناف بيت المقدس. ربما غابت هذه الحقيقة عن كثير من الناس، (سُبۡحَٰنَ ٱلَّذِيٓ أَسۡرَىٰ بِعَبۡدِهِۦ لَيۡلٗا مِّنَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ إِلَى ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡأَقۡصَا ٱلَّذِي بَٰرَكۡنَا حَوۡلَهُۥ لِنُرِيَهُۥ مِنۡ ءَايَٰتِنَآۚ)، ما الذي بارك الله به حول المسجد الأقصى؟ حديث نبيّكم صلى الله عليه وسلم يخبركم أنّ ما بارك به حول الأقصى هو الشام. يا أهل طرابلس الشام أنتم من أكناف بيت المقدس، كما أنّ أهل غزّة من أكناف بيت المقدس، فخَسِئ من يقول لكم: إنّنا نتعاطف معهم ونشعر معهم لأنّهم شعب شقيق، هذه هي الخيانة، هذه هي المؤامرة، يراد لكم أن تنفعلوا فقط، وأن تناصروا بالمال والدعاء فقط، لا والله، القدس مسجدنا، الأقصى مسجدنا، ونحن من عقر دار الشام. ولا تتوقّعوا يا أهل فلسطين، أيّها المجاهدون في فلسطين، لا تتوقّعوا ممّن قتل مليونًا من أهل الشام أن يكون نصيرًا لكم، لا تتوقّعوا ممّن كسر ثورة أهل الشام أن يكون نصيرًا لكم، فهؤلاء ليست قضيّتهم القدس، هؤلاء ليست قضيّتهم أن يحرّروا فلسطين، هؤلاء قضيّتهم أن يركبوا العروش، وأن يتجبّروا ويطغوا على الناس، حسبكم الله، وحسبكم إخوانكم، ولا تعوّلوا إلّا على هذه الأمّة التي جعل الله سبحانه وتعالى فيها الخير إلى يوم الدينلَا يُقَٰتِلُونَكُمۡ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرٗى مُّحَصَّنَةٍ
أَوۡ مِن وَرَآءِ جُدُرِۢۚ
عباد الله:
هذا الذي يجري يؤكّد لكم أنّ عدوّكم يرميكم عن قوس واحدة. حينما قسّموا بلاد الشام قسّموها لأنّها من أخطر البلاد في العالم كلّه. إن علمتم أنّكم تنتمون إلى أمّة، لا إلى طائفة ولا إلى كيان مسخ رسمته فرنسا، ولا إلى عروبة، وإنّما تنتمون إلى إسلامٍ فتح القدس بأيدي عمر بن الخطاب وصحبه، ولم يكن يومًا من أهل فلسطين. أنتم تنتمون إلى أمّة صلاح الدين محرّر الأقصى، ولم يكن في يوم من الأيّام عربيًا أو فلسطينيًا، أنتم من أمّة صان فيها عبد الحميد التركي خليفة المسلمين القدس من مشروع الصهاينة، أنتم من أمّة الإسلام التي إن اجتمعت غيّرت وجه التاريخ، ولذا يكيدون بكم. فإيّاكم بعد اليوم أن ترفعوا فوق رؤوسكم رايات وطنية ورايات قومية ورايات جاهلية رسمها المستعمرون لكم وجعلوها ولاء يقطّع أوصالكم. لا ترفعوا غير راية رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنّ النصر بيد الله، والناصر يريد من المنصورين أن ينصروا دينه، لا أن يُعلوا رايات الجاهلية، ولا الرايات القطرية، ولا الرايات القومية النتنة التي قسّمت بلاد المسلمين.
أيّها الإخوة:
هذه المفاهيم إن تمسّكتم بها وتصرّفتم على أساسها والله لغيّرتم بها وجه التاريخ، ولَعُدتُم كما كنتم في الماضي أقوى الأمم، (كُنتُمۡ خَيۡرَ أُمَّةٍ أُخۡرِجَتۡ لِلنَّاسِ تَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَتَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَتُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِۗ).
اللهمّ انصر إخواننا في غزّة، اللهمّ ارفع عنهم أذى يهود، اللهمّ ارفع عنهم أذى أمريكا، اللهمّ دمّر كيان يهود، اللهمّ زلزل الأرض تحت أقدامهم، اللهمّ شتّت شملهم، اللهمّ خذهم أخذ عزيز مقتدر، اللهمّ أرنا فيهم عجائب قدرتك، اللهمّ عذّبهم بأيدينا وانصرنا عليهم وأخزهم واشف صدورنا منهم، اللهمّ أعنّا على أن ننصّب علينا صلاحًا للدين جديدًا يعلي راية الإسلام وينظّم صفوفنا في سبيلك وفي سبيل المستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يئنّون تحت أنقاض غزّة يطلبون النصرة، اللهمّ إنّا نسألك عودًا حميدًا إليك، اللهمّ نكّس في أرضنا رايات الضلال، اللهمّ نكّس في أرضنا رايات سايكس-بيكو، وأعنّا على إعلاء راية «لا إله إلّا الله محمّد رسول الله»، لنغيّر بها وجه التاريخ. ربّنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبّت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين، وصلّ اللهمّ على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه باحسان إلى يوم الدين.
2023-12-20