العدد 443 -

السنة الثامنة و الثلاثون، ذو الحجة 1444هـ الموافق تموز 2023م

«لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ» (2)

حذّر النبي صلى الله عليه وسلم الأمة الإسلامية في أحاديثه الشريفة، مثلما حذر القرآن الكريم، المسلمين تحذيرًا شديدًا من سفك دماء بعضها بعضًا بغير حق، بل جعل أقل من ذلك كالسباب فسوقًا، ولم يقبل منه مجرد الإشارة إليه بالسلاح لو كان من غير قصد الإيذاء… بل إن من عظمة الشريعة الإسلامية أنها لم تجعل حرمة الدماء قاصرة على المسلمين فحسب، بل تعدتها لتشمل كذلك غير المسلمين من المعاهدين والذميين والمسـتأمنين؛ حيث حرم الإسلام الاعتداء عليهم؛ وذلك فى أحاديث كثيرة من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وكم تشتدّ الحاجة إلى الالتزام بها في هذه الأيام، ومن هذه الأحاديث:

*  عن عبد الله بن عمر، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالكعبة ويقول: «ما أطيبك وأطيب ريحك، ما أعظمك وأعظم حرمتك، والذي نفس محمد بيده، لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمة منك، ماله ودمه، وأن نظن به إلا خيرًا» أخرجه الطبري في تفسيره.

*  وعن يزيد الرقاشي قال: حدثنا أبو الحكم البجلي، قال: سمعت أبا سعيد الخدري وأبا هريرة يذكران عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لو أن أهل السماء والأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبَّهم الله في النار». رواه الترمذي.

*  عَنْ أَبِي بَكْرَةَ  أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ:«أَلَا تَدْرُونَ أَيَّ يَوْمٍ هَذَا؟» قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ. فَقَالَ: «أَلَيْسَ بِيَوْمِ النَّحْرِ؟» قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: «أَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟» أَلَيْسَتْ بِالْبَلْدَةِ الْحَرَامِ؟» قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: «فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ وَأَبْشَارَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟» قُلْنَا: نَعَمْ. قَالَ: «اللَّهُمَّ اشْهَدْ، فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ؛ فَإِنَّهُ رُبَّ مُبَلِّغٍ يُبَلِّغُهُ لِمَنْ هُوَ أَوْعَى لَهُ فَكَانَ كَذَلِكَ». قَالَ: «لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ». رواه البخاري.

*  عن ابن مسعود  أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «لا يحلُّ دمُ امرىءٍ مسلمٍ يشهدُ أنْ لا إله إلا الله وأني رسول الله، إلا بإحدى ثلاث : النفس بالنفس ، والثيب الزاني ، والتارك لدينه المفارق للجماعة» متفق عليه. وقال ابن كثير عند تفسيره لقوله تعالى: ]وَمَن يَقۡتُلۡ مُؤۡمِنٗا مُّتَعَمِّدٗا فَجَزَآؤُهُۥ جَهَنَّمُ خَٰلِدٗا فِيهَا وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِ وَلَعَنَهُۥ وَأَعَدَّ لَهُۥ عَذَابًا عَظِيمٗا٩٣[ «ثم إذا وقع في شيء من هذه الثلاث فليس لأحد من آحاد الرعية أنْ يقتله، وإنَّما ذلك إلى الإمام أو نائبه».

*  عن ابن مسعود، رضي الله عنه، أن الرسول صلى الله عليه وسلم: «أولُ ما يُحاسَبُ به العبدُ الصلاةُ، وأولُ ما يُقضَى بينَ الناسِ الدماءُ» متفق عليه. وما ذلك إلا لعظم خطرها يوم القيامة. وكل الذنوب يُرجَى معها العفو والصفح إلاّ الشرك ، ومظالم العباد.

*  عن عقبة بن عامر، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس من عبد يلقَى اللهَ لا يشرك به شيئًا، ولم يتندَّ بدم حرام إلاّ دخل من أي أبواب الجنة شاء» رواه أحمد وابن ماجه. فقوله: ولم يتندَّ: أي لم يصب منه شيئًا أو لم ينل منه شيئًا ويقول الرسول الأعظم. وهذا الحديث شاهد على أنَّ سَفْكَ دماء المسلمين وهَتْكَ حرماتهم لَهو مِنْ أعظم المظالم في حق العباد.

*  عن ابن عباس: «أبغض الناس إلى الله ثلاث: مُلْحِدٌ في الحَرَم، ومُبتغٍ في الإسلام سنة الجاهلية، ومطلب دم امرىء بغير حق ليهريق دمه». رواه البخاري.

*  وعن جندب، رضي الله عنه، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «من سَمّعَ سَمّعَ اللهُ به يوم القيامة، قال: ومن يشاقق يشقق الله عليه يوم القيامة، فقالوا: أوصنا. فقال: إنَّ أول ما ينتن من الإنسان بطنه، فمن استطاعَ أنْ لا يأكل إلاّ طيبًا فليفعل، ومن استطاع أنْ لا يحال بينه وبين الجنة ملء كف منْ دم أهراقه فليفعل» رواه البخاري.

*  وعن عبادة بن الصامت، رضي الله عنه، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «من قتل مؤمنًا فاغتبط بقتله لم يقبل الله منه صرفًا ولا عدلًا» رواه أبو داود.

*  عن عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: «لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يُصِبْ دمًا حرامًا» أخرجه البخاري.

*  عن أبي أيوب الأنصاري، رضي الله عنه، أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «من جاء يعبد الله ولا يشرك به شيئًا، ويقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة، ويصوم رمضان، ويجتنب الكبائر، كان له الجنة» فسألوه عن الكبائر فقال: «الإشراك بالله وقتل النفس المسلمة والفرار يوم الزحف» رواه النسائي. وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما: «اجتنبوا السبع الموبقات: الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات». وقال أيضًا: «أكبر الكبائر: الإشراك بالله، وقتل النفس، وعقوق الوالدين، وقول الزور». متفق عليه.

*  عن ابن عباس، رضي الله عنهما، قال: سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول: «يجيء المقتول متعلقًا بالقاتل تشخب أوداجه دمًا فيقول: أي رب، سَلْ هذا فيم قتلني؟» رواه النسائي. وعند ابن ماجه  والترمذي عن ابن عباس، رضي الله عنهما، أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «يجيء المقتول بالقاتل يوم القيامة ناصيته ورأسه بيده ، وأوداجه تشخب دمًا فيقول : يا رب سَلْ هذا فيم قتلني؟ حتى يدنيه من العرش».

*  عن أبي الدرداء، رضي الله عنه، أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا يزال المؤمن مُعنقًا ما لم يُصِبْ دمًا حرامًا». رواه أبو داود. (والمعنق هو طويل العنق الذي له سوابق بالخير).

*  عن عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إنَّ من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حلِّه»رواه البخاري.

*  عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «لا يُشِرْ أحدُكم على أخيه بالسلاح، فإنَّه لا يدري لعلَّ الشيطان ينـزع يده فيقع في حفرة من النار». متفق عليه. وهذا من باب الاحتراز لشدة حرمة المسلم على المسلم.

وكذلك روى أبو هريرة، رضي الله عنه قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «من أشار إلى أخيه بحديدة فإنَّ الملائكة تلعنه، وإنْ كان أخاه لأبيه وأمه» أخرجه مسلم.

*  عن ثوبان، رضي الله عنه، قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «إذا وضع السيف في أمتي لم يرتفع عنها إلى يوم القيامة». رواه الترمذي.

*  عن أبي هريرة، رضي الله عنه، أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بالقبر فيقول: يا ليتني مكانه». متفق عليه.

*  وعن أبي هريرة، رضي الله عنه، كذلك أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «والذي نفسي بيده، لا تذهب الدنيا حتى يأتي على الناس يومٌ، لا يدري القاتل فيمَ قَتَلَ ولا المقتول فيمَ قُتِلَ، فقيل: كيف يكون ذلك؟ قال: الهرج القاتل والمقتول في النار». رواه مسلم.

*  عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يَتقاربُ الزمانُ ويُقبَضُ العلمُ ويُلقَى الشحُّ ويَكثرُ الهرجُ» فقيل: وما الهرجُ؟ قال: «القتل». متفق عليه. وقال أيضًا: «إنَّ بين يدي الساعة لهرجًا»، قال: قلت: يا رسول الله، ما الهرج؟ قال: «القتل»، فقال بعض المسلمين: يا رسول الله، إنا نقتل الآن في العام الواحد من المشركين كذا وكذا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس بقتل المشركين؛ ولكن يقتل بعضكم بعضًا، حتى يقتل الرجل جاره وابن عمه وذا قرابته». فقال بعض القوم: يا رسول الله، ومعنا عقولنا ذلك اليوم؟! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا، تنـزع عقول أكثر ذلك الزمان، ويخلف له هباء من الناس لا عقول لهم» ابن ماجة. ]يتبع[

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *