العدد 446 -

السنة الثامنة و الثلاثون، ربيع الأول 1445هـ الموافق تشرين الأول 2023م

الديانة الإبراهيمية… وسياسة الشيطان

أم بلال الحرباوي – بيت المقدس

حرب ردة يقودها الغرب والعملاء والسفهاء، ظلمات تتراءى على الأمة، وسواد خطَّه غرب حاقد على الإسلام والمسلمين يخيم في سمائها. فمنذ أن غابت شمس الخلافة، والغرب الحاقد يعمل ويخطط ويكيد، وينسج خيوط مؤامراته كي لا تقوم للإسلام والمسلمين قائمة، فهو يعلم علم اليقين بأن المبدأ الإسلامي المتمثل بعقيدته الإسلامية كفكرة وطريقة هو أقوى من كل مبدأ، وأقوى من كل مشروع وأبقى من كل نظام، كيف لا، وهو من لدن رب البشر، وهو أدرى وأعلم بمن خلق (أَلَا يَعۡلَمُ مَنۡ خَلَقَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلۡخَبِيرُ١٤).

وها هو الغرب اليوم ينسج خيوط مؤامرة قديمة جديدة، ويكمل خيوطها برعاية حكام عملاء، ومشايخ سوء، ومفكرين وأدباء أذناب للغرب، نذروا أنفسهم لمحاربة الإسلام، وحرف المسلمين عن عقيدتهم، وتشويه أحكامها الصافية النقية، واستبدلوا بها أفكارًا غربية مائعة، وثقافة مدلسة، ودينًا جديدًا لا يمتُّ للإسلام بصلة لا من قريب ولا من بعيد، دينًا يساوي بين الإسلام والنصرانية واليهودية، ويهدم الفروق الجلية، ويخلط بين الحق والباطل، كخلط الغث بالسمين والذهب بالرخيص.

إن الخطورة في مسمى (الديانة الإبراهيمية)، تتمثل في الدعوة إلى الوحدة أو التقريب والتوفيق بين اليهودية والنصرانية والإسلام، وإسقاط الفوارق الجوهرية فيما بينها، والاعترافِ بصحتها جميعًا، تحت مظلة الانتساب إلى سيدنا إبراهيم عليه السلام، دون الحاجةِ إلى أن يتخلى المنتسبون لهذه الأديان الثلاثة عن ديانتهم… خسئوا وضلوا، وصدق رب العزة إذ قال: (وَمَن يَبۡتَغِ غَيۡرَ ٱلۡإِسۡلَٰمِ دِينٗا فَلَن يُقۡبَلَ مِنۡهُ وَهُوَ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ ٨٥).

لم يكن إطلاق اسم «اتفاق أبراهام» على تطبيع العلاقات بين الإمارات وكيان يهود عبثًا، فالاتفاق الذي أُعلن في 13/08/2020م، وجرى توقيعه بين الإمارات والبحرين ويهود في البيت الأبيض، برعاية الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، والذي أوضح خلاله السفير الأمريكي لدى كيان يهود أن سبب إطلاق تلك التسمية على الاتفاق يرجع إلى أن «إبراهيم كان أبًا لجميع الديانات الثلاث العظيمة، فيشار إليه باسم أبراهام في النصرانية، وإبراهيم في الإسلام، وأبرام في اليهودية»، لافتًا إلى أنه «لا يوجد شخص يرمز إلى إمكانية الوحدة بين جميع هذه الديانات أفضل من إبراهيم؛ ولهذا السبب تمّت تسمية هذا الاتفاق بهذا الاسم»! ولا بد هنا من معرفة مدى الخطورة في التوظيف السياسي لتلك الاتفاقية والأبعاد الدينية والتاريخية التي يراد عبرها تمرير الأجندات السياسية تحت غطاء ديني.

فمصطلح الإبراهيمية كثر استخدامه في السنوات الأخيرة؛ حيث يتم تسويقه كرمز للسلام والتسامح والتقارب بين الأديان الثلاثة (الإسلام – النصرانية – اليهودية)، وتم تدشينه والإعلان عنه بشكل رسمي حينما أطلق على اتفاق التطبيع بين كيان يهود والإمارات والبحرين، حيث جاء الحديث عن الإبراهيمية كدعوة لنبذ الخلافات بين أتباع الديانات السماوية الثلاث والبحث عن المشتركات من أجل تجسيد قيم الأخوة والتسامح والتعايش في المنطقة بهدف إنهاء حالة الصراع المستمرة بين العرب ويهود، وليس بخافٍ أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة أعلنت وبصورة مستمرة أن من أهم أولويات سياستها الخارجية المحافظة على أمن حليفتها دولة يهود وضمان تفوقها الإقليمي، ويرى بعض الباحثين أن هذه الدعوة هي استمرار لهذا النهج الأمريكي، وهذا المصطلح ليس بجديد ولكنه قديم تم تناوله في مراحل زمنية مختلفة، ولكن اختلف توظيفه من مرحلة إلى أخرى.

ويأتي بعد ذلك إعلان الإمارات عن خطط لبناء صرح يجمع بين الديانات السماوية الرئيسية الثلاث، أي النصرانية واليهودية والإسلامية، والذي أُطلق عليه «بيت العائلة الإبراهيمية».

إن الأمر تجاوز ذلك، إلى إقامة مجمعٍ يَضم معابدَ للأديان الثلاثةِ في مكانٍ واحد في بلاد الحجاز!

وتجاوز الأمر إلى فكرة طبع القرآن الكريم، والتوراة، والإنجيل في غلاف واحد، وإلى فكرة إقامةِ صلاةٍ مشترَكة تجمع اليهود والنصارى والمسلمين، زعموها «الصلاة الإبراهيمية»، أو «صلاة أبناء إبراهيم».

وقد حذرنا الله من تدليس وخبث ومكر اليهود والنصارى في كتابه العزيز: (وَلَن تَرۡضَىٰ عَنكَ ٱلۡيَهُودُ وَلَا ٱلنَّصَٰرَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمۡۗ).

أيها المسلمون: إن الخطورة في تلك المصطلحات من وحدةٍ وحوارٍ للأديان، ومن تسامح وسلام وتطبيع، تكمن في تمييع هوية الدين الإسلامي، وإضاعة معالمه وأركانه في نفوس المسلمين، وتهوِّن من حرص المسلم على التمسك بالإسلام والاعتزازِ به، بل إن الأمر قد يصل في بعض الأحيان إلى تهوين الخروج من الإسلام، والتحوُّل إلى غيره، أي الردة عن الدين، والعياذ بالله.

كل هذا المكر الغربي الصهيوني، وخطورته العظمى، مبعثه ترسيخ الاستعمار، وتمزيق مكوِّنات وروابط الهُويّة الإسلامية، وبالتالي تيسير السيطرةِ والتحكم بأمة الإسلام وبشعوبها لصالح يهود والغرب الحاقد.

إن أهل الباطل لم ولن يكفوا عن محاولاتهم ومخطَّطاتهم الخبيثة الرامية إلى اجتثاث الحق، والنيل منه ومن ذويه.

ومن هنا كان لزامًا على أهل الحق التمسك بدينهم الحق، والدفاعِ عنه بكل ما استطاعوا إليه سبيلًا، والاستنفار في لمِّ شمل الأمة تحت راية لا إله إلا الله محمد رسول الله، وتحت قيادة خليفة للمسلمين يتقى به ويحارب من ورائه، ويدافع عن هذا الدين الذي فيه وحده الخلاص من ظلم الغرب وحقده وشِراكه، وفيه وحده العزة والوحدة والكرامة للمسلمين. (ٱلۡيَوۡمَ أَكۡمَلۡتُ لَكُمۡ دِينَكُمۡ وَأَتۡمَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ نِعۡمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلۡإِسۡلَٰمَ دِينٗاۚ)، (وَلِلَّهِ ٱلۡعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِۦ وَلِلۡمُؤۡمِنِينَ وَلَٰكِنَّ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ لَا يَعۡلَمُونَ).

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *