العدد 446 -

السنة الثامنة و الثلاثون، ربيع الأول 1445هـ الموافق تشرين الأول 2023م

أساليب المستعمر الغربي في الحرب الفكرية والكيد على الإسلام وضرب التوجه الإسلامي نحو إقامة دولة الخلافة الإسلامية

الكاتب: محمد اليمني – اليمن

أخذت أوروبا تغزو العالم الإسلامي غزوًا تبشيريًّا باسم العلم، ورصدت لذلك الميزانيات الضخمة، أو بعبارة أخرى غزوًا استعماريًّا عن طريق التبشير باسم العلم والإنسانية؛ وذلك لتمكين دوائر الاستخبارات السياسية ودوائر الاستعمار الثقافي من التمركز في البلاد، وهم قد نجحوا في ذلك فكانت طليعة الاستعمار الغربي؛ وبهذا فسح المجال لهذا الاستعمار وفتح باب العالم الإسلامي على  مصراعيه، وانتشرت الجمعيات التبشيرية في كثير من البلدان الإسلامية، وكان معظمها جمعيات إنجليزية، وفرنسية وأمريكية فتغلغل النفوذ البريطاني والفرنسي والأمريكي عن طريقها. وأصبحت هذه الجمعيات هي الموجِّهة للحركات القومية والمسيطرة علي توجيه المعلمين من المسلمين، وكان لهم في ذلك هدفان:

1- فصل العرب عن الدولة للإجهاز عليها، وقد نجحوا في ذلك وحققوا مبتغاهم.

2- إبعاد المسلمين عن الرابطة الحقيقية التي لم يكونوا يعرفون سواها، وهي رابطة الإسلام.

وقد قامت هذه الجمعيات بأدوار عديدة خبيثة، وكانت آثارها في العالم الإسلامي ما نعانيه اليوم من ضعف وانحطاط، فقد عمدوا إلى حرف المسلمين عن الفهم الصحيح للإسلام؛ لأنهم عندما بحثوا عن مكمن القوة لدى المسلمين وجدوه في الإسلام، ووجدوا أن جوهر قوته في عقيدته، وأنها هي منشؤها؛ لذلك فكر الكافر الغربي المستعمر بالطريقة المناسبة لغزو العالم الإسلامي، فوجد أن خير طريقة يسلكها هي سلوك الغزو الثقافي.

فقاموا في أواخر القرن السادس عشر بتأسيس مراكز كبيرة للتبشير في مالطة، ومن ثم نقلوها إلى بلاد الشام في سنة 1625م، فواجهتهم في ذلك مشقات كبيرة، وعانوا من اضطهاد وإعراض ومحاربة من الجميع، ولبثوا في هذه الأجواء الرافضة لهم حتى سنة 1773م؛ حيث انقطع أثر المبشرين والتبشير. ثم عاودوا الكرة سنة 1834م، وكان ممن نشطوا في هذه البعثة الأمريكي المشهور (إيلي سميث)؛ حيث قام هو وزوجته بفتح مدرسة للإناث في بيروت، واتَّسع المجال أمامه وأوقف حياته للعمل في بيروت بوجه خاص، وفي بلاد الشام بوجه عام.

وهكذا كان الكافر الغربي المستعمر يقوم بمثل هذه النشاطات فيفشل ويكرر المحاولات؛ ولكنه مع هذه المحاولات أوجد لنفسه مكانًا على الأرض ولو كان مرفوضًا إلى أن تمكن من احتلال بلاد المسلمين؛ فقام بعدها بوضع مناهج التعليم والثقافة على أساس فلسفته وحضارته ومفاهيمه ووجهة نظره الخاصة في الحياة، ثم جعل الشخصية الغربية الأساس الذي تنتزع منه الثقافة التي يثقفنا بها، كما جعل تاريخه ونهضته وبيئته المصدر الأصلي لما نحشو به عقولنا، وكان ذلك عامًّا حتى في دروس الدين الإسلامي وتاريخ الدين الإسلامي، فصار الدين الإسلامي يعلَّم في المدارس الإسلامية كمادة روحية خلقية فقط، كما هو مفهوم الغرب عن الدين، وحياة الرسول صلى الله عليه وسلم تدرَّس لأبنائنا منقطعة الصلة عن النبوة والرسالة، تدرَّس كما تدرَّس حياة نابليون أو يسمارك مثلًا، ولا تثير في نفوسهم أي مشاعر أو أفكار، ومادة العبادات والأخلاق هي فقط التي تشتمل عليها مناهج الدين، وتعطى من وجهة  النظر النفعية. وصار التاريخ الإسلامي تُعلَّم فيه المثالب التي يخترعها من عنده عن سوء قصد وقام بوضعها في إطار أسود تحت اسم (النزاهة التاريخية والبحث العلمي) وبهاذا صار مثقفو المسلمين ما هم إلا أبناء الثقافة الغربية وتلاميذها، وصاروا يينتقدون الثقافة الإسلامية إذا تعارضت مع الثقافة الغربية. والأقبح من ذلك أنهم صاروا يأخذون مفاهيم الحضارة الغربية وينسبونها للإسلام زورًا وبهتانًا، وغلب على الكثير من المسلمين القول: (إن الغرب أخذ حضارته عن الإسلام والمسلمين).

وبذلك تم فرض الحضارة الغربية ومفاهيمها عن الحياة فرضًا عن طريق سن القوانين في الدول المصطنعة التي أنشؤوها، وعن طريق المعاهد الشرعية التي ألزموا فيها تدريس الإسلام على طريقتهم، وعن طريق المفكرين المضبوعين بالثقافة الغربية من أبناء المسلمين والعملاء الفكريين من غير أبناء المسلمين، وعن طريق ما أنشؤوا لهم من جمعيات سياسية وثقافية… وبذلك قبل المسلمون الحضارة الغربية قبولًا تامًّا، خاصة وأن علماءهم كانوا من ضمن المتأثرين بها، فصارت الحضارة في المجتمعات الإسلامية تخضع للحضارة الغربية والمفاهيم الغربية. وبات عامة المسلمين لا يدركون أن النظام الديمقراطي في الحكم والنظام الرأسمالي في الاقتصاد هما من أنظمة الكفر، وصاروا  لا يتأثرون إذا فصل بينهم القضاء على غير ما أنزل الله، وهم لا يجهلون أن الله سبحانه في عليائه قال: (وَمَن لَّمۡ يَحۡكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡكَٰفِرُونَ) [المائدة: ٤٤]

  هذا ولم يكتفِ المسلمون بذلك، بل جعلوا مركز تنبُّههم الفردي ومركز تنبُّههم العام هو الدول الأجنبية؛ وبذلك فقدوا مركز التنبُّه الطبيعي وهو مبدؤهم؛ وبه فقدوا إمكانية نجاح مسعاهم في التخلص من هذا الاستعمار الخبيث مهما أخلصو فيه وبذلوا من مجهود؛ ولذلك صارت جميع الحركات السياسية حركات عقيمة، وصارت كل يقظة في الأمة تتحول إلى حركة مضطربة متناقصة تشبه حركة المذبوح تنتهي بالخمود واليأس والاستسلام. وأما الدول المستعمرة فقد أملت على الحكام العملاء بأن يُقصوا كل ما فيه شبهة تمتُّ إلى اقامة دولة إسلامية لضمان عدم رجوع الدولة الإسلامية للوجود بتاتًا، وهم لا يزالون يعملون لأجل هذه الغاية. ولم يكتفِ الاستعمار بذلك بل أخذ يصرف المسلمين عن التفكير بالدولة الإسلامية بأعمال تافهة يتلهَّى بها المسلمون، فقد شجع المؤتمرات الإسلامية لتكون ألهيات للأمة الإسلامية عن العمل الحقيقي (الدعوة إلى استئناف الحياة الإسلامية) وكانت هذه المؤتمرات متنفسًا للعواطف، تأخذ القرارات وتنشرها بالصحف والإذاعات لمجرد النشر فقط دون أن ينفذ شيء منها. ثم إنه شجع المؤلفين والمحاضرين ليبيِّنوا خطر وجود الدولة الإسلامية، وأن الإسلام ليس فيه نظام حكم، فصدرت كتب ورسائل لبعض المسلمين المأجورين تحمل دعوة الاستعمار هذه حتى يضللوا المسلمين ويصرفوهم عن دينهم، وعن العمل لاستئناف الحياة الإسلامية حسب أحكام الإسلام، وهكذا دأب الكافر الغربي المستعمر، منذ أن قضى على الدولة الإسلامية إلى الآن، يقيم العراقيل التي تحول دون قيام الدولة الإسلامية ويركز جهوده للحيلولة دون إيجادها بعد أن محاها من الوجود.

     إن الصراع بين الإسلام والغرب هو أولًا صراع حضاري فكري، وبسبب الانحطاط الفكري للمسلمين وقلة الوعي لدى الأمة وعدم معرفتهم بدينهم المعرفه الصحيحة استطاع الغرب أن يدس مصطلحاته الفكرية وأنظمة حكمه في أذهان المسلمين لدرجة جعلهم يطالبون بتلك الأنظمة التي ليست من الإسلام بتاتًا، ولا يجوز أخذها كمصطلحات، ويحرم أخذها كنظام حياة… هكذا تسلل الغرب الكافر إلى مجتمعات المسلمين، وغرس مفاهيم العلمانية، وهي التي تعني التخلي عن حكم الدين والتحرر من قيوده وجعل العقل مصدر تشريع الأحكام، ولمكره رأينا كيف أن الغرب قد ترجم اللفظة التي تعني (اللادينية) بالعلمانية على طريقة إبليس في تلبيس الحقائق حتى يخدع المسلمين فيقبلوها، ويبعد كشف معناها الحقيقي المرفوض من المسلمين. واللافت أن المسلمين لم يقبلوا حتى هذا اليوم ذاك المفهوم الكفري المناقض لعقيدتهم تمام المناقضة… وقل مثل ذلك في مفهوم الديمقراطية التي تعني عندهم حكم الأكثرية تشريعًا وحكمًا، ولعل أقوى رد عليها هو قوله تعالى: (وَإِن تُطِعۡ أَكۡثَرَ مَن فِي ٱلۡأَرۡضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِۚ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا ٱلظَّنَّ وَإِنۡ هُمۡ إِلَّا يَخۡرُصُونَ١١٦) [الأنعام: 116] والمسلمون لا يردون حرفًا من كلام الله تعالى. وقل مثل ذلك في مفهوم الحريات العامة الذي تؤدي الحرية الشخصية فيها إلى الفلتان الخلقي، وتنخفض فيه إلى أدنى من مستوى الحيوان… وتؤدي حرية التملك فيها إلى تحكم الأغنياء بمفاصل الحياة كلها؛ ما يؤدي إلى استعمار الشعوب الأخرى، وامتلاك القوة وخوض الحروب من أجل وضع اليد على ثروات العالم، ومص خيرات الشعوب وإيقاعهم في مديونيات تقضي على كل أمل بالتنمية لديهم… وحرية إبداء الرأي وما تعنيه من حرية الكفر… نعم بمثل هذه المفاهيم الفاسدة الفاسقة تسلَّل الغرب إلى بلاد المسلمين؛ ولكنه فشل، وهو إذا لم يعلن عن فشله فنحن نعلن عنه، وهو إن لم يتوقف عن هذه الدعوة فإن على المسلمين حصرًا أن يوقفوه. أما لماذا هذه الحصرية؟ فالجواب هو لأن المسلمين هم الوحيدون الذي يملكون اليوم مبدأ صحيحًا صالحًا لأن ينتشل العالم كله من وهدة الرأسمالية المتغوِّلة. ولئن قيل إن المبدأ الإسلامي مبدأ مجرب ولَّى عليه الزمن، قلنا إنه حُكِّمَ وكان صالحًا. والمبدأ الرأسمالي الآن صار في حكم المجرب وأثبت فشله وعدم صلاحه، بل وتوحشه وإجرامه. وهذا يعني أن العالم يقف بين مبدئين أحدهما أثبت نجاحه وهو المبدأ الإسلامي، والآخر ثبت فشله وما يكتوي العالم به من نيره هو أوضح دليل.

والآن، كيف السبيل إلى ذلك؟

نقول إنه تمامًا ما فرضه الشرع على المسلمين:

 أن تقوم لهم دولة إسلامية تحمل الإسلام كمبدأ، وتعمل على جمع المسلمين وضم بلدانهم إلى هذه الدولة…

إن إقامة الدولة الإسلامية هذه إنما تقوم به جماعة أو حزب، ولا يمكن لأفراد أن يقيموه، إنه مشروع أمة…

أن تتبنى هذه الجماعة السير على طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم في إقامة الدولة الإسلامية حتى تحقق ما حققه الرسول صلى الله عليه وسلم من إقامة الدولة الإسلامية،

أما وقد تعينت الغاية، وعرف الطريق إلى ذلك، وقامت جماعة (حزب التحرير) تتبنى مشروع إقامة هذه الدولة؛ فإن الأمر بات يأخذ منحاه الصحيح، ويجد طريقه لأن تتحقق به إقامة الدولة الإسلامية الثانية شبيهة بدولة الخلافة الراشدة الثانية التي بشرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أنها ستكون في آخر الزمان، والتي أمرنا أن نعضَّ عليها بالنواجذ…

إن الأمة اليوم تقف على أعتاب تغيير كوني، وسيكون، بعون الله وحده، تغيير على أساس وعد الله بالتغيير، قال تعالى: (وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَيَسۡتَخۡلِفَنَّهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ كَمَا ٱسۡتَخۡلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمۡ دِينَهُمُ ٱلَّذِي ٱرۡتَضَىٰ لَهُمۡ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنۢ بَعۡدِ خَوۡفِهِمۡ أَمۡنٗاۚ يَعۡبُدُونَنِي لَا يُشۡرِكُونَ بِي شَيۡ‍ٔٗاۚ وَمَن كَفَرَ بَعۡدَ ذَٰلِكَ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ ٥٥) [النور: ٥٥] وعلى وقع بشرى رسوله صلى الله عليه وسلم: عن حذيفة بن اليمان: «تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا عَاضًّا، فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا جَبْرِيَّةً، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ نُبُوَّةٍ ثُمَّ سَكَتَ» رواه أحمد. لقد آن لأمة الإسلام أن تتصدى للغرب الكافر لتنال رضى الله… لقد آن لها أن تضع حدًّا لإجرام الغرب الكافر المستعمر الممتد لأكثر من مئة عام… لقد حان وقت قيام الأمر الذي يرضي الله والذي يعيد الصراع الدولي إلى حقيقته: صراع كفر وإيمان، ويعود الحكم بما أنزل الله ويعود الجهاد ويدخل الناس في دين الله أفواجًا. ويتحقق بهذه الدولة وعود رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقضاء على يهود، ويتحقق وعد الله لرسوله بأن يزوي له الأرض، فَعَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ زَوَى لِي الأَرْضَ، فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا…» رواه مسلم.

نعم، ما على الأمة الإسلامية اليوم إلا أن تحتضن هذه الدعوة وتكون في صلب عملية التغيير المنشود، وعلى الله قصد السبيل.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *